كيف تمتلك الإرادة للتغيير.. وما الفرق بين الإصلاح والتجديد؟
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية السابق أن هناك فرقًا بين التغيُّر والتغيير، والفرق بينهما هو القصد والإرادة اللذان يلزم منهما وضع الخطة والتنفيذ.
نوع من الهجرة يحتاجه كل مسلم.. يكشفه علي جمعة علي جمعة يُوضح صفات عباد الرحمنكيف تمتلك الإرادة للتغيير؟
وتابع جمعة أن التغيُّر يحدث تلقائيا بتبدل الزمان وتغير الناس بالحياة والموت، وجريان الأحداث وتشابكها، والاكتشافات التي تتم، سواء في عالم الحس والكون أو الومضات التي يفتح الله بها على عباده في عالم الأفكار، والتي تؤثر بعد ذلك في العلاقات بين الناس، أفراداً وجماعات، وبين الدول والتكتلات.
أما التغيير فهو ينظر إلى الواقع ويرى فيه شيئاً لابد أن يتبدل، وهنا يظهر القصد لذلك التبديل وتظهر الإرادة، ويسعى الإنسان لوضع خطة مناسبة لهذا التغيير ويقوم بتنفيذها حتى يتم مراده أو بعض مراده من هذا التغيير، وعملية بناء الحضارة تشتمل بالضرورة على التغير والتغيير، وإذا كان التغيُّر لا دور للإنسان فيه، إلا أنه يجب عليه فهم عملية التغيير ودراستها بروية لما لها من دور مهم في بناء الحضارة الإنسانية.
وما الفرق بين الإصلاح والتجديد؟
وقال جمعة إنه تحت عنوان التغيير، يقع المصطلحان (الإصلاح والتجديد)، ويرى فريق من الكاتبين في الأدبيات المعاصرة، طبقاً لاستعمالهم هذين اللفظين، أنهما مترادفان، فيستعملون كل واحد منهما مكان الآخر.
وأشار جمعة إلى أن هناك فارقا بين الإصلاح والتجديد، فالإصلاح يفترض نقصا ما في الواقع، وقد يصل هذا النقص إلى درجة الخلل، وهذا يستلزم شيئاً من الهدم وإعادة البناء، ولذلك فإن الإصلاح يقتضى أيضاً عدم التسليم بالموروث، واعتبار أن خطأ ما قد وقع عند السابقين فهماً أو تطبيقاً أو هما معا، وهذا هو المبرر والمسوِّغ لعملية الهدم والشروع في بناء جديد ينهى النقص القائم.
وبين جمعة أن مفهوم الإصلاح يمكن قبول فكرة القطيعة المعرفية الجزئية أو الكلية، طبقاً لرؤية المصلِح ومساحة هذا الإصلاح ومساحة الرغبة والإرادة والقصد في التغيير، ومن خلال القطيعة المعرفية يتم نقد مصادر المعرفة، وأدوات التعامل معها، ويتم أيضا إيجاد معيار جديد للتقويم، ومن هنا تتم عملية تصنيف جديدة للمعرفة. وكل هذه خطواتٌ ستكون هي الخطوات الأولى، لكنها الأساسية أيضاً في خطة الإصلاح.
واختتم جمعه أن الإصلاح بهذا المعنى عادة يلقى مقاومة شديدة، لأنه أولا يدخل في صدام مع الثقافة السائدة، وثانيا لأنه يأتي بفكرة لم يتم بعد تجريبها، فتتخوف النفوس من قبولها، ولأنه ثالثا يأتي بتلك الفكرة ويصوغها بصياغات مبدئية ليس كصياغات العلوم المستقرة التي دُرست ونُقلت من جيل إلى جيل، ولأنه رابعا يصف شيئاً من الموروث بالنقص، ولذلك كانت مهمة الإصلاح أصعب وتحتاج إلى زمان أطول.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء مفتي الجمهورية السابق
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: أسطورة الخيال.. بوابة التغيير والإبداع
الخيال هو أداة الإنسان الأبرز لتجاوز حدود الممكن ورسم مسارات المستقبل. إنه القوة الخفية التي تحرك الفكر والإبداع، وتقودنا نحو احتمالات لم تكن يوماً في متناول اليد. عبر التاريخ، لطالما مثّل الخيال مصدر دهشة وإلهام للبشرية، بدءاً من أساطير الحضارات القديمة وصولاً إلى الابتكارات العلمية الحديثة. إنه المساحة التي تتداخل فيها الأحلام مع الواقع، وتحول المستحيل إلى ممكن، وتمنح الإنسان القدرة على صياغة عالم جديد.
في الماضي، كانت أفلام الخيال العلمي والروايات المستقبلية تُنظر إليها على أنها ضرب من الجنون أو الهروب من الواقع. لكن هذه الأفكار، التي بدت يوماً غير واقعية، أصبحت اليوم نبوءات محققة. الرحلات الفضائية، والذكاء الاصطناعي، والسيارات ذاتية القيادة، كلها ولدت من رحم الخيال، لكنها تحولت بمرور الوقت إلى حقائق ملموسة. هذه الظاهرة تثير سؤالاً محورياً: كيف يمكن للبشرية أن تستثمر في الخيال ليس فقط كأداة إبداعية، بل كقوة دافعة للتغيير والتقدم؟
الخيال ليس مجرد أداة للترفيه أو الهروب من الواقع، بل هو مصدر حقيقي للحلول والابتكارات. عندما تواجه المجتمعات تحديات كبرى مثل تغيّر المناخ، والأزمات الصحية، والتوترات السياسية، فإن الخيال يمكن أن يلعب دوراً حاسماً في تقديم رؤى جديدة واستراتيجيات غير تقليدية. في كل مرة يتحدى فيها الإنسان حدود فكره، يفتح أبواباً جديدة للحلول التي لم تكن مطروحة من قبل. هذه القدرة على تجاوز المألوف تجعل الخيال قوة أساسية في تشكيل العالم.
لتحقيق هذا الإمكان، يحتاج البشر إلى تطوير ما يمكن تسميته بـ”التخيّل المنهجي”، وهو القدرة على استخدام الخيال بطريقة منهجية وموجهة نحو تحقيق أهداف محددة. يتطلب ذلك تعزيز التفكير النقدي والإبداعي لدى الأفراد، خاصة منذ مراحل الطفولة. إن الأطفال، بقدرتهم الفطرية على الحلم، يمثلون التربة الخصبة لزرع بذور الخيال. لكن هذه البذور تحتاج إلى رعاية مستمرة من خلال أنشطة تعليمية وثقافية تُعزز من قدرتهم على استكشاف العالم بطرق جديدة.
الخيال لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يمكن أن يصبح مورداً جماعياً للمجتمعات والدول. إنه يشكل الأساس لابتكارات كبرى تحولت إلى ثورات صناعية وتقنية، مثل الإنترنت والطاقة المتجددة والأجهزة الذكية. الشركات الكبرى اليوم، مثل تلك التي تقود قطاع التكنولوجيا، تعتمد بشكل كبير على الأفكار التي تبدأ كخيالات طموحة، لكنها تتحول عبر الابتكار والعمل إلى واقع يغير العالم. لذلك، فإن الاستثمار في الخيال ليس ترفاً، بل ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة.
يتجلى دور الخيال أيضاً في المجالات الثقافية والفنية. الفنون بجميع أشكالها ليست مجرد وسائل للتسلية، بل هي مختبرات للأفكار. الأفلام والروايات والمسرحيات تلعب دوراً محورياً في استكشاف القيم الإنسانية وإعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية. كما أن الخيال الأدبي والسينمائي يمكن أن يكون حافزاً للعلماء والمبتكرين للبحث عن طرق جديدة لتحويل هذه التصورات إلى حقائق. وهكذا يصبح الخيال ميداناً للتفاعل بين المشاعر والأفكار، ومساحة للتجريب الحر الذي يفتح أبواب المستقبل.
لكن الخيال ليس فقط وسيلة للإبداع، بل يمكن أن يكون أيضاً علاجاً نفسياً ووسيلة لتحسين الصحة العقلية. في عالم مليء بالضغوطات والتحديات، يمكن للخيال أن يمنح الإنسان متنفساً للتأمل والتجديد. الانغماس في عوالم خيالية، سواء من خلال القراءة أو الألعاب الافتراضية، يمكن أن يساعد على تهدئة النفس وتعزيز التفكير الإيجابي. في هذا السياق، يصبح الخيال أداة ليس فقط لبناء المستقبل، بل أيضاً لتحسين الحاضر.
إلى جانب ذلك، يمثل الخيال دعوة للتأمل الفلسفي في طبيعة الوجود الإنساني. إنه يعكس قدرة الإنسان على تجاوز حدود الإدراك المادي، واستكشاف احتمالات جديدة للحياة. الفلاسفة الكبار، من أفلاطون إلى كانط، تحدثوا عن أهمية الخيال كوسيلة لفهم الذات والعالم. إنه المساحة التي يتلاقى فيها العقل مع الروح، حيث تتشكل الأفكار التي يمكن أن تغيّر مجرى التاريخ.
لكن الخيال ليس مسؤولية فردية فقط، بل هو مسؤولية جماعية تتطلب التعاون بين الأفراد والمؤسسات والدول. من خلال تعزيز ثقافة الخيال والإبداع، يمكن للمجتمعات أن تبني عالماً أكثر عدلاً واستدامة. الاستثمار في التعليم، وتشجيع البحث العلمي، ودعم الفنون والإبداع، كلها خطوات أساسية لتحقيق هذا الهدف.
في النهاية، يمثل الخيال البوابة السرية التي تقودنا نحو التغيير والإبداع. إنه القوة التي تدفع الإنسان لمواجهة التحديات، وتحقيق المستحيل، وخلق عالم يعكس أحلامه وطموحاته. في زمن يحتاج فيه العالم إلى حلول جذرية وإبداعات غير مسبوقة، يصبح الخيال ليس خياراً، بل ضرورة لبناء المستقبل. لذا، علينا أن نعيد اكتشاف هذه القوة الكامنة، ونمنحها المكانة التي تستحقها في حياتنا ومجتمعاتنا. فقط عبر الخيال، يمكننا أن نصوغ عالماً جديداً يتسع للجميع.