فيلم َِ«جَنين جِنين» لمحمد البكري
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
لو قدّر للمخرج الدخول إلى غزة الآن، فأي فيلم وثائقي سيبدعه محمد البكري؟
مسلسل من جرائم الحرب استلزمت أشكال التعبير كافة، كتابة ودراما وتوثيقا؛ فلم تتغير الصورة كثيرا هنا في فلسطين المحتلة من قرن، سوى في تغير البشر، أجداد وآباء وأحفاد، ولعل الجد نفسه قد ذاق ويلات النكبة والنكسة واجتياح جنين عام 2002، لكنه اليوم مضى تاركا الهم والاهتمام لنسله.
مرت 22 عاما على عملية اجتياح مخيم جنين، 22 عاما كافية لتكون عملية تحول في الحياة، فهل بقي الحال كما كان عليه؟
الأدب، والفن من الحياة، كانت 22 عاما كافية لتشكل تحولا في نص قصصي أو روائي، أو درامي، لكن البكري العظيم، اختار الفيلم الوثائقي فكان إبداعا خاصا، فكما حضر التوثيق فقد حضر الحضور الطازج نفسه، فعشنا مع الفيلم كأننا هناك، نعيش في المخيم نسمع ونرى ونتكلم أو نستخدم لغة الإشارة أو نتأمل ما مرّ من زمن وما يمكن أن يمرّ.
فيلم «جَنين جِنين» بفتح الجيم وكسرها، كأن ثمة إشارة واضحة جدا لوجود جنين (وليد) لأصل ما كان من فيلم جنين جنين للمخرج نفسه، الفيلم الذي منعه الاحتلال بعد مجزرة مخيم جنين، والذي ظل الاحتلال يحاكم مخرجه عشرين عاما.
أما الفيلم الأول، والذي صار الجزء الأول ربما، بما لم يخطط له المخرج، فكان كما نعرف فيلما توثيقيا للأحداث التي وقعت في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في أبريل 2002، حيث كانت هذه المجزرة ضمن عملية اجتياح شاملة للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، للقضاء على بؤر المقاومة للاحتلال، حيث شهدت جنين أشرس المعارك، واستشهد خلالها عشرات الشهداء ودُمرت بيوت كثيرة في المخيم.
في اجتياح عام 2023، لم ينتظر المخرج البكري طويلا، فذهب من فوره إلى هناك، ربما بدافع وجودي أيضا، ولسان حاله يقول، ترى أين الذين صورتهم في الاجتياح الأول عام 2022؟ فمن ولد في ذلك الزمن صار شابا أو شابة، ومن كان طفلا صار أبا أو أما لطفل.
وهذا ما كان في رحلة عبقرية، تتحدث عن عبقرية وجود أهل مخيم جنين الصامد أمام بطش الاحتلال. عاد محمد البكري ليرى فيلمه الأول، ليذهب ويسأل عنهم أين هم الآن؟ وهل ما زال بعضهم على قيد الحياة وقيد الأمل؟
صدمنا المخرج في كل أوقات الفيلم؛ فمن البداية يختار البكري لغة الإشارة، من باب وجودي وبلاغي، فالإشارة أعمق من الكلام. اختار ابن المخيم الأبكم ليتحدث ويسرد ما كان ويكون، في شيء من السخرية من المتفرجين في العالم لا على الفيلم طبعا، ولكن على بطش الاحتلال.
تتنقل الكاميرا برشاقة مصحوبة بتأثيرات موسيقية ناقلة سرد ابن المخيم بلغة الإشارة، والذي يتابع السرد ساخرا في نهاية الفيلم من العالم ومن المؤسسات الأممية.
ثمة بناء وهدم، كعملية الأيض البيولوجي، البناء الفلسطيني وهدم الاحتلال بكل ما أوتي من تكنولوجيا التدمير، حيث نجد الفنان أحمد الطوباسي يتحدث عن الجرافة الكبيرة كأنها وحش، فكان صوتها صيف عام 2023 يذكره بما كان في ربيع 2022 حين كان ابن 17 ربيعا.
طفلة سيدة، وأطفال صاروا كبارا، لعل العودة إلى عدة مشاهد قد تكون عشرة مشاهد في الفيلم الأول، ليقاربها بما يكون من صيف 2023، ليظهر لنا بذكاء إبداعي ذلك التحول الغريب والفريد، تتغير الأعمار، يتغير الكثير، لكن الثابت الذي لا يتغير هو الاحتلال، والذي لم تنفع في ردعه ثلاثة عقود من المفاوضات كما اختتم به إحدى شخصيات الفيلم.
استخدم المخرج قدراته الفنية السينمائية والمسرحية، فكما تم توظيف لغة الإشارة، يستخدم خشبة مسرح الحرية بمخيم جنين، حين تكون رواية الفنان والمخرج أحمد الطوباسي كمواطن من المخيم، رواية المسرح، فكأننا أمام مونودراما مسرحية، توزعت على زمن الفيلم، ما يعني وعي المخرج في اختيار الشكل السردي التوثيقي، والذي ندعي هنا أنه يشكل مدرسة جديدة في إخراج الأفلام الوثائقية.
لعل اللغة البصرية في الفيلم كانت أقوى كثيرا مما نتوقع، لا لأنها تثير مشاعر الغضب والحزن، بل لأنها تبشّر بفجر فلسطيني قادم لا محالة؛ فقد رصدت كاميرا فيلم «جَنين جِنين» واحدة من أهم الظواهر والمظاهر معا في نفس الفلسطينيين. إنها ظاهرة الصمود والتحدي وعدم الاستسلام، من الملامح الظاهرة؛ فلا يمكن تفسير سحنات المتحدثين والمتحدثات، الساردين والساردات لرواية مخيم جنين، إلا بشيء واحد وهو أن النصر قادم لا محالة، لأن هؤلاء البشر العاديين بمن فيهم المقاومون، يستحقون الحياة.
ملامح فيها الصرامة واكتناز ما أجرم الاحتلال فيهم، ليكون دينامو العمل بطاقة كبرى، فلكل فعل رد فعل، مواز له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه.
إنها الفيزياء الفلسطينية التي تجلت وتتجلى الآن في غزة العزة، وفي مختلف أراضي فلسطين المحتلة، حيث لا يخشى المقاومون الموت ولا هدم البيوت، ولا يجدون في أنفسهم الجانب الضعيف، بل هم ند قوي لمحتل قوي بالسلام فقط، لذلك كانت مقاومة شعب المخيم مقاومة ضد الاحتلال، الذي يقصد دوما إعادة الفلسطيني إلى الوراء، ليجعله سيزيف الذي يعيد انتشال الصخرة من الوادي إلى أعلى الجبل.
إنه جيل التحرير ببساطة لأنه لا يخاف الاحتلال، والذي يخافه الاحتلال.
في ظل رصد وتوثيق اجتياح صيف 2023، أي قبل عام، يلتقي في الفيلم-المخيم، مشاعر مختلفة، فمع الملامح الحادة لسحنات أبناء المخيم وبناته من أعمار مختلفة حين يكون الأمر متعلقا بالاحتلال، إلى مشاعر روحية سماوية حين يأتي ذكر الشهداء الراحلين، إلى ابتسامات أهل المخيم المرحبين لا بطاقم الفيلم فقط، بل بكل من سيراهم، ربما ليطمئنوا العالم بأنهم ما زالوا باقين هناك.
لربما نحتاج لمشاهدة الفيلم مرات، لنلتقط تلك المشاهد الحية التي عبّرت عنها موسيقى الفيلم التي كانت سيناريو بصريا شكّل حيوية لشد أجزاء الفيلم.
الفيلم الوثائقي الذي لم يعتمد على أية مشهد تمثيلي، فمن يعتمد يسمى دوكيو درامي، لكن هذا الفيلم غريب فعلا في التصنيف كغرابة وفرادة مخيم جنين. إن الخيط الناظم في مشاهد الفيلم، والإبداع المميز في المونتاج، جعلنا إزاء حكاية لها شخوص، ومآلات ومصير.
إنها الدرامية العجيبة التي تركت الناس يتحدثون، فكان الحديث بحد ذاته متفوقا على الفن التمثيلي، فأي فنان يستطيع التعبير عن الحال مثل ابن المخيم الأبكم الذي وصف وباح وسخر في وقت واحد والذي اختار البقاء.
هي رسالة الفيلم، الذي ارتقى بالظاهرة، بالمخيم، والذي تيسرت له روافع فنية في التصوير والصوت والمونتاج والموسيقى.
وبما بدأنا ننتهي، فكم من فيلم تنتظر غزة الآن حين تتوقف الحرب عليها؟
هي رسالة الأدب والفن في الانتصار لفلسطين المحتلة، فكما المقاومة المسلحة، فإن كل كلمة وصورة تصير سلاحا.
محمد البكري مخرج مقاوم من فلسطين، المبدع الذي اختار شعبه رغم ما واجهه من محاكم الاحتلال.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مخیم جنین ما کان
إقرأ أيضاً:
السعودية تفتتح أضخم مشاريعها في اليمن والذي سينقذ آلاف المواطنين من الموت
مقالات مشابهة انتبه لا تفتح نوافذ مركبتك وشغّل التكييف فورا.. “موجات الغبار” في 4 إرشادات من “الأرصاد”
18/08/2024
صنعاء توجه مذكرة رسمية تحذيرية للرياض.. وهذا ما ورد فيها28/06/2024
شاهد ‘‘التاكسي الطائر’’ في أول تجربة له بالمشاعر المقدسة.. فيديو13/06/2024
السعودية تضع شرطا صارما على جميع الحجاج دون استثناء تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج01/06/2024
طبول الحرب تُقرع.. معلومات تكشف ترتيبات سعودية لتصعيد عسكري جديد في جبهتين باليمن وهذه تفاصيلها20/05/2024
امطار غزيرة وسيول جارفة تجتاح 7 دول عربية اليوم الاثنين وطقس العرب يصدر تحذيرات عاجلة29/04/2024
اعلنت المملكة العربية السعودية عن افتتاح مشروع جديد في اليمن يعد من أضخم المشاريع التنموية التي تنفذها المملكة في البلاد، والذي يهدف إلى تحسين بنية الطرق وبالأخص مشروع إعادة تأهيل طريق العبر الرابط بين مأرب وحضرموت.
يشار إلى أن المملكة العربية السعودية قادت حربا مدمرة ضد اليمن منذ ١٠ سنوات تسببت في تدمير البنية التحتية في البلاد وادت الى تدمير الاقتصاد وتوسع البطالة والانهيار التام للوضع المعيشي.
السعودية تعلن افتتاح أضخم مشاريعها في اليمن
هذا المشروع الضخم يأتي في وقت حرج ويعد بمثابة أمل جديد لآلاف اليمنيين، حيث يساهم في إنقاذ أرواح المدنيين وتحسين حركة المرور في مناطق تتعرض لأزمات إنسانية مستمرة.
خلفية المشروع وأهدافه
مشروع إعادة تأهيل طريق العبر الرابط بين مأرب وحضرموت هو جزء من استراتيجية سعودية تهدف إلى تعزيز البنية التحتية في اليمن، والتي تعاني من تدمير هائل جراء الحرب السعودية المستمرة منذ عشر سنوات.
يعتبر هذا الطريق أحد أهم الطرق التي تربط بين المحافظات اليمنية الجنوبية والشمالية، ويستخدمه الآلاف يوميًا في تنقلاتهم من وإلى مناطق مختلفة.
الطريق الذي يمتد على طول 340 كم، كان قد تعرض لأضرار جسيمة نتيجة الحرب السعودية على اليمن، مما أدى إلى صعوبة في حركة المرور، بالإضافة إلى تهديدات لسلامة المواطنين.
يعتبر هذا المشروع بمثابة شريان حيوي للمواطنين في تلك المناطق، فهو سيسهم في تحسين الأمن الغذائي والتجاري عبر تسهيل حركة البضائع والأشخاص، ويساعد في تخفيف الأعباء المعيشية عن العديد من الأسر التي كانت تواجه صعوبة في الوصول إلى الأسواق والمرافق الصحية.
تفاصيل المشروع وحجم تأثيره
الهدف الرئيس من مشروع إعادة تأهيل طريق العبر هو تحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية للعديد من الأسر اليمنية.
يشمل المشروع إعادة بناء الجسور، وتمهيد الطريق، بالإضافة إلى تأهيل جميع المرافق المتعلقة به، مثل محطات الوقود والمرافق الخدمية على امتداد الطريق.
سيتمكن المشروع من خدمة نحو 11 مليون مستفيد بشكل مباشر، وهم سكان المناطق المحيطة، إضافة إلى العديد من العاملين في النقل التجاري والزراعي.
المشروع سيسهم بشكل كبير في تخفيف الصعوبات التي يواجهها المواطنون في التنقل بين المناطق المختلفة في اليمن، وكذلك بين اليمن والسعودية، مما سيمكنهم من نقل المواد الغذائية والإمدادات الضرورية بشكل أسرع وأكثر أمان.
أهمية المشروع في دعم اليمن
يستهدف المشروع دعم الاستقرار الاقتصادي والإنساني في المناطق المتأثرة، حيث سيسهم في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق النائية التي كانت تعاني من صعوبة في الوصول إليها بسبب تدهور البنية التحتية.
تأثير المشروع على الوضع الإنساني
إعادة تأهيل طريق العبر ليس مجرد مشروع بنية تحتية بل هو خطوة استراتيجية لإنقاذ الأرواح.
منذ بداية الحرب في اليمن، تسببت الحرب على اليمن بقيادة السعودية في تفاقم الأوضاع الإنسانية، وعانى المواطنون اليمنيون من صعوبة التنقل، حيث كانت الحواجز والعوائق العسكرية تعرقل عملية نقل الإمدادات الأساسية مثل الغذاء والدواء.
مع هذا المشروع، سيتمكن السكان من الوصول إلى الخدمات الأساسية بسهولة أكبر، كما سيسهم في تقليل الحوادث المرورية المرتبطة بالحالة المتدهورة للطريق.
ذات صلةالوسوماصلاح طريق العبر السعودية العبر طريق العبر
السابق “المنزل المعجزة” في لوس أنجلوس: كيف صمد أمام الحرائق المدمرة؟اترك تعليقاً إلغاء الرديجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
آخر الأخبار السعودية تفتتح أضخم مشاريعها في اليمن والذي سينقذ آلاف المواطنين من الموت دقيقتان مضت “المنزل المعجزة” في لوس أنجلوس: كيف صمد أمام الحرائق المدمرة؟ 17 ساعة مضت واتسآب يطلق تحديثات 2025: ميزات مبتكرة لتسهيل التفاعل وإنشاء الملصقات.. طريقة تفعيلها 18 ساعة مضت الجاني ينشر الرعب في عدن.. مقتل معلمة على يد زوجها ومطالبات بالتحرك العاجل 18 ساعة مضت تنزيل أفضل لعبة كلمات عربية بتجربة ممتعة وجودة عالية 19 ساعة مضت تحذير هام لجميع الأسر اليمنية بشأن استئجار الاستراحات يومين مضت كشوفات التنزيلات للمعلمين والمعلمات بمحافظة صنعاء لشهر ديسمبر 2024م 3 أيام مضت أبرز بنود اتفاق غزة المرتقب 4 أيام مضت بنود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة 4 أيام مضت كشوفات التنزيلات للمعلمين شهر ديسمبر 2024م صنعاء وطبيعة العمل للمحالين للتقاعد 5 أيام مضت الغنامي: ظهور متزامن لرايات داعش وتصريحات أمريكية في اليمن يثير جدلًا واسعًا 5 أيام مضت الفلكي زياد الجهني يكشف عن رصد ظاهرة نادرة بالفيديو: إعصار فيه نار بحرائق كاليفورنيا 6 أيام مضت © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة | لموقع الميدان اليمني