تمر علينا اليوم ذكرى سودنة الجيش السوداني على يد القائد الفذ أحمد محمد باشا الجعلي، الذي تسلم راية القيادة من الجنرال إسكوز باشا، آخر قائد بريطاني لما كان يعرف في العهد الاستعماري البغيض بقوة دفاع السودان. كانت سودنة الجيش أول خيط من خيوط سناء فجر الحرية، فما كان الاستقلال ليتم لولا بلاء قوة دفاع السودان الحسن في ملاحم شرق أفريقيا وشمالها، خصوصًا واقعة كرن في العام 1941م ضد الطليان.
ومما ألهب حماس الخريجين وهيج مشاعرهم الوطنية نشيد “صه يا كنار” للصاغ محمود أبو بكر، الذي خلد مشاركته مع الجيش في الحرب العالمية الثانية بأبياته ذائعة الصيت:
ودع بدمعك من تحب فإنني
أنا إن دعوتك لن تعيش إلى غد
والبندقية في بداد بيوتها
طلعت بمجد ليس بالمتبدد
سازود عن وطني وأهلك دونه
في الهالكين فيا ملائكة اشهدي
ولأن جميل الجيش على الوطن لا يُجهل ولا يُغفل، كان التكريم من لجنة تأليف النشيد الوطني التي كلف الزعيم الأزهري تلميذه الدكتور عبد الله الطيب برئاستها، فاختارت اللجنة أن يكون نشيد العلم مقاطع مختارة من نشيد الجيش، الذي صاغ كلماته أحمد محمد صالح. وقد أجرت اللجنة تعديلًا طفيفًا في مقاطع النشيد، فتحول المقطع الذي يقول “يابني السودان هذا جيشكم” إلى “يابني السودان هذا رمزكم”.
وأحسب أن الجيش كان ولا يزال رمزًا للوطنية الصادقة، رمزًا عبر عنه شعار الانتفاضة الخالد “جيش واحد، شعب واحد”، هذا الشعار الذي نستلهمه اليوم في معركة الكرامة الوطنية الفاصلة. ولأن عيد الجيش يأتي للمرة الثانية في خضم التمرد الآثم المليشيا الخائنة العميلة لقوى الشر الإقليمية، لذلك حق لنا أن نقف عند هذه المناسبة الوطنية الخالدة، نتزود منها بالمعاني القومية التي تشحذ همم الكفاح ضد المليشيا المجرمة التي ارتكبت كل الموبقات قتلاً للأبرياء ونهبًا للأموال وهتكًا للأعراض وإخراجًا للسكان المدنيين من أرضهم وديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.
إن هذه المناسبة الوطنية العظيمة لا ينبغي أن تمر علينا مرور الكرام، بل يجب أن تكون سانحة للتأمل ووقفة للتدبر، وسانحة لمراجعة النفوس ومحاسبتها وتجديد نياتها الدينية والوطنية. يجب على قيادة الجيش أن تراجع خططها وتتجاوز مربع الصراع حول القيادة والسيطرة، وترتقي إلى مطلوبات حرب التحرير. ولتعي قيادة الجيش قول الإمام علي: “ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا”. وما هو في حق الجيش واجب، هو في حق الشعب أوجب، لأن الجيش هو قوات الشعب المسلحة، فيجب على الشعب أن يرتقي بوعيه ليدرك هوية المعركة التي لا تستهدف تحطيم الجيش واستبداله بالمليشيا فقط، بل تهدف إلى تهجير شعب السودان بالكامل وإفراغه من سكانه، مما يعني التغيير الديموغرافي الشامل.
وهذا المخطط لا يستطيع الجيش وحده التصدي له ما لم تستنفر طاقات الأمة وتعبأ لصالح المعركة الوجودية المصيرية. فلذلك لابد من مراجعة ملف المقاومة الشعبية وتطويرها، حتى لا تتكرر مآسي الخرطوم والجنينة، وما مدني وسنجة عنكم ببعيد. إن هذه المعركة مصيرية ونتائجها صفرية لا تقبل القسمة على اثنين،
وليس هناك وسط حسابي بين جيش وطني ومليشيا مجرمة عميلة. فإما أن يكون للسودان جيش واحد وشعب واحد، وإما أن يكون السودان دولة مليشيات يستوطنها عربان الشتات. هذا قدرنا الذي لا مفر منه، فإما الصدر وإما القبر. وقد آن الأوان أن نثبت بطريقة العساكر “البيان بالعمل” ما نردده في نشيدنا الوطني الذي كان نشيد الجيش:
نحن جند الله
جند الوطن
إن دعا داعي الفداء لم نخن
نتحدى الموت عند المحن
نشتري المجد بأغلى ثمن
هذه الأرض لنا
فليعش سوداننا علمًا
بين الأمم
يابني السودان، هذا رمزكم
يابني السودان، هذا جيشكم
يحمل العبء ويحمي أرضكم
أ. زهير هاشم طه
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
قائد الجيش الأوغندي يهدد بغزو الخرطوم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
جدد قائد قوات الدفاع الشعبية الأوغندية موهوزي موسيفيني نجل الرئيس الأوغندي تهديداته باجتياح العاصمة السودانية الخرطوم بعد ساعات من تقديم بلاده اعتذارا رسميا عن تصريحات مشابهة.
وكتب موهوزي نجل الرئيس الأوغندي موسفيني عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس" مهددا السودان قائلًا: "والدي لو أمرنا بالسيطرة على الخرطوم لفعلنا ذلك غدا".
وجاءت تصريحات قائد قوات الدفاع الشعبي الأوغندية بعد ساعات من بيان للخارجية السودانية رحبت فيه باعتذار الحكومة الأوغندية رسميًا عن التصريحات التي أطلقها قائد قوات الدفاع الأوغندية والتي تحدث فيها عن غزو الخرطوم بدعم من الإدارة الأمريكية.
وكان قائد قوات الدفاع الشعبي الأوغندية نجل الرئيس الأوغندي كتب في تغريدة له على منصة "إكس" قبل أيام "نحن فقط ننتظر زميلنا، دونالد ترامب، ليصبح رئيسًا للولايات المتحدة، وبدعمه نتمكن من الاستيلاء على العاصمة السودانية الخرطوم".
وأضاف نجل الزعيم الأوغندي في تدوينته: "تنتهي هذه الفوضى في السودان قريبًا. إذا كان هؤلاء الشباب في الخرطوم لا يعرفون ما هي الحرب فسوف يتعلمون".
وأدانت السودان تلك التصريحات لقائد قوات الدفاع الشعبي الأوغندية، في بيان للخارجية السودانية في 18 ديسمبر استنكر التصريحات التي نشرها المسؤول العسكري الأوغندي مطالبا باعتذار رسمي من الحكومة الأوغندية.
وقالت الخارجية الأوغندية في مذكرة وجهتها إلى سفارة السودان في كمبالا إن "تلك التعليقات لا تمثل الموقف الرسمي للحكومة الأوغندية" وأن المواقف الرسمية تُعلن عبر القنوات الدبلوماسية المعروفة، وليس عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها نجل الرئيس الأوغندي الذي ينظر إليه على أنه خليفة والده في الحكم جدلا بسبب تصريحاته، حيث سبق توجيهه تغريدات حملت تهديدات لدولة كينيا في إحدى المرات، مما أدى إلى إقالته من منصب قائد القوات البرية في عام 2022.