أين الأخ الأكبر من أعمال الإرهاب والتخريب في بريطانيا؟
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
خلال أسبوع من الإرهاب في المجتمع البريطاني استهدف المهاجرين وما يسمونهم أيضًا الأقليات من المواطنين، وخاصة المسلمين. خلال هذا الأسبوع، عاث اليمين المتطرف إرهابًا في طول البلاد وعرضها، محدثًا حالة من الخوف والقلق في المجتمع.
مبعث الخوف والقلق ليس كثرة عناصر اليمين المتطرف وقوتهم، إنما وجود عناصر عالية التنظيم وتتلقى دعمًا خارجيًا، وغياب قوات إنفاذ القانون عن مسرح الأحداث في بعض الأحيان وقلة عددهم في أحيان أخرى.
الفيديوهات التي انتشرت وتوثق عنف اليمين المتطرف ونجاحهم في نهب المتاجر واقتحام بعض الفنادق وحرقها وتكسير وحرق السيارات وإلحاق الأذى بالسكان وأفراد الشرطة وحرق مركباتهم تؤكد أمرين: الأول أن هؤلاء عكس ما يروجون له أنهم يريدون "استعادة بلدهم" لمستقبل أفضل، والثاني أن المستهدفين تُركوا لمصيرهم حيث كان بالإمكان اتخاذ إجراءات وقائية على الأقل في اليوم التالي لبدء أعمال العنف.
السؤال الكبير أين الأجهزة الأمنية التي اتخذت في أحداث خطيرة مر بها العالم وبريطانيا الكثير من الإجراءات، منها ما هو قانوني وما هو غير قانوني لمواجهة أعمال تخريب وإرهاب، فأحبطت العديد منها وأغلقت مؤسسات وحظرت أحزابًا واعتقلت أفرادًا بناءً على منشورات وتصريحات اعتبرت دعوة للعنف؟
صحيح أن رئيس الوزراء خرج في خطاب متلفز شجب فيه أعمال هذه الفئة واصفًا إياها بالفئة الصغيرة والمنعزلة، متوعدًا كل من شارك في أعمال التخريب بالملاحقة والمحاسبة وواعدًا الضحايا بتوفير الحماية لهم. لكنه رغم خطورة ما يقوم به هؤلاء المتطرفون لم يُعلنهم تنظيمًا خارجًا عن القانون كون ما يقومون به محض إرهاب.
والسؤال الكبير أين الأجهزة الأمنية التي اتخذت في أحداث خطيرة مر بها العالم وبريطانيا الكثير من الإجراءات، منها ما هو قانوني وما هو غير قانوني لمواجهة أعمال تخريب وإرهاب، فأحبطت العديد منها وأغلقت مؤسسات وحظرت أحزابًا واعتقلت أفرادًا بناءً على منشورات وتصريحات اعتبرت دعوة للعنف.
يعرف جهاز إم آي 5 في أوساط المجتمع بأنه الأخ الكبير الذي يعرف كل شاردة وواردة، ومعروف أنه خلال عقود من نشاطه أحبط العديد من الأعمال التخريبية والإرهابية بفضل ما يمتلك من أدوات تمكنه من العيش وسط أي مجموعة تريد الإخلال بأمن البلاد.
طبعًا هنا لا أدعو لأن يقوم الجهاز بالتجسس على المواطنين، لكن شاء من شاء وأبى من أبى، التجسس والمراقبة من صميم أعمال الجهاز حتى يتمكن من إعداد الخطط والقيام بعمليات وقائية لمنع حدوث ما يخل بأمن البلاد وتقديم تقارير لصناع القرار في البلاد لاتخاذ ما يلزم من إجراءات في الوقت المناسب.
بشكل عام، هذا الجهاز يقوم بجمع المعلومات وفق اختصاصه ولا يحتاج في عمله إلى إذن من المستوى السياسي أو القضاء، وفي حال أراد التجسس على شخص بغرض جمع أدلة لاستخدامها في المحكمة يتوجب أخذ إذن من الجهة المختصة وفق القانون حتى يمكن اعتماد الأدلة المستخلصة من المراقبة في المحاكمة. لقد وجدنا أن هذا الجهاز طليق اليد في التعامل مع الأقليات الذين يوصمون بالإرهاب بينما نجد أنه مغلول اليد في التعامل مع اليمين المتطرف.
في حالات كثيرة، فُعِّلت قوانين الإرهاب والجريمة المنظمة في التو واللحظة دون أي نقاش أو جدال. فمؤخرًا أوقف أشخاص ناشطون في مؤسسة ضد تسليح إسرائيل بموجب هذه القوانين، كما أوقف صحفيون وناشطون في أماكن مختلفة وكانوا يُجبرون على تسليم هواتفهم وكلمات السر المختلفة، وكل من يرفض يُحتجز ويُحال للمحاكمة بموجب هذه القوانين.
كما أن هذه القوانين فُعِّلت بشكل واسع ضد المسلمين منذ أكثر من عشرين عامًا، عانى منها الكثيرون من الاعتقال والتوقيف والترهيب والتفتيش في الشوارع، وكان الغالبية العظمى منهم أبرياء، ومنهم من اختُرق ودُفع دفعًا من مخبرين ليسلكوا طريق العنف!
والمثال الأبرز في هذا السياق في الشهر الماضي، أصدرت محكمة على السيد أنجم شودري حكمًا بالسجن مدى الحياة بتهم تتعلق بالانتماء إلى تنظيم إرهابي والدعوة إلى الإرهاب، ويعود الفضل في تثبيت التهم على الرجل وفقًا لتقارير صحفية إلى جهاز إم آي 5 الذي عاش معه أكثر من سنتين حتى تاريخ اعتقاله!
كان شودري تحت المراقبة الصارمة منذ عام 2021 بعد خروجه من السجن ورفع القيود التي فرضت عليه، فكان قيد المتابعة في حله وترحاله على مواقع السوشيال ميديا، كل اتصالاته خضعت للمراقبة حتى غرفة نومه لم تسلم من أجهزة التنصت!
لقد أحصوا عليه أنفاسه، مأكله ومشربه، احاديثه مع أفراد عائلته وزوجته في حين عجز الاخ الأكبر وباقي الأجهزة بمختلف مسمياتها عن توقيف أس البلاء تومي روبنسون الذي هرب من البلد تجنبا لحضور جلسه مقرره في المحكمة العليا بتاريخ 29/07/2024 مما دفع المحكمة إلى إصدار مذكرة اعتقال بحقه لحضور جلسه قررت في 28/10/2024 ووفق تقارير صحفيه فإن روبنسون يستمتع منذ هروبه في منتجعات ومطاعم قبرص واليونان ويمارس نشاطه في التحريض وبث الإشاعات التي كانت عاملا مهما في اعمال الارهاب التي انتشرت في البلاد!
وصف عناصر اليمين المتطرف هو المدخل لمعاملة أفراد المجتمع كأسنان المشط، فلا فرق بين أبيض وملون. فبعد كل هذا الإرهاب لا يمكن وصف هؤلاء بالمرضى النفسيين أو مجرد زعران وبلطجية، إنهم إرهابيون. لماذا عندما يرتكب الأبيض مثل هذه الجرائم الخطيرة يكون هناك تردد في وصف ما يفعلونه بالوصف الصحيح وتدور في الأرجاء نقاشات فلسفية عقيمة؟ أما عندما يرتكب الملون مثل هذه الجرائم يُلام هو وخلفيته الدينية والعرقية دون أي تردد.
لم أعثر على تصريح واحد لسياسيين وفي مقدمتهم وزيرة الداخلية السابقة سوالا برافمان يهاجم ويندد بأعمال التخريب التي يقوم بها اليمين المتطرف، كما هاجموا المظاهرات المنددة بجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، معتبرين أنها مظاهرات كراهية ومعادية للسامية وغيرها من مصطلحات الشيطنة، وبلغ الحد في هؤلاء الضغط على الشرطة لحظر المظاهرات وساد نقاش لتشريع قوانين لحظرها في ظل حكومة المحافظين السابقة.
لم أعثر على تصريح واحد لسياسيين وفي مقدمتهم وزيرة الداخلية السابقة سوالا برافمان يهاجم ويندد بأعمال التخريب التي يقوم بها اليمين المتطرف، كما هاجموا المظاهرات المنددة بجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، معتبرين أنها مظاهرات كراهية ومعادية للسامية وغيرها من مصطلحات الشيطنةخطر اليمين المتطرف أفرادًا وقادة واضح بشكل جلي وليس وليد أحداث الأمس، هذا الخطر له جذور عميقة وله أسباب داخلية وخارجية تهدد أمن البلاد، وهو ما كان يستدعي بشكل مبكر تدخل جهاز إم آي 5 ووحدة مكافحة الجريمة المنظمة ليعملوا كما جرت عادتهم في مثل هذه الحالات.
تردد الصحافة حادثة طعن الأطفال في ساوث بورت وما تبعها من معلومات مضللة حول هوية الفاعل وديانته كسبب لأعمال الإرهاب، إلا أن التركيز على هذه القصة كدافع فيه تضليل وهي لم تكن إلا فرصة لينفجر اليمين المتطرف وينفذ أجنداته الخبيثة، والدليل على ذلك أنه بعد انكشاف هوية الطاعن وخلفيته الدينية الحقيقية لم يهدأ اليمين المتطرف، بل استمر وبشكل أعنف.
يعتقد البعض أن هناك خللًا في القوانين يمنع ملاحقة هذه المجموعات، لكن الحقيقة أن القوانين الخاصة بالإرهاب والجريمة المنظمة تنطبق على أفعال هؤلاء. فمن الواضح أن هؤلاء في كل مظاهرة يخططون ويعقدون العزم على إلحاق الأذى بفئات معينة ولا يتوانون عن الهجوم على قوات الشرطة وإيقاع أفدح الخسائر في صفوفهم.
إن ما يقوم به اليمين المتطرف هو نوع من الإرهاب المحض المنظم والمخطط له مسبقًا، وهذا ما يوجب تطبيق قوانين الإرهاب والجريمة المنظمة التي تتيح لجهاز إم آي 5 وأجهزة أخرى متخصصة التدخل لجمع كافة المعلومات الاستخبارية للقيام بالخطوات الوقائية اللازمة لمنع حدوث عمليات الاعتداء والحرق والتخريب وجمع الأدلة عن القادة والأفراد لتقديمهم للمحاكمة.
لكن العجيب ترك هؤلاء يفعلون ما يريدون من تحريض واضح على العنف ونشر دعوات مزخرفة بشعل نارية تدعو للتجمع في أماكن مختلفة حيث مراكز إيواء المهاجرين أو المساجد، فلماذا يُترك هؤلاء ليفعلوا ما فعلوا ولم يتم التعامل معهم كما عومل أصحاب الفكر المتطرف؟!
هناك شخصيات معروفة بالاسم لدى الأجهزة الأمنية منذ سنوات طويلة، معروفون بأنهم يدعون إلى استخدام العنف ولهم علاقات خارجية تمولهم وتحرضهم على نشر الفوضى، لكن الأجهزة الأمنية تركتهم دون اتخاذ إجراءاتها المعتادة. ونعتقد جازمين أن هذه الأجهزة تملك من المعلومات عن هؤلاء ما يشيب له الولدان، لكن تُركوا ليتم التعامل معهم وفق القوانين الجنائية العادية.
فلماذا حتى اللحظة لم تقم الأجهزة الأمنية بما يلزم من خطوات لتفكيك لغز تنظيم اليمين المتطرف الإرهابي؟ فسلامة البلاد والعباد لا تُحفظ بالخطابات الرنانة والتهديدات، إنما بخطط أمنية ناجزة تحت إشراف قضائي، كما فعلت مع تنظيمات عنفية أخرى.
لقد بلغ مستوى الوقاحة ببعض قادتهم ومن حرض على العنف أن يضع شروطًا لإنهاء حالة العنف، كما ألقى باللائمة على الشرطة في تعاملها العنيف مع هؤلاء المتطرفين بالمقارنة مع تعامل الشرطة مع المتظاهرين الذين خرجوا منددين بالإبادة الجماعية في قطاع غزة!
إن ما يحدث حقًا لا يهدد جالية معينة أو عرقًا، إنما يهدد أمن البلاد ويسيء إلى سمعتها، والتراخي في مواجهتها يؤدي إلى انتشارها، وخصوصًا مع كثرة دعوات اليمين المتطرف لعقد تجمعات في أماكن مختلفة، مما تسبب في سريان شائعات كثيرة أدت إلى إغلاق الناس محلاتهم والتزام بيوتهم في كثير من المناطق.
حتى تقوم الحكومة والأجهزة الأمنية بواجباتها، لا بد من وجود تحالف قوي يضم جميع فئات المجتمع البريطاني للتصدي لهؤلاء الإرهابيين. الرد الصحيح هو الاستنفار والدعوة إلى مظاهرات مليونية ضد هؤلاء الفاشيين، وحذار من الانصياع لحملة الترهيب بإغلاق المحلات والتزام البيوت، فهذا ببساطة يُعد انتصارًا لحفنة من الإرهابيين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمين المتطرف المظاهرات بريطانيا مظاهرات رأي يمين متطرف مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأجهزة الأمنیة الیمین المتطرف التعامل مع أفراد ا إم آی 5
إقرأ أيضاً:
نقابة المحامين - بيروت تقيم حفل قسم اليمين للمنتسبين الجُدد
نظمت نقابة المحامين في بيروت حفل قسم اليمين للمنتسبين الجدد (دورة 2024) في قصر العدل في بيروت بحضور شخصيات رسمية وقضائية ودبلوماسية ونقابية واكاديمية واهالي المنتسبين ومدرجيهم واعضاء اللجان الفاحصة.استهل الاحتفال بالنشيدين الوطني والنقابي ثم بكلمة رئيس محكمة الاستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله. بعدها، ألقت طليعة الدورة تمارا السمرا كلمة بإسم المنتسبين الجدد تلاها كل من مقرري التدرج عضوي مجلس النقابة ميسم يونس ولبيب حرفوش. وبعد أداء القسم، القى نقيب المحامين فادي مصري خطاباً موجهاً الى الزملاء الجدد تضمن توجيهات مهنية ونقابية وتأكيداً على الثوابت الوطنية ورؤية النقابة للأصلاح والانقاذ في مطلع العهد الرئاسي الواعد. وفي كلمته، قال المصري: "في هذا اليوم الكبير من الحياة النقابية وفي المسيرة الشخصية للمنتسبين الجدد إلى نقابة المحامين، يشرفني ان أقف اليوم أمام هذا الحفل الكريم المؤلف من المحامين الجدد وزملائهم الأقدم عهداً وأهلهم ومدرجيهم والمرجعيات الرسمية والوزارية والنيابية والقضائية والدبلوماسية والنقابية والأكاديمية، وقد تكون هذه المرة الأولى في تاريخ نقابة المحامين التي تحمل فيها هذه المناسبة هالة وطنية وطابعاً جامعاً". أضاف: "إنني انتهز المناسبة لأعرب، أولاً، لأعضاءِ لجنة الإمتحانات والمصححين عن إمتنان النقابة لتفانيهم في أَداء المهمة الموكلة إليهم ومقدِراً في الوقت عينه إشراف أمينة سر مجلس النقابة الزميلة الأستاذة مايا شهاب والمتابعة الحثيثة لمقرّريْ التدرّج الزميلين ميسم يونس ولبيب حرفوش ورئيس الديوان السيد جوزف شاوول وموظفي النقابة، علماً أن هذا العمل المشترك قد نتجت عنه، كما يعلم الجميع، إختبارات شفافة ونتائج تعكس من جهة أولى الطابع الأكاديمي لأي امتحان ومن جهة ثانية الوجهة المهنية العملية التي تتطلبها معايير التأهيل الموضوعة من النقابة للإنتساب إليها ومن جهة ثالثة مهابة الإنتماء الى المؤّسسة العريقة". وأكمل: "في هذا اليوم المبارك، أحرص على توجيه كلمة من القلب ولكن أيضاً من العقل- الذي يبقى هو الأساس- إلى الزملاء الجدد أشدد فيها على ركائز جوهرية اطلب منهم أن يضعوها نصب أعينهم على عتبة مسيرتهم المهنية:
أولاً: على الصعيد الشخصي السيرة التي توحي الثقة والإحترام التي ينص عليها القسم يجب ان تنعكس على حياتكم اليومية وعلى تصرفاتكم كافة، فهي ليست شأناً مهنياً فقط بل نهج حياة وإنني أتمنى ان يعرف الناس أنكم محامون من خلال أَدائِكم اليومي في المجتمع وحياتكم الشخصية.
ثانياً: على الصعيد المهني والنقابي على المنتسبين الجدد واجب استكمال دراستهم أثناء فترة تدرّجهم – وهذه ايضاً مسؤولية مدرّجيهم ومسؤولية النقابة- من خلال الإنكباب على دراسة الملفات وملاحقة المعاملات وصياغة اللوائح وتنظيم العقود والمحاضر ولكن ايضاً عبر الإطلاع على التقنيات الجديدة والإنفتاح على العالم واكتساب المعرفة بكامل أوجهها وتثقيف الذات من خلال القراءة اولاً واخيراً.
أما في النقابة، فلا بدّ لكم ان تعوا ان كل واحد منكم حلقة في سلسلة عمرُها 106 أعوام لا يجب ان تنكسر وكل واحد منكم مسؤول عن ديمومتها وعصرنتها- ولا سيما من خلال إنجاح المشاريع التي نعمل على تحقيقها- ونقل الأمانة إلى الأجيال القادمة. تشربوا تاريخ نقابتنا وأحبوه وكونوا فخورين بتاريخنا وتقاليدنا وتراثنا، حافظوا على هذا التاريخ وعلى هذه التقاليد في مئوية النقابة الثانية بالتزامن مع الإنفتاح على العالم وتحضير المهنة لمواجهة المستقبل، وهذا هو التحدي الكبير.
ثالثاً: على الصعيد الوطني نحن أبناء حضارة إنسانية عمرها 6000 سنة وهذه الحضارة لم يكن قوامُها التجارة كما روّج لذلك البعض بل كانت غنية، لا بل رائدة، بمقومات عديدة دينية وثقافية وفلسفية وفنية وأدبية وأخيراً وليس آخراً حقوقية، إذ اننا اليوم الورثة الطبيعيون لمدرسة الحقوق الرومانية في بيروت أم الشرائع - أعظم كلية حقوق في العالم القديم- قبل ان يُدَمِرَها الزلزال الكبير مع سائر مدن الساحل الفينيقي سنة 551 ميلادية.
وبهذه الصفة، علينا واجب كحقوقيين مؤتمنين على تراث حقوقي وإنساني عريق ان نحافظ على لبنان منارةَ علمٍ وانفتاحٍ ومساحةَ لقاءٍ وحوارٍ لكي يحقّق رسالَته الإنسانية في هذا العالم ويصبحَ بحق كما أراده الآباء المؤسسون وطناً للحرية والإنسان"ز
وأكمل: "ليس من باب الصدفة أن تتزامن إنطلاقة مسيرَتِكم المهنية والنقابية مع بزوع فجر لبناني جديد بدأ بإنتخاب رئيس للجمهورية بعد نفق التعطيل والشغور واستُكمِل بتشكيل سريع للحكومة خلافاً لما درجت عليه العادة في العهود الأخيرة. وإن دور نقابة المحامين في بداية مسيرة الإصلاح والإنقاذ يلخص كما يلي: 1) احترام الدستور نصاً وروحاً ولاسيما الإستحقاقات الدستورية في مواعيدها. 2) وضع الحريات العامة والفردية فوق كل اعتبار. 3) فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها وحماية حدودها وانسحاب الجيش الإسرائيلي المحتل بشكل كامل وتام وتصدي القوى الشرعية لأي اعتداء على السيادة اللبنانية وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة. 4) تحقيق الإستقلالية الحقيقية للسلطة القضائية من خلال تأمين الظروف المادية لتمكينها من ممارسة دورِها وإصدار القانون الخاص بإستقلالية القضاء علماً ان مناعة القاضي وقراره الذاتي المحكوم بالعلم والضمير يبقيان الضمانة الأولى لقضاء حرّ وفاعل. 5) إجراء التشكيلات القضائية وملء المراكز الشاغرة وإعادة هيكلة الإدارة العامة وتنقيتها وعصرنتها. 6) إعادة الإنتظام المالي العام وضمان حماية الودائع المصرفية ورفع اليد عنها لبدء مسيرة إعادة الثقة بلبنان وتفعيل الدورة الإقتصادية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي من أجل إستعادة دور لبنان الريادي كمركز إقتصادي ومالي إقليمي. 7) الدفع بإتجاه كسر الجمود المتصل بملف تفجير مرفأ بيروت لإعادته إلى مساره القضائي الطبيعي واستكمال التحقيقات حتى جلاء الحقيقة ومعاقبة المرتكبين بما يقضي نهائياً على ثقافة عدم المحاسبة والإفلات من العقاب. 8) إتخاذ قرار سيادي بعودة النازحين السوريين إلى ديارهم وتثبيت الحدود البرّية بين البلدين وإعادة تنظيم العلاقات اللبنانية- السورية على أسس ثابتة تتسم بالندية وتحفظ سيادة كل من البلدين واستقلالهما. 9) كشف مصير المواطنين اللبنانيين المخفيين قسراً والمعتقلين في السجون السورية. 10) التصدي الجدي والعميق للقضايا الوطنية المصيرية الكيانية والإقتصادية والإنمائية".
وأضاف: "ن معالجة المشاكل العضوية والبنيوية المزمنة التي يعاني منها لبنان تتطلب وعياً وحكمةً ونزاهةً معنويةً وتجرداً وتخلياً عن روح التفرقة والتمييز والطائفية والمذهبية والمحاصصة والمحسوبية والزبائنية. وهذه مسؤولية مشتركة فردية وجماعية، نقابية ووطنية. ومن أجدر من رجال القانون، والمحامين تحديداً، للعب دور قادة فكر ورأي لتولي نهضة لبنانية تقود وطنَنا الفريد من نوعه في العالم إلى مصاف الأوطان العظيمة بحيث نفتخر به مجدداً بين الأمم وطناً رائداً صاحب رسالة إنسانية جامعة، وطناً حديثاً متطوراً جذوره عميقة في التاريخ وطموحه خارق لتحديات المستقبل".
وختم: "هذا هو إلتزامنا تجاه نقابتنا، هذا هو معنى القسم الذي تؤدونه اليوم، كونوا أوفياء له ومن خلاله لمهنة المحاماة السامية ولنقابتكم العريقة وأمينين على تحقيق رسالة العدالة، وفوق كل شيء اعرفوا الحق والحق يحرركم على الدوام".