شبكة انباء العراق:
2025-04-30@13:14:07 GMT

ميسان: أقدم موانئ الميزوبوتاميا

تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

من يبحث عن ينابيع الميزوبوتاميا المتدفقة بجداول النور والعطاء يكتشف ان موانئ مملكة ميسان وأرصفتها المترامية على ضفاف عاصمتها (خاراكس), ورجالها الذين ركبوا البحار, وسبروا أغوارها، وغاصوا في أعماقها السحيقة. ويكتشف انهم أول من نصب الفنارات الملاحية على متن جزيرة (خارك)، التي كان اسمها مشتقا من اسم عاصمتهم المينائية (خاراكس Charax).

وهم الذين جعلوها منطلقا لسفنهم ورحلاتهم البحرية البعيدة نحو المجهول. .�واصلت مملكة ميسان علاقاتها البحرية والتجارية مع الأقاليم المجاورة عبر المسالك الملاحية المفتوحة على البحار الواسعة، فتكاثرت المرافئ والمراسي الطبيعية التي ذكرتها العديد من المصادر التاريخية. وظهر ميناء الأُبلّة (أبولوجوس) في البصرة, وميناء (إيكاروس) في جزيرة فيلكا, وميناء (طريدون) في الجزء الأدنى من الفرات, وكان ميناء العاصمة (خاراكس) أكثرها شهرة وأوسعها نشاطا, وهو الميناء الذي أشارت إليه حوليات العهد المبكر من حكم أسرة (هان) الصينية, في معرض حديثها عن العلاقات التجارية مع دويلات الشرق الأوسط في المدة التي ترجع إلى بعد 140 ق.م , وهي إشارة واضحة تثبت بما لا يقبل الشك بان أبناء ميسان كانوا أول من وصل إلى تخوم الصين وجنوب شرق آسيا. .�تتفق المراجع التاريخية كلها على إن ميسان دويلة عربية نشأت في رحم بطائح العراق في القرن الثاني قبل الميلاد, وتوسعت حتى جنوب بابل في وسط العراق, وبلاد (عيلام) في جزئها الجنوبي, واستفادت من موارد الاهوار الطبيعية في بناء سفنها الحربية والتجارية المزينة بالنقوش والزخارف الميسانية, وتوسعت في نفوذها مستغلة مسطحاتها المائية, لتعزيز دفاعاتها الطبيعية في التصدي لهجمات الفرثيين والساسانيين. ثم تدرجت في سلم القوة وأصبحت دولة كبيرة حكمها ثلاثة وعشرون ملكاً, ويعد هيسباوسين (Hyspaosines) أول أمير ميساني أعتلى عرش المملكة. .�كانت (خاراكس) عاصمتها السياسية والتجارية, وقد زارها الإمبراطور الروماني (تراجان) عام 116 م, ورأى السفن التجارية تغادرها نحو السند والهند, وهكذا استطاعت مملكة ميسان أن تؤسس لها كيانا مستقلاً ذا علاقات وطيدة مع اليونانيين، فكانت تربطهم المصالح التجارية المشتركة, فهيمنت على الملاحة الداخلية في انهار دلتا جنوب العراق, وسيطرت على الملاحة البحرية في حوض الخليج العربي ومقترباته، وتوطدت علاقاتها البحرية التجارية مع دلمون (مملكة البحرين حالياً), و مجان (سلطنة عُمان حالياً), ووادي السند, فكانت سيدة البحار في المحيط الهندي من دون منازع, واستطاعت إن تؤمن لها موردا اقتصاديا من خلال التوسع في تجارتها البحرية والنهرية, حتى صارت موانئ (خاراكس) جسراً مائياً وبريا رئيسياً للتبادل التجاري بين بلاد الإفرنج والشرق الأقصى والهند وأفريقيا، ونستدل من النصوص التدمرية على اسمين لتاجرين تدمريين كانت لهما مكاتب بحرية في (خاراكس), وهما: (حنين ابن حدودان وبعلي), وكانت لميسان قوة عسكرية كاسحة ساعدتها على إخضاع بابل, والسيطرة على مناطق كثيرة في العراق. غير إنّ الوقائع التاريخية لا تكشف لنا الكثير بشأن التاريخ القديم لموانئ مملكة ميسان.�توالى على حكمها ثلاثة وعشرون ملكا عربيا, وهم من عرب الجزيرة العربية, وعندما وصلها الإسكندر الكبير وجدها تابعة إلى حكم أمير عربي, وهذا نص ما ذكره انيسوورث: (إن كورة ميسان كانت تعود لأمير عربي زمن الإسكندر المقدوني في القرن الرابع ق. م), وهذا ما أكدت عليه النقود والنقوش والكتابات الميسانية, التي دونتها القوافل التدمرية, والتي أمدتنا بأسماء حكامها وتاريخ حكمهم, وألقابهم, واستقلالهم السياسي, وعلاقاتهم مع الدول المجاورة. وورد في احدث نصين باللغتين الآرامية والإغريقية اسم (مملكة ميسان), التي لعبت دورا بارزا في الأحداث السياسية والاقتصادية في العراق خلال الفترة من منتصف القرن الثاني عشر ق.م إلى القرن الثالث للميلاد, وعثر على النصين منقوشين على فخذي تمثال هرقل البرونزي., الذي عثر علية صدفة عام 1984.�وتحدثت عنها المصادر التاريخية بمختلف الألفاظ واللهجات, فهي ميسان (Maisan) في السريانية, وميسان (Mesan) في العبرية, وميسون (Meson) في الفارسية, وميسن (Mesun), وميسان (Meesan) بالاغريقية, وميشن (Maishen) بالآرامية, أي بمعنى المدينة المسورة العائمة على وجه الماء, وذلك بسبب السدود العظيمة التي بنيت حولها, اما في البابلية فكلمة ميسان تعني (ماء القمر), ويقصد بذلك المياه التي تتأثر بتغير أوضاع القمر وارتباطها بظاهرة المد والجزر, وكانت ميسان (كورة) واسعه كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط, وفيها قبر النبي (العزير), والنبي (دانيال), وتتبعها ادارياً (المذار), وقلعة الكرخة (كرخينا (Characene و(خيابر Hayabir), والبطائح, وكانت الأمثال تضرب بنشاطاتها البحرية والتجارية في العصور القديمة, باعتبارها أكبر المرافئ المتخصصة بتوريد البضائع الهندية والصينية إلى دول الهلال الخصيب, ومنها إلى أوربا, ثم أصبحت مركزاً لسك العملة, حيث عثر فيها على عملة سُكت سنة 79 هـ. ختاما نقول أما آن الأوان أن تأخذ دائرة الآثار دورها الميداني في إماطة اللثام عن أسرار هذه المملكة العربية القديمة, التي لا نعلم عن تاريخها إلا النزر اليسير, والتي ما زالت بانتظار من يعيد إليها مجدها الضائع, ويعيد إليها بريقها الآفل بسبب الجهل والإهمال, وعلى الرغم من إن معظم الدراسات التاريخية تعدها من مفاخر التراث البشري, والمفاخر التي تزخر بها حضارات وادي الرافدين, لكنها ما زالت تختفظ بين طيات تربتها بأكثر من 375 موقعا اثريا, ومئات الكنوز المطمورة تحت طبقات الأطيان التي حملتها تراكمات الترسبات الغرينية المنجرفة مع التيارات النهرية, تنتظر من يخرجها إلى النور, ويعيد اليها صورتها الحضارية المفقودة, وتنتظر من يحفظها من التلف والزوال بفعل الظروف الطبيعية والبشرية. أو يشملها برعايته, ويوفر لها الحماية من عبث العابثين, وهجمات اللصوص وسراق الآثار. .�من المؤسف حقا أن نرى هذه المواقع الأثرية, التي لا تقدر بثمن بلا حماية وبلا عناية, ولم يكن أغلبها مسيّجا, والقليل منها فقط كان محاطا بأسلاك شائكة ليس من العسير على سارقي الآثار اختراقها. وهؤلاء ليسوا هم الخطر الوحيد، بل هناك أعمال تعبيد الطرق، ومصانع الطابوق, وأعمال التنقيب عن النفط ومد الأنابيب، ومشاريع الشبكات الكهربائية وغيرها. فقد أعطت هذه المدينة من جسدها ما لم تعطه امرأة من رحمها. فمتى يبادر أصحاب الشأن إلى انتشال ثرواتنا وكنوزنا التاريخية من الضياع قبل فوات الأوان ؟؟. .

د. كمال فتاح حيدر

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

اكتشاف أقدم أداة موسيقيّة (الصنج) من النحاس في سلطنة عُمان

"العُمانية" اكتشف قسم الآثار في جامعة السُّلطان قابوس وبإشراف من وزارة التراث والسياحة أثناء أعمال التنقيب الأثري في موقع /دهوى 7/ الذي يقع على أطراف وادي السخن بولاية صحم في محافظة شمال الباطنة زوجًا من الصنجات المكتملة والمصنوعة من النحاس (الصنج هو أداة موسيقية نحاسية).

وقد دلت الشواهد الأثرية المنتشرة بكثافة على السطح على أن الموقع يمثل إحدى مستوطنات ثقافة محلية ازدهرت في المنطقة خلال الفترة الواقعة بين 2700-2000 قبل الميلاد، وبعد انقضاء أكثر من 4000 سنة خلت على طمرها واخفائها من قبل السكان الأوائل في شبه الجزيرة العُمانية، كشفت أعمال التنقيبات الأثرية عنها لأول مرة، وكشفت عن أسرار ثقافية ومعتقدات دينية طواها الزمان لآلاف السنين.

ونقبت البعثة الأثرية من قسم الآثار في عدد من مباني المستوطنة لتؤكد النتائج على أن الموقع كان مزدهرًا جدًا، وأن سكانه اعتمدوا بشكلٍ كبير في اقتصادهم المعيشي على تعدين النحاس، إضافةً إلى الزراعة، خاصةً النخيل، وتربية الماشية، وقد دلت الكميات الكبيرة جدًا من الفخار المستورد من بلاد السند، الذي عثر عليه داخل المستوطنة على أن سكان الموقع كانت تربطهم علاقات تجارية وثيقة مع حضارة "هارابا" التي كانت مزدهرة هناك.

ومن ضمن المباني الأربعة التي تم التنقيب بها في الموقع كان هناك مبنى صغير منعزل، يتربع على قمة هضبة مرتفعة ومطلة على باقي مباني المستوطنة الواقعة في المنطقة السلفية من المستوطنة.

وكشفت التنقيبات الأثرية عن المخطط العام للمبنى، الذي يتكون من غرفة مستطيلة الشكل لها مدخل صغير في جدارها الشرقي يتم الوصول له عبر عتبة مستطيلة تمتد على طول الجدار الشرقي للمبنى، وقد عثر داخل المبنى على مجموعة من المرافق المعمارية، أهمها طاولة حجرية صغيرة، تقع مقابل المدخل مبنية من حجارة رقيقة، قطعت بعناية، مغطاة بطبقة من البلاستر صفراء اللون.

وتشير المرفقات المعمارية إلى أن المبنى استعمل مبنى دينيًّا وهو يعد أحد أقدم المعابد المكتشفة حتى الآن، وقد دلت التنقيبات الأثرية أن المبنى شهد مرحلتين رئيسيتين من الاستخدام: مرحلة مبكرة وأخرى متأخرة، فبعد فترة من الاستخدام تم عمل أرضية جديدة للمبنى وضعت تحتها طبقة من الطين.

وتعد الصنجات التي عثر عليها في هذا المعبد الأقدم على الإطلاق على مستوى شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام في حين عثر على أدلة مشابهة لها، وربما مزامنة لها في مدينة موهنجدارو في وادي السند، باكستان حالياً، تعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد وهناك أيضا أدلة تشير إلى استخدام الصنجات في الحضارة السومرية في مدينة أور في جنوب بلاد الرافدين.

كما تشير الأدلة الأثرية إلى أن تقاليد استخدم الصنجات كآلة موسيقية كانت مرتبطة بشكلٍ رئيس بالطقوس الدينية، إذ كانت تستخدم في الترانيم الخاصة التي تقام أثناء ممارسة الطقوس المختلفة منذ الألف الثالثة قبل الميلاد وهذا مؤشرٌ على أن المجتمعات التي عاشت في سلطنة عُمان كانت تربطها علاقات وثيقة مع الحضارات الكبيرة ليس فقط على المستوى التجاري وإنما على المستوى الديني والفكري. وقد أكدت نتائج التحليل الجيوكيميائي للصنجات من موقع /دهوى/على أنها مصنوعة من نحاس محلي ربما جلب من منطقة بالقرب من مسقط، ويعد هذا الاكتشاف مهمًا ليس فقط بسبب ندرة هذه القطع الأثرية، بل أيضًا بسبب المعلومات التي تقدمها عن التأثيرات الثقافية والتفاعلات التي كانت موجودة بين الحضارات البعيدة.

يذكر أنه تم نشر نتائج هذا الاكتشاف حديثا في مجلة انتيكويتي (Antiquity) في المملكة المتحدة، حيث لاقى هذا الاكتشاف اهتماما كبيرا من المجلات العلمية العالمية.

مقالات مشابهة

  • اكتشاف أقدم أداة موسيقيّة (الصنج) من النحاس في سلطنة عُمان
  • اكتشاف أقدم أداة موسيقية من النحاس في سلطنة عُمان
  • مصدر سياسي:مقتدى كل دقيقة له “موقف”يختلف عن الدقيقة التي قبلها وسيشارك في الانتخابات المقبلة
  • مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة “طريق مكة” من مملكة ماليزيا متجهة إلى المملكة عبر صالة المبادرة في مطار كوالالمبور الدولي
  • دوري نجوم العراق.. الطلبة ونفط ميسان حبايب
  • مدير فرع توزيع كهرباء ميسان يستقبل رئيس محكمة استئناف المحافظة لتعزيز التعاون المشترك
  • السوداني: أهمية إسهام الشركات الإيطالية في النهضة الشاملة التي يشهدها العراق
  • لشكه في سلوكها.. مسن ينهي حياة زوجته السبعينية داخل منزلها ببورسعيد
  • شك في سلوكها.. مسن ينهي حياة زوجته السبعينية ببورسعيد
  • شرطة ديالى تطيح بشخص أقدم على إحراق زوجته حتى الموت