لجريدة عمان:
2024-09-11@08:42:50 GMT

فيلم َِ«جَنين جِنين» لمحمد البكري

تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT

فيلم َِ«جَنين جِنين» لمحمد البكري

لو قدّر للمخرج الدخول إلى غزة الآن، فأي فيلم وثائقي سيبدعه محمد البكري؟

مسلسل من جرائم الحرب استلزمت أشكال التعبير كافة، كتابة ودراما وتوثيقا؛ فلم تتغير الصورة كثيرا هنا في فلسطين المحتلة من قرن، سوى في تغير البشر، أجداد وآباء وأحفاد، ولعل الجد نفسه قد ذاق ويلات النكبة والنكسة واجتياح جنين عام 2002، لكنه اليوم مضى تاركا الهم والاهتمام لنسله.

مرت 22 عاما على عملية اجتياح مخيم جنين، 22 عاما كافية لتكون عملية تحول في الحياة، فهل بقي الحال كما كان عليه؟

الأدب، والفن من الحياة، كانت 22 عاما كافية لتشكل تحولا في نص قصصي أو روائي، أو درامي، لكن البكري العظيم، اختار الفيلم الوثائقي فكان إبداعا خاصا، فكما حضر التوثيق فقد حضر الحضور الطازج نفسه، فعشنا مع الفيلم كأننا هناك، نعيش في المخيم نسمع ونرى ونتكلم أو نستخدم لغة الإشارة أو نتأمل ما مرّ من زمن وما يمكن أن يمرّ.

فيلم «جَنين جِنين» بفتح الجيم وكسرها، كأن ثمة إشارة واضحة جدا لوجود جنين (وليد) لأصل ما كان من فيلم جنين جنين للمخرج نفسه، الفيلم الذي منعه الاحتلال بعد مجزرة مخيم جنين، والذي ظل الاحتلال يحاكم مخرجه عشرين عاما.

أما الفيلم الأول، والذي صار الجزء الأول ربما، بما لم يخطط له المخرج، فكان كما نعرف فيلما توثيقيا للأحداث التي وقعت في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في أبريل 2002، حيث كانت هذه المجزرة ضمن عملية اجتياح شاملة للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، للقضاء على بؤر المقاومة للاحتلال، حيث شهدت جنين أشرس المعارك، واستشهد خلالها عشرات الشهداء ودُمرت بيوت كثيرة في المخيم.

في اجتياح عام 2023، لم ينتظر المخرج البكري طويلا، فذهب من فوره إلى هناك، ربما بدافع وجودي أيضا، ولسان حاله يقول، ترى أين الذين صورتهم في الاجتياح الأول عام 2022؟ فمن ولد في ذلك الزمن صار شابا أو شابة، ومن كان طفلا صار أبا أو أما لطفل.

وهذا ما كان في رحلة عبقرية، تتحدث عن عبقرية وجود أهل مخيم جنين الصامد أمام بطش الاحتلال. عاد محمد البكري ليرى فيلمه الأول، ليذهب ويسأل عنهم أين هم الآن؟ وهل ما زال بعضهم على قيد الحياة وقيد الأمل؟

صدمنا المخرج في كل أوقات الفيلم؛ فمن البداية يختار البكري لغة الإشارة، من باب وجودي وبلاغي، فالإشارة أعمق من الكلام. اختار ابن المخيم الأبكم ليتحدث ويسرد ما كان ويكون، في شيء من السخرية من المتفرجين في العالم لا على الفيلم طبعا، ولكن على بطش الاحتلال.

تتنقل الكاميرا برشاقة مصحوبة بتأثيرات موسيقية ناقلة سرد ابن المخيم بلغة الإشارة، والذي يتابع السرد ساخرا في نهاية الفيلم من العالم ومن المؤسسات الأممية.

ثمة بناء وهدم، كعملية الأيض البيولوجي، البناء الفلسطيني وهدم الاحتلال بكل ما أوتي من تكنولوجيا التدمير، حيث نجد الفنان أحمد الطوباسي يتحدث عن الجرافة الكبيرة كأنها وحش، فكان صوتها صيف عام 2023 يذكره بما كان في ربيع 2022 حين كان ابن 17 ربيعا.

طفلة سيدة، وأطفال صاروا كبارا، لعل العودة إلى عدة مشاهد قد تكون عشرة مشاهد في الفيلم الأول، ليقاربها بما يكون من صيف 2023، ليظهر لنا بذكاء إبداعي ذلك التحول الغريب والفريد، تتغير الأعمار، يتغير الكثير، لكن الثابت الذي لا يتغير هو الاحتلال، والذي لم تنفع في ردعه ثلاثة عقود من المفاوضات كما اختتم به إحدى شخصيات الفيلم.

استخدم المخرج قدراته الفنية السينمائية والمسرحية، فكما تم توظيف لغة الإشارة، يستخدم خشبة مسرح الحرية بمخيم جنين، حين تكون رواية الفنان والمخرج أحمد الطوباسي كمواطن من المخيم، رواية المسرح، فكأننا أمام مونودراما مسرحية، توزعت على زمن الفيلم، ما يعني وعي المخرج في اختيار الشكل السردي التوثيقي، والذي ندعي هنا أنه يشكل مدرسة جديدة في إخراج الأفلام الوثائقية.

لعل اللغة البصرية في الفيلم كانت أقوى كثيرا مما نتوقع، لا لأنها تثير مشاعر الغضب والحزن، بل لأنها تبشّر بفجر فلسطيني قادم لا محالة؛ فقد رصدت كاميرا فيلم «جَنين جِنين» واحدة من أهم الظواهر والمظاهر معا في نفس الفلسطينيين. إنها ظاهرة الصمود والتحدي وعدم الاستسلام، من الملامح الظاهرة؛ فلا يمكن تفسير سحنات المتحدثين والمتحدثات، الساردين والساردات لرواية مخيم جنين، إلا بشيء واحد وهو أن النصر قادم لا محالة، لأن هؤلاء البشر العاديين بمن فيهم المقاومون، يستحقون الحياة.

ملامح فيها الصرامة واكتناز ما أجرم الاحتلال فيهم، ليكون دينامو العمل بطاقة كبرى، فلكل فعل رد فعل، مواز له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه.

إنها الفيزياء الفلسطينية التي تجلت وتتجلى الآن في غزة العزة، وفي مختلف أراضي فلسطين المحتلة، حيث لا يخشى المقاومون الموت ولا هدم البيوت، ولا يجدون في أنفسهم الجانب الضعيف، بل هم ند قوي لمحتل قوي بالسلام فقط، لذلك كانت مقاومة شعب المخيم مقاومة ضد الاحتلال، الذي يقصد دوما إعادة الفلسطيني إلى الوراء، ليجعله سيزيف الذي يعيد انتشال الصخرة من الوادي إلى أعلى الجبل.

إنه جيل التحرير ببساطة لأنه لا يخاف الاحتلال، والذي يخافه الاحتلال.

في ظل رصد وتوثيق اجتياح صيف 2023، أي قبل عام، يلتقي في الفيلم-المخيم، مشاعر مختلفة، فمع الملامح الحادة لسحنات أبناء المخيم وبناته من أعمار مختلفة حين يكون الأمر متعلقا بالاحتلال، إلى مشاعر روحية سماوية حين يأتي ذكر الشهداء الراحلين، إلى ابتسامات أهل المخيم المرحبين لا بطاقم الفيلم فقط، بل بكل من سيراهم، ربما ليطمئنوا العالم بأنهم ما زالوا باقين هناك.

لربما نحتاج لمشاهدة الفيلم مرات، لنلتقط تلك المشاهد الحية التي عبّرت عنها موسيقى الفيلم التي كانت سيناريو بصريا شكّل حيوية لشد أجزاء الفيلم.

الفيلم الوثائقي الذي لم يعتمد على أية مشهد تمثيلي، فمن يعتمد يسمى دوكيو درامي، لكن هذا الفيلم غريب فعلا في التصنيف كغرابة وفرادة مخيم جنين. إن الخيط الناظم في مشاهد الفيلم، والإبداع المميز في المونتاج، جعلنا إزاء حكاية لها شخوص، ومآلات ومصير.

إنها الدرامية العجيبة التي تركت الناس يتحدثون، فكان الحديث بحد ذاته متفوقا على الفن التمثيلي، فأي فنان يستطيع التعبير عن الحال مثل ابن المخيم الأبكم الذي وصف وباح وسخر في وقت واحد والذي اختار البقاء.

هي رسالة الفيلم، الذي ارتقى بالظاهرة، بالمخيم، والذي تيسرت له روافع فنية في التصوير والصوت والمونتاج والموسيقى.

وبما بدأنا ننتهي، فكم من فيلم تنتظر غزة الآن حين تتوقف الحرب عليها؟

هي رسالة الأدب والفن في الانتصار لفلسطين المحتلة، فكما المقاومة المسلحة، فإن كل كلمة وصورة تصير سلاحا.

محمد البكري مخرج مقاوم من فلسطين، المبدع الذي اختار شعبه رغم ما واجهه من محاكم الاحتلال.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مخیم جنین ما کان

إقرأ أيضاً:

شاهد بالصور.. في مفاجأة كبيرة.. الكشف عن زوج نجمة السوشيال ميديا الحسناء “مرادي رشدي”  والذي تزوجته بعد انفصال دام 8 سنوات.. ناشط شهير وصاحب برنامج متابع

فجرت صفحات بارزة تنشط على عملاق مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بالسودان, مفاجأة من العيار الثقيل.

وبحسب رصد ومتابعة محرر موقع النيلين فقد كشفت الصفحات عن زوج نجمة السوشيال ميديا السودانية الحسناء مرادي رشدي.

وكانت مرادي, قد أعلنت زواجها من جديد قبل أسابيع قليلة, بعد أن انفصلت عن زوجها الأول قبل نحو 8 سنوات.

ووفقاً لمتابعات محرر موقع النيلين فإن زوج حسناء السوشيال ميديا الجديد, يعد شخصية مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب ما ذكرت الصفحات فإن زوج “مرادي” هو محمد عويضة, الناشط الشهير وصاحب البرنامج المعروف والمتابع “زول كافيه”.

ووفقاً لصورة تم نشرها فقد ظهرت مرادي, وهي جالسة في لقطة رومانسية مع زوجها محمد عويضة, وكتبت عليها كلمات مؤثرة.

محمد عثمان _ الخرطوم

النيلين

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مدير منتخب مصر يوجه التهنئة لمحمد صلاح
  • شاهد الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال على خيام النازحين في المواصي
  • كتيبة جنين: بنادقنا مشرعة وبيننا الكثير من الصولات والجولات في ميادين القتال
  • من وسط الخراب طلاب مدارس جنين يبدؤون عامهم الدراسي
  • محافظ الضالع يدشن المخيم الطبي لإزالة المياه البيضاء بدعم كويتي
  • طابور جرافات يهب لرفع الأنقاض عن مخيم جنين بعد انتهاء العدوان (شاهد)
  • بعد علمه بمرضه.. مفيدة شيحة تُشيد بالموقف الإنساني لمحمد صلاح مع مدربه الأول
  • فزعة الجرافات تعكس فشل ضرب الحاضنة الشعبية في جنين
  • شاهد بالصور.. في مفاجأة كبيرة.. الكشف عن زوج نجمة السوشيال ميديا الحسناء “مرادي رشدي”  والذي تزوجته بعد انفصال دام 8 سنوات.. ناشط شهير وصاحب برنامج متابع
  • رئيس الكتلة البرلمانية لحزب (قوة يهودية) الذي يتزعمه بن غفير يقتحم المسجد الأقصى