غليان في المنطقة وغيبوبة في دمشق
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
التحالف بين حزب الله والنظام السوري معلن ووثيق، حيث دعمت سوريا حزب الله سياسيًا وإعلاميًا لأكثر من عقدين. ورغم أن سوريا أدانت الاعتداء الإسرائيلي على لبنان، إلا أنها تجاهلت التعليق على اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شُكر، مما أثار استغرابًا، إذ تعاملت مع الحدث ببرود واضح. مرّت حادثة الاغتيال – التي هزت حزب الله بحدة وعمق – مرور الكرام، حتى من غير تنديدٍ لفظي ولو شكليًا، ولا حتى رسالة عزاء.
وبالرغم من أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران كان حدثًا بالغ الأهمية، وربما يشكل انعطافًا كبيرًا في مجريات الأحداث الساخنة التي تشهدها المنطقة المفتوحة على احتمالات لا تُستثنى منها الحرب واسعة النطاق، فإن النظام السوري تعامل معها أيضًا ببرود ملحوظ.
فقد أصدرت الخارجية السورية بيان إدانة ركز على الحديث عن انتهاك السيادة الإيرانية أكثر من التركيز على استشهاد هنية، والذي ذُكر في البيان مرة واحدة يتيمة. بل إن البيان وضع ما أسماه بـ"العمل الدنيء" في سياق سلسلة اعتداءات إسرائيلية على مواقع عديدة في المنطقة، بما فيها الجولان السوري المحتل ولبنان والعراق، ليصنف هذا الحدث الاستثنائي ضمن أحداث أصبحت روتينية من كثرة تكرارها، وفي ذلك ما يوحي بتحجيم للحدث وتقليل من شأنه.
الأمر المثير للاستغراب أيضًا، هو أن الحكومة السورية تتعامل مع الهجمات الإسرائيلية على سوريا وانتهاكاتها الجسيمة لسيادتها وكأنها تجري في بلد آخر! فبيان الخارجية بشأن الرد الإيراني على استهداف قنصليتها في دمشق قال: "بتاريخ 1 أبريل/نيسان، قامت إسرائيل بشن عدوان على السفارة الإيرانية بدمشق، وأسفر عن مقتل سوريين وإيرانيين كانوا موجودين بحكم عملهم في القنصلية التابعة للسفارة". وأضاف أنه "ردًا على ذلك العدوان، قامت إيران بسلسلة من الضربات على أهداف عسكرية إسرائيلية. وقد جاءت هذه الضربات في إطار حقها في الدفاع عن النفس، وبالاتساق مع ما تنص عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة". وأعرب البيان عن تضامن سوريا مع إيران، مجددًا إدانة إسرائيل لمهاجمتها السفارة الإيرانية بدمشق وجميع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وبشكل خاص المنشآت المدنية.. فاكتفى بالإدانة، وكأن هذه الاعتداءات حصلت في بلد آخر!
كان الأسد الأب، ومن بعده الابن، قد بنيا شرعية حكمهما على تبنيهما الإعلامي والسياسي لقضية فلسطين، لكنهما بظلال شعارات الصمود والتحرير حكما سوريا من خلال فرض الأحكام العرفية لعقود، وقمعا المعارضة، واتهماها بالعمالة لإسرائيل، وبأنها تريد حرف المسار القومي والوطني للدولة في حربها المصيرية المزعومة. وكان إعلام حافظ الأسد يهاجم الإسلاميين ويتهمهم بأنهم بيادق وعملاء لدولة الاحتلال.
وبعد وراثته حكم والده عام 2000، اشتهر بشار الأسد بأحاديثه الطويلة في القمم العربية، التي كان يركز فيها على ما يتعلق بالمقاومة ووجوب دعمها. وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وتوجيه أصابع الاتهام نحو دمشق في 14 فبراير/شباط 2005، وبعد حرب يوليو/تموز أيضًا وصدور قرار مجلس الأمن 1701؛ صعّد بشار من لهجته تجاه بعض الأنظمة العربية، وذلك في محاولة لتجنّب استحقاقات وتبعات عملية الاغتيال.
ففي كلمته أمام المؤتمر العام الرابع لاتحاد الصحفيين السوريين عام 2006، شنّ هجومًا عنيفًا وشديدًا على الدول العربية بطريقة غير مسبوقة، معتبرًا أن حرب يوليو/تموز 2006 عرّت الوضع العربي بشكل كامل، وأن المواطن العربي كان يرى الوضع العربي مع مساحيق تجميل، لكنه اليوم يراه من دون هذه المساحيق، وأن الحرب أسقطت أنصاف المواقف وأنصاف الرجال. وانتقد الأسد الدول التي اتهمت حزب الله بالمغامرة، وأكد أن سوريا لا تطلب من أحد أن يحارب نيابة عنها. وقال: "إذا أراد أحد أن يلعب دورًا لأسبابه الداخلية على حساب قضايانا، فهذا غير مقبول، فنحن لم نقرر أن نعرض قضيتنا للبيع في السوق الدولية أو أي سوق أخرى".
يبدو أن النظام السوري يقف فيما يمكن وصفه بالحياد السلبي في الصراع الدائر بين إسرائيل وحلفائها من جهة، وبين ما يسمى بمحور الممانعة – الذي يعد الأسد نفسه من أهم داعميه – من جهة أخرى، مع ملاحظة أنه يتصرف كذلك والقوات الإيرانية والمليشيات المتحالفة معها منتشرة في الأراضي السورية. كما أن تلك المليشيات – وعلى رأسها حزب الله – لها دالة وفضل عليه في مسألة بقائه في الحكم.
والأمر الجدير بالملاحظة أن خطاب إيران كما خطاب حزب الله – وكلمة حسن نصر الله في نعي فؤاد شُكر مثال على ذلك – يخلو تمامًا من الحديث عن أي دور لسوريا أو الأسد فيما يحدث في المنطقة: لا في وحدة الساحات وإسناد غزة، ولا في التحول إلى المعركة الكبرى بحسب نصر الله. فهل تتجنب طهران الضغط على الأسد؛ خوفًا من حسمه التنافس الروسي الإيراني لصالح موسكو، أم خشية من انضمامه إلى محور التطبيع العربي؟
الأسد يجاهد للبقاء في الحكم بأي وسيلة، وهو يراقب موازين القوى ويتصرف – على ما يبدو – كما تصرف والده في مرحلة صعوده إلى الحكم: مواقف محايدة غامضة من الصراع، ثم الانحياز لمن يوشك على حسمه لصالحه.
النظام الذي رفع شعارات التحرير والنضال والصمود ومواجهة المؤامرات الصهيونية حتى في حملاته القمعية ضد الثورة السورية السلمية في بداياتها، دخل في مرحلة إعادة التأهيل السياسي الإقليمي والعربي عبر البوابات الرسمية العربية. ولا يُستبعد أن هذا التأهيل الإقليمي الذي يطمع الأسد في دعمه لإنقاذ اقتصاده، قد رسمت له عدة محاذير في تعاطيه مع التطورات والأحداث الجارية وأطرافها، وبالتالي فإن حرصه على ما يمكن أن يعتبره علاقات واعدة، أكثر من حرصه على التمسك بمواقفه السابقة ونبرتها الحادة في المواجهة والصمود.
في بدايات الثورة وقبلها وما يزال، قدم النظام السوري نفسه كعلماني يشكل حائط صد للغرب والعالم مما يسميه التطرف الإسلامي، وهو يسعى جاهدًا للعودة إلى المجتمع الدولي. وحتى يحظى بالقبول الغربي والأميركي، فإنه لم يعلق على اغتيال فؤاد شُكر، لأسباب ربما منها أنه مدرج على قوائم الإرهاب الأميركية.
ما بين التنافس الروسي الإيراني على النفوذ في سوريا، وما بين خطاب شعبوي لعقود، وما بين الطمع بالرضا الغربي والعودة إلى الحظيرة الدولية، وما بين مراقبة موازين القوى ولمن تكون الكفة الراجحة في المواجهات الدائرة؛ بين كل هذا، يقف النظام السوري متابعًا ومترددًا، ليظهر بمواقفه شيئًا من الحيادية المخالفة لشعاراته المعلنة منذ عقود، وهو في مقابل البقاء في سدة الحكم مستعد لتغيير مواقفه من النقيض إلى النقيض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات النظام السوری حزب الله ما بین
إقرأ أيضاً:
سقط الأسد فارتفعت الليرة..العملة السورية تنتعش أمام الدولار
ارتفع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، بعد أسبوع من الإطاحة بالرئيس بشار الأسد وهروبه، وفق صرافين وتجار، الإثنين، على وقع دخول العملة الأجنبية إلى البلاد وبدء التعامل بها علانية في الأسواق.
وقبل سقوط الأسد، سجّل سعر الصرف في السوق الموازية مستوى قياسياً بلغ 30 ألف ليرة مقابل الدولار، بعدما كان ثابتاً لأشهر عند 15 ألف ليرة.وتراوح سعر الصرف ليلة الأحد الإثنين في دمشق بين 10 و 12 ألفاً، وفق صراف وتاجر مجوهرات وموظف استقبال في فندق بارز. وقال سائق سيارة أجرة لبنانية، إنه باع الدولار بـ 9 آلاف ليرة سورية قبل عبوره الحدود من لبنان إلى سوريا.
Significant rise in the Syrian pound’s value against the dollar: 1 USD now sells for 12,500 SYP and buys for 11,800 SYP.
Before Assad's fall, it was around 15,000 SYP. pic.twitter.com/zeNbQSwE1j
وقال رغيد منصور، وهو مالك متجر مجوهرات في سوق الحريقة في دمشق: "في كل بلدان العالم تنهار العملة حين يسقط النظام، لكن المشهد بدا مغايراً في سوريا". وتابع " لا سعر ثابتاً لكن الليرة تتحسن تدريجياً".
وأرجع الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق قصي إبراهيم تحسن الليرة إلى أسباب "سياسية واقتصادية في آن معاً". وقال: "الأسباب الاقتصادية مرتبطة بدخول كميات كبيرة من الدولار من إدلب ومناطق الفصائل المسلحة سابقاً من ناحية، ومن فرق الإعلام والعاملين في المنظمات الأجنبية من ناحية أخرى".
وعلى واجهة متجر بكداش، أحد أشهر محلات المثلجات العربية في دمشق، وُضعت ورقة بيضاء كتبت عليها الأسعار بالعملات السورية والتركية والدولار، بينما كان العشرات يتوافدون للشراء.
وحتى الأمس القريب، كان القانون السوري يجرّم التعامل بغير الليرة، ويفرض غرامات وعقوبات قاسية تصل إلى السجن 7 أعوام، لمن يتعامل بالدولار و العملات الأجنبية.
وكان السوريون يتحاشون لفظ كلمة الدولار في جلساتهم أو عبر الهواتف ويستخدمون كلمات أخرى خشية توقيفهم.
وقبل اندلاع النزاع في 2011، كان الدولار يساوي نحو 50 ليرة، قبل أن تتهاوى العملة المحلية بشكل تدريجي وتفقد أكثر من 90% من قيمتها.
وعند إطلاق الفصائل المسلحة هجومها على شمال سوريا، سارع تجار وأصحاب رؤوس الأموال إلى شراء الدولار والذهب، ما أدى لانخفاض سعر الليرة إلى مستويات قياسية.