#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يبتدئ الله تعالى سورة الأعلى بقوله: “سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى”.
في مقالة سابقة عرضت تأملاتي في الآيتين الأولى والثانية، وأرجأت الثالثة: “وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى” لضيق المجال.
لغويا (قدّر) لها معانٍ متعددة، وأقربها لسياق الآية هو الحكم والقضاء وموازنة الأمر وتسويته وتهيئته لتـأتي النتائج وفق المراد، لكن اللافت للتأمل هو الربط بين التقدير والهداية بفاء العطف التي تفيد التتابع القريب.
ان التقدير هو السمة العامة لكل ما خلقه الله في الكون العظيم الاتساع، وفي المخلوقات الهائل تنوعها، وفي النفس البشرية البالغة الدقة والابداع، وفي كل ما توصل الانسان لمعرفته، فالمتأمل فيه يجده متّسما جميعه بالخلق المحكم، والدقة الفائقة، والانتظام والتناغم، وهذا شيء ملموس مهما كان الإنسان متقدما في العلم أو أو متأخرا.
هذا الأمر لا يدركه من المخلوقات غير الإنسان، الذي يفترض أنه لامتلاكه العقل وأدواته المنطقية، أن يتوصل الى أن انه بسبب كمال خلق المخلوقات جميعها، فلا عيب مصتعي فيها، ولا نقص في أداءها لمهامها، أن هنالك خالق حكيم هو من صنعها.
وبمنطق الحسابات الرياضية فقط، ومن غير أنبياء يهدونه، يمكن للإنسان الاستنتاج بأن الانسان خلق من أب أول وأم أولى وليس تطورا من سمكة ولا قرد، فمعروف أن كل انسان جاء مولودا من أنثى بعد تزاوجها مع ذكر، لذا وبالحساب رجوعا، سنتوصل الى حتمية بدء السلسلة بوجود ذكر أول وأنثى أولى معا، في مكان واحد من الكرة الأرضية الفسيحة، وفي زمن واحد (ضمن 50 عاما على الأكثر) من الزمن السحيق المفترض وهو ملايين السنين، ليلتقيا ويتزاوجا، وفكرة تطور الانسان من كائن أولي لا يمكن ان تحقق تطوره بصورة الجنسين معا بعامل الصدفة، فالتباين هائل بين تكوين الأعضاء التناسلية الذكرية والأنثوية، كما أن الدقة الهائلة والإحكام الباهرفي وصول الحيوان المنوي الى البويضة، يفترض إحكاما هائلا وتقديرا دقيقا لا يقبل الخطأ منذ بداية الخلق، ولا يمكن تصور تطور ذلك لملايين السنين عشوائيا وبقاؤه باتجاه واحد ولملايين الأنواع من الكائنات الحية، فهذا هو المستحيل بعينه، لذلك يرفض العقل نظرية التطور العشوائي لتناقض مفهوم العشوائية مع الدقة والانتظام مبدئيا، فلا يبقى من تفسير لنشأة الكائنات الحية جميعا، إلا أن كل نوع نشأ مقصودا ولدور حيوي محدد وبمواصفات وقدرات منحها له من أنشأه ولم يخترها أو يطورها بذاته، بدليل أنه لا يمكنه تغييرها أو تعديلها.
وهذه هي النظرية المطروحة حاليا، ومفادها أن هنالك قوة غير منظورة ذات قدرات مثالية تضبط ذلك التطور وتسمى التطور الذكي، لكنها تلاقى حربا شعواء من القوة الخفية المسيطرة على المؤسسات العلمية الغربية، لكونها بديلا للفكرة الغبية القائلة بالخلق العبثي بتطور كل الكائنات الحية عشوائيا من كائن أولي وحيد الخلية، والتي ظل الملحدون يتبنونها.
وبالعقل أيضا فقط، وبلا رسالات هادية مبينة، يفترض أن يتوصل الانسان بالاستنتاج أنه بما أن كل المخلوقات الجامدة تخضع لقانون فيزيائي واحد يحكمها فهي على تعددها وتنوعها وحدتها البنائية موحدة وهي الذرة ومكوناتها هي ذاتها، والتباين في مواصفاتها وخصائصها مبني على اختلاف عدد الدقائق المكونة لذرتها فقط، وليس اختلاف أنواعها، وأما الكائنات الحية فمحكومة بنظام حيوي واحد في نشوئها وتكاثرها وتغذيتها ونموها وموتها، وبما أن مهامها متكاملة وليست متناقضه، فالصانع يفترض أن يكون واحدا، فيتوصل الانسان الى ان الخالق لكل شيء هو ذاته، وهذا هو مبدأ التوحيد.
هكذا نفهم لماذا منح الله العقل للإنسان، فذلك لأنه كلفه بالأمانة، التي هي استخدامه هذه الآلة الثمينة في ما ينفعه وما يصون الكائنات الأخرى التي لا تملك خيار الاحتكام الى العقل مثله، فما يحكمها هو الفطرة التي فطرت عليها.
ولما كان أكثر ما ينفع الانسان وإيفاءه بحق الأمانة هو الاستقامة والصلاح، والتي يحققها الإيمان بوجود الله وباليوم الآخر، فقد جعل الله في القدرات العقلية البحتة، الامكانية للتفكر المنطقي في هذا التقدير الدقيق في الخلق، وسيلة الى الاهتداء لوجوده.
لكن الله الرحيم بمخلوقاته، يعلم أن كثيرا من الناس سيغلب أهواءه على عقله، فلم يدع الناس هملا بلا عناية ولا توجيه، بل أنزل اليهم الرسالات السماوية الهادية. مقالات ذات صلة موقف عمومي 2024/08/14
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الکائنات الحیة
إقرأ أيضاً:
دراسة.. تلوث الهواء يقلل قدرة الانسان على التركيز
كشفت دراسة عن أن قدرة الشخص على التركيز على المهام اليومية تتأثر بالتعرض لتلوث الهواء حتى لو لفترة قصيرة.
ووفقاً لصحيفة “الغارديان” البريطانية، حلل باحثون بيانات اختبارات شارك بها 26 شخصاً قبل وبعد تعرضهم إما لمستويات عالية من الجسيمات الدقيقة باستخدام دخان شمعة، أو هواء نظيف لمدة ساعة.
وجدت الدراسة، التي نشرت في مجلة «نيتشر كوميونيكشنس» (Nature Communications)، أن التعرض القصير لتركيزات عالية من الجسيمات الدقيقة أثر على انتباه المشاركين الانتقائي والتعرف على المشاعر – بغض النظر عما إذا كانوا يتنفسون بشكل طبيعي أو من خلال أفواههم فقط. ويمكن أن يؤثر هذا على قدرة الفرد على التركيز على المهام وتجنب عوامل التشتيت والتصرف بطريقة اجتماعية مناسبة.
قال الدكتور توماس فاهيرتي من جامعة برمنغهام، وهو أحد المسؤولين عن الدراسة: «في الحياة اليومية، قد يتشتت انتباهك بأشياء كثيرة، على سبيل المثال، أثناء التسوق في السوبر ماركت، حيث يتشتت انتباهك في الممرات الطويلة وتكون غير قادر على التركيز على ما يهمك».
وجدت الدراسة أيضاً أن المشاركين أدوا بشكل أسوأ في الاختبارات المعرفية التي تقيّم التعرف العاطفي بعد التعرض لتلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة.
قال فاهيرتي: «كانوا أسوأ في إدراك ما إذا كان الوجه خائفاً أم سعيداً، وقد يكون لذلك آثار على كيفية تصرفنا مع الآخرين».
وأضاف: «هناك دراسات ارتباطية تبحث في تلوث الهواء على المدى القصير وحوادث أو جرائم عنيفة. لذلك؛ يمكنك ربط هذه الأشياء معاً بشكل مبدئي، وربما تقول إن سبب ذلك قد يكون نوعاً من الخلل العاطفي».
وجدت الدراسة أن الذاكرة العاملة للمشاركين لم تتأثر؛ ما يشير إلى أن بعض وظائف المخ أكثر مرونة في التعرض للتلوث على المدى القصير من غيرها.
ويعد تلوث الهواء أحد أكبر عوامل الخطر البيئية على الصحة العامة على مستوى العالم. وقد قدرت منظمة الصحة العالمية أن تلوث الهواء الخارجي يسبب نحو 4.2 مليون حالة وفاة مبكرة سنوياً في جميع أنحاء العالم.
ويقول الباحثون إن نتائج الدراسة قد يكون لها آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة، بما في ذلك على التحصيل التعليمي وإنتاجية العمل.
الدراسة هي جزء من مشروع أكبر سيختبر تأثير مصادر مختلفة من الملوثات، والتي يأمل الباحثون أن تساعد في إعلام السياسات المستقبلية وتدابير الصحة العامة.
قال فاهرتي: «ينظر المشروع الأكبر… في مصادر مختلفة من الملوثات، وهي أكثر شيوعاً. مثل انبعاثات الطهي وحرق الأخشاب وعوادم السيارات ومنتجات التنظيف؛ لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا دفع السياسة في اتجاه معين».