حمادي الوهايبي: عطيل وبعد تستحضر مسرح شكسبير على وقع مأساة غزة
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
بعد نحو 60 سنة من عرض مسرحية "عطيل" للمخرج التونسي الراحل علي بن عياد، عادت المسرحية من جديد إلى مهرجان الحمامات الدولي الذي نظم في الفترة بين الخامس من يوليو/تموز الماضي حتى الثالث من أغسطس/آب الجاري، باسم "عطيل وبعد" للمخرج حمادي الوهايبي.
وفي مدينة القيروان التاريخية، التقت الأناضول الوهايبي الذي اعتبر أن مسرحيته الجديدة "عطيل وبعد" تتمة لنهاية مغايرة للمسرحية المعروفة للكاتب البريطاني وليام شكسبير وأن مأساة أحداث غزة كانت حاضرة في هذا العمل الدرامي الذي أعاد طرح أسئلة علاقة العرب بالغرب.
درس الوهايبي في المعهد العالي للفن المسرحي بتونس ودرّس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، وعمل "كاتبا عاما" لاتحاد الممثلين المحترفين، كما كان رئيسا لجمعية مهرجان ربيع الفنون الدولي بالقيروان، إلى جانب تجربته مخرجا ومنتجا وممثلا في أكثر من عمل مسرحي وسينمائي وتلفزيوني.
وقال الوهايبي إن مأساة غزة خيمت على مسرحيته، مؤكدا أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة كشفت عن مواقف مفكرين غربيين تجاه القضية الفلسطينية وقضايا العرب والمسلمين.
إعادة قراءةاعتبر الوهايبي أنه أعاد قراءة مسرحية "عطيل" التي كتبها التونسي ابن عياد بهدف قراءة الإرث الشكسبيري الذي يمهد لقراءة الفكر الغربي.
ومتسائلا عن كيفية القراءة المختلفة للعقل الغربي من خلال الفن، يعتقد الوهايبي أن أعمال شكسبير لم تكن فقط انطباعية إنما وراءها فكر ومعرفة وواقع يعيشه الكاتب.
وأشار الوهايبي إلى أن قراءة شكسبير لشخصية المغربي "عطيل" فيها كثير من الحيف، لذلك عمد لتقديم الشخصية بشكل مختلف بما يشبه فكرة إعادة النظر في المسلمات.
المسكوت عنهوما إن كانت مسرحيته مقارعة لأفكار شكسبير والغرب أو إعادة ترتيب للحكاية من جديد، قال الوهايبي: "هذا مرتبط برؤيتنا للعالم ورؤيتنا لشكل إقامتنا في العالم".
وأضاف: "هناك مسار وسياق معرفي وقتي وجمالي نشتغل عليه منذ أعمالنا السابقة، وهو الاشتغال على المسكوت عنه ويظهر ذلك في مسرحياتي صبرا وجويف والروبة وابن رشد .. العلاقة مع الآخر والانطلاق من أشياء قائمة على معرفة".
وأوضح الوهايبي أن "الفن ليس بالصدفة، هناك فنون تقليدية أسميها الفن المقلد؛ وهو الذي يقلد أعمال الآخرين ليظهر فقط شيئا يحاول أن يكون جميلا، بالنسبة لي في تعاملي مع الفن لا بد أن ننطلق من معرفة، لذلك فليست مهمتي مقارعة شكسبير، ولكن التحاور مع الغرب الآخر من خلال أعمال شكسبير".
إعمال العقلوقال الوهايبي: "عندما نتحاور مع شخصية عطيل ننبه إلى بعد الشخصية العاطفي وإلى ابتعادها عن إعمال العقل، فلا يكفي أن تشك في زوجتك لتقتلها".
وفي مسرحية شكسبير تنتهي حالة الغيرة بعطيل إلى قتل زوجته ديدمونة قبل أن ينتحر بعد اكتشاف خطئه الذي أوقعه فيه الرمز الشرير في المسرحية "ياغو".
وأردف الوهايبي: "كانت هناك دعوة للتريث، هناك جملة كان يقولها ياغو لعطيل وهي: أنا فقط أخبرتك ولم أكن متأكدا من المعلومة وكان عليك أن تتريث".
وتابع: كان عليك أن تتريث.. هي كلمة موجهة للفكر العربي الإسلامي أن يتريث ولا ينظر للآخر كعدو في المطلق وأن يعود لمسلماته ليناقشها ويصلح ما بها".
عطيل جديدانطلق الوهايبي في مسرحيته من نهاية عمل شكسبير عندما جاء عطيل ليقتل زوجته ديدمونة حين شك أنها على علاقة مع أحد جنوده كاسيو، وحاول أن يظهر شخصية الأم التي ابتكرها وأضافها للعمل الأصلي.
قال الوهايبي: "ابتكرنا شخصية الأم التي ترمز إلى ماضي عطيل الأفريقي وارتباطه بالأرض التي جاء منها بكل ثقافتها وكل حضارتها وهي التي تمنعه وتقول له نحن لا نقتل النساء".
وتابع: "شكسبير قدم عطيل على أنه قتل امرأة بشكل عنيف مبالغ فيه وخنقها ثم قتل نفسه".
وجوه حقيقيةبرأي الوهايبي فإن نسخته من عطيل إنما هي "تفاعل مع ما يقع الآن.. الحرب على غزة ومأساتها كشفتا عن وجوه حقيقية لبعض المفكرين الغربيين وموقفهم من القضية الفلسطينية وموقفهم من الشرق والعرب والمسلمين ومن الآخر عموما وهدفي تعرية تلك المواقف".
وأضاف: "هذه المواقف الغربية كانت سببا رئيسيا لتناول مثل هذه الأعمال وعلى المثقفين العرب التفاعل مع ما طرحه الغرب".
إلا أن الوهايبي استدرك: "صحيح ليس كل الغرب يفكر هكذا لأن الذين يناصرون القضية الفلسطينية الآن هم من الغرب ونحن نشاهد حشود الطلبة ومواقف بعض الفنانين في مهرجانات كبيرة".
وأردف: "أنت تعلم ما معنى أن يكون فنان في مهرجان كان السينمائي بفرنسا أو هوليود معاديا لإسرائيل، فهذا ثمنه كبير وهناك من قاسى الأمرّين من هذه المسألة، لآن الآلة الصهيونية تمسك بمفاصل الإنتاج الفني عالميا وخاصة السينمائي".
وتابع: "أن يكون هناك فنانون بهذا التعاطف مع القضية الفلسطينية فهذا شيء محمود، لذلك لا يجب أن ننظر للغرب على أنه عدو مطلق".
وبدعم أميركي، أسفرت الحرب على غزة عن نحو 132 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وحولت إسرائيل غزة إلى أكبر سجن في العالم، إذ تحاصر القطاع للعام الـ18، وأجبرت حربها نحو مليونين من مواطنيه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد ومتعمد في الغذاء والماء والدواء.
الفن والحيادواعتبر الوهايبي أن "الفن ليس محايدا بل يجب أن تكون له قصدية، لذلك نقول إننا ننطلق في تجربتنا من معرفة وثقافة الاطلاع على الآخر".
وقال: "أن تذهب إلى أوروبا وتشاهد ما قدمته المسارح الغربية وأن تشاهد مسارح روسيا والصين واليابان والهند وأميركا اللاتينية وأفريقيا أيضا، فهذا يعني أن تتصالح مع الإنسان في المطلق".
وأضاف: "نحن أيضا ننتمي إلى الإنسانية ويجب أن نتخلص من فكرة أننا سادة الكون، وهذه الفكرة تحتاج إلى مراجعات، هناك آخر يعيش معنا لا نقبله في كليته ولا نرفضه في كليته.. هناك دائما العقل يحكم بيننا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القضیة الفلسطینیة
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: فيلم رجل الابتسامة مأساة خلف القناع
"رجل الابتسامة" (The Smile Man) هو فيلم أمريكي قصير من بطولة الممثل المميز "ويليم دافو" (Willem Dafoe). لا تتجاوز مدته ثماني دقائق، لكنه يحتوي على رؤية سينمائية مميزة تكشف عن مفارقات المشاعر البشرية والتناقضات التي تسكنها. الفيلم يُقدم رسالة قوية حول الألم الذي قد يختبئ خلف قناع البهجة، ويُجسد من خلال أداء "دافو" المتقن رحلة إنسانية عميقة بين المظهر والجوهر.
يقدم الفيلم شخصية رجل تعرض لحادث سيارة مأساوي تسبب في تلف أعصاب وجهه، مما جعله يحمل ابتسامة دائمة لا تنفصل عن ملامحه. بينما تُعد الابتسامة رمزًا عالميًا للسعادة، تتحول في هذا الفيلم إلى لعنه تحاصر الشخصية وتدفعها إلى مواقف محرجة ومؤلمة. الناس يفسرون ابتسامته الدائمة على أنها سخرية، مما يزيد من عزلة الرجل ومعاناته النفسية.
الأحداث تصل إلى ذروتها عندما يلتقي بالمرأة التي اصطدمت سيارته بها في الحادث نفسه. تعيش المرأة ألمها الخاص بعد أن فقدت فرصة عملها كمراسلة صحفية نتيجة الحادث، الذي أصابها بخلل عصبي جعل عينيها تدمعان باستمرار. عندما اكتشفت أن ابتسامته ليست سوى شلل دائم في وجهه، أدركت أن معاناته تفوق ما تخيلت، وبدأت ترى في ابتسامته المزعومة مأساة تشبه دموعها التي لا يمكن السيطرة عليها.
الفيلم يُظهر تناقضًا عميقًا بين الشخصيتين؛ فذلك الرجل الذي لا يستطيع التوقف عن الابتسام، وتلك المرأة التي لا تستطيع منع دموعها، يعيشان مأساة متكاملة تعكس اغتراب الإنسان عن نفسه والآخرين، حيث تصبح المظاهر خادعة ولا تعبر عن المشاعر الحقيقية.
الإخراج والتصوير في فيلم "رجل الابتسامة" لعبا دورًا محوريًا في إبراز التوتر النفسي والمعاناة الداخلية للشخصيات. فقد تم توظيف زوايا الكاميرا بمهارة لإبراز البنية العاطفية المعقدة للشخصية الرئيسية؛ إذ استعان المخرج باللقطات المقربة (Close-ups) لتركز على ملامح وجه الرجل المبتسم، مما عزز من شعور المشاهد بالتوتر النفسي والانفصال الداخلي الذي يعانيه البطل. في المقابل، استخدمت اللقطات الواسعة (Wide Shots) لتضع الشخصية في إطار اجتماعي أوسع، مما يبرز مساحته المنعزلة ويعكس اغترابه ضمن محيطه.
أما الإضاءة؛ فقد جاءت كعنصر أساسي لتعزيز الدراما البصرية في الفيلم، حيث استخدمت تقنية الإضاءة المنخفضة (Low-Key Lighting) لتوليد تباين بصري قوي بين مناطق الضوء والظلال، مما عبر عن الصراع الداخلي بين الظاهر والمخفي في حياة البطل. الظلال الحادة (Sharp Shadows) أضافت بُعدًا من الغموض والألم النفسي، بينما استُخدمت الإضاءة الموجهة (Directional Lighting) لتسليط الضوء على ملامح الوجه التي باتت غير طبيعية، مُبرزًة المعاناة المكنونة خلف تلك الابتسامة المستمرة. هذا المزج بين تقنيات الإضاءة والكاميرا خلق تجربة بصرية متكاملة، تعكس ببراعة العبء النفسي للشخصيات وتضع المشاهد في قلب الصراع المأساوي الذي يدور حوله الفيلم.
يسلط الفيلم الضوء على الفجوة بين ما يشعر به الإنسان وما يُظهره للآخرين. الابتسامة ليست دائمًا فرحًا، والدموع ليست دائمًا ضعفًا. الفيلم يحمل رسالة فلسفية وإنسانية عميقة، تُذكّرنا بأننا غالبًا ما نحكم على الآخرين من خلال مظاهرهم، متجاهلين المعاناة التي قد تكون مختبئة خلف تلك الوجوه.
"رجل الابتسامة" هو فيلم قصير لكنه ممتلئ بالمعاني والدلالات التي تستحق التأمل. يعالج موضوعات عميقة مثل الألم الخفي، الانعزال الاجتماعي، والكيفية التي نتعامل بها مع مظاهر الآخرين. إنه عمل سينمائي يُبرز قدرة الأفلام القصيرة على تقديم قصص مؤثرة وذات مغزى بأسلوب بسيط ولكن فعال. الفيلم يذكرنا في النهاية بحقيقة إنسانية لا تتغير؛ ليست كل الوجوه تعكس الحقيقة، وما يظهر على السطح قد يكون مجرد قناع يخفي ما هو أكبر.