قائد الثورة: الرد على العدو الصهيوني قادم والقرار حاسم لا تراجع عنه أبدا وهو التزام إيماني إنساني أخلاقي
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
الثورة نت|
قال قائد الثورة ، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، إن العدو الإسرائيلي يواصل جريمة القرن في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة لليوم لـ 314 على التوالي.. مشيرا إلى أن “مذبحة الفجر” أبشع جرائم العدو الصهيوني خلال الأسبوع الماضي باستهداف المصلين في مدرسة التابعين بـ 3 قنابل أمريكية.
وأضاف السيد القائد، في كلمة له اليوم، حول آخر تطورات العدوان الاسرائيلي على غزة والمستجدات الاقليمية، أن العدو استباح بمذبحة الفجر حياة المدنيين وانتهك قدسية الصلاة والمصلى وتعمد إبادة المصلين.
وأشار إلى أن ردود الفعل في الساحة الإسلامية والعربية هي الحالة التي عبر عنها القرآن بقوله تعالى “إنك لا تُسْمِعُ الْموْتَى، وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرين”.. قائلا: إن جرائم العدو الفظيعة المتجددة لم تحرك الزعماء والحكومات العربية ولا حركتهم حجم مأساة الشعب الفلسطيني.
ولفت إلى أن بعض الأنظمة العربية متواطئة، والعدو الإسرائيلي يتباهى بما يصله من أطنان الفواكه والمواد الغذائية، فيما الشعب الفلسطيني يتضور جوعا.. مبينا أن بعض الأنظمة العربية تتحرك بكل ما أوتيت من قوة لتوفير الحماية العسكرية للعدو والاعتراض لما يستهدفه من صواريخ أو طائرات مسيرة.
وأوضح السيد القائد، أن وسائل إعلامية عربية تحولت إلى منابر لتبرير جرائم العدو الإسرائيلي وإلى توجيه معنوي لصالحه وتوجيه لغة التحدي للأمة.. كما أن أكثر النخب في سبات لا موقف لها من غزة والبعض في نفس اتجاه السلطة التي تحكمهم.
وأضاف أن قليل من علماء الدين لهم موقف مساند لفلسطين وأكثرهم ليس له تحرك لتعبئة الأمة للنهوض بمسؤوليتها الجهادية المقدسة.. قائلا: إن من يطلقون على أنفسهم “كبار العلماء” من رموز التكفير والفتنة لهم صوت، لكنه نهيق يدعو دائما إلى الفتنة الطائفية.
وبين قائد الثورة، أن رموز التكفير يسعون لصرف أنظار الأمة عن عدوها وقضيتها الحقيقية ويتجاهلون ما يحصل للشعب الفلسطيني ويخذلونه.. موضحا بالقول: لا نسمع من رموز الفتنة إلا أنكر وأقبح الأصوات المشحونة بالافتراء والفتنة وخدمة العدو.
وأشار إلى أن النخب السياسية والأكاديمية في أمتنا غائبة، والبعض لها موقف إيجابي من غزة ينسجم مع انتمائهم للإسلام و”قليل ما هم”.. متسائلاً بالقول: أين هي الشعوب المسلمة التي قد تصل إلى ملياري مسلم، لماذا لا تتحرك لهول ما يحدث في غزة؟!
وأكد السيد القائد، أن لا عذر في ساحة القيامة لملياري مسلم، لا من قلة العدد ولا انعدام العدة.. مشيرا إلى أنهُ لو تحرك مئات الملايين من المسلمين المتخاذلين وفق مسؤوليتهم لكانت الجرائم قد توقفت وتغير واقع الشعب الفلسطيني.
وجدد التأكيد على أن تخاذل الأمة هو إسهام يخدم العدو الإسرائيلي وإسهام في مأساة الشعب الفلسطيني.. موضحا أن عناوين المسؤوليات الدينية الكبرى كالجهاد والأمر بالمعروف ونصرة المظلوم هي ذات صلة بمسؤولية الأمة في نصرة فلسطين.
وتساءل بالقول: أوليس ما يحدث في فلسطين وتلك المآسي التي لا مثيل لها كافية في أن تدرك الأمة مسؤوليتها لتتحرك وتقاتل وتتخذ المواقف العملية المؤثرة على الأعداء؟.. مضيفا: هل هناك ما يبرر للأمة أن تتثاقل وتتخاذل وتتجاهل ما يحصل في فلسطين وهو شيء فظيع؟!
ثبات المجاهدين في غزة:
أكد قائد الثورة ، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن المجاهدون في قطاع غزة يؤدون واجبهم الجهادي بصبر وثبات وتفانٍ واستبسالٍ منقطع النظير.. قائلا: إن بياض الوجه والشرف والمجد والكرامة وفضل أداء الواجب المقدس هو للإخوة المجاهدين الصابرين الثابتين في غزة.
وأوضح أن عمليات المجاهدين في غزة وثباتهم يكشف فشل العدو الذريع وخيبة أمله.. مشيرا إلى أن عملية قصف “تل أبيب” يافا المحتلة لها دلالة مهمة جدا في التوقيت حيث كان يفترض العدو أنه قد أنهى كتائب القسام وأوصلها للعجز.
وأضاف أن القسام في الشهر الحادي عشر من العدوان حاضرة بمستوى كبير وفاعل ومؤثر على العدو الإسرائيلي.. كما أن عمليات سرايا القدس والفصائل المجاهدة وثبات الشعب الفلسطيني دليل على الحضور الفاعل والمؤثر على العدو الصهيوني.
وأشار إلى أن تكرار إعلان المناطق عسكرية مأساة كبيرة ومظلومية رهيبة لكنه أيضا درسٌ كبير لكل الأمة عن مستوى الثبات والتمسك بالقضية.. مؤكدا أن صبر المجاهدين وتحملهم درس كبير للأمة التي تتخاذل حتى عن أبسط المواقف والخطوات العملية.
ولفت إلى أن البعض من أبناء الأمة لا يريد أن يكلف نفسه أي خطوة عملية لمساندة الشعب الفلسطيني، لا بالتبرعات أو المقاطعة للبضائع ولا بالمظاهرات والموقف الإعلامي.. قائلا: إن البعض من أبناء الأمة لهم مواقف الشامتين أو المتواطئين وهو ذنب عظيم يجعل الإنسان شريكا مع العدو الإسرائيلي في جرائمه.
وأكد قائد الثورة، أن ثبات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية عظيم رغم حجم المعاناة واستخدام العدو للطائرات في اعتداءاته.. مشيرا إلى أن اقتحام المسجد الأقصى والقدس متكرر، وهذا في سياق العدوان الشامل لكل شيء في فلسطين.
وقال السيد القائد، إن استهداف المقدسات هو تذكير للمسلمين جميعا بمسؤوليتهم الدينية وكذلك استهداف الشعب الفلسطيني لأنه جزء منهم.
جبهات الإسناد لغزة:
أكد قائد الثورة ، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن الإسناد لغزة مستمر من كل الجبهات.. مشيرا إلى أن قرار الرد من محور القدس والجهاد والمقاومة على جرائم العدو لا بد منه.
وأوضح السيد القائد، أن الرد على العدو قادم والقرار حاسم لا تراجع عنه أبدا وهو التزام إيماني إنساني أخلاقي.. قائلا: إن الرد هو التزام صادق من صادقين جُرِّبوا في صدقهم بالقول والفعل، وهو ضرورة عملية لردع العدو.
وأضاف أن الأمريكي يبذل كل جهده لاحتواء الرد بخطوات سياسية ومنها الحديث عن حوار ومفاوضات والتحذير من التأثير عليها.. موضحا أن حركة حماس تعاملت بحكمة تجاه هذا المسار السياسي وقابلته بخطوة حكيمة تفضح الأمريكي وتحركاته العسكرية.
وأشار إلى أن الحشود الأمريكية لقطع بحرية والمجيء بطائرات إلى قواعد أمريكية في البلدان العربية لا يمكنه إلغاء القرار بالرد.. مؤكدا أن الرد على العدو هو قرار استراتيجي وضرورة فعلية لردع العدو الإسرائيلي المجرم واللئيم والجريء على ارتكاب الجرائم.
ولفت إلى أن مهما كانت مساعي احتواء الرد فهي فاشلة، والقرار حتمي من كل جبهات الإسناد.. موضحا أن مسألة تأخير الرد هو في سياق عملي ليكون الرد موجعا للعدو، وفي مقابل حالة النفير الأمريكية لإعاقته والتقليل من تأثيره.
وقال إن التأخير له تأثير عملي على العدو ولم يسبق أن كان في مثل هذه المرحلة من الخوف كإلغاء الرحلات الجوية وقلق المستوطنين.. مضيفا أن الكل في كيان العدو في حالة هلع وخوف وإعلامهم يتحدث عن ذلك وواقعهم يشهد والتداعيات قائمة وحاصلة.. مبينا أنهُ ورغم الضخ الإعلامي المشكك من قبل الأعداء فالرد آتٍ آتٍ آتٍ حتماً، وبكل تأكيد ولا ينبغي لأحد الالتفات لذلك.
وأكد قائد الثورة، أن جبهة الاسناد اللبنانية مستمرة بقوة في عملياتها المتصاعدة والمؤثرة على الأعداء.. مشيرا إلى أن في المجال الإعلامي تأتي مشاهد الفيديو التي تشهد بفعالية وتأثير عمليات جبهة الإسناد في لبنان.. مبينا أن هناك خوف وقلق صهيوني كبير من رد حزب الله ويحسبون للرد ألف حساب لأنهم يتوقعونه ردا موجعا ومؤثرا.
وفي ذات السياق،، أكد قائد الثورة، أن جبهة اليمن نفذت عمليات ضد السفن هذا الأسبوع بـ 15 صاروخا باليستيا ومجنحا وطائرة مسيرة والعمليات مستمرة.. مجددا التأكيد أن الرد على الاعتداء الصهيوني على الحديدة آت حتما وله مساره وتجهيزاته وتكتيكه وله إمكاناته المخصصة.
وأوضح أن الغارات المعادية الأمريكية بلغت هذا الأسبوع 10 غارات، 8 منها في الحديدة وغارتان على حجة وصنعاء.. قائلا: إن في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس حظي بشرف الشهادة في سبيل الله 73 شهيدا و181 مصابا.
وأشار إلى أن شعبنا العزيز يقدم التضحيات والشهداء في سبيل الله في تأكيد على عدم تخاذله يوم تخاذل أكثر أبناء الأمة عن نصرة فلسطين.
تشكل حكومة التغيير والبناء:
أوضح قائد الثورة ، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن في هذا الأسبوع تم تشكل حكومة التغيير والبناء وكنا نأمل إنجاز هذه الخطوة في شهر محرم وحصل التأخير لأسباب عملية.. مشيرا إلى أن التشكيل الحكومي لحكومة “التغيير والبناء” تميز بمعالجة التضخم، فبعد أن كانت 44 وزارة أصبحت 19 وزارة كبداية للتصحيح.
وأضاف أن التشكيل الحكومي تميز بفريق عمل نسأل الله أن يمده بالنجاح، ومسار التغيير في الجانب الحكومي سيستمر لتصحيح وضعه وكذلك القضاء.. مبينا أن الحكومة الجديدة تحتاج إلى فرصة لتتحرك في أداء مهامها وعليها التزامات كثيرة في مسار الإصلاح الإداري والمعاملات والإجراءات.
وأكد السيد القائد، أنهُ لن يتغير كل شيء في لحظة واحدة، لأن على الحكومة التزامات كثيرة في الإصلاح الإداري وتصحيح آلياتها في المعاملات والإجراءات وغيرها.. مبينا أن المسار الإداري مهم جدا فيما يتعلق به من تصحيح وتصويب وفي مهامه التنفيذية والعملية ومواجهة الظروف التي يعيشها البلد.
وأشار إلى أن الحكومة تحتاج إلى تعاون الجميع وإلى الوقت، والثمرة إن شاء الله ستتجلى في الواقع.. مبينا أن الحكومة ستعمل إن شاء الله بصلاحياتها القانونية ووفق برنامج عمل وأولويات محددة وبحسب الظروف والإمكانات المتاحة وبرقابة.. قائلا: من نجح من فريق العمل فله نجاحه، ومن ظهرت عدم جدارته بالمسؤولية من خلال الواقع العملي سيتم تغييره.
ولفت إلى أن النجاح في التغيير هو في التعاون والتكامل ما بين الحكومة والشعب في ظل الظروف الصعبة والحرب الشاملة التي تستهدف بلدنا.. مبينا أنهُ لا بد أن نتحرك من منطلق المسؤولية العامة بفهم صحيح بالمسؤولية وتكامل الأدوار وتجاوز الأنانيات والحسابات الضيقة.. قائلا: إن من سيتجهون لإعاقة مسار التغيير هم من حساباتهم ضمن المصالح الشخصية أو الحزبية أو الفئوية الضيقة.
نعمة الغيث:
قال السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي: “إن الله سبحانه وتعالى منّ على بلدنا بالغيث، ولسوء التدبير والتخطيط تحصل أحيانا أضرار في بعض المناطق”.. مشيرا إلى أن التعاون الرسمي والشعبي مطلوب لتفادي الأضرار وتقليلها وإغاثة المنكوبين والمتضررين.
وأضاف أنهُ لا بد أن يتجه شعبنا للاستفادة من نعمة الغيث والأمطار في الجانب الزراعي والاهتمام بالمبادرات التي لها علاقة بالاستفادة من المياه، من خلال إنشاء القنوات والحواجز والسدود وتصريف السيول لها أهمية في تفادي الأضرار.
الأنشطة الشعبية المساندة للشعب الفلسطيني:
أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن الشعب اليمني فيما يتعلق بالأنشطة المساندة للشعب الفلسطيني هو السبّاق والمتصدر على مستوى كل شعوب العالم.. مشيرا إلى أن مظاهرات شعبنا والمسيرات والفعاليات والوقفات والندوات والأمسيات تميزت بكثافتها وزخمها واستمراريتها.
وأوضح السيد القائد، أن الأنشطة الشعبية من شواهد مصداقية الانتماء الإيماني والقيم الإنسانية لشعبنا العزيز.. لافتا إلى أن على مستوى التعبئة هناك أكثر 400 ألف متخرج من الدورات العسكرية وهناك المئات من الأنشطة والعروض العسكرية.
وأضاف أنهُ طالما استمر العدوان على الشعب الفلسطيني والحصار سنواصل عملياتنا العسكرية والأنشطة الشعبية كمهمة جهادية مقدسة.. مبينا أن الثبات والاستمرارية جزء من إيماننا ومن وفائنا مع الله ومن صدقنا مع الله سبحانه وتعالى.
وأشار إلى أن الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني والعملاء المنافقون يتمنون وقف عملياتنا العسكرية ويضغطون على شعبنا من أجل ذلك.. قائلا: هيهات هيهات أن يضعف موقفنا وأن تخلو الساحات، فشعبنا بوفائه وثباته ينطلق من منطلق إيماني لنصرة فلسطين.
ولفت إلى أن شعبنا له إحساس بالإنسانية يوم أن أصيب أكثر أبناء الأمة بالصمم فلا يسمعون استغاثة الشعب الفلسطيني وأوجاعه وآلامه.. مضيفا: يوم أن أصيب أكثر أبناء الأمة بالعمى نرى شعبنا يخرج في الساحات منهم 3 أجيال، الجد ويحضر ابنه ويحضر حفيده.
وبين قائد الثورة، أن المشاهد في الساحات مؤثرة، وامتزج فيها أثر الإيمان والإنسانية والشهامة الفطرية التي يتحلى بها شعبنا العزيز.. مشيرا إلى أن من يتأمل المشاهد في الساحات يتأثر كثيرا ويرتاح كثيرا، كم هو هذا الشعب شهم وثابت على قيمه، شعب يمتلك الحياة بكل ما تعنيه الكلمة.
وجدد قائد الثورة، التأكيد أن الساحات لن تخلو بإذن الله ما دام العدوان مستمرا على الشعب الفلسطيني.. مبينا أن العدو يحرص على أن يقيس من خلال الساحات واقع الأمة الإسلامية في كل شعوبها.
وأوضح أن على مدى الأسبوع تحصل جرائم فظيعة واقتحامات للمسجد الأقصى ثم الأعداء يقيمون، كيف هي ردة الفعل لشعوب الأمة.. لافتا إلى أن أمام جرائم القتل والتجويع يراقب الأعداء هل هناك من لا يزال غيورا من أبناء الأمة حيّ المشاعر والإحساس أم أن الناس قد مُسخوا.
وأضاف أن شعبنا يبيّن ردة فعله من جرائم وانتهاكات الأعداء كل أسبوع ويؤكد أنه لا يزال حيّ المشاعر ويشعر بالمسؤولية ويتحرك بكل ما يمكنه.. قائلا: ليس هناك أي تردد عند شعبنا العزيز في أي شيء يستطيعه لنصرة فلسطين، لا حسابات سياسية ولا أي اعتبارات.
وقال: شعبنا لا يكترث للأعداء لا يخاف من أمريكا التي خاف منها أكثر أبناء الأمة، وخاف منها زعماء وقادة وحكومات ونخب وعلماء دين.. مضيفا: شعبنا سيواصل موقفه وهو ثابت على هذا الموقف بهذا الزخم بهذا الحضور الإيماني العظيم.
ودعا قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، الشعب اليمني العزيز للخروج المليوني غدا الجمعة في العاصمة والمحافظات خروجاً مشرفاً جهادًا في سبيل الله وإسنادًا للشعب الفلسطيني.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي السید عبدالملک بدر الدین الحوثی العدو الإسرائیلی للشعب الفلسطینی الشعب الفلسطینی شعبنا العزیز السید القائد مشیرا إلى أن وأشار إلى أن جرائم العدو على العدو الرد على مبینا أن وأضاف أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
في محاضرته الرمضانية الثانية قائد الثورة: القرآن الكريم هو كتاب هداية جاء بأحسن القصص
الثورة /
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ جَمِيعِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في موضوع القصص القرآني، كُنَّا عرضنا في شهر رمضان المبارك من العام الماضي عدداً من القصص القرآني، عن بعضٍ من أنبياء الله، وتحدثنا في هذا السياق عن بعضٍ من مميزات القصص القرآني، وعن ما يتعلق بهذا الموضوع، في مقدمة ذلك: لماذا أتى في القرآن الكريم نماذج معينة من القصص والأحداث التاريخية، وما يميِّز العرض القرآني والتقديم القرآني لما قَصَّهُ من قصصٍ عن الماضي، ونبهنا أن القرآن الكريم هو كتاب هداية، هو في الأساس ليس كتاباً تاريخياً، يُقدِّم العرض والسرد التاريخي كما هي الكتب التاريخية، أو يقدِّم القصص كذلك كما هي الكتب المتخصصة في هذا المجال، ولكنه أكبر وأهم من كل ذلك.
القرآن الكريم هو كتاب هداية؛ ولـذلك فما قدَّمه من نماذج متنوعة من القصص والأحداث التاريخية، قدَّمه كأسلوب من أساليب الهداية؛ ولـذلك ضمَّنه الكثير من الدروس والعبر، وعرض فيه الكثير من الحقائق المهمة جدًّا؛ ولـذلك فهو غنيٌ بمحتواه من الدروس، ومن العبر، ومن الحقائق، ومن المفاهيم العظيمة، التي هي كلها تندرج تحت عنوان (الهداية)، فيها هدايةٌ لنا نحن في واقعنا، في ظروف حياتنا، في ديننا، في استلهام القيم العظيمة والأخلاق العظيمة، عندما نسمعها ونراها متجسدةً في الواقع، فيما عرضه الله لنا من النماذج الراقية من أوليائه من الأنبياء، والرسل، والمؤمنين… وهكذا.
فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قال في القرآن الكريم: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}[الإسراء:89]، فكان من ضمن ذلك هو: ما أتى به من القصص والأنباء في نماذج معينة، مختارة بهداية الله، بعلمه، بحكمته، يختار لنا أحسن القصص، التي تتضمن دروساً مهمة، نحن في أمسِّ الحاجة إليها، وتعرض لنا حقائق مهمة، وتعرض لنا السنن الالهية، وهذا من أهم ما في القصص القرآني.
أيضا هي- كما أشرنا في شهر رمضان المبارك من العام الماضي- هي من معالم الرسالة الإلهية؛ لأنها من أنباء الغيب، وأوحاها الله إلى رسوله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»، وهو أميٌّ في مجتمعٍ أميٍّ، لم يكن يعلم شيئاً عن ذلك؛ ولهـذا قال الله «جَلَّ شَأنُهُ»: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[هود:49].
هي أيضاً ملهمةٌ في مقام التأسي والاهتداء، كما ذكرنا عن قصص الأنبياء والمؤمنين، وقال الله «جَلَّ شَأنُهُ»: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}[هود:120].
الممــيزات للقصـص القـــرآني ممــيزات عظيمــــة ومهمـــة:
الله «جَلَّ شَأنُهُ» قال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}[يوسف:3].
• في مقدمة هذه المميزات: أنــه مــن الله:
الذي قصَّ علينا تلك النماذج من القصص هو الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ وبالتالي فهي حقٌّ، كل ما ورد فيها من تفاصيل وحقائق، ليس فيها أي شائبة من الشوائب التي يتعرض لها الكثير من القصص التاريخية، والأحداث التاريخية، والكتب التاريخية؛ أمَّا ما قدَّمه الله لنا في القرآن الكريم فهو حقٌّ خالص، ليس فيه أي شيءٍ من الزيف، ولا من الخرافات، ولا من الأساطير، ولا من الروايات غير الصحيحة، فهو يأتي لنا بالحقِّ في ذلك، وبالحقيقة الخالصة النقية، التي لا يشوبها أي شائبة؛ ولهـذا يقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ}[الكهف:13].
• ثم أيضاً الاختيار من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»:
اختار لنا؛ لأن سِجِلّ التاريخ هو سجلٌ كبيرٌ جدًّا، ونحن آخر الأمم، حتى على المستوى التخصصي، لا يستطيع الإنسان أن يستوعب كل الأحداث التاريخية على كثرتها، لو أمضى كل عمره، لكن الله اختار لنا بعلمه، بحكمته، وهو العليم بما نحتاج إليه أكثر شيء، وما هو الأكثر فائدةً لنا، فقدَّم لنا نماذج متنوعة، متنوعة، وسنتحدث عن قيمة وأهمية هذا التنوع.
فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» باختياره لنا من سِجِلّ التاريخ الهائل نماذج معينة، تتناسب مع ظروف حياتنا، حتى لا يحتاج الإنسان أن يمضي كل عمره، ولا يصل بعد إلى استقراء الحقائق والأحداث التاريخية والقصص في التاريخ، اختار نماذج معينة، متنوعة، مهمة، مفيدة جدًّا، وإذا كان الاختيار هو من الله، فهل هناك أحد يمكن أن يكون أكثر دقةً وحكمةً في هذا الاختيار نفسه؟ معاذ الله!
• كذلك العــرض القــرآني عرض راقٍ جدًّا:
على مستوى الأسلوب، والتعبير، والطريقة، وعرض فيه هداية بكل ما تعنيه الكلمة، وسليم من كل المؤثرات السلبية، يعني: حتى عندما يعرض حقائق فيها جوانب سلبية كحقائق، كوقائع حصلت، هو يُقدِّمها بشكلٍ يبعدها عن التأثير السلبي، وأنت تسمعها، أو تتلوها في القرآن الكريم، فأنت لا تتأثر سلباً؛ وإنما يقدمها بطريقة راقية جدًّا، وذكرنا أمثلة لذلك في العام الماضي، ونذكر- إن شاء الله- أمثلة لذلك في هذه المحاضرات إن شاء الله.
• كذلك في غناها بالدروس والعبر:
في عرض الحقائق، في عرض المفاهيم، في تصحيح التصورات، في الجانب التربوي لها، في جوانب كثيرة ومهمة، في بيان السنن الإلهية، ولـذلك يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[يوسف:111]؛ ولـذلك فمسألة التركيز على موطن العبرة من القصة هي مسألة أساسية في العرض القرآني؛ لأنه- كما قلنا- كتاب هداية.
• كما أن من المميزات لما في القرآن الكريم من القصص: أنهــا قصـصٌ واقعيــة:
ليست خيالية، بل هي أمثلة من الواقع، وهذا يمنح الإنسان ثقة تجاه تلك القصص، وتجاه ما فيها من حقائق، وما يستلهم منها من دروس وعبر… وغير ذلك؛ لأن الواقع البشري فيه الكثير من القصص- يعني كأسلوب- التي فيها إمَّا الكثير من الزيف والخرافات، ليست نقيةً في النقل، أو كأسلوب آخر بعيداً عن الواقع، هناك أيضاً الكثير من القصص الخيالية في واقع البشر التي تُنقل، لتصور شيئاً من الحياة، لكنه ليس بواقعٍ في الحياة؛ إنما هو جانبٌ خيالي، ويراد له أن يكون إما من قبيل التسلية، أو من قبيل التأثير في النفوس، أو بشكلٍ أو بآخر.
• من مميزات العرض القرآني للقصص وما فيه أيضاً: أنه يقدِّم لنا جوانب نفسية، ولكن ليس من باب التخمين والتقدير؛ وإنما من باب الحقيقة:
لأنه من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، الذي يعلم ما في النفوس، يعلم الواقع النفسي، عندما يعرض قصصاً لأشخاص، لنماذج معينة، لأمم؛ فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو العليم بذات الصدور، العليم بخفايا النفوس، عندما يقدِّم لنا صورةً عن الدوافع، عن الواقع النفسي، وعن الحالة النفسية، يُقدِّمه وهو العليم به كحقائق، حقائق ممن يعلم ما في النفوس، حتى ما هو في خفايا الفكر والتفكير، يقدِّمه وهو العليم بذلك؛ ولـذلك فهو لا يقدِّم لنا فقط الأحداث بشكلها الخارجي، بل في عمقها، في الواقع النفسي، في الدوافع، في الحالات النفسية، وهذه دروس مهمة حتى في هذه الأمور، التي نحتاج فيها حتى هي إلى دروس وإلى عبر؛ لأنها جانبٌ أساسيٌ في واقع حياتنا.
التنوع في القصص القرآني هو كذلك مهمٌ، وغنيٌ، ومفيدٌ جدًّا:
• نماذج من قصص الأنبياء، مجموعة كبيرة من أنبياء الله ورسله، وكذلك حتى هذا الجانب (في قصص الأنبياء) فيه أيضاً نماذج لظروف مختلفة، وأحوال مختلفة، ومقامات متنوعة.
• نماذج من قصص المؤمنين من أولياء الله، من غير الأنبياء: مثلما هي قصة أصحاب الكهف، مؤمن آل فرعون، مؤمن أهل القرية في (سورة يس)… وغير ذلك.
• نماذج من قصص النساء: على مستوى الجانب الإيماني، مثلما في قصة الصديقة الطاهرة (مريم ابنت عمران)، وباسمها سورة في القرآن الكريم، وتحدث القرآن عنها في مواضع متعددة، وكذلك عن غيرها.
• نماذج عن الأقوام والأمم: قوم نوح، عاد، ثمود، قوم فرعون… وغيرهم.
• نماذج عن التجار.
• نماذج عن المزارعين.
• نماذج عن العلماء.
• نماذج عن الملوك…
وهكذا… قصصٌ واسع.
فهي نماذج نستفيد منها في مختلف مجالات حياتنا، يعني: في الجانب العقائدي، في الجانب السياسي، في الجانب الاقتصادي، في الجانب الاجتماعي، في المجال الأخلاقي، في شؤون حياتنا نحن أيضاً، الشؤون المختلفة، ونحن آخر الأمم، بين أيدينا رصيدٌ هائلٌ من الأحداث، من التجارب في الواقع البشري، وهذا ما يساعدنا على أن نستفيد منها كتجارب واقعية، عرضت لنا نماذج متعددة ومتنوعة، تُقدِّم لنا الدروس المهمة، التي تزيدنا حكمةً، ورشداً، وبصيرةً، ووعياً، وفهماً، وتساعدنا على تَجَنُّب المزالق، المزالق في هذه الحياة، الأخطاء الكبيرة، التوجهات التي لها نتائج كارثية، العواقب الخطيرة، التي تكون نتيجةً لتوجهات معينة، أو مواقف معينة، كذلك دروساً في مجال الدعوة إلى الله، دروساً في مجال معرفة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهذا من أهم ما نستفيده من القصص القرآني حتى في مجال معرفة الله، وهذا مما سنلحظه- إن شاء الله- فيما نعرضه.
عرضنا في شهر رمضان المبارك من العام الماضي من قصص القرآن:
• عن نبي الله آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وزوجه حواء «عَلَيْهَا السَّلّامُ».
• وكذلك عن قصة ابني آدم.
• وعن نبي الله إدريس «عَلَيْهِ السَّلَامُ».
• وعن نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وكذلك عن قومه في سياق قصته.
• وعن نبي الله هود «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وقومه عاد.
• وعن قصة نبي الله صالح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وقومه ثمود.
ويتضح لنا كم تضمن العرض القرآني لتلك القصص من دروسٍ مهمة، وحقائق كثيرة، وعِبر عظيمة، بالرغم من أنَّا عرضناها باختصار، وبمحدودية ما نعرفه وما نقدمه.
في هذا الشهر المبارك، نبدأ مشوارنا مع القصص القرآني مع نبي عظيمٍ، من أبرز رسل الله وأنبيائه، ورد ذكره في القرآن الكريم (تسعاً وستين مرة)، وتحدث القرآن الكريم عنه في (خمسٍ وعشرين سورة) في قصصٍ عنه، وحقائق مهمة تتعلق به، منها سورةٌ باسمه في القرآن الكريم (سورة إبراهيم).
الحديث عن نبي الله ورسوله وخليله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، فيما قَصَّهُ القرآن الكريم عنه، متنوعٌ تنوعاً مفيداً، في أحوالٍ وظروفٍ متنوعة، ومقاماتٍ متعددة، وشؤونٍ مختلفة، وكلها غنيةٌ بالدروس والعِبر، ومسيرة حياته مدرسةٌ متكاملة في الهداية، في الأخلاق، في القيم، في الحكمة، في الرشد، في العلاقة مع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»… في جوانب كثيرة، نتحدث عن الكثير منها إن شاء الله، بقدر ما يوفقنا الله له.
رسول الله ونبيه وخليله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» منحه الله الوسام الرفيع، والحديث عنه في القرآن الكريم يبيِّن لنا عظيم مقامه، ورفيع منزلته، ودرجته العالية، الله قال عنه: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء:125]، هذا وسام رفيع جدًّا، من أعلى وأعظم الأوسمة، التي تبيِّن منزلته الرفيعة عند الله «جَلَّ شَأنُهُ».
مقامه أيضاً بين الأنبياء والرسل، هو من أرفعهم مقاماً، ومن أفضلهم، ومن أعلاهم منزلة، فمنزلته بينهم هم كأنبياء ورسل منزلة عالية جدًّا؛ لأن مقامات وفضل الأنبياء يتفاوت في مستوى منزلتهم، وكمالهم، وأدوارهم، كما قال الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في القرآن الكريم: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[البقرة : 253]، وكما قال «جَلَّ شَأنُهُ»: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}[الإسراء:55]، فمقامه بين الأنبياء والرسل مقامٌ عظيم، قدوةٌ لغيره من الرسل والأنبياء ممن أتى بعده؛ ولهـذا تُقَدّم الكثير من الدروس والعبر من حياته، من سيرته، لهم في مقام القدوة، واستلهام الدروس والعبر.
قبل أن ندخل في تفاصيل القصص القرآني عنه، نعرض عرضاً موجزاً عن مقامه العظيم، وعناوين عن شخصيته وكماله الإنساني والإيماني:
نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، كما قال الله عنه: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[البقرة: 124]، هو شخصيةٌ عالمية، تلتقي على تعظيمه وتقديره الكثير من الأمم، والطوائف، والملل، والأديان، بل وتدَّعيه رمزاً لها، كُلٌّ منهم يدَّعي أنه رمزٌ له، وتدَّعِي الاقتداء به، إلى درجة أن مشركي العرب، الذين كانوا على الوثنية في الجاهلية، كانوا يدَّعون أنهم يقتدون به، ويعتبرونه الرمز العظيم لهم، مع ما هم عليه من انحراف كبير، وكفر بالرسالة والرسل والأنبياء، وهم في حال الشرك والوثنية، كذلك هو حال اليهود، يدَّعونه رمزاً لهم، وينسبونه منهم، في انتمائه العقائدي والديني، وكذلك هو الحال بالنسبة للنصارى، وبالنسبة لغيرهم، هناك كذلك أقوام، وأمم، وطوائف، وملل، لها نفس الدعوى.
ولهـذا رد الله عليهم في القرآن الكريم، في قوله «جَلَّ شَأنُهُ»: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[آل عمران:67]، ليرد عليهم في تلك الادَّعاءات، ويقول: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ}[آل عمران:68]، بين كل للذين يدَّعون أنه رمزٌ لهم، وأنهم يقتدون به، وأنهم منتمون عقائديًا ودينياً إليه، أولى الناس به من؟ {لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:68]، يعني: هم الذين- فعلاً- يمثلون امتداداً لنهجه: رسول الله محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»، والذين آمنوا معه، هم الذين يمثلون امتداداً لنهج نبي الله إبراهيم وملته ودينه، وهم أولى الناس بهذا الانتماء.
فيما يتعلق بنماذج من العناوين القرآنية عن شخصيته: وهو- كما قلنا- من منحه الله الوسام الرفيع، العظيم، العجيب، الذي يندهش الإنسان أمامه، عندما قال: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء:125]، فيما يفيده هذا من علاقته العظيمة بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومنزلته الرفيعة جدًّا، (معنى: خليلاً، يعني: حبيباً وولياً)، الله اتَّخذه حبيباً له وولياً، وهو في مقام المحبة لله، والمحبة من الله له في مستوى عالٍ جدًّا، مُقَرَّبٌ جدًّا من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يحبه الله محبةً عظيمة، ويحظى بمنزلةٍ رفيعة، وهذا بنفسه وسامٌ عظيم، يبيِّن ما هو عليه من الكمال الإيماني والطهارة، وسنتحدث عن هذه النقطة- إن شاء الله- في سياق القَصص، عندما ندخل في التفاصيل؛ ولـذلك هو حظي برعايةٍ عجيبةٍ من الله، وهذا من الدروس المهمة في قصص نبي الله ابراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»: ما حظي به من رعايةٍ عجيبةٍ من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وما منحه الله، هذا درسٌ مهمٌ جدًّا في رعاية الله لأوليائه، وما يمنحهم، ما يمنحهم ويَمُنُّ به عليهم في إطار رعايته لهم، فله مكانته الراقية، ومنزلته الرفيعة في علاقته بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
يقول الله «جَلَّ شَأنُهُ» في القرآن الكريم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا}[النحل:120]، هذا التعبير العجيب: {كَانَ أُمَّةً}، يُقدِّم لنا صورةً عن كمال إبراهيم، عن منزلته الرفيعة، عن دوره العظيم:
• كَانَ أُمَّةً فيما حازه من كمالٍ إنسانيٍ وإيمانيٍ ومواصفاتٍ راقية، وفيما حمله من قيم، وجسَّده من مبادئ، يعدل أُمَّةً بكلها، يساوي أُمَّةً بكلها، فاجتمع فيه ما لو تفرَّق في أُمَّة، من مواصفات الكمال الإيماني والأخلاقي والإنساني، لكانت أُمة نموذجية، لكانت أُمَّةً صالحة، هذا تعبير عظيم جدًّا، هذا يُقرِّب لنا وإلى أذهاننا مستوى عظمة شخصيته، ومستوى كماله.
• وكَانَ أُمَّةً في أهليته العالية، في مقام الاهتداء والقدوة؛ فكان رمزاً للأنبياء، وإماماً للناس، ومعلماً عالمياً للمجتمع البشري.
• وكَانَ أُمَّةً في دوره العظيم، الذي قام به في إرساء دعائم الحق والخير والهدى، وفي تصديه للطغيان والضلال، وما بذله من جهدٍ في ذلك، بالرغم من أنه بدأ بمفرده، لكنَّ حجم هذا الدور الذي نهض به، بما تنهض به أُمَّة، إلى هذا المستوى، شخص له هذا الدور، له هذا التأثير، يعادل مجهود أُمَّة، ودور أُمَّة، ونهضة أُمَّة، وحركة أُمَّة، هذا يفيد مستوى الدور العظيم الذي قام به، وما بذله من جهد، وما حققه من تأثير ونتائج.
ولهـذا عندما قال الله عنه هذا التعبير، فهو تعبير جامع، جمع كل هذه الدلائل والمفاهيم.
{كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}[النحل:120]، هنا يعرض لنا القرآن الكريم مواصفات راقية جدًّا، تبيِّن لنا كيف كان في مستوى إيمانه، كيف كانت علاقته بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهذا من أهم ما أهَّله لهذا الدور، وارتقى به إلى هذه المنزلة، وهذا المقام العظيم.
{قَانِتًا لِلَّهِ}، هذه مواصفات مهمة، مجموعة من المواصفات تندرج تحت عنوان (قَانِتاً لِلَّهِ)، كان خاضعا لله، مطيعاً له؛ ولـذلك ففي قوله «جَلَّ شَأنُهُ»: {قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} كم يجتمع لنا؟ يجتمع لنا أنه كان نموذجاً عظيماً:
• في المحبة لله تعالى، والإخلاص له، والاستقامة على نهجه.
• وفي الخضوع التام لله.
• وفي الخشوع لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
• وفي الثبات على نهج الله.
كل هذه العناوين تجتمع تحت قوله تعالى: {قَانِتًا لِلَّهِ حَنِفًا}، وسنتحدث أيضاً في سياق التفاصيل، في القَصص عن نبي الله إبراهيم، عن كيف تجسَّدت هذه العناوين في واقعه، في حركته، في أعماله، في مواقفه، بشكلٍ عظيمٍ ومميَّز.
عَـــرَض القُـــرْآنَ الكريـــم عنـــه أيضــاً أنه:
• كان رمزاً عظيماً في التسليم لله تعالى والإسلام له: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة:131]، في التفاصيل في القصص عنه سيأتي نماذج في واقعه العملي، عن هذا الإسلام والتسليم لله «جَلَّ شَأنُهُ»
• قدَّمه على أنه نموذج راقٍ في المصداقية، {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}[مريم: 41]، (صِدِّيقًا): مصدقاً بكلمات الله تعالى، وكانت مصداقيته في أقواله، في انتمائه، في أعماله، تامة وراقية جدًّا.
• نموذج في اليقين، وسيأتي الحديث عن ذلك.
• في الشكر: {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ}[النحل:121]، يُقدِّر نعم الله عليه، ويُعظِّم نعم الله عليه، ويشكر الله على نعمه في أقواله، في أفعاله، وفي أعماله، بقلبه وسلوكه، وسيأتي أيضاً تفاصيل عن هذا الموضوع، وهذا العنوان.
• في الرشد، والعلم، والحجة، والحكمة، والبصيرة كذلك: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}[الأنبياء:51]، كان راشداً، حكيماً، على بصيرة، على معرفة، على علم، {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}[ص:45]، فهو من المتمسكين، والمقدمين، والمسهمين، في إقامة الحق، وفي مسيرة النبوة والرسالة أعطى دفعاً كبيراً للحق والهدى، استمر لأجيالٍ طويلة، {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}[الأنعام:83]، وستأتي التفاصيل أيضاً عن ذلك.
• في الحلم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}[التوبة:114]، وفي آيةٍ أخرى: {لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}[هود:75]، فهو من ذوي الحلم، ونموذج في الحلم، وستأتي التفاصيل، وتعريف هذا العنوان ودلالاته.
• في الكرم، في حسن الضيافة: كذلك في القصص تأتي التفاصيل.
• رمزٌ في البراءة، والموقف الحاسم من أعداء الله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا}[الممتحنة:4].
العناوين كثيرة، والتفاصيل كثيرة، وكثيراً من العناوين نأتي اليها مع المفاهيم، مع الحقائق، مع الدروس، مع العبر، في سياق القَصَص الذي قَصَّهُ الله عنه، وقدَّم في ذلك القصص- كما قلنا- نماذج من ظروف متنوعة، وشؤون مختلفة، وأحوال متعددة.
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ، وَالقِيامَ، وَصَالِحَ الأَعْمَال، وَأَنْ يَجْعَلَنَا فِي هَذَا الشَّهْر الكَرِيم مِنْ عُتقَائِهِ وَنُقذَائِهِ مِنَ النَّار.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛