التخطيط الاستراتيجي الصيني لتخزين الغذاء: هل يشير إلى استعدادات بكين لغزو تايوان؟
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
مقدمة
شهدت الصين مؤخرًا تحركات غير معتادة أثارت قلقًا كبيرًا لدى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لجأت بكين إلى تخزين كميات ضخمة من الغذاء والمواد الأساسية بشكل يفوق احتياجاتها الاعتيادية. ويثير هذا التحرك تساؤلات حول دوافع الصين، وما إذا كانت تستعد لاحتمالية غزو تايوان في المستقبل القريب.
جلسة استماع في الكونغرس الأمريكيفي 13 يونيو 2024، عقدت لجنة تابعة للكونغرس الأمريكي جلسة استماع استمرت لمدة خمس ساعات ونصف، وخلصت إلى أن تخزين الصين لاحتياطيات ضخمة من المواد الأساسية يمكن اعتباره مؤشرًا محتملاً على استعدادها لغزو تايوان والاستيلاء عليها.
أشار اثنان من الأمريكيين الذين أدلوا بشهادتهم في جلسة الاستماع إلى أن ما تقوم به الصين يشبه ما فعلته ألمانيا النازية في عهد هتلر، عندما خزنت كميات كبيرة من المواد الأساسية، لا سيما النحاس، قبل غزوها لبولندا عام 1939. كما أشار شاهد آخر إلى أن اليابان قامت بتحركات مماثلة قبل تنفيذ هجماتها في المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية.
تحركات الصين في سوق الغذاءفي موسم 2023-2024، حقق محصول الذرة في الصين مستوى قياسيًا تجاوز 288 مليون طن، وهو ما يكفي تقريبًا للاستهلاك السنوي للبلاد. ومع ذلك، استوردت الصين كميات كبيرة من الذرة من أوكرانيا والبرازيل في نفس العام، مما أثار استغراب الخبراء الاقتصاديين مثل أرلان سيدرمان، الذي تساءل عن سبب استيراد الصين للقمح من هذه الدول رغم وفرة محصولها المحلي وارتفاع تكاليف الشحن.
تساؤلات مهمةإذا افترضنا أن الصين تقوم بهذه التحركات استعدادًا لغزو تايوان، فإن ذلك يثير عدة أسئلة:
لماذا تحتاج الصين إلى تخزين كميات ضخمة من الغذاء رغم أنها أكبر منتج للغذاء في العالم؟ كم يحتاج الشعب الصيني البالغ عدده 1.4 مليار نسمة من الغذاء ليشبع، وكيف يمكن تخزين هذه الكميات؟ كم ستكفي المخزونات الغذائية للشعب الصيني في حال فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها حصارًا على الصين في حالة غزو تايوان؟ لماذا يعتبر الغذاء مسألة حساسة للغاية في الصين؟ تحليل ليستر براون في كتابه “من سيطعم الصين؟”في عام 1995، نشر المحلل الأمريكي ليستر براون كتابه المثير للجدل “من سيطعم الصين؟”، حيث رأى أن ثراء الشعب الصيني وارتفاع أعداد الطبقة الوسطى سيؤديان إلى زيادة متطلباتهم الغذائية، مما سيشكل ضغطًا هائلاً على إمدادات الغذاء العالمية.
براون حذر من أن تحول الاقتصاد الصيني نحو التصنيع سيؤدي إلى خسارة مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، ما سيخلق فجوة بين الإنتاج المحلي والطلب على الحبوب، وستضطر الصين لسد هذه الفجوة عن طريق الاستيراد، كما حدث مع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان عندما تحولت نحو التصنيع.
التحديات الحالية التي تواجه الصينيعيش في الصين حاليًا 22% من سكان العالم، لكنها تمتلك فقط 7% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم و6% فقط من إمدادات المياه العذبة السطحية. في ضوء هذه الأرقام، يستحيل على الصين تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، لذا يجب عليها التعامل مع الفجوة الغذائية الحتمية وتقليل مخاطرها قدر الإمكان.
الخاتمةتثير التحركات الصينية الأخيرة في سوق الغذاء والتخزين الاستراتيجي للمواد الأساسية تساؤلات جوهرية حول دوافع بكين وما إذا كانت تستعد لغزو تايوان. ورغم امتلاك الصين لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، إلا أن تحول اقتصادها نحو التصنيع وارتفاع مستويات معيشة شعبها يجعل من المستحيل عليها تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. وتبقى هذه المسألة التحدي الأكبر الذي يواجه القيادة الصينية في الوقت الراهن.
أهم المراجع والمصادر بيانات حول حجم اقتصاد الصين وعدد سكانها ونسبة الأراضي الزراعية ومصادر المياه العذبة – البنك الدولي. كتاب “من سيطعم الصين؟” للمحلل الأمريكي ليستر براون – معهد ورلدووتش، 1995. تصريحات خبير الاقتصاد أرلان سيدرمان حول استغرابه من واردات الصين للقمح رغم وفرة محصولها المحلي – مارس 2024. محاضر جلسة الاستماع في لجنة الكونغرس الأمريكي حول التحركات الصينية الأخيرة في سوق الغذاء – 13 يونيو 2024.الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: لغزو تایوان من الغذاء
إقرأ أيضاً:
وزيرة التخطيط تشهد فعاليات أكاديمية النمو للبنك الدولي بالشرق الأوسط
شهدت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، إطلاق مجموعة البنك الدولي، بالتعاون مع جامعة شيكاغو ومنتدى البحوث الاقتصادية في مصر، فعاليات «أكاديمية النمو» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على مدار أربعة أيام بالقاهرة؛ بمشاركة ممثلي عدد من دول المنطقة من بينهم المغرب، وإيران، وتركيا، وتونس، والجزائر، وجيبوتي، ونيجيريا، حيث تأتي تلك الورشة في إطار التحول المنهجي في دور البنك الدولي، ليصبح بنكًا للمعرفة، بما يوسع عملية تبادل الحلول والخبرات التنموية، وصياغة الحوارات العالمية حول تحديات التنمية، ومساندة الدول خاصة النامية على مواصلة مسارها التنموي في ضوء التحديات العالمية المعقدة.
وتُركز ورشة عمل «أكاديمية النمو»، على مناقشة نتائج تقرير «فخ الدخل المتوسط»، الصادر في وقت سابق عن البنك الدولي، والذي يرصد التحديات المتشابكة التي تحول دون انتقال الدول متوسطة الدخل إلى مصاف الدول مرتفعة الدخل، حيث يوضح التقرير أنه منذ تسعينيات القرن الماضي لم ينجح سوى 34 اقتصادًا متوسط الدخل في تحقيق هذا الهدف، بينما 108 اقتصادًا ظلت عالقة في منطقة الدول متوسطة الدخل، وفي ضوء تفاقم التحديات الحالية خاصة على صعيد ارتفاع الديون، فإن ورشة عمل «أكاديمية النمو»، تعمل على مشاركة الاستراتيجيات الأساسية على صعيد تعقيدات النمو الاقتصادي، وتعزيز الإنتاجية، والتغلب على فخ الدخل المتوسط، والتحديات والفرص أمام الدول متوسطة الدخل.
ومن جانبها، أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي محافظ مصر لدى البنك الدولي، على أهمية إطلاق ورشة عمل «أكاديمية النمو»، والتي تعكس عمق ومتانة العلاقة بين جمهورية مصر العربية والبنك الدولي، ومكانتها باعتبارها واحدة من أكبر دول العمليات على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، موضحةً أن «أكاديمية النمو»، تُمثل تجمعًا لممثلي الحكومات، ومراكز الفكر والأبحاث، وصانعي السياسات، من أجل التعرف على التحديات الرئيسية أمام الاقتصاديات النامية، ومشاركة السياسات والمعارف والخبرات، لبناء نماذج نمو على الأجل الطويل، تُسهم في دفع جهود التنمية.
وأضافت «المشاط»، أن التحول الذي نشهده في منهج مجموعة البنك الدولي، نحو المعرفة يُعد تغييرًا جوهريًا يتسق مع العالم سريع التغير، حيث أصبحت الحاجة إلى الابتكار والمعرفة من أجل التنمية أكثر أهمية من أي وقت مضى، خاصة في ظل التحولات النوعية التي نشهدها اليوم في عملية التنمية من خلال التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي.
ومن جهته، قال الدكتور نورمان لويزا. مدير عام مجموعة المؤشرات العالمية بالبنك الدولي، إن مصر تتمتع بإمكانيات كبيرة تمكنها من التغلب على «فخ الدخل المتوسط»، من خلال تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، وزيادة النمو الاقتصادي، وحشد المدخرات المحلية وتوجيهها نحو الاستثمار الخاص، فضلًا عن تهيئة البيئة الملائمة لزيادة مُشاركة المرأة في سوق العمل والمناصب القيادية، وزيادة الإنتاجية وتحسين تنافسية بيئة الأعمال».
وأوضحت الدكتورة روبيرتا جاتي، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، قائلة «تشير دراسة حديثة إلى أن المساواة بين الرجل والمرأة في معدلات التوظيف يمكن أن يُسهم في زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50% تقريبًا على المدى الطويل، وفي مصر هناك إمكانيات كبيرة متاحة للنمو بفضل ارتفاع عدد الشباب والموقع الجغرافي. وبينما تبرز أهمية القطاع الخاص كمحرك رئيسي لزيادة الإنتاجية وخلق فرص العمل، فإن تعزيز تكافؤ الفرص في مجتمع الأعمال وتحسين مناخ الاستثمار يمكن أن يطلق العنان بشكل كبير للاستثمارات الخاصة في مصر».
وقال أفوك أكسيجيت، أستاذ الاقتصاد بجامعة شيكاغو، إن البنك الدولي أطلق ميثاق المعرفة في مايو الماضي، والذي يتضمن تسهيل الوصول إلى البيانات، ودمج وتصنيف بيانات مجموعة البنك الدولي، والدول، والشركاء العالميين، على منصة واحدة سهلة الاستخدام، فضلًا عن بناء شراكات وتحالفات استراتيجية أقوى، وتبادل المعرفة من خلال أكاديمية النمو التي دشنها البنك مع الدول الشريكة، بهدف تعزيز القدرات التنفيذية لصانعي السياسات والعاملين في مجال التنمية، وإمدادهم برؤى وحلول عملية لمواجهة تحديات التنمية المُلحة، بالإضافة إلى تسريع وتيرة التحول الرقمي، من خلال دعم السياسات والدعم الفني».
جدير بالذكر أن البنك الدولي، أطلق ما يُعرف بـ «ميثاق المعرفة»، خلال مايو الماضي، والذي يشمل إتاحة البيانات بسهولة ويسر من خلال مبادرة البيانات الجديدة data360 لدمج البيانات من مجموعة البنك الدولي والبلدان والجهات المتعاملة معها والشركاء العالميين وتصنيفها في منصة سهلة الاستخدام، وكذلك إقامة شراكات أكثر قوة وتحالفات إستراتيجية، وتبادل المعرفة من خلال أكاديمية مجموعة البنك الدولي الجديدة مع البلدان الشريكة لتوسيع القدرات التنفيذية لواضعي السياسات والعاملين في مجال التنمية وتزويدهم برؤى وحلول قابلة للتطبيق لمواجهة التحديات الإنمائية الملحة، فضلًا عن تسريع وتيرة التحول الرقمي من خلال تقديم إرشادات بشأن السياسات، ومساعدة فنية، وريادة فكرية في مجال الرقمنة.
وتُعد «أكاديمية النمو» برنامجًا دوليًا ومبادرة مشتركة بين معهد بيكر فريدمان للاقتصاد التابع لجامعة شيكاغو، والبنك الدولي، بهدف تعزيز المعرفة لدى الباحثين، وصانعي السياسات، لتعزيز الحلول المبتكرة لتحديات النمو الاقتصادي، كما تهدف إلى البحث في السياسات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية بالدول متوسطة الدخل.