كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في تقرير، أعدّه جيري شي وإلين ناكشيما وجون هدسون، بخصوص الّلوبي الهندي الذي مارس ضغوطا على الحكومة الأمريكية لكي تخفّف من نقدها للشيخة حسينة، وهي رئيسة وزراء بنغلاديش قبل الإطاحة بها.

وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنه "بعد الضّغوط الهندية خفّفت واشنطن من حدة النقد، لكن البلدين يواجهان الآن مشكلة تتعلق بإساءة التعامل مع الأوضاع في بنغلاديش".



وبحسب مسؤولين أمريكيين وهنود، فقد بدأ المسؤولون في نيودلهي وقبل عام من الإطاحة بها في ثورة طلابية، الأسبوع الماضي، محاولات لإقناع الولايات المتحدة من تخفيف الضّغوط على رئيسة الوزراء الحديدية في الجارة بنغلاديش. ووجّه الدبلوماسيون الأمريكيون عدّة انتقادات علنية للشيخة حسينة البالغة من العمر 76 عاما لسجنها آلافا من منافسيها ونقادها، قبل الإنتخابات التي كانت مقررة في كانون الثاني/ يناير. 

وفرضت إدارة بايدن عقوبات على وحدة شرطة بنغلاديشية تحت قيادة الشيخة حسينة ومتّهمة بارتكاب عمليات قتل واختطاف خارج القانون، وفرضت أمريكا قيودا على منح التأشيرات لبنغلاديشيين اتّهموا بتقويض الديمقراطية أو ارتكبوا انتهاكات حقوق إنسان.

إلا أن المسؤولين الهنود طلبوا عبر سلسلة من اللقاءات تخفيف الولايات المتحدة من حدّة المطالب المؤيدة للديمقراطية. فيما ناقش المسؤولون الهنود، أنه لو سمح بانتخابات حرة ومفتوحة وفازت المعارضة بالانتخابات، فإن بنغلاديش ستتحوّل إلى أرضية خصبة لتفريخ الجماعات الإسلامية المتطرّفة والتي تمثل تهديدا على الأمن القومي الهندي. 

وبحسب التقرير نفسه، فإن مسؤول هندي بارز أخبر المسؤولين الأمريكيين: "تنظرون للأمر من منظور الديمقراطية، وبالنسبة لنا، فإن الموضوعات هي أكبر خطورة وتهديدا للوجود"، مضيفا: "كانت هناك العديد من الحوارات مع الأمريكيين حيث قلنا لهم: هذا مصدر قلق جوهري لنا ولن تستطيعوا التعامل معنا كشريك استراتيجي إلا في حالة توصلنا لنوع من الإجماع الإستراتيجي". 

وفي النهاية خفّفت إدارة بايدن من نقدها ووضعت على الرّف العقوبات التي كانت تخطط لفرضها على حكومة الشيخة حسينة، مما قاد إلى خيبة أمل واسعة في بنغلاديش. ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الإجراءات التي اتخذتها الإدارة كانت محسوبة ولا علاقة لها بالضغوط الهندية. 

وتشير الصحيفة إلى أن الكثير من التفاصيل حول المداولات الثنائية لم يكشف عنها في السابق. مردفة أنه الآن وبعدما تحدّى المحتجون أوامر حظر التجول وزحفوا نحو مقر إقامة الشيخة حسينة وأجبروها على الفرار إلى الهند، بات المسؤولون في واشنطن، ونيو دلهي، يتساءلون إن كانوا قد أساءوا معالجة الأزمة. 

ونقلت الصّحيفة عن مسؤول أمريكي قوله: "كانت هناك دائما عملية موازنة في بنغلاديش، مثل بقية الأماكن، حيث يكون الوضع معقدا وتريد العمل مع شركائك بطريقة لا تتوافق مع ما يتوقعه الأمريكيون".

وفي الأشهر التي سبقت انتخابات كانون الثاني/ يناير ظهرت خلافات داخل الحكومة الأمريكية بشأن التعامل مع بنغلاديش. فيما طالب البعض في وزارة الخارجية الأمريكية بمن فيهم السفير بيتر هاس وعدد من مسؤولي السفارة الأمريكية في دكا باتخاذ موقف متشدّد من الشيخة حسينة، نظرا لأن بايدن وعد في حملته الإنتخابية بالدفاع عن الديمقراطية ضد الديكتاتورية، حسب مسؤولين على معرفة بالوضع، وقد تقاعد هاس من عمله الدبلوماسي ورفض التعليق على تقرير الصحيفة. 


وناقش مسؤولون أمريكيون آخرون بأنه لا يوجد شيء يمكن تحقيقه من تنفير حسينة وتعريض حياة الدبلوماسيين الأمريكيين للخطر، بمن فيهم هاس والذي تلقى تهديدات من أتباع حسينة. 

كذلك، طرح بعض المسؤولين في البيت الأبيض التّداعيات السلبية من إثارة عداوة الهند، التي وجّهت سلسلة من المناشدات إلى الولايات المتحدة لتخفيف ضغوطها على الشيخة حسينة، بما في ذلك عندما التقى وزير الخارجية الهندي، إس جايشانكار، ووزير الدفاع، راجناث سينغ، مع وزير الخارجية، أنتوني بلينكين، ووزير الدفاع، لويد أوستن، في تشرين الثاني/ نوفمبر في نيودلهي، حسب أشخاص على معرفة بالأمر.
 
ولعب مستشار الأمن القومي الهندي، أجيت دوفال. دورا مهمّا في تقديم موقف الهند، أثناء زيارة إلى واشنطن في الخريف الماضي. وقال مسؤول أمريكي: "حاول النهج الأميركي تجاه بنغلاديش أن يكون متسقا مع قيمنا، وقد تحدّثنا عن تلك القيم علنا في مناسبات عديدة، وكان براغماتيا فيما يتعلق بالواقع المعقد للغاية في بنغلاديش وأن هناك مصالح لنا وللدول الأخرى". 

وأضاف: "واحتجنا للبحث عن طريقة بناءة للتواصل مع تلك الإدارة، كما نفعل في كل الأماكن، ولهذا كانت سياستنا هي محاولة بناء توازن بين هذين الأمرين". 

وبالنسبة للهند، فقد أعادت الأحداث الدرامية في بنغلاديش الإنتباه إلى رهانها الطويل في العقود الماضية على الشيخة حسينة، حتّى مع تزايد ميولها الديكتاتورية وتراجع شعبيتها. وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد كشفت الحادثة عن معضلة متزايدة لها، ففي الوقت الذي تعاملت إدارة بايدن مع الهند كحليف استراتيجي وقوة موازية للصين، إلاّ أنه نظر للهند نفسها من قبل جيرانها الدول الأصغر بأنها قوة تتدخل بقسوة في شؤون الآخرين، وبخاصة في ظل ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي.

ففي كانون الثاني/ يناير وبعد إعلان حسينة عن انتصارها، وفي وقت كان فيه الكثير من منافسيها إما في السجن أو مختبئن، صادقت حكومة مودي على الإعلان مما أدى لإثارة الدعوات لمقاطعة البضائع الهندية.

وفي العام الماضي، وصل محمد موازي للسلطة في جزر المالديف الصغيرة بناء على حملة انتخابية شعارها "اطردوا الهند". وفي سيرلانكا، تزايدت المشاعر المعادية للهند عندما أعلن مودي في الحملات الإنتخابية لإعادة انتخابه بأن منافسيه تخلوا عن أراض هندية لسريلانكا، بثمن زهيد. 

وقال جون دانيلوفيتش، وهو الدبلوماسي الأمريكي المتقاعد والذي خدم كرئيس للبعثة الأمريكية في داكا، إن "الولايات المتحدة بنت علاقاتها مع الهند وكان لديها ميل الاستجابة إلى مطالبها بالمنطقة ولا يوجد أكثر وضوحا من بنغلاديش".

وأضاف: "لكن المخاطر مثل إيران عام 1979، فإنه لو نظر إليك كقوة متعاونة مع ديكتاتور فإنك ستضطر للحاق به"، في إشارة لدعم الولايات المتحدة لشاه إيران قبل أن تطيح به ثورة إسلامية. 


واستدرك دانيلوفيتش، بالقول: "إنّ على نيودلهي وواشنطن الآن إظهار التواضع والاعتراف بأنها قد أخطأتا في بنغلاديش، عندما تجاهلتا الشعب وتطلعاته الديمقراطية". فيما يرفض المسؤولون الأمريكيون اتهامات التأثير الهندي عليهم، قائلين إن بلينكن، قاد الجهود لتخفيف العنف ودعا لانتخابات نزيهة. 

وقال مسؤول إن "الشيخة حسينة والمعارضة اعترفوا بالخطوات التي قام بها بلينكن وأنها خفضت العنف"، مضيفا: "بعد الإنتخابات التي لم تكن حرّة ولا نزيهة انتقد البعض الولايات المتحدة لأنها لم تفرض عقوبات على البنغلاديشيين، ونسبوا هذا خطأ للتأثير الهندي". 

وبعد الإطاحة بالشيخة حسينة بعد أسابيع من الإضطرابات وقتل مئات من المحتجين، غيرت حكومة الهند موقفها وأعربت عن استعدادها للعمل مع أي جهة في الحكم. وأرسلت مودي في الأسبوع "تمنياته" لمحمد يونس، وهو الحائز على جائزة نوبل للإقتصاد والمكلف برئاسة حكومة انتقالية، رغم انتقاده الهند لدعمها الشيخة حسينة. 

ودعا يونس إلى انتخابات حرة ونزيهة بعد إعادة الاستقرار للبلد. ودعمت الخارجية الأمريكية، يونس، وقال المتحدث باسمها، ماثيو ميلر، إن "الشعب البنغلاديشي هو من يقرّر مستقبل الحكومة في بنغلاديش".

وإلى جانب الولايات المتحدة، حذّرت الهند، الحكومات الغربية، من مخاطر عودة الحزب الوطني البنغلاديشي إلى السلطة. ووصف مسؤول في دولة غربية أن جهود اللوبي الهندي كانت "كثيفة" و"بدأوا بإحاطة الحكومات الغربية بأن بنغلاديش قد تتحول إلى أفغانستان جديدة وان عودة الحزب الوطني البنغلاديشي قد تقود إلى عدم استقرار وعنف وإرهاب". 

ويبرّر المسؤولون الهنود مخاوفهم من الوضع في بنغلاديش بعد فوز الحزب الوطني البنغلاديشي في منتصف العقد الأول من القرن الحالي حيث قام المتشددون بتهريب السلاح والأشخاص إلى معسكرات في شمال- شرق الهند. ويقولون إن تجربتهم مع الحزب الوطني تفسّر سبب تصميمهم على دعم الشيخة حسينة وحكمها لمدة 15 عاما. 

وفي الأيام الاخيرة، حذّر المسؤولون الهنود من حزب الجماعة الإسلامية وإمكانية عودته إلى الحكم، في وقت نشرت الصحف الهندية زيادة في الهجمات ضد الهندوس في بنغلاديش. وقال مسؤولو الحزب الوطني البنغلاديشي، الذين قد يفوزوا في الإنتخابات لو عقدت إنهم التقوا مع مسؤولين هنود لإصلاح العلاقات وتطمينهم على سلامة الهندوس، في حالة توقف الهند عن دعم حسينة. وقال أمير خسرو تشاودري، المسؤول البارز في الحزب "اتصلنا مع الهند وقلنا لهم: لا تضعوا بيضكم كله في سلة واحدة، وحاولنا تخفيف مظاهر القلق الهندية، ومن السخافة بمكان أن نعود كلنا للماضي". 

وفي الوقت الذي تحاول فيه الهند التعامل مع صدمة فقدانها المفاجئ لأحد أقرب حلفائها، انتشرت التكهنات في دوائر السياسة الخارجية الهندية ووسائل الإعلام بأن واشنطن دبّرت إقالة حسينة، التي كانت علاقتها بالولايات المتحدة باردة لفترة طويلة. وهو ما نفاه المسؤولون الأمريكيون بشدة. 


وقال آخرون في نيودلهي، إن الهند هي من تتحمّل المسؤولية لأنها دعمت ديكتاتورا ولزمن طويل. وعلّق مسؤول أمن قومي هندي سابق بأنّ دعم الهند للشيخة حسينة كان له منطقه، إلا أن نيودلهي لم تكن واعية لما يجري في الواقع. 

وقال المسؤول الهندي السابق: "كل من جاء من دكا قدم نفس الملاحظات بأن المشاعر المعادية للهند وصلت إلى مستوى غير مسبوق، ومع ذلك فقد اعتقدنا أنها تسيطر بشكل كامل على مفاصل الدولة الإدارية والأمنية".

وأضاف: "اعتقدنا أن المحاولات المتكررة لزعزعة استقرار الحكومة قد فشلت، لذلك ستنجح مرة أخرى. والحقيقة أن الأمر كله كان يحتاج فقط إلى شرارة لإشعال النار في المنزل بأكمله".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة دولية الهندي بنغلاديش بايدن الهند بايدن بنغلاديش المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الشیخة حسینة فی بنغلادیش التعامل مع

إقرأ أيضاً:

واشنطن تستخدم الفيتو للمرة الرابعة ضد قرار وقف العدوان على غزة

استخدمت الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" ضد قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك للمرة الرابعة منذ بدء العدوان على القطاع قبل ما يزيد عن 400 يوم متواصلة.

وصوت المجلس المؤلف من 15 عضوا على مشروع قرار تقدم به أعضاؤه العشرة غير الدائمين في اجتماع دعا إلى "وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار" ويطالب بشكل منفصل بالإفراج عن المحتجزين في غزة.

وصوتت الولايات المتحدة وحدها ضد القرار، مستخدمة حق النقض "الفيتو" بصفتها عضوا دائما في المجلس لمنع صدوره.

وقال مسؤول أمريكي كبير، تحدث للصحفيين قبل التصويت مشترطا عدم نشر اسمه، إن الولايات المتحدة لن تدعم إلا قرارا يدعو صراحة إلى الإفراج على الفور عن المحتجزين في إطار وقف إطلاق النار.


وقال المسؤول "كما تم التصريح بذلك مرات كثيرة من قبل، لا يمكننا دعم وقف إطلاق نار غير مشروط لا يدعو إلى الإفراج على الفور عن الرهائن". وفق رويترز.

وذكر المسؤول الأمريكي أنه قبل التصويت، طرحت بريطانيا صياغة جديدة كانت الولايات المتحدة ستدعمها كحل وسط، لكنها قوبلت بالرفض.

وقال إن بعض الدول العشر المنتخبة في المجلس كانت أكثر اهتماما باستصدار حق النقض من الولايات المتحدة بدلا من التوصل إلى تسوية بشأن القرار، واتهم روسيا والصين بتشجيع هؤلاء الأعضاء.

وهذه المرة الرابعة التي تستخدم فيها واشنطن حق النقض، "الفيتو" لمنع إصدار قرار يقضي بوقف العدوان الوحشي المتواصل على قطاع غزة.

وتواصل آلة الإبادة الإسرائيلية مجازرها في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدعم أمريكي مطلق، ما أسفر عن نحو 148 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

مقالات مشابهة

  • واشنطن: لا نسعى إلى حرب مع روسيا
  • فلسطين تعرّي المفاهيم الأخلاقية للمجتمع الدولي
  • قيصر الحدود يرحب باستخدام الأرض التي منحتها تكساس لتنفيذ خطط الترحيل
  • ما هي المشروبات التي تساعد في تخفيف آلام الدورة الشهرية؟
  • «أبو جناح» يلتقي سفير بنغلاديش لدى ليبيا
  • رئيس وزراء الهند ينشر صورته مع السيسي خلال قمة العشرين .. ماذا قال؟
  • واشنطن تستخدم الفيتو للمرة الرابعة ضد قرار وقف العدوان على غزة
  • النسخة الثانية من معرض “ماركات الهند” تفتح الأبواب أمام تجار التجزئة والموزعين العالميين لاكتشاف أكثر من 150 شركة تصنيع ملابس هندية
  • إسرائيل تطالب الأمم المتحدة بالضغط على العراق لوقف هجمات الفصائل المسلحة
  • سفير مصر في نيودلهي يُقدم أوراق اعتماده لرئيسة جمهورية الهند