عربي21:
2024-11-26@17:00:45 GMT

بين البربرية والحضارة بالمفهوم الأمروصهيوني

تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT

أمر غريب لا يكاد يصدقه عقل. نتنياهو شخص مكروه في الكيان الذي ينتمي إليه ومن المتوقع أن يدخل السجن بمجرد توقف المجازر. المظاهرات تحاصره يوميا، وتتهمه بتعريض مستقبل الكيان لخطر وجودي ويكاد كل مؤيديه ينفضّون من حوله إلا الصهيونية الدينية التي يمثلها بن غفير وسموتريتش. ثم يلقى من التبجيل والوقوف والتصفيق أكثر من خمسين مرة خلال خطاب أمام الكونغرس الأمريكي يوم 24 تموز/ يوليو استمر أقل من ساعة.



هذه ليست المرة الأولى التي يلقى فيها مجرم الحرب نتنياهو هذا الاستقبال في الكونغرس الأمريكي، فقد كان قد ألقى خطابا تحريضيا ضد الرئيس أوباما في الكونغرس يوم 3 مايو/أيار 2015، عندما كان على وشك توقيع اتفاقية حول برنامج إيران النووي.

وهي سابقة لا أعتقد أنها حدثت في التاريخ، قديمه أو حديثه، ولا أعتقد أنها ستتكرر إلا في الولايات المتحدة.

والمرة الثانية يوم 24 حزيران/ يوليو، لتقديم روايته عن حرب الإبادة في غزة. ومع أن نصف عدد أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي تغيبوا عامدين عن الجلسة بمن فيهم نائبة الرئيس كامالا هاريس، ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، والسيناتور بيرني ساندرز وغيرهم، إلا أن الحزب الجمهوري استبدلهم بمجموعة مصفقين كي لا يبقى مقعد فارغا.



هذا ليس بيت القصيد، بل أريد أن أركز على ما طرحه نتنياهو في وصفه لحرب الإبادة التي يشنها في غزة لنحو تسعة أشهر (ساعة إلقاء الخطاب)، بأنها ليست تصادما بين الحضارات، كما طرح صامويل هنتنغتون في مقاله الشهير عام 1993 (والذي تحول إلى كتاب عام 1996)، بل هي حرب بين الحضارة والبربرية.

قال نتنياهو، على وقع تصفيق حار في الكونغرس: «لكي تنتصر قوى الحضارة يجب أن تبقى الولايات المتحدة وإسرائيل متحدتين». ونود أن نتعرف على معالم تلك الحضارة العظيمة، التي قدمها الكيان الصهيوني للمنطقة، واقترابها من الحضارة النموذج التي قدمتها الولايات المتحدة للعالم، وكيف أن الحضارتين تمثلان وجهين لعملة واحدة ضد ما سماه نتنياهو البربرية.

النماذج الصهيونية للحضارة
*التطهير العرقي والمجازر-
لقد قامت الحركة الصهيونية التي أسسها ثيودور هيرتزل على أساس التجميع من جهة والتشريد من جهة أخرى. فجريمة التطهير العرقي تقع في صلب الأيديولوجية الصهيونية. لقد مارست العصابات الصهيونية كل أنواع الجرائم والموبقات لتفريغ فلسطين من سكانها الأصلانيين.

وأهم تلك الممارسات «الحضارية جدا» ارتكاب المجازر لإخلاء البلاد، ومن أشهر تلك المجازر ما جرى في دير ياسين والدوايمة والطنطورة واللد ويافا وحيفا وغيرها الكثير.

ووثقت صحيفة «هآرتس» في 21 كانون الثاني/ يناير 2021 عن وجود مقبرة جماعية لفلسطينيين قتلوا إبّان حرب 1948 على شاطئ مدينة قيسارية الشهير. مجزرة الطنطورة، التي وثقها الفيلم الوثائقي للمخرج ألون شوارتز، تؤكد إعدام 200 ودفنهم في قبر جماعي وتحول المكان إلى موقف سيارات.

لقد تم تدمير نحو 530 قرية فلسطينية تماما وإزالتها عن الوجود. وحسب مركز الزيتونة للدراسات (مقره بيروت)، فإن عدد المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في الفترة بين 1937 و1948، زادت عن 75 مجزرة، راح ضحيتها أكثر من 5 آلاف فلسطيني.

المجازر لم تتوقف يوما. فهذه الممارسة الحضارية، التي جلبتها معها العصابات الصهيوينة من أوروبا، خاصة التي اخترعت مفهوم معاداة السامية لم تتوقف بعد عام 1948، بل ارتكبت مجزرة قبية في الضفة الغربية عام 1953 وقتل فيها 69 فلسطينيا ومجزرة كفر قاسم عام 1956، التي تقع ضمن حدود الكيان وقتل فيها 49 فلسطينيا.

ومجزرة السموع قضاء الخليل عام 1966 ومجزرة مدرسة بحر البقر في مصر عام 1970، التي قتل فيها 30 طفلا وأصيب 50 آخرين. لقد أسقطت السلطات الصهيونية طائرة ركاب تابعة للخطوط الليبية في 21 فبراير/شباط 1973 وقتل ركابها الـ108 بمن فيهم وزير الخارجية الليبي السابق صالح بويصير.

هل نتابع أحاديث المجازر لنصل إلى صبرا وشاتيلا عام 1982 وقانا الأولى والثانية (1996 و2006) ومخيم جنين 2002، ومذابح بيت حانون 2006 وبعد ذلك الحروب المتواصلة على غزة والضفة الغربية حتى هذه الساعة. الفرق أن المجازر تحولت في غزة إلى حرب إبادة. فكيف لا يفخر نتنياهو بمثل هذه المسلكية الحضارية جدا.

*الاغتيال-
ومن معالم الحضارة التي أحضرتها العصابات الصهيونية إلى المنطقة ممارسة الاغتيال. وفي اللغة الدبلوماسية يطلق على هذه الجريمة «القتل خارج نطاق القانون».
من معالم الحضارة التي أحضرتها العصابات الصهيونية إلى المنطقة ممارسة الاغتيال
ونستطيع أن نؤرخ لأشهر عملية اغتيال عندما قامت عصابة أرغون باغتيال الوسيط الدولي السويدي الكونت برنادوت، بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول 1948 في مدينة القدس، لأنه أقر بعدم صلاحية قرار التقسيم، ودعا إلى قيام دولة فلسطينية واحدة فأردوه قتيلا. ومنذ ذلك اليوم ولغاية 31 يوليو الماضي تاريخ اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية، سقط الآلاف فعلا بسبب «هذا الأسلوب الحضاري».

اغتيالات طالت فلسطينيين ولبنانيين وسوريين وأردنيين ومصريين وتونسيين وعراقيين ومن كل الجنسيات. ومورس الاغتيال في كل المدن الأوروبية، وفي تونس ودبي وبغداد ودمشق ولبنان، كل لبنان وإيران وماليزيا وغيرها.



ومن الفلسطينيين نذكّر فقط بمجموعة صغيرة من الذين سقطوا اغتيالا: غسان كنفاني وناجي العلي وخليل الوزير وماجد أبو شرار وكمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار وعز الدين القلق ونعيم خضر وعادل زعيتر ومحمود الهمشري وحسين أبو الخير وأبو حسن سلامة، وصولا إلى محمود المبحوح في دبي وغيرهم المئات. لقد أقرت سياسة الاغتيال رسميا عام 2000 خلال الانتفاضة الثانية. وأكدت منظمة بيتسيلم لحقوق الإنسان أن بين عام 2002 و2008 اغتال الكيان نحو 387 شخصا.

*العدوان-
وتعرف جريمة العدوان بقيام دولة بانتهاك سيادة دولة أخرى، سواء برا أو جوا أو بحرا، دون أن يكون ذلك رد فعل أو دفاعا عن النفس.

وهي من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الدولي، وتدخل ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية. ولا يكاد يمر يوم دون أن ينتهك الكيان الصهيوني سيادة دولة أخرى، خاصة دول الطوق في لبنان وسوريا ويمارس العدوان ممثلا في غارات جوية أو اختراق المجال الجوي أو ممارسة القتل والاغتيال على أرض تلك الدولة.

وقد مارس الكيان جريمة العدوان وانتهك سيادة كل دول الجوار وغيرها. فقد هاجم المجمع النووي العراقي عام 1981، ومجمع دير الزور للأبحاث النووية في سوريا 2007، وانتهك سيادة تونس ثلاث مرات (حمام الشط 1985 واغتيال خليل الوزير 1988 واغتيال المهندس محمد الزواري 2016). وانتهك سيادة الإمارات في اغتيال محمود المبحوح عام 2010 وسيادة ماليزيا في اغتيال فادي البطش عام 2018.

هذا غيض من فيض والقائمة تطول. لا أستطيع أن أفصل في جرائم الاستيطان والأبرثهايد والتعذيب والاعتقال التعسفي واعتقال القاصرين وانتهاك كرامة النساء والإهانات على الحواجز وغير ذلك الكثير.



النموذج الأمريكي
لقد امتزج هذا النموذج مع النموذج الأمريكي، الذي يتفوق على نظيره الصهيوني. فالنموذج الأمريكي يزيد على ما سبق بإعلان الحروب والاحتلال وتدبير الانقلابات وخلق الاضطرابات الداخلية والرشوة، ونشر القواعد العسكرية وممارسة السادية في التدمير والقتل بأعلى وسائل التكنولوجيا، كما شاهدنا في العراق وأفغانستان وقبل ذلك في ناغازاكي وهيروشيما وفيتنام وتشيلي وكمبوديا ولاوس وبنما وغرانادا وبيروت.

نماذج تأسست على ما سبقها من حضارات عميقة في إبادة السكان الأصليين واستجلاب ملايين الرقيق من أفريقيا وإشعال أكثر من 200 حرب خلال عمرها القصير نسبيا.

وهل من شك في أن تزاوج الحضارتين الصهيونية والأمريكية حاليا في حربهما المشتركة ضد قطاع غزة قدم النموذج الحضاري ضد «البرابرة الفلسطينيين» الذين أقاموا الجامعات والمستشفيات والمباني الحديثة ودور البحث والصحافة والمدارس، التي تستوعب أكثر من 680 ألف طالب ومزارع الفراولة والورد لتصديرها للعالم. فمن هم البرابرة ومن هم الحضاريون؟

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المجازر الولايات المتحدة غزة الولايات المتحدة غزة الاحتلال مجازر مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العصابات الصهیونیة أکثر من

إقرأ أيضاً:

عداء المستعمرة الصهيونية للأمم المتحدة

منذ بداية حرب الإبادة التي تشنها المستعمرة الصهيونية على غزة، في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أطلقت الدولة الاستعمارية العنصرية حملة دعائية واسعة لتشويه سمعة منظمة الأمم المتحدة تحت شعار مناهضة الساميّة. فرغم عجز المنظمة الأممية التي تمثل القانون الدولي، واستلابها من قبل الإمبريالية الأمريكية والغربية الداعمة للكيان الإسرائيلي، فقد باتت منظمة الأمم المتحدة مستهدفة من قبل الكيان الاستعماري العنصري لكونها تمثل القانون الدولي، حيث تتعرض وكالات الأمم المتحدة المتعددة، كمحكمة العدل الدولية ومنظمة الأونروا وقوات حفظ السلام التابعة لها في لبنان، للهجوم اللفظي الرمزي والاستهداف المادي والجسدي.

ولم يسْلَم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الداعم لإسرائيل من الاستهداف، وتعرّض للتوبيخ حين أشار إلى دور الأمم المتحدة في إنشاء إسرائيل. فحين أكّد ماكرون أنه "لا يجب أن ينسى السيد نتنياهو أن بلاده أنشئت بقرار أممي"، في إشارة إلى القرار 181 الذي يقسم فلسطين إلى دولتين، واحدة "يهودية" والأخرى "عربية"، والذي تم تبنيه في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، ردّ عليه رئيس الحكومة الإسرائيلية: "لم يكن قرار الأمم المتحدة هو الذي أنشأ دولة إسرائيل، بل النصر الذي تحقق في حرب الاستقلال"، أي حرب عام 1948 ضد الفلسطينيين والدول العربية.

لكن الهجمات المنهجية ضد الأمم المتحدة لا يعود تاريخها إلى حدث "طوفان الأقصى"، فتاريخ المستعمرة الإسرائيلية حافل في مهاجمة منظمة الأمم المتحدة.

فككت عملية "طوفان الأقصى" الأساطير المؤسسة للمستعمرة الاستيطانية الصهيونية، وكشفت الحجاب عن طبيعة المشروع الصهيوني كظاهرة استعمارية تقوم على الإبادة والمحو والتطهير العرقي
لقد فككت عملية "طوفان الأقصى" الأساطير المؤسسة للمستعمرة الاستيطانية الصهيونية، وكشفت الحجاب عن طبيعة المشروع الصهيوني كظاهرة استعمارية تقوم على الإبادة والمحو والتطهير العرقي، إذ لم تكتف المستعمرة الإسرائيلية على مدى أكثر من عام بشن حرب إبادة شرسة على غزة ثم لبنان؛ أسفرت عن سقوط أكثر من 150 ألف شهيد وجريح فلسطينيّ ولبناني، معظمهم من الأطفال والنساء، بل تجاوزت ذلك إلى تبني نهج عدائي تجاه المؤسسات الدولية والأممية، ليشمل مؤسسات وشخصيات عدة في مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومحكمة الجنايات الدولية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) في لبنان، ومنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

ففي 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أقرّ الكنيست قانونين لحظر أنشطة الأونروا في القدس الشرقية ومنع السلطة الإسرائيلية من العمل مع المنظمة أو ممثليها، وقد دفعت الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان عدة مسئولين أمميين لتوجيه مطالبات ونداءات لاتخاذ موقف حاسم تجاه الكيان الإسرائيلي، وصلت إلى حد المطالبة بتعليق عضويتها في الأمم المتحدة، فقد أوصت مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فرانشيسكا ألبانيزي، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، بالنظر في تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، وإعلانها دولة فصل عنصري، بسبب "الإبادة الممنهجة" التي ترتكبها في حق الفلسطينيين. وقالت ألبانيزي في تقرير قدمته إلى الأمم المتحدة إن إسرائيل لا ترتكب جرائم حرب في غزة فحسب، بل ترتكب إبادة جماعية "ممنهجة" في صورة مشروع يهدف لمحو الفلسطينيين من الوجود، لإقامة "إسرائيل الكبرى".

لم تقتصر ممارسات المستعمرة الإسرائيلية على الهجمات الرمزية اللفظية على الأمم المتحدة، فقد اعتمدت منذ تأسيسها على الإرهاب والاغتيالات، ففي 17 أيلول/ سبتمبر 1948، أي بعد أربعة أشهر من إنشاء دولة إسرائيل، ومع اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، اغتيل الكونت السويدي فولك برنادوت، وسيط الأمم المتحدة منذ أيار/ مايو 1948، في القدس. وكان برنادوت يعيق الطموحات الإسرائيلية بـ"خطة سلام" لم تكن تريدها إسرائيل، وقد قُتل بالرصاص على يد أربعة رجال يرتدون الزي العسكري، ولكنهم ينتمون إلى جماعة شتيرن، وهي حركة قومية متطرفة، وهذه الجماعة المسلحة تحتلّ اليوم مكانة بارزة في متحف الجيش الإسرائيلي.

وفي اللغة العبرية، يُطلق اختصارا على الأمم المتحدة "أوم"، وقد اعتاد مؤسس دولة الكيان الإسرائيلي ديفيد بن غوريون أن يقول ساخرا "أوم، شْموم"، والتي يمكن ترجمتها بعبارة "نحن لا نكترث بالأمم المتحدة". ويمكن فهم الموقف الاستعماري الإسرائيلي ومقاربته بالرؤية السياسية للإمبريالية الأمريكية، حيث تتعرض الأمم المتحدة للذم من قبل تيار واسع من الطبقة السياسية الأمريكية، التي لا ترى إمكانية خضوع الولايات المتحدة لأي هيئة دولية ولا الالتزام بأي قانون دولي عام يتعارض مع المصالح والسياسة الأمريكية.

منذ اللحظات الأولى لحرب الإبادة الصهيونية على غزة أطلقت المستعمرة الإسرائيلية حملة منسقة لتشويه سمعة منظمة الأمم المتحدة، وعملت دون كلل على تصوير المنظمة الدولية ككيان منحرف داعم للإرهاب وضد حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، واتهمت الأمم المتحدة بالعمل على مساندة الإرهاب والحيلولة دون تمكين تل أبيب من تحقيق أهدافها.

منذ اللحظات الأولى لحرب الإبادة الصهيونية على غزة أطلقت المستعمرة الإسرائيلية حملة منسقة لتشويه سمعة منظمة الأمم المتحدة، وعملت دون كلل على تصوير المنظمة الدولية ككيان منحرف داعم للإرهاب وضد حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، واتهمت الأمم المتحدة بالعمل على مساندة الإرهاب والحيلولة دون تمكين تل أبيب من تحقيق أهدافها
وأصر كيان الاحتلال على وصف حماس في غزة وحزب الله في لبنان بأنهما كيانان "إرهابيان"، وهي أوصاف لا تنسجم مع مبادئ الأمم المتحدة التي لا تصنف حماس منظمة إرهابية وتدرجها في سياق حركات التحرر. فمن على منبر الجمعية العامة في 27 أيلول/ سبتمبر 2024، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأمم المتحدة بـ"بالوعة من العصارة الصفراوية المعادية للسامية التي يجب تجفيفها"، وقال إنها إذا لم تمتثل، لن "تُعتبر أكثر من مهزلة حقيرة". ورغم مغادرة نحو ثلاثة أرباع الحاضرين القاعة، إلا أن ذلك لم يكن كافيا للحد من غطرسة نتنياهو، بل تزايد هجومه ضد جميع المنظمات الأممية الموجودة في العالم، سواء كانت عسكرية ("القبعات الزرقاء" أو قوات حفظ السلام) أو مدنية (وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين- الأونروا). وتصف المستعمرة الإسرائيلية أي انتقاد لجرائمها في غزة بأنه "معاداة للسامية".

منذ تأسيس المستعمرة الإسرائيلية أعلنت عن ازدرائها للأمم المتحدة والقوانين الدولية، وتحت ذريعة الخطر الوجودي ومبدأ الدفاع عن النفس، اعتمدت إسرائيل عقيدة تنص على شن ضربات وحروب استباقية ضد جيران إسرائيل في حالة وجود تهديدات تعتبرها وجودية قبل أن تتحقق. ففي عام 1982، عندما اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان لطرد قوات منظمة التحرير الفلسطينية وتغيير حكومة البلاد، أوضح رئيس الوزراء آنذاك، مناحيم بيغن، أنه كان يشن الحرب "لأننا نرفض أن تحدث تريبلينكا جديدة" (معسكر تريبلينكا هو معسكر إبادة تم بناؤه وتشغيله من قبل ألمانيا النازية في بولندا المحتلة خلال الحرب العالمية الثانية). وبعبارة مماثلة تحدث بنيامين نتنياهو في اليوم التالي للسابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عن "أكبر جريمة ضد اليهود منذ المحرقة". وهي إشارات واضحة للتخلص من انتقادات الأمم المتحدة بذريعة وجود "خطر وجودي" والحديث عن "معاداة السامية"، رغم أن من يتعرض لخطر وجودي حقيقي وحرب إبادة هو الشعب الفلسطيني، ومن يتعرض لجرائم الحرب هو الشعب اللبناني.

إن نهج الحرب الوقائية التي تعتمده المستعمرة الإسرائيلية، وتكتيكات مكافحة التمرد الاستعمارية وممارسات المحو والإبادة، معروفة جيدا، ولذلك حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش مبكرا من الأساليب الوحشية التي ستمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، فبعد أربعة أيام من هجوم حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ذكّر غوتيريش بأنه وبموجب القانون الدولي "يُمنع البتّة استهداف مباني الأمم المتحدة وجميع المستشفيات والمدارس والعيادات". فقد كان غوتيريش يعلم من واقع التاريخ الخبرة والتجربة طبيعة الإجراءات الانتقامية التي سيتخذها جيش المستعمرة الإسرائيلية.

وفي 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، عندما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يهدد اللبنانيين صراحة بـ"نفس الدمار والمعاناة التي في غزة" إذا لم يذعنوا لمطالبه "بالقضاء على حزب الله"، قام الجيش الإسرائيلي بقصف ثلاثة مواقع تابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) عمدا. وبعد ثمانية أيام، سُجّلت خمس هجمات إسرائيلية على الأقل ضد هذه المنظمة، وفي 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، اقتحمت دبابتان تابعتان للاحتلال موقعا لليونيفيل، ليُظهر بوضوح عدم اكتراثه بالضغوط الدولية. وفي غزة، وحتى 14 آذار/ مارس 2024، أحصت الأونروا "ما لا يقل عن 165 عضوا قُتلوا أثناء أداء واجبهم".

بلغت الوقاحة والغطرسة الصهيونية أوجها في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، حين أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن غوتيريش "شخص غير مرغوب فيه" في بلاده. ولم تكف إسرائيل خلال العام الماضي عن المطالبة بمغادرة الأونروا الأراضي الفلسطينية المحتلة، متهمة إياها بتوفير الحماية لـ"الإرهابيين"، ونظمت إسرائيل حملة دعائية نشطة تهدف إلى تصوير الأونروا على أنها "وكر للإرهابيين". ففي 26 كانون الثاني/ يناير 2024، ادّعى نتنياهو أن 12 موظفا تابعا لهذه الوكالة شاركوا في الهجوم الذي نفذته حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وجاء هذا الإعلان في اليوم نفسه الذي فتحت فيه محكمة العدل الدولية تحقيقا بخصوص "خطر محتمل بوقوع إبادة جماعية" في غزة. وسرعان ما حققت إسرائيل أول نجاح كبير لها، ففي 23 آذار/ مارس 2024، صوّت الكونغرس الأمريكي على وقف التمويل الأمريكي للأونروا حتى آذار/ مارس 2025. وهو موقف لم يتبعه في نهاية المطاف سوى القليل من دول العالم.

يبدو أن المأزق الوجودي الذي تعيشه المستعمرة تدفعها إلى عدم الاكتراث بالأمم المتحدة وحالة العزلة والنبذ الدولية المتعاظمة، فالمستعمرة تدرك أن المشروع التاريخي للصهيونية بلغ مداه واقتربت نهايته
وقد باشر البرلمان الإسرائيلي في تموز/ يوليو 2024 مناقشة مشروع قانون لتصنيف الأونروا "منظمة إرهابية"، وقد صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة على قانونين يقضيان بوقف أنشطة الأونروا في إسرائيل. ويتطلب أي مشروع قانون التصويت عليه من الكنيست بثلاث قراءات ليصبح قانونا نافذا. وأثار قرار الكنيست انتقادات دولية واسعة، وقال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، إن القرار الصادر عن الكنيست الإسرائيلي بحظر "أنشطتنا غير مسبوق، ويشكل سابقة خطيرة، ويعارض ميثاق الأمم المتحدة".

خلاصة القول أن عملية "طوفان الأقصى" فضحت الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية التي تقوم على المحو والإبادة والتطهير العرقي، ونهج الحروب الوقائية وتكتيكات مكافحة التمرد الاستعمارية، وكشفت عن العداء المتأصل لكيان الفصل العنصري للقانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة.

وقد شكلت غزة ذوات أخلاقية جديدة ترفض السردية الصهيونية وتناهض الاستعمار الاستيطاني، وأصبحت القضية الفلسطينية مسألة عدالة سياسية وقضية أخلاقية، فمقاومة السكّان الأصليين الفلسطينيين كانت منذ البداية ضدّ الاستعمار الاستيطاني وحرب الإبادة والتطهير العرقي، ومن أجل التحرير، وما قامت به حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 يقع قي سياق من عمليات المقاومة الفلسطينية التي بدأت منذ العام 1948. ويبدو أن المأزق الوجودي الذي تعيشه المستعمرة تدفعها إلى عدم الاكتراث بالأمم المتحدة وحالة العزلة والنبذ الدولية المتعاظمة، فالمستعمرة تدرك أن المشروع التاريخي للصهيونية بلغ مداه واقتربت نهايته.

x.com/hasanabuhanya

مقالات مشابهة

  • "معجم باوزير".. بين الدارجة الظفارية واللهجات البربرية
  • النيابة العامة لدى الكيان ترفض بشدة طلب نتنياهو تأجيل مثوله أمام المحكمة المركزية في القدس - تفاصيل
  • حرم رئيس جمهورية كولومبيا تزور المتحف المصري الكبير ومتحف الحضارة -(صور)
  • رئيس الطائفة الإنجيلية: بناء الإنسان أساس التنمية والحضارة
  • صباغ : سورية تجدد إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية السافرة على دول المنطقة وشعوبها، وإدانة جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني
  • بالصواريخ والمسيرات.. حزب الله يواصل دك المواقع والقواعد والمستوطنات الصهيونية
  • ما هي قاعدة “حتسور” الجوية الصهيونية التي استهدفها حزب الله للمرة الثانية
  • عداء المستعمرة الصهيونية للأمم المتحدة
  • ما هي الرسالة التي وجهها نتنياهو لسكان غزة؟
  • مسئول أمريكي يحذر الدول التي ستحاول اعتقال نتنياهو