القمامة هي الكنز الذي قد تضع يدك فيه لتُخرج ذهبًا، والذي صنع إمبراطوريات كبيرة، أبرزها إمبراطورية "ساويرس"، وعلى رأسها يسرية لوزا، التي كانت صديقةً للنفايات، وزعيمة "الزبالين"، ونجحت في إعادة تدوير المخلفات بكافة أشكالها، وأخرجت منها المرجان والياقوت.

هناك من نجح في استغلال القمامة والنفايات، وخلق منها كنوزًا لا تفنى، وعلى الرغم من ذلك، لم تفهم الحكومة المصرية حتى اليوم فائدتها الكبيرة، وظلّت تلفظ أي فكرة لإعادة التدوير، أو وضع أي مشروع لاستغلال آلاف الأطنان منها في الشوارع والميادين.

تقرير حكومي مصري، صادر عن مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، أشار إلى مليارات الأطنان من المخلفات والنفايات حول العالم، والتي تُشكّل تحديًا كبيرًا على سطح الكوكب، والعالم فى كل دقيقة يشهد إنتاج وجمع 3825 طنًا من النفايات البلدية.

وكشف التقرير أن الخطر يكمن في نهاية تلك النفايات والقمامة، والتي تكون عادةً في المدافن الصحية أو المكبات المفتوحة، لكن لا تتم إعادة تدويره إلا بنسبة 20% من النفايات سنويًا حول العالم، بينما تُترك الحصة الكُبرى من هذه النفايات لتُشكّل ضغطًا هائلًا على البيئة والحياة البرية، والبحرية، والمناخ بوجه عام.

هذا التقرير الصادر عن جهة حكومية، يوضح لنا وعي الحكومة بأبعاد أزمة القمامة، وعلى الرغم من أنه ملف شديد التعقيد، يحتاج إلى البحث والجهد، والتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، فهو ملف ذو فائدتين؛ أولهما هو إعادة التدوير الذي يدر دخلًا كبيرًا، والأخرى هو إعادة النظافة والنظام للشوارع، والقضاء على ظاهرة "النبّاشين".

ذكر التقرير الحكومي المصري، أن نفايات الطعام تُسهم بنحو 10% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وأن القاهرة وحدها تنتج قرابة 290 ألف طن من البلاستيك سنويًا.

وعلى الرغم من أن التقرير الحكومي أكد أن مصر تُعيد تدوير 80% من مخلفاتها، إلا أن النفايات مازالت تملأ بعض الشوارع، والمقالب تتوسّط البيوت والكثافات السكانية بشكل غير مُنظّم.

وقبل كل ذلك، يجب التأكيد على أن الحق في بيئة نظيفة، لا يقل في أهميته عن الحق في الغذاء، والسكن، وغير ذلك؛ حيث أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا في 2021، أن العلاقة بين حقوق الإنسان والبيئة لا جدال فيها.

أرشيفية

فتحت "الفجر" الحديث حول القضية، وألقت الضوء على المشكلة، وعرضت حلولًا لها؛ بهدف سلم الطريق الأمثل، من خلال تجارب مشابهة، أو آراء متخصصين.

مشكلة انتشار القمامة وخاصة بالقرى

ما دام حاولت الحكومات المتعاقبة فتح ملف إعادة تدوير القمامة، إلا سرعان ما يتم إغلاقه؛ لأنه ليس على رأس أولوياتها، على الرغم من أنها أصبحت ملاذًا للعاطلين، وانتشار "النبّاشين"، وبالفعل أصدرت قانونًا لتنظيم وإدارة المخلفات في 2020، إلا أن جديدًا لم يحدث في هذا الملف.

على الرغم من بعض المحاولات الفردية للمحافظين أو رؤساء الأحياء المختلفة، للقضاء على المخلفات داخل دوائرهم، لكن دائمًا كان الملف أكبر منهم، يحتاج إلى نقاش واسع بين الحكومة، ووزارة البيئة، والمحافظين، وأعضاء مجلس النواب.

تمتد وتزداد أزمة القمامة والنفايات، كلما ابتعدت عن محافظتي القاهرة والجيزة، واقتربت أكثر من المراكز والمدن والقرى، ما يجعل الأزمة تحتاج إلى تخطيط حقيقي من الدولة.

القمامة في مصر - أرشيفية

مصدر بهيئة النظافة والتجميل بالجيزة: الملف يحتاج إلى إعادة تنظيم

كشف مصدر بالهيئة العامة لنظافة وتجميل الجيزة، أنها مسؤولة فقط على 9 أحياء بالمحافظة، وغير مسؤولة عن باقي المراكز والمدن، وما بهم من قرى ونجوع، وهو ما يُعد دليلًا صارخًا على سوء تنظيم هذا الملف، وإدارته بشكل خاطئ، وهو ما يجعله في حاجة شديدة إلى إعادة ترتيب الأوراق.

وقال في تصريحات لـ "الفجر"، إن المحافظة رغم مساحتها الكبيرة، بها فقط 4 نقاط مناولة أو محطات وسيطة، وتقوم المعدات الصغيرة بإلقاء القمامة بها، وتوجد المحطات الوسيطة في الوراق، والبراجيل، والمريوطية، وكرداسة، وتُعد محطة المناولة من المحطات الوسيطة، للقضاء على المقالب العشوائية؛ حيث تقوم السيارات بإلقاء المخلفات بها تمهيدًا لنقلها عن طريق السيارات الكبيرة إلى مقلب شبرامنت، ويتم من خلالها معرفة الكميات التي يتم توريدها من الشركات والمتعهدين، وبالتالي تحديد مستحقاتهم بدقة.

وأضاف أن مقلب شبرامنت، هو المقلب الوحيد المتواجد داخل محافظة الجيزة، على الرغم من مساحتها الكبيرة، وارتفاع عدد السكان بها، ورغم عدد المراكز والقرى والنجوع داخلها، وهو الأمر الذي يجعله يستقبل نحو 12 ألف طن يوميًا من المخلفات، كما يحتوي على مدفن صحي آمن كمرحلة أولى، مُقام على مساحة 10 أفدنة، وذلك بهدف الحد من انبعاث ملوثات الهواء، وتحقيق أعلى استفادة، وأيضًا سيتم إنشاء 3 خلايا أخرى كمدافن صحية لمخلفات القمامة، ولكن في النهاية هذا غير كافي لمحافظة الجيزة بأكملها.

وتابع: "تواجهنا مشكلة حقيقية في جميع السيارات والمعدات المُستخدمة بمنظومة النظافة؛ وذلك بسبب تعطلها الدائم وتهالكها، تحتاج إلى إحلال وتغيير بشكل كامل".

وعن جمع ورفع المخلفات بالمراكز والمدن، أوضح المصدر أن هذا يتم من خلال الوحدات المحلية بالطريقة التقليدية، عن طريق رفع القمامة من أماكن تواجدها بالقرى والمقالب العمومية، وسط الكُتلة السكانية، ويعاني الأهالي بسبب انتشار القمامة والأمراض بالقرى، لتركها لأوقات طويلة دون رفعها، لتهالك المعدات وقلّتها، ما يدفعنا لضرورة نقل تلك المقالب لأماكن خارج الكُتل السكانية، خاصة عالية الكثافة، وأيضًا زيادة المُعدات، وأن يتم رفعها بشكل دوري كل يوم.

القمامة في مصر - أرشيفية

رئيس وحدة محلية: يجب تفعيل دور إدارة البيئة الرقابي

أكد رئيس إحدى الوحدات المحلية بمحافظة الجيزة، وجود إدارة بيئية داخل كل مدينة، والتي خلالها يمكن التعاقد والتقنين مع الجمعيات الأهلية المنتشرة بالقرى وفي كافة النجوع، وذلك من أجل جمع المخلفات من المنازل والأهالي، مقابل مبلغ مالي لا يتعدى 20 جنيه شهريًا.

وقال في تصريحات لـ "الفجر"، إن التوسّع في إنشاء مقالب قمامة جديدة وكبيرة هو أمر مهم، ولا يمكن الاعتماد فقط على مقلب شبرامنت داخل محافظة كبيرة مثل الجيزة؛ حيث أن العملية تبدأ بإلقاء المخلفات في نقطة جمع وسيطة، أو محطة مناولة للسيارات الصغيرة، وتجميع المخلفات بها، ثم رفعها عن طريق السيارات الكُبرى لمقلب القمامة.

وأضاف رئيس الوحدة المحلية، أن محافظة الجيزة تحتاج إلى 3 مقالب آخرى كُبرى، مثل مقلب شبرامنت، خاصةً وأن المحافظة تمتلك الأراضي اللازمة لذلك، مع تفعيل دور إدارة البيئة الرقابي، من خلال تحرير محاضر البيئة لتحقيق الردع العام.

القمامة في مصر - أرشيفية

باحثة بيئية: القمامة كنز حقيقي ومشروع قومي يحقق عائد بالعملة الصعبة

في محاولة لإيجاد حلول عملية ومنظّمة للملف، تواصلت "الفجر" مع الدكتورة نهى زكريا الباحثة البيئية، التي أكدت أن القمامة كنز حقيقي ومشروع قومي يحقق عائد بالعملة الصعبة، أو تحويلها إلى طاقة كهربائية، أو الهيدروجين الأخضر.

وقالت إن أهم خطوات استثمار القمامة، عن طريق الفصل من المنبع أو المنازل، وثانيًا تغيير الوضع الاجتماعي لجامعي القمامة، مع التأكيد على أن الخطوتين فى منتهى الصعوبة؛ لأن القمامة سبب انتشارها الأول هو السلوك، وفكرة تغيير سلوك شعب بهذا التعداد، فكرةٌ ليست سهلة، ولكن من الممكن تحقيق ذلك التغيير السريع، إذا نظرنا للقمامة على أنها استثمار، بمعنى أن يستفيد الجميع من تجميعها.

وأضافت "زكريا" أن تسهيل العمل بالفكرة أمر بسيط، وذلك عن طريق تقسيم المصريين إلى فئتين؛ الفئة الأولى فوق المتوسطة، والفئة الثانية أقل من المتوسطة، والبداية أولًا مع الفئة أقل من المتوسطة، إذ يُمكننا شراء القمامة العضوية منها، وذلك بالتنظيم مع شركات جمع القمامة، بالبدء في توزيع أكياسٍ بحجم كيلو واحد من بواقي المطبخ، ويكون  كل 5 أكياس مقابل منتج، فمثلًا يُمكن شراء محصولٍ مثل البطاطس من الأرض بالطن، وبالتالي سيكون هناك فرق كبير بين سعر البطاطس من الأرض عن سعرها بالسوق، وإذا فرضنا أن المستهلك يشتري كيلو البطاطس بسبعة جنيهات، ومن الأرض بثلاثة فقط أو أقل، فهذا يعني أننا اشترينا 5 كيلو من القمامة العضوية (المفصولة) بـ3 جنيهات، وأن المواطن تخلَّص من قمامته وربح 7 جنيهات، هذا بالإضافة إلى مخلَّفات الحيوانات أو (السبلا)، فهي من الأسمدة الطبيعية التي كان الفلاح يعتمد عليها فقط منذ سنوات، ويُمكننا أيضًا شراؤها منه.

وأكدت إمكانية أن نستغل هذه الأكياس لعمل دعاية لإحدى الشركات، على أن تقوم هذه الشركة بشراء الأكياس فقط وتوزيعها مجانًا على المواطنين..

أما الطبقة فوق المتوسطة، أوضحت "زكريا" إمكانية جمع النقود منهم مقابل التخلُّص من القمامة، ونستفيد من هذه الأموال في زيادة المنتجات التي سيتم توزيعها على الطبقة الأقل دخلًا، في مقابل زراعة الأماكن التي كان يتم فيها إلقاء القمامة بالورود والنباتات العطرية، ويُمكن إشراف الشباب عليها، والاستفادة منها ماديًا.

وتابعت: "التخلّص من القمامة بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد، كما يقول المثل الشعبي، حيث أنها تؤدي إلى تطهير الشوارع والميادين من تراكمات القمامة، وانتشار الحشرات التي تتجمع عليها، وتُعرّض المجتمع للإصابة بالأمراض التي ينقلها الذباب وسائر الحشرات، والفائدة الثانية من التخلّص من القمامة، هي استغلالها في الصناعة وإعادة تدويرها، بما يعود بالنفع على المجتمع المصري، ويكون له عوائد كبيرة في الصناعة، ويوفر فرص عمل بالآلاف".

القمامة في مصر - أرشيفية

دفن القمامة يدفع الدولة لخسارة أماكن وأراضي كثيرة

واشارت الباحثة البيئية، إلى وجود من يتخلّص من القمامة بدفنها، وهذا أمر غير صحي، إلى جانب كونه مكلف ماديًا ومرهقًا من حيث المجهود الذي يحتاجه، إضافة إلى خسارة الأماكن والأراضي المدفون فيها القمامة، والتي لا يمكن الاستفادة منها فيما بعد، مشددةً على ضرورة التخلّص من القمامة؛ لأن الشوارع النظيفة دليل على تحضر الشعوب والدول، وبالنظر إلى الدول المتقدمة لا نرى فيها قصاصة ورقة في الشوارع، أو فوارغ المأكولات من الشنط البلاستيكية، وحتى ورق الشجر يتم جمعه لعدم تشويه المنظر العام.

ولفتت الدكتورة نهى زكريا، إلى ضرورة أن تنتقل مصر من مرحلة إهمال جمع القمامة، إلى إعادة تدويرها والاستفادة منها، وهو الأمر الذي يدر نفعًا على المجتمع، وتكون مصدرًا للدخل والعُملة الصعبة، خاصة وأنها يمكن أن تكون مصدر قوة ودخل للدول؛ لكونها تُشجّع الصناعة وتوفّر فرص عمل، وتمنع انتشار الأمراض والأوبئة، وتحمي المجتمع من الآفات والحشرات، وتحافظ على النظافة والذوق العام، وأخيرًا تنتج الهيدروجين الأخضر، الذي هو أساس الطاقة النظيفة التي تتهافت عليها الدول، في ظل ما نعانيه من الاحتباس الحراري، والتحذيرات المتزايدة من تفاقم مشاكل القمامة، لأنها تقضي على الأخضر واليابس، وتهدد المجتمعات، وترتفع تكلفة التعامل معها بشكل مباشر، أو مع آثارها بشكل غير مباشر.

وطالبت الخبيرة البيئية باحترام من يعمل في مهنة جمع القمامة؛ لأنه يقوم بدور مهم وحيوي، ينعكس بالإيجاب على المجتمع، وتهيئة السيارات لنقل القمامة، تكون على أعلى مستوى، حتى لا تتساقط في الطرقات أثناء عملية النقل.

أرشيفية

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الهيئة العامة للنظافة والتجميل بالجيزة القمامة فی مصر مقلب شبرامنت على الرغم من ص من القمامة إعادة تدویر عن طریق على أن

إقرأ أيضاً:

الدعم النقدي والعمل.. لماذا تحاصر الحكومة المصرية عمالها بقوانين مجحفة؟

في الوقت الذي يطالب فيه عمال مصر بزيادة الأجور والمعاشات وتحسين مستوى معيشتهم مع تواصل ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات تحاصرهم حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بقوانين يقرها البرلمان المصري واحدة تلو الأخرى، تأخذ من رصيدهم ولا تضيف إليهم، وفق خبراء ومختصين.

من تلك القوانين التي يرفضها العمال والنقابات المهنية والمهتمين بالملف العمالي قانون "الضمان الاجتماعي والدعم النقدي"، وقانون "العمل الجديد" حيث أثارت موادها الكثير من اللغط والغضب بين عمال مصر.

وسجل تقدير حجم قوة العمل بمصر 32.218 مليون فرد، بالربع الثالث من 2024، فيما بلغت في الحضر 14.190 مليونا، مقابل 18.028 مليونا بالريف، فيما قدرت بـ26.432 مليون ذكر، مقابل 5.786 مليون أنثى.

وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد المشتغلين بأجـر نقدي 21.835 مليونا، مع عدد أصحاب أعمال بلغ 938 ألف مشتغل، وعدد مشتغلين يعملون لحسابهم، ولا يستخدمون أحدا 5.888 مليون مشتغل.



"قانون العمل"
والثلاثاء الماضي، أقرت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، (المادة 12) من مشروع قانون "العمل الجديد" المقدم من الحكومة، والخاصة بتحديد العلاوة السنوية بـ3 بالمئة من الأجر التأميني الخاضع لاشتراكات التأمينات الاجتماعية، بعدما كانت 7 بالمئة من الأجر الأساسي للعامل.

مراقبون رأوا بالمادة غمطا لحقوق العمال وخاصة بالقطاع الخاص الذي يُخضع أغلب العاملين لديه للتأمين، ولا يضيف على الأغلب بعض بنود الأجر الشامل للأجر التأميني، مطالبين برفع النسبة من 3 إلى 7 بالمئة، كونها لا تجاري الأزمات الاقتصادية المتتابعة من تفاقم معدلات التضخم وغلاء الأسعار وضعف قيمة الجنيه وفقدانه 70 بالمئة من قيمته منذ آذار/ مارس 2022.

وانتقدت "دار الخدمات النقابية" المهتمة بالملف العمالي استنساخ القانون لأغلب مواد القانون القديم، مشيرة لتجاهل الاستماع لأصحاب الشأن، ملمحة لوجود تعديلات حكومية خطيرة تخلق وضعا لا مكان فيه لاستقرار العمال، من ناحيتي الأمان الوظيفي، وامتلاك أدوات الاحتجاج اللازمة.

وأكدت حملة "نحو قانون عمل عادل"، المكونة من نقابيين وناشطين عماليين أن مواد مشروع القانون هي الأسوأ بين قوانين العمل السابقة، مشيرة لتجاهلها مواد حق العامل في الإضراب.

ووفق دار الخدمات النقابية فالقانون لا يسمح للعمال بهذا النوع من الاحتجاجات دون إنزال عقاب شديد بهم يتراوح بين الفصل، والحبس، في ظل شروط مستحيلة، لا يمكن تحققها.

ومن أبرز ملاحظات الدار على الصياغة النهائية للمشروع في جانب الأمان الوظيفي، "عقد العمل محدد المدة"، مشيرة لضرورة تبني القانون تطبيق الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، مع ملاحظات على بنود العلاوة الدورية وأرباح العمال، ووضع العمالة غير المنتظمة.

"الدعم النقدي"
وفي سياق إقرار القوانين التي يعترض نقابيون على بعض بنودها، أقر مجلس النواب، الثلاثاء، مشروع "قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي"، والذي يحمل في طياته وفق مراقبين توجها نحو تقليل أعداد المستفيدين من برنامج الدعم النقدي المشروط "تكافل وكرامة" المخصص للأفراد والأسر الفقيرة.

ووفق المنتقدين للقانون، فإن الحصول على الدعم يشترط على المستفيدين منه مسبقا توفيق أوضاعهم لاستمرار الحصول عليه، لكن طبقا لشروط محددة قد لا تنطبق على كثيرين.

ونص القانون أنه لاستمرار المستفيدين من برنامج "تكافل وكرامة" في الاحتفاظ بالمزايا المقررة لهم بموجب التشريعات القائمة، عليهم توفيق أوضاعهم وفقا لأحكام القانون الجديد ولائحته التنفيذية، في مدة أقصاها عام.



ويصل عدد المستفيدين من "تكافل وكرامة"، نحو 5 ملايين أسرة، ممن لا يتمتعون بنظام التأمين الاجتماعي، وغير القادرين على إعالة أنفسهم وأسرهم، وحالات العجز عن العمل والشيخوخة، بمبلغ شهري من 620-740 جنيها لكل أسرة.

ويوقف القانون الجديد، صرف الدعم النقدي بحالات بينها صدور حكم قضائي بجرائم: التسول، والاتجار بالبشر، وتعريض الطفل للخطر، وختان الإناث، والزواج المبكر، والتحرش، والتعدي على الأراضي الزراعية، فيما يجري مراجعة سنوية لمدى توافر شروط الاستحقاق.

ويؤكد خبراء أن القانون يهدف لاستبدال الدعم العيني أو التموين السلعي الحالي والمكون من زيت وسكر ومكرونة وأرز، بالدعم النقدي، فيما يتخوف البعض من أن يكون ذلك نهاية للدعم، كإحدى توجيهات صندوق النقد الدولي، بجانب تقليص دعم الكهرباء والوقود، ورفع أسعار جميع السلع والخدمات.

"حد الفقر"
وتتزامن تلك القوانين مع تعديل البنك الدولي لحساب حد الفقر العالمي، من 2.15 دولار يوميا، إلى 6.85 دولار يوميا أي 342.5 جنيه يوميا، وبذلك فإن كل مصري يقل دخله الشهري عن 10.275 جنيه شهريا فهو تحت خط الفقر، بمعدلات حساب البنك الدولي الجديد، وفق حديث سابق للباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني، مع "عربي21".

ويؤكد خبراء اقتصاد مصريين أن الحكومة المصرية لا تعترف بمعدلات الفقر الحقيقية في مصر، وتصر على إخفاء النسب الحقيقية لنتائج بحث الدخل والإنفاق، وتصدر فقط نسبا قديمة لا تتسق مع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار والغلاء الذي وصلت إليه البلاد بالأعوام الأخيرة.

"أداة جباية"
وفي قراءته لتلك القوانين، قال السياسي المصري والبرلماني السابق طارق مرسي: "لا يمكن تناول التشريعات الحكومية إلا في ضوء حالة الجباية التي يمارسها النظام الحالي والذي يتعامل مع المواطن كأداة جباية وليس مستهدف رعاية".

عضو لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب المصري سابقا أكد لـ"عربي21"، أن "القوانين الصادرة في برلمانات مصر منذ 2013 تسعى لتحقيق رغبة السلطة بتحصيل الموارد من الشعب ورفع أسعار الخدمات والسلع ولم يصدر قانون واحد يبحث عن صالح المواطن".

وتساءل: "ماذا ننتظر من حكومات السيسي وهي تقرر بشكل دوري رفع الأسعار بالتزامن مع تصريحات استفزازية بأن ذلك صب في مصلحة المواطن؟، ماذا ننتظر من حكومات هزيلة تمثل سكرتارية للسيسي صاحب مقولة: (معنديش حاجة ببلاش)؟، ماذا ينتظر من حكومة تقرر وبرلمانات تقر قوانين وهي تحت سيف صندوق النقد الدولي الذي يربط كل شيء بإلغاء الدعم؟".

وتابع مرسي، تساؤلاته: "هل الوقت يناسب إصدار تشريعات جديدة تعصف بحقوق العمال، وواقعنا يشهد بنزيف توقف المصانع والصناعات ومزيد من البطالة وإلقاء العمال بالشارع وتفشي غول البطالة بينهم؟"، ملمحا إلى أن "أجهزة الدولة للإحصاء رصدت مؤخرا خروج آلاف الشركات من السوق المصري، وما يجره ذلك من مزيد انهيار للاقتصاد والأعمال والشعب".



وأضاف: "ماذا ننتظر من نظام السيسي وقد باع آلاف الشركات الناجحة ورهن الاقتصاد للإمارات وغيرها؟ هل سنطالب الإمارات بحماية حقوق العمال؟ ولمصلحة من تصدر قوانين تقلل من العلاوة الدورية من 7 بالمئة إلى 3 بالمئة؟ من المسؤول عن ذلك؟ وهل البرلمانات التي أصدرت ذلك تبحث عن مصلحة العامل أم أصحاب الأعمال؟ وهل ننتظر قانون من القوانين يسمح بحق الإضراب بدولة القمع وتكميم الأفواه؟".

ويعتقد مرسي، أنه "مع واقع اقتصادي مزر على الدولة ولو من التعقل السياسي كف أذاها عن العمال وهي شريحة بالملايين ويكفي الشعب معاناة الغلاء والفقر والبطالة والعوز".

وطالب الحكومة والبرلمان وكل نافذ "بإعلان حد الفقر بمصر في 2025، وكم من الشعب يرزح تحت خط الفقر"، ملمحا إلى أن "متوسط معاش الضمان الاجتماعي بين 620 و740 جنيها (ما يعادل 14 دولارا) لكل أسرة، وفق وزارة التضامن الاجتماعي".

ويرى أنه "كان على الدولة سؤال ملايين العمال عن رأيهم بتلك القوانين، بدل إصدارها من كنتونات داعمة للنظام وتحقق ما يصبو له السيسي من تقليص الدعم والالتفاف على الفقراء وتحقيق فرمانات صندوق النقد الدولي".

في نهاية حديثه أكد "أن السيسي يريد تحميل الشعب وطبقته العاملة تكاليف عجز نظامه وحكومته وفشلهم بإدارة الدولة، ويشاركهم في ذلك المنتفعين بالمجالس النيابية وشلة الفساد من حواري السلطة".

"أسوأ المراحل منذ 1952"
وأكد الباحث المصري في الملف الاقتصادي والعمالي حسن بربري أن "الموضوع شائك مع معاناة عمال مصر من سوءات الأزمة الاقتصادية والسياسية"، مؤكدا أن "سلسلة القوانين على مدار سنوات كانت مجحفة بهم، وأثرت على معيشتهم وخاصة ملف الأجور المرتبط بمجموعة سياسيات تؤثر عليه".

القيادي بحزب "التحالف الشعبي" أضاف لـ"عربي21" أنه "منذ 5 سنوات يمر عمال مصر بأسوأ المراحل منذ 1952، نعم كانت هناك مراحل سيئة ولكن كانت هناك قرارات تخفف العبء، لكن الفترة الأخيرة التي تزامنت مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وصل معدل التضخم بين 35 و40 بالمئة وهي زيادة لم تحدث بتاريخ مصر جملة".

وقال: "هناك سياسات وقرارات إدارية تعسفت بمسألة الأجور وخاصة قرار الحد الأدنى للأجور، وتدرج الزيادات التي أقرها المجلس القومي للأجور غير المتواكبة وزيادات الأسعار، وبينما التدرج زاد من 1500 حتى 6 آلاف جنيه لم يتواكب قياسا بارتفاع أسعار وصل تضخمها من 20 إلى 30 و35 و40 بالمئة، ثم تراجعت لما بين 25 إلى 30 بالمئة بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء".

وأوضح الناشط العمالي أن "الأجور في حد ذاتها بها مشكلة مع تحديد المجلس القومي للأجور منذ 4 سنوات قرار الزيادة السنوية المقررة بقانون العمل الحالي لسنة 2003 أن تكون 3 بالمئة من الأجر التأميني، والذي أخذ به القطاع الخاص صاحب النسبة الأكبر من العمالة بعدما خصخصت الدولة شركاتها ومنها كثيفة العمالة كالحديد والصلب وفحم الكوك والمراجل البخارية وغيرها، واعتمدت سياسات تسريح العمالة بالجهاز الإداري للدولة".

ويرى بربري أن "عمال مصر يعانون منذ عقود مع عدم وجود سياسة خاصة بالأجور وهيكل واضح لها على المستوى القومي وبالقطاعات الاقتصادية، ما أعطى القطاع الخاص فرصة تحديد الأجر، في حين تقول الدولة إنها تترك التفاوض حول الأجر بين النقابات العمالية وأصحاب الأعمال، لكنه مع سيطرة الدولة على انتخابات التنظيمات النقابية أفرغتها من قوتها وقياداتها، حتى أصبحت ضد أي تحرك عمالي لزيادة الأجور، وتم القبض على عمال ونقابيين، وسلبت الدولة القوة الأساسية في المفاوضة على الأجور".

وخلص للقول: "نعاني من غياب هيكل وسياسات خاصة بالحد الأدنى للأجور، وعدم إلزام القطاع الخاص بالحد الأدنى للأجور، ولا نعرف طريقة حساب المجلس القومي للأجور للحد الأدنى والذي يكون بتوجيهات سياسية ورئاسية محل تقدير شخصي وليس اقتصادي واجتماعي".

"هكذا تفاقم الوضع"
وأكد أنه "كان يحكم الطبقة العاملة مجموعة قوانين وسياسات ترفع العبء عنهم على مستوى الأجر والصحة والتعليم والغذاء؛ فبرغم ضعف الأجر كان هناك دعم توفير سلع أساسية تقلل الضغط الاقتصادي على الأجر، وتوفر جزءا من الغذاء الرئيسي بثمن يتواكب مع أجور ضعيفة، لكن اليوم نقر قانون الضمان الاجتماعي الذي ينهي ملف الدعم في توجيه من صندوق النقد الدولي، مع أجر ضعيف وسلع بأسعار السوق والسعر العالمي".

وبين أنه "على مستوى الصحة أقرت الدولة القانون السيئ بتأجير المستشفيات الحكومية والتي تشمل التأمين الصحي للمستثمرين الذين يسعون لزيادة أرباحهم بما يؤثر على الدعم الصحي الذي كان يوفر الكشف والعمليات والدواء بأسعار تتناسب مع الفئة العاملة، وبالتالي يتحمل العامل التكلفة بأسعار السوق ما يزيد عبئا على أجره".

ولفت إلى أنه "على مستوى التعليم تسبب تراجع الإنفاق الحكومة على المدارس الحكومية ورفع الرسوم في تفجر أسعار الدروس الخصوصية خاصة وأن نقص الدعم دفع مستوى التعليم الحكومي للتراجع ما اضطر المصريين للجوء للسناتر ما يأكل من أجر العامل".

وأشار أيضا إلى "تأثير سياسية رفع الدعم عن الطاقة على مراحل حتى تحريرها كإحدى شروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض، ومنها أسعار الكهرباء والغاز والبنزين والسولار، ما يؤثر على الطبقة العاملة أكثر من يستخدم المواصلات مع زيادة تعريفة الركوب من جنية إلى 15 و20 ما يمثل ضغطا على رواتب ثابتة مع تحرك طفيف".



وأكد الباحث المصري أن "ما سبق ينطبق على العمالة المنتظمة التي لها عقود وحد أدنى للأجور وتأمينات، ولكن غير المنتظمة لا تتمتع بهذه الحقوق ولا مستوى الحماية الاجتماعية ولا الأجور، فلا تأمين عليها ولا تسجيل بوزارة العمل التي سجلت فقط 350 ألف عامل منتظم، بينما أكد تقارير البنك الدولي أنها تمثل 45 بالمئة من قوة العمل بمصر".

ويرى أن "هناك مشكلة بقانون العمل المتداول منذ 2013 ، ثم توقف مشروعه ثم ذهب لمجلس الشيوخ ثم النواب ويرد للحوار الوطني ثم لمجلس النواب مع إشكالية أشار لها النائب عن حزب مصر الديمقراطي إيهاب منصور، مؤكدا أن الحكومة قدمت مشروع سيء ومختلف تماما عن المشروع المروج له".

وختم مبينا أن هناك "سياسات وقوانين مؤثرة بشكل غير مباشر على عمال مصر مثل رفع الدعم عن الغذاء عبر إقرار قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي، وقرارات رفع الدعم عن أسعار الطاقة، ثم قوانين بيع وتأجير المستشفيات الحكومية والمتعلقة بقوانين التأمين الصحي للطبقة العاملة ما يؤثر عليها بشكل مباشر".

مقالات مشابهة

  • التصديري للكيماويات: إعادة تدوير المخلفات البلاستيكية يحتاج إلى حوافز جادة
  • التصديري للكيماويات: مصر الأولي عربيا في إعادة تدوير البلاستيك
  • محمد مجيد : مطلوب حوافز ومزايا لإقامة بنية أساسية متطورة لجمع وإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية
  • الدعم النقدي والعمل.. لماذا تحاصر الحكومة المصرية عمالها بقوانين مجحفة؟
  • لماذا يوافق لبنان على مؤتمر باريس؟
  • حميه: إعادة الإعمار واجب على الحكومة وفق الخطط والقرارات الوزارية
  • عمرو فاروق يحذر من تحركات مشبوهة تستهدف إعادة تدوير الجماعات الإرهابية
  • محافظ كفرالشيخ يتابع إنشاء مصنع تدوير المخلفات الصلبة البلدية بدسوق
  • محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال إنشاء مصنع تدوير المخلفات الصلبة البلدية بدسوق
  • محافظ الدقهلية يُصدر 5 توجيهات جديدة بشأن ملف تدوير المخلفات