بقلم : وسن الوائلي ..
ليل بغداد ليس كما يظن البعض ظلام وأنوار تتقاذفها الأنظار أو ترتسم على صفحة الماء التي تترقرق في دجلة المنحدر نحو الجنوب، هو ليل يتوهمه البعض انه جلسة هادئة على شاطي النهر العتيق وضحكات وحكايات وامنيات وأحلام واوهام وتطلعات ورغبة في شيء قد يأتي وقد لايأتي، هو ليل مثل أي ليل لكنه يختلف تبعا للمكان وللناس وللحياة التي تحركها هواجس المحرومين والمولعين بالسفر عبر الزمن، ليل ينشد إليه البعض وينفر منه البعض ويتأمله البعض ويخاف منه البعض ويعشقه البعض، هو ليل متجسد في نفوسنا مذ كنا صغارا حين نسمع حكايات الطغاة وأنين الجياع وأسئلة العابرين وصمت الراقدين وهدير الحروب العبثية والحصارات والاوجاع والطوائف والمتسلطين على الرقاب كالذئاب التي تنهش في فرائسها العاجزة المبنجة من رعب اللحظة.
ليل بغداد يجي في كل ليل حين تسحب الشمس ذيولها البيضاء والفضية الى المغيب فتغيب وتترك بعض الأثر للقمر السابح خلفها في الفضاء السحيق حين تهبه بعض النور ليشرق بهيا حالما في ليل تسكنه آلاف الأشياء المفهومة والمكلومة ليل يهرب أليه البعض ليتسلى بالسكينة ويهرب منه البعض لأنه يجيء بالأنين والحنين والخوف، ليل يتجلى فيه نور الأشياء حين ينتقل الى الأزقة ويسري في رصيف الشارع ويمنح الإسفلت لونا مختلفا سواد يصفعه ضوء خافت فيتحول الى سحر فتنتبه القصائد وتخرج من غرفها الحارة لتستنشق بعض العبير من كاردينيا مختبئة في زقاق ضيق تمكنت بعض الشجيرات من الحصول على مكان فيه فشعت بروائح طيبة من رازقي تلمع أوراقه بالضوء القليل المتسرب من بين المباني العتيقة وهناك حيث بعض الشوارع تبدأ حياة الليل وتصطف قربها سيارات ويمر من امامها ناس كثر يمر بعضهم ليأكلوا شيئا أو يتبضعون ويعودون الى منازلهم سيرا على الاقدام أو يبحثون عن سيارة اجرة لمن كانت بيوتهم بعيدة حيث لايروق لهم ترك تلك الامكنة إلا وقد شبعوا منها تماما وإمتلأت نفوسهم بطاقة إيجابية تمنحهم القدرة على مواجهة النهار التالي.
ليل بغداد سحر أخاذ يجتاح العقول والنفوس فهو ليل غريب في بعض الازمنة وليل قريب في أخرى وليل صامت حزين في حين وفي حين ليل مشبع بالضوء وصراخ الناس واصوات السيارات وصخب المارة الذين يجيدون السير والحديث معا فكانهم في رياضة وبعضهم يتسامر ويحاول قضاء وقت جميل مع اصدقائه، هو ليل لايعطيك الكثير من الفرص لتكتشفه وماعليك سوى ان تجتهد لتعرف كنهه ولتعرف
أهو ليلك
أم ليل سواك
تخاف فيه
ام تخاف منه
فتهرب كي لايراك
ليل انت فيه تائه
تلتقيك العيون
وتهتف بك الظنون
فيحدث إشتباك
فياله من ليل
بالأسى يرعاك….
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
المدينة التي تبكي بأكملها.! (2)
صادق سريع
هذه الرواية تصف الحال بدقة: “تسقط قطرات المطر كدموع أهل غزة، الأطفال تصرخ من شدة البرد، والبطون تتألم من الجوع، والخيام تتطاير من عواصف الريح، وهكذا وضع كل من في غزة خائفا، جائعا، بردانا، متعبا، ومنهكا”.
ما يريد القائل قوله: “إن غزة تقاتل المستعمرين القدامى والجدد نيابة عن العرب والمسلمين المتفرجين، بينما عجز العالم عن تدفئة طفل رضيع يرتجف من البرد تحت خيام غزة!”.
وهكذا قالت نازحة – في حالة غضب: “إن رجفة الطفل برداً في غــزّة، أشرف وأكرم من رجفة عبداً متخاذل أمام سيّده!”.
في الخيمة المقابلة، لم تتمكن طفلة من إيجاد رغيف تسد به رمق الجوع، فرسمت قرص الخبز، لكن هل الرسم يُشبع!؟ يا الله ما هذا البلاء.
طفلة أخرى طلبت من أمها حبة فاكهة تأكلها، فردت الأم بحسرة – حاولت أن تخفي ملامحها عن الأبنة الصغيرة: “سنأكلها فى الجنة”، فأخرجت طفلتها قلما مكسورا، وقالت لأمها بلهجة براءة الطفولة: “بدي أكتب على الورقة كل الفواكه، وأطلبها من ربنا لمن نروح الجنة”، لا حول ولا قوة إلا بالله..
في غزة فقط، الناس تنصح أولادها: “يا بابا متلعبوش، وتجروا كثير، عشان ما تجوعوا”.. وتباع وتشترى الخضروات والطحين بالجرام، وينام الناس بالشوارع في برد الشتاء، وتحت سعير نيران القذائف التي تسقط في كل مكان، وتقام ولائم العزاء بلا توقف بكل الأوقات في كل البيوت المدمرة والخيام الممزقة ونحيب بكاء المدينة بأكملها، كأنها تعيش أكبر مآتم التاريخ.
كل شيء في غزة يدعوك للبكاء، نازحة في شمال غزة حصلت على كيس خبز ؛ يا الله ما هذه الفرحة التي غيرت ملامح وجهها العابس مُنذ سنة !؟ كأنها حصلت على كنز ثمين بعد عام كامل!!
يقول قائل من غزة، عن قول أمه (وأمه امرأة لا تكذب) إنها قالت له: “ستفرج ذات يوم”.
وهكذا يستغيث أهل غزة، أيها العالم الأصم : “تجمدنا في الخيام؛ هل تسمعون صرخات الأطفال والنساء؟”.
ويخاطبون أمة محمد – عليه الصلاة والسلام: “من يحمل الهم عنا، ومن يقاسمنا الثِقل؟ سامحونا -يا معشر المسلمين- فلن نسامحكم ولن نغفر خذلناك وخيانتكم وصمتكم يوم الحساب”.
وأنا أقول: “تحدثوا – يا أمة الإسلام – أن غزْة تُباد، تحدثوا ليكون كلامكم شاهداً لكم لا عليكم يوم الحساب”.
سلاماً على غزة حتى يطمئن أهلها، وتبرد نارها، ويدفأ بردها، وتطيب جراحها، وينتصر رجالها، ويخرج غزاتها.
* المقال يعبِّر عن رأي الكاتب