“مفاوضات جنيف حول السودان: هل ستكون الحصانة على جدول الأعمال؟”
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
في سياق الحروب الأهلية، "الحصانة" غالبًا ما تشير إلى الحماية من المساءلة القانونية أو القضائية التي تُمنح للأفراد أو الجماعات المتورطة في النزاع. هذا المفهوم يمكن أن يظهر في عدة سياقات
الحصانة للأطراف المتحاربة
قد تُمنح الحصانة للمقاتلين كجزء من اتفاقيات السلام أو وقف إطلاق النار. يتم ذلك أحيانًا لتشجيع الأطراف المتحاربة على الدخول في مفاوضات وإنهاء النزاع.
العفو العام
في بعض الحالات، يتم إعلان العفو العام بعد الحرب الأهلية، والذي يمنح الحصانة لأفراد وجماعات من كلا الجانبين. هذا العفو يمكن أن يشمل القادة العسكريين والمقاتلين وحتى المدنيين الذين تورطوا في النزاع. الهدف من العفو هو المساعدة في تحقيق المصالحة الوطنية واستعادة السلام.
الحصانة في سياق العدالة الانتقالية
في بعض الدول التي تعاني من حروب أهلية، يتم إنشاء لجان للعدالة الانتقالية بهدف التحقيق في الانتهاكات التي حدثت خلال النزاع. هذه اللجان قد توفر نوعًا من الحصانة مقابل الاعتراف بالجرائم أو التعاون في الكشف عن الحقيقة. الهدف من ذلك هو معالجة الماضي بطريقة تساعد في بناء مستقبل سلمي ومصالحة وطنية.
الحصانة الدولية
قد تسعى بعض الأطراف المتورطة في الحروب الأهلية للحصول على حماية دولية أو لجوء سياسي في دول أخرى. في بعض الحالات، قد يتم منحهم الحصانة من الملاحقة القضائية كجزء من تسوية دولية للنزاع.
التحديات والمخاوف
الحصانة في الحروب الأهلية تُعد قضية مثيرة للجدل. فبينما يمكن أن تساهم في إنهاء النزاع وتحقيق السلام، فإنها قد تؤدي أيضًا إلى الإحساس بالظلم لدى الضحايا، خاصة إذا تم العفو عن مرتكبي الجرائم الخطيرة مثل الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب دون محاسبة. هذه التوترات بين السلام والعدالة تشكل جزءًا معقدًا من عملية المصالحة بعد الحروب الأهلية.
النماذج الدولية في سياق الحروب الأهلية وإدارة ما بعد النزاعات تشير إلى الأساليب والإجراءات التي تتبناها الدول والمجتمع الدولي للتعامل مع تداعيات هذه الحروب، بهدف تحقيق السلام والمصالحة والاستقرار. هناك عدة نماذج دولية تم تطبيقها في أماكن مختلفة، بعضها ناجح والبعض الآخر يواجه تحديات. إليك بعض الأمثلة:
نموذج جنوب إفريقيا (لجنة الحقيقة والمصالحة):
السياق بعد انتهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، تم إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة (TRC) في 1995.
الهدف التحقيق في الانتهاكات التي وقعت خلال فترة الأبارتايد والسعي للمصالحة الوطنية.
الآلية تم تشجيع الأفراد على الاعتراف بجرائمهم مقابل منحهم الحصانة من الملاحقة القضائية. ركزت اللجنة على كشف الحقيقة وتوثيق الجرائم أكثر من السعي وراء العقاب.
النتائج ساهمت اللجنة في تحقيق بعض المصالحة، لكنها لم تحل كل قضايا عدم المساواة التي نشأت بسبب الأبارتايد.
نموذج رواندا (المحاكم الجنائية الدولية والمحاكم المحلية التقليدية):
السياق و بعد الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR) لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم الكبرى.
الآلية و بالإضافة إلى المحكمة الدولية، تم استخدام نظام محاكم "غاشاشا" المحلية لمحاكمة عدد كبير من المتورطين على مستوى المجتمع المحلي.
النتائج ساعدت المحاكم في تحقيق بعض العدالة، لكن الإجراءات كانت معقدة وطويلة، وأثارت بعض الانتقادات حول نزاهتها وفعاليتها.
نموذج البوسنة والهرسك (اتفاق دايتون والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة):
السياق بعد الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك، تم توقيع اتفاق دايتون عام 1995 لإنهاء النزاع.
الآلية إنشاء نظام فيدرالي معقد لتقسيم السلطة، بالإضافة إلى تأسيس المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب.
النتائج اتفاق دايتون أوقف النزاع ولكنه ترك البوسنة والهرسك مقسمة بشكل عرقي مع مؤسسات حكومية ضعيفة. المحكمة الجنائية أدت إلى بعض المحاكمات المهمة، لكن العدالة الانتقالية ما زالت قضية حساسة.
نموذج سيراليون (المحكمة الخاصة بسيراليون ولجنة الحقيقة والمصالحة):
السياق وبعد انتهاء الحرب الأهلية في سيراليون عام 2002، تم إنشاء المحكمة الخاصة بسيراليون لمحاكمة قادة المتمردين والجهات المسؤولة عن الجرائم الكبرى.
الآلية بالإضافة إلى المحكمة الخاصة، تم إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة لتحقيق العدالة التصالحية.
النتائج: المحكمة الخاصة نجحت في محاكمة عدد من المسؤولين، بما في ذلك الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور، بينما ساعدت لجنة الحقيقة والمصالحة في تخفيف بعض التوترات المجتمعية.
نموذج كولومبيا (اتفاقية السلام مع فارك)
السياق بعد عقود من النزاع المسلح بين الحكومة الكولومبية وحركة فارك، تم توقيع اتفاقية سلام في عام 2016.
الآلية و تضمنت الاتفاقية إنشاء نظام قضائي خاص للسلام يتيح للمقاتلين السابقين الحصول على عقوبات مخففة مقابل الاعتراف بالجرائم والمشاركة في برامج المصالحة.
النتائج الاتفاقية ساهمت في إنهاء النزاع إلى حد كبير، لكن تنفيذها واجه تحديات كبيرة في ظل مقاومة سياسية وتوترات مستمرة في بعض المناطق.
نموذج نيبال (الحكومة الائتلافية واللجنة المعنية بالمفقودين):
السياق بعد انتهاء الحرب الأهلية في نيبال (1996-2006)، تم تشكيل حكومة ائتلافية تضم الماويين السابقين والأحزاب التقليدية.
الآلية و تم إنشاء لجنة للتحقيق في حالات الاختفاء القسري والجرائم التي ارتكبت خلال الحرب.
النتائج على الرغم من جهود المصالحة، لا تزال نيبال تواجه تحديات في تحقيق العدالة والمساءلة بشكل كامل، مع وجود انتقادات للبطء والتأخير في عمل اللجان.
كل نموذج دولي يعكس ظروفًا محلية معينة، ويعتمد نجاحه على كيفية تنفيذ التدابير المتفق عليها ومدى توافقها مع احتياجات المجتمع المحلي لتحقيق السلام والمصالحة. من المهم أن تأخذ هذه النماذج بعين الاعتبار التاريخ الفريد لكل صراع، والثقافة المحلية، واحتياجات الضحايا في سياق السعي نحو تحقيق العدالة.
واجتماع جنيف سيركز على القضايا الإنسانية وحماية المدنيين وسط النزاع الجاري في السودان. المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة تهدف إلى استكشاف سبل توصيل المساعدات الإنسانية وتحسين حماية المدنيين المتضررين، بالإضافة إلى بحث إمكانية التوصل إلى وقف محلي لإطلاق النار كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف.
بينما لم يتم ذكر مسألة الحصانة بشكل مباشر في الوثائق المتاحة حول الاجتماع، فإن قضايا مثل المساءلة عن الانتهاكات وحماية حقوق الإنسان هي جزء من المناقشات. الدعوة إلى حماية المدنيين ووقف العنف قد تتضمن مناقشات حول المساءلة والحصانة، ولكن التركيز الأساسي يظل على التخفيف من الأزمة الإنسانية المتفاقمة
زهير عثمان
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الجنائیة الدولیة المحکمة الجنائیة المحکمة الخاصة الحروب الأهلیة الحرب الأهلیة بالإضافة إلى فی تحقیق تم إنشاء فی سیاق فی بعض
إقرأ أيضاً:
كيف تم اجهاض قرار إعلان الالتزام بحماية المدنيين في السودان ؟
طلعت محمد الطيب
في بداية اعداد مسودة قرار حماية المدنيين في السودان ، تنصلت كل من الجزائر وموزمبيق وغيانا من مسؤوليتهم الدولية تجاه حماية المدنيين بدءا بالإنسحاب من المشاركة في صياغة " إعلان الإلتزام بحماية المدنيين " . وهو إعلان كان قد وقع عليه طرفي النزاع بجدة في ١١ مايو ٢٠٢٣م.
ثم سعت كل من الصين والجزائر وروسيا في اتجاه ادخال تعديلات فيها نوع من الاعتراف بحكومة بورتسودان وإدانة قوات الدعم السريع في الانتهاكات التي تحدث في ولايات الجزيرة ودارفور وسنار، وهو الأمر الذي استدعى أن يبادر مندوب فرنسا بالتقدم بمقترح يتضمن ضرورة ادخال ولاية الخرطوم كمجال حدث فيه انتهاكات واضحة وكبيرة ، وطبعا الاقتراح الفرنسى لم يجد قبول وترحيب من قبل الاطراف التي طالبت بالتعديلات لأن إنتهاكات ولاية الخرطوم تشمل جرائم الجيش بحق المدنيين السودانيين بشكل واضح ، كما ان وجاهة المقترحات الفرنسية تأتي من حقيقة أنه من غير المنطقي ان يدعو مشروع القرار إلي ضرورة التزام طرفي النزاع بوقف التصعيد والقتل والإنتهاكات، لأن ذلك لا يتسق مع تحميل احدهما وهو الدعم السريع في هذه الحالة، وحده مسؤولية تلك الانتهاكات.
هنا تدخلت المملكة المتحدة بإضافة كلمة ادانة " الكل ".
ويبدو ان الخلافات كانت في مجملها حول "لغة" القرار المقترح وقد ظهر ذلك جليا في المقترح الذي صاغته كل من المملكة المتحدة وسيراليون فيما يخص المتابعة في مدى إلتزام أطراف النزاع بوقف العدائيات monitoring and verification ودعت الامين العام للامم المتحدة للإطلاع بهذا الدور المهم والفعال بالتعاون مع منظمة الوحدة الإفريقية، وهنا تحفظت كل من الجزائر والصين وروسيا. ذلك التحفظ استدعي مندوب المملكة المتحدة إلي شطب منظمة الوحدة الإفريقية واستبدالها بعبارة " قيام السكرتير العام باشراك أطراف النزاع في العملية" ، وذلك في محاولة لارضاء الجميع والحصول علي موافتهم إذ يبدو أن كل من الجزائر والصين وروسيا تخشي من أن ذلك قد يؤدي إلي فتح الباب لتدخل قوات دولية.
ولكن وبرغم كل المساومات والحوارات والتفاهمات والتعديلات التي إجريت أربع مرات لدرجة إنها اضعفت من مشروع القرار ومن فعاليته في تقديري ، رغم كل ذلك، لم تتردد روسيا في إستخدام حق الفيتو من أجل إجهاضه !.
talaat1706@gmail.com