المعيشة الضنك .. واختلال ميزان حاجات الروح والجسد
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
لو أن صانعا صنع آلة أو جهازا فإنه لأجل الاستفادة من تلك الآلة أو الجهاز سيرفق معه كتيبا يبين فيه محتويات الجهاز وأجزاءه والطريقة الأنسب لتشغيله والمحاذير التي ينبغي أن يحذر منها عند تشغيل الجهاز، فكيف بصانع هذا الكون الذي صنع الإنسان وخلقه من العدم وأوجد له مادة ونوعا مستقلا ونفخ فيه من روحه، فهو أعلم به فلذلك أرسل له الشرائع والكتب والرسل التي تبين له الطريقة الأمثل في الحياة، وتجعل منه خليفة الله في أرضه يعمرها، ويعمر ذاته بالعبادة والالتزام بما أمره الله به والانتهاء عما نهاه عنه، ولكن عندما يخرج الإنسان عن هذا المسار الرباني تفسد فطرته ويتشوه مسلكه وهذا ما حصل عند الكثير من المجتمعات البشرية في هذا العصر، فكثرت الأمراض الذهانية، والأمراض العصبية، وأصبح الهم والاكتئاب يسيطر على الكثير من المجتمعات.
وهذا هو مفهوم الضنك الذي ذكره الله في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا" ولو نظرنا إلى الحياة الواقعية اليوم وما تمدنا به منظمة الصحة العالمية من بيانات وأرقام لوجدنا أن المؤشرات برغم تفاوتها بين المجتمعات إلا أنها تمثل ظاهرة عالمية تسعى الأمم إلى إيجاد حل لها، فحالات الانتحار أحد أهم وأقوى أسبابها هو الهم والاكتئاب الناتج عن عوامل كثيرة منها عوامل خارجية ومنها عوامل نفسية وعصابية، ويأتي تصنيف الانتحار كأحد أسباب الوفاة وفق منظمة الصحة العالمية بعد الوفيات الناتجة عن مرض السكري وضغط الدم، بمتوسط سنوي يصل إلى 700 ألف حالة انتحار سنويا.
ولو تتبعنا أسباب المعيشة الضنك وسيطرة الهم والحزن على الأشخاص وتعشيش الأفكار السلبية في أذهانهم ومخيلاتهم لوجدنا أن لها أسبابا عديدة ومتنوعة منها ما هو روحي أو نفسي، ومنها ما هو مادي، فاختلال في ميزان حاجات الجسد والروح يؤدي إلى اعتلال في الإنسان يسبب له هذا الشعور بالاضطراب والقلق والهم، فالانغماس في الماديات والتشبع بها وجعلها هي الوسيلة والغاية فإن ذلك ينعكس على جوهر الإنسان المتكون من جسد وروح، وفي أحيان كثيرة بسبب التفاوت المعيشي في المجتمعات فإن إغراق النفس البشرية بهذه الماديات وجعلها محورا للحياة فإنها تشكل أزمة كبيرة في حالة نقصانها أو عدم توفرها، مما يدخل الإنسان في دوامة من الحزن والهم الذي يؤدي إلى الاكتئاب بسبب عدم التوازن في متطلبات الإنسان من حاجيات الروح والجسد.
وفي كثير من المجتمعات التي تكثر فيها حالات الاكتئاب يكون أحد الأسباب هو غياب معنى الهدف من الحياة، ومنتهى الغاية عندهم هذه الحياة الدنيا، وهذا ناتج من عدم الإيمان بيوم البعث، فهم لا يؤمنون بأن هذه الحياة الدنيا هي دار عمل وأن الأخرة هي دار البقاء، وهذا يتفق مع نظرة الأقوام السابقين الذين كانوا ينظرون بمثل هذا المنظور وقد حكى القرآن الكريم قولهم حينما قال: "إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ" فغياب الهدف يؤدي إلى فقدان الأمل في كل موقف من مواقف الحياة التي تكتنفها الابتلاءات والمصائب.
بينما النظرة الإسلامية تختلف كليا عن هذا المنظور، فهي تنظر بمفهوم أشمل وأعم، ولها فلسفة خاصة فيما يتعلق بالابتلاءات والمصائب، وطريقة تعاطيها مع هذه المواقف تجعل الإنسان في تنمية روحية ونفسية في تعلقه بالله تبارك وتعالى، والإيمان بالقدر خيره وشره أنه من الله، وأن الإنسان يؤجر على كل شوكة تشوكه، فكيف بالمصائب والمحن، التي تقربه إلى الله عز وجل إن صبر واحتسب، ففلسفة الابتلاء هي ركيزة أساسية في نظرة الشريعة الإسلامية إلى الحياة، بل نجد أن المفهوم الإسلامي يتعدى كون الابتلاء يكون بالمصائب والمحن إلى كونه ابتلاء يشمل الخير والنعم، فالله يقرر هذه الحقيقة في كثير من آيات الكتاب العزيز، قال تعالى: "وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ".
وقد تتكاثر المصائب على الإنسان بسبب التزامات الحياة، وتكثر عليه الهموم، فلا يستطيع منها فكاكا، وقد تلحقه الديون، فيجب عليه أن يخطط لحياته بما يناسب مداخيله المادية وبما يوفر له حياة هانئة، وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته علاجا لصحابته وللأمة من بعده في كيفية طرد الهموم وذلك من خلال اللجوء إلى الله وكثرة الدعاء وخاصة بالدعاء المخصوص الذي ذكره لأبي أمامة فقد روى أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال يا أبا أمامة: ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني. فيجب على المؤمن أن يستثمر هذه المفاتيح والأسرار التي يبثها الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين ويلتزم بها، مع العمل على التخلص من توابع الهموم بالسعي في الحياة اليومية.
ومن العلاجات المحمدية للهموم التي قد لا يخلو منها أحد اليوم، هو كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فقد جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت قال: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: يا رسول الله! فأجعل صلاتي كلها لك؟ قال: إذن تكفى همك، ويغفر ذنبك. بل نجد ذلك في كتاب الله عز وجل ففي قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" لما في الصلاة على النبي من أثر عظيم مجرب في زوال الهموم والغموم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم رسول الله الله عز وجل ما شئت
إقرأ أيضاً:
تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 15-12-2024 في محافظة قنا
تقدم بوابة الفجر الإلكترونية، مواقيت الصلاة اليوم محافظة قنا، في إطار الخدمات التي تقدمها لقرائها ومتابعيها، مواقيت الصلاة اليوم الأحد، في مدن ومراكز محافظة قنا، وتشمل مواقيت الصلاة اليوم، صلاة «الفجر، الظهر، العصر، المغرب، العشاء».
"أذكار الصباح".. بداية يوم متجددة بالذكر والتفاؤل.. تحمل أذكار الصباح في الإسلام قيمة عظيمة، حيث تمثل بداية يوم المسلم وفتح له بابًا للربط الروحي والتواصل مع الله، تعتبر هذه الأذكار لحظة هامة للتأمل والشكر، وتعزيز للروح والقلب. تركيزها على الذكر والتفكير في الله يمنح الفرد طاقة إيجابية لبداية يومه.
وفي سياق الإيمان الإسلامي، تحمل أذكار الصباح قيمة دينية تعكس الاعتماد على الله والتوكل عليه، تذكير المسلم بأسماء الله الحسنى وصفاته الكريمة يعزز الوعي بالقدرة الإلهية والحنان الذي يحيط به.
ومن الأهمية البالغة أيضًا أن يُدرك المسلم أن هذه الأذكار لا تقتصر على الجانب الروحي فقط، بل تمتد إلى التأثير الإيجابي على الحالة النفسية والسلوكية، إن تركيز الفرد على الخير والشكر في بداية اليوم يؤثر بشكل كبير في توجيه تفكيره وتصرفاته لبقية اليوم.
ومن خلال ترديد هذه الأذكار، يخلق المسلم روتينًا يوميًا يرتبط بالتفكير الإيجابي والتأمل، يعزز هذا الروتين الروح الهادئة والتواصل الدائم مع الله، مما يجعل الفرد أكثر قوة وثباتًا في وجه التحديات.
وبشكل عام، تكمن أهمية أذكار الصباح في تحقيق التوازن بين البعد الروحي والحياة اليومية، مما يسهم في بناء شخصية مسلمة قائمة على الإيمان والتفاؤل.
فضل أذكار الصباحنقدم لكم في السطور التالية فضل أذكار الصباح:-
- توجيه الشكر:
أذكار الصباح تعزز الشكر والامتنان لله على منح الحياة والفرصة لبداية يوم جديد، مما يعزز الوعي بنعم الله.
2- تحقيق الاستقبال الإيجابي:
تساعد أذكار الصباح في بناء نفسية إيجابية، فتجعل المسلم يستعد ليومه بروح هادئة وتفاؤل.
3- تعزيز التواصل مع الله:
ترديد الأذكار يعزز التواصل الدائم مع الله، مما يعطي الإنسان القوة والثبات في مواجهة التحديات.
4- تنظيم الروتين اليومي:
تقوم أذكار الصباح بتنظيم روتين اليوم، حيث يصبح التركيز على الذكر والعبادة جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية.
5- الحماية من الشرور:
تحتوي بعض الأذكار على دعاء للحماية من الشرور والمصائب، مما يعزز الشعور بالأمان والاعتماد على الله.
6- ربط الروح بالعبادة:
تعمل أذكار الصباح على ربط الروح بالعبادة وتذكير المسلم بأهمية القرب من الله في كل جوانب حياته.
فضل أذكار الصباح يظهر في تأثيرها الإيجابي على النفس والعلاقة بالله، مما يسهم في بناء حياة مسلمة متوازنة ومستقرة.
أذكار الصباحتمثل أذكار الصباح تمثل مجموعة من الأذكار التي يقولها المسلم في بداية كل يوم، وتتنوع هذه الأذكار بين الدعاء والتسبيح والتحميد. من بين أذكار الصباح الشهيرة:-
"أذكار الصباح".. بداية يوم متجددة بالذكر والتفاؤل
1- أذكار الاستيقاظ:
يقول المسلم عندما يستيقظ: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".
2- أذكار الوضوء:
تشمل التسبيحات والدعاء أثناء أداء الوضوء، مما يعزز الطهارة والاستعداد للصلاة.
3- أذكار بعد الصلاة الفجر:
تتضمن تسبيحات وأدعية تعبيرًا عن الشكر والاستعانة بالله في بداية اليوم.
4- أذكار الصباح اليومية:
تتنوع بين تلاوة آيات من القرآن والتسبيح والاستغفار، مما يساعد في تركيز الفرد وتحفيزه لبداية يوم إيجابية.
5- أذكار الحماية:
يُفضل قول بعض الأذكار التي تطلب الحماية من الشرور المحتملة، مثل قول: "أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق".
ويمكن ترتيب هذه الأذكار حسب الرغبة الشخصية، ويعكس ترديدها التأمل والتواصل الدائم مع الله في حياة المسلم.