في سياق الحروب الأهلية، "الحصانة" غالبًا ما تشير إلى الحماية من المساءلة القانونية أو القضائية التي تُمنح للأفراد أو الجماعات المتورطة في النزاع. هذا المفهوم يمكن أن يظهر في عدة سياقات
الحصانة للأطراف المتحاربة
قد تُمنح الحصانة للمقاتلين كجزء من اتفاقيات السلام أو وقف إطلاق النار. يتم ذلك أحيانًا لتشجيع الأطراف المتحاربة على الدخول في مفاوضات وإنهاء النزاع.

بمعنى آخر، يُعفى الأفراد الذين ارتكبوا جرائم خلال الحرب من الملاحقة القضائية كجزء من التوصل إلى تسوية سياسية.

العفو العام
في بعض الحالات، يتم إعلان العفو العام بعد الحرب الأهلية، والذي يمنح الحصانة لأفراد وجماعات من كلا الجانبين. هذا العفو يمكن أن يشمل القادة العسكريين والمقاتلين وحتى المدنيين الذين تورطوا في النزاع. الهدف من العفو هو المساعدة في تحقيق المصالحة الوطنية واستعادة السلام.

الحصانة في سياق العدالة الانتقالية
في بعض الدول التي تعاني من حروب أهلية، يتم إنشاء لجان للعدالة الانتقالية بهدف التحقيق في الانتهاكات التي حدثت خلال النزاع. هذه اللجان قد توفر نوعًا من الحصانة مقابل الاعتراف بالجرائم أو التعاون في الكشف عن الحقيقة. الهدف من ذلك هو معالجة الماضي بطريقة تساعد في بناء مستقبل سلمي ومصالحة وطنية.

الحصانة الدولية
قد تسعى بعض الأطراف المتورطة في الحروب الأهلية للحصول على حماية دولية أو لجوء سياسي في دول أخرى. في بعض الحالات، قد يتم منحهم الحصانة من الملاحقة القضائية كجزء من تسوية دولية للنزاع.

التحديات والمخاوف
الحصانة في الحروب الأهلية تُعد قضية مثيرة للجدل. فبينما يمكن أن تساهم في إنهاء النزاع وتحقيق السلام، فإنها قد تؤدي أيضًا إلى الإحساس بالظلم لدى الضحايا، خاصة إذا تم العفو عن مرتكبي الجرائم الخطيرة مثل الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب دون محاسبة. هذه التوترات بين السلام والعدالة تشكل جزءًا معقدًا من عملية المصالحة بعد الحروب الأهلية.

النماذج الدولية في سياق الحروب الأهلية وإدارة ما بعد النزاعات تشير إلى الأساليب والإجراءات التي تتبناها الدول والمجتمع الدولي للتعامل مع تداعيات هذه الحروب، بهدف تحقيق السلام والمصالحة والاستقرار. هناك عدة نماذج دولية تم تطبيقها في أماكن مختلفة، بعضها ناجح والبعض الآخر يواجه تحديات. إليك بعض الأمثلة:

نموذج جنوب إفريقيا (لجنة الحقيقة والمصالحة):
السياق بعد انتهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، تم إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة (TRC) في 1995.
الهدف التحقيق في الانتهاكات التي وقعت خلال فترة الأبارتايد والسعي للمصالحة الوطنية.
الآلية تم تشجيع الأفراد على الاعتراف بجرائمهم مقابل منحهم الحصانة من الملاحقة القضائية. ركزت اللجنة على كشف الحقيقة وتوثيق الجرائم أكثر من السعي وراء العقاب.
النتائج ساهمت اللجنة في تحقيق بعض المصالحة، لكنها لم تحل كل قضايا عدم المساواة التي نشأت بسبب الأبارتايد.
نموذج رواندا (المحاكم الجنائية الدولية والمحاكم المحلية التقليدية):
السياق و بعد الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR) لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم الكبرى.
الآلية و بالإضافة إلى المحكمة الدولية، تم استخدام نظام محاكم "غاشاشا" المحلية لمحاكمة عدد كبير من المتورطين على مستوى المجتمع المحلي.
النتائج ساعدت المحاكم في تحقيق بعض العدالة، لكن الإجراءات كانت معقدة وطويلة، وأثارت بعض الانتقادات حول نزاهتها وفعاليتها.
نموذج البوسنة والهرسك (اتفاق دايتون والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة):
السياق بعد الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك، تم توقيع اتفاق دايتون عام 1995 لإنهاء النزاع.
الآلية إنشاء نظام فيدرالي معقد لتقسيم السلطة، بالإضافة إلى تأسيس المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب.
النتائج اتفاق دايتون أوقف النزاع ولكنه ترك البوسنة والهرسك مقسمة بشكل عرقي مع مؤسسات حكومية ضعيفة. المحكمة الجنائية أدت إلى بعض المحاكمات المهمة، لكن العدالة الانتقالية ما زالت قضية حساسة.
نموذج سيراليون (المحكمة الخاصة بسيراليون ولجنة الحقيقة والمصالحة):
السياق وبعد انتهاء الحرب الأهلية في سيراليون عام 2002، تم إنشاء المحكمة الخاصة بسيراليون لمحاكمة قادة المتمردين والجهات المسؤولة عن الجرائم الكبرى.
الآلية بالإضافة إلى المحكمة الخاصة، تم إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة لتحقيق العدالة التصالحية.
النتائج: المحكمة الخاصة نجحت في محاكمة عدد من المسؤولين، بما في ذلك الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور، بينما ساعدت لجنة الحقيقة والمصالحة في تخفيف بعض التوترات المجتمعية.
نموذج كولومبيا (اتفاقية السلام مع فارك)
السياق بعد عقود من النزاع المسلح بين الحكومة الكولومبية وحركة فارك، تم توقيع اتفاقية سلام في عام 2016.
الآلية و تضمنت الاتفاقية إنشاء نظام قضائي خاص للسلام يتيح للمقاتلين السابقين الحصول على عقوبات مخففة مقابل الاعتراف بالجرائم والمشاركة في برامج المصالحة.
النتائج الاتفاقية ساهمت في إنهاء النزاع إلى حد كبير، لكن تنفيذها واجه تحديات كبيرة في ظل مقاومة سياسية وتوترات مستمرة في بعض المناطق.
نموذج نيبال (الحكومة الائتلافية واللجنة المعنية بالمفقودين):
السياق بعد انتهاء الحرب الأهلية في نيبال (1996-2006)، تم تشكيل حكومة ائتلافية تضم الماويين السابقين والأحزاب التقليدية.
الآلية و تم إنشاء لجنة للتحقيق في حالات الاختفاء القسري والجرائم التي ارتكبت خلال الحرب.
النتائج على الرغم من جهود المصالحة، لا تزال نيبال تواجه تحديات في تحقيق العدالة والمساءلة بشكل كامل، مع وجود انتقادات للبطء والتأخير في عمل اللجان.

كل نموذج دولي يعكس ظروفًا محلية معينة، ويعتمد نجاحه على كيفية تنفيذ التدابير المتفق عليها ومدى توافقها مع احتياجات المجتمع المحلي لتحقيق السلام والمصالحة. من المهم أن تأخذ هذه النماذج بعين الاعتبار التاريخ الفريد لكل صراع، والثقافة المحلية، واحتياجات الضحايا في سياق السعي نحو تحقيق العدالة.

واجتماع جنيف سيركز على القضايا الإنسانية وحماية المدنيين وسط النزاع الجاري في السودان. المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة تهدف إلى استكشاف سبل توصيل المساعدات الإنسانية وتحسين حماية المدنيين المتضررين، بالإضافة إلى بحث إمكانية التوصل إلى وقف محلي لإطلاق النار كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف.

بينما لم يتم ذكر مسألة الحصانة بشكل مباشر في الوثائق المتاحة حول الاجتماع، فإن قضايا مثل المساءلة عن الانتهاكات وحماية حقوق الإنسان هي جزء من المناقشات. الدعوة إلى حماية المدنيين ووقف العنف قد تتضمن مناقشات حول المساءلة والحصانة، ولكن التركيز الأساسي يظل على التخفيف من الأزمة الإنسانية المتفاقمة

زهير عثمان

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجنائیة الدولیة المحکمة الجنائیة المحکمة الخاصة الحروب الأهلیة الحرب الأهلیة بالإضافة إلى فی تحقیق تم إنشاء فی سیاق فی بعض

إقرأ أيضاً:

اتفاقية جنيف في السرايا...تحييد المدنيين أولوية

حضرت اتفاقية جنيف بقوة إلى طاولة الاجتماع الذي دعا إليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس في السرايا وحضره سفير الصين تشيان منجيان، القائمة بأعمال السفارة البريطانية فيكتوريا دون، القائمة بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأميركية أماندا بيلز، القائم بأعمال السفارة الروسية مكسيم رامانوف، القائم بأعمال السفارة الفرنسية برونو بريرا داسيلفا، وسفراء سويسرا ماريون ويشلت، كوريا ايل بارك، اليابان ماغوتشي ماسايوكي، الجزائر رشيد بلباقي، الاتحاد الاوروبي ساندرا دي وال، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جانين بلاسخارت، نائب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان عمران ريزا.
وشارك في الاجتماع وزراء: الخارجية  المغتربين عبدالله بو حبيب، العدل هنري خوري، الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، الصحة فراس الأبيض، البيئة ناصر ياسين، رئيس لجنة الصحة النيابية النائب بلال عبدالله والأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية تمارا الزين.
ويأتي هذا الاجتماع عقب الاعتداء الآثم الذي استهدف عناصر من الدفاع المدني، الذين كانوا يقومون بواجبهم الإنساني وإسعاف الجرحى الذين أصيبوا بالغارة التي شنتها المسيّرات الإسرائيلية على بلدة فرون الجنوبية، حيث أكد الرئيس ميقاتي "الحاجة إلى أن يتخذ مجلس الأمن الدولي إجراءات أكثر فاعلية وحسماً في معالجة الانتهاكات والهجمات الاسرائيلية على المدنيين اللبنانيين"، معتبراً أنه "يجب أن تكون استجابة مجلس الأمن سريعة وقوية وتهدف إلى حماية المدنيين الأبرياء وعناصر الدفاع المدني الذين يبذلون قصارى جهدهم لتخفيف آلام المدنيين". وشدد على أننا "ندين بشدة الاستهداف الاسرائيلي المستمر للمدنيين اللبنانيين والذي يشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي وتهديداً لسلامة الشعب اللبناني وأمنه".
وقد طلب الرئيس ميقاتي من بعثة لبنان في الأمم المتحدة التشاور مع أعضاء مجلس الأمن بشأن جلسة لمجلس الأمن عن لبنان وخصوصا عن استهداف المدنيين، والعمل على فرض تطبيق اتفاقية جنيف، وهي، كما هو معروف، مجموعة من أربع اتفاقيات دولية وضعت الأولى منها في العام 1864، وآخرها في العام 1949 وتتناول حماية حقوق الانسان الأساسية في حالة الحرب، أي طريقة الاعتناء بالجرحى والمرضى وأسرى الحرب، وحماية المدنيين الموجودين في ساحة المعركة أو في منطقة محتلة. ودعت إلى الاتفاقية الأولى اللجنة الدولية لإغاثة الجنود الجرحى (تأسست في 1863) وأصبحت تسمى بدءًا من العام 1876 وإلى اليوم بـ اللجنة الدولية للصليب الأحمر كمنظمة دولية محايدة لمعالجة شؤون الجرحى وأسرى الحرب. وعند صياغة الاتفاقية الرابعة في 1949 تم كذلك تعديل نصوص الاتفاقيات الثلاثة السابقة ودمج النصوص الأربعة في اتفاقية موحدة. وتلحق باتفاقية جنيف ثلاثة بروتوكولات، وهي عبارة عن إضافات وتعديلات للاتفاقية الأصلية. تم إلحاق البروتوكولات بين عام 1977 وعام 2005. انضم إلى اتفاقية جنيف 190 دولة، ومن بينها لبنان، أي عموم دول العالم تقريباً، مما يجعلها أوسع الاتفاقيات الدولية قبولاً، وجزءًا أساسيًا مما يسمى بـ "القانون الدولي الإنساني".
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن رجل الأعمال السويسري جان هنري دونانت ذهب مرة لزيارة الجنود الجرحى بعد معركة سولفرينو العام 1859. وقد صدمه نقص المرافق والأفراد والمساعدات الطبية المتاحة لمساعدة هؤلاء الجنود. ونتيجة لذلك، نشر كتابه ذكرى سولفرينو بالفرنسية Un souvenir de Solférino وبالإنكليزية: A Memory of Solferino عام 1862 عن أهوال الحرب. وقد ألهمت تجاربه في زمن الحرب ليقترح انشاء وكالة إغاثة دائمة للمساعدات الإنسانية في أوقات الحرب، ومعاهدة حكومية تعترف بالدولة الحيادية وتسمح لها بتقديم المساعدة في منطقة حرب.
وقد أدى الاقتراح السابق إلى إنشاء الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الاحمر في جنيف. وهذا الأمر أدى إلى اتفاقية جنيف الأولى، وهي أول معاهدة دولية مقوننة غطت حق الجنود المرضى والجرحى في ساحة المعركة. وفي 22 أب من العام 1864، دعت الحكومة السويسرية حكومات جميع الدول الأوروبية، وكذلك الولايات المتحدة والبرازيل والمكسيك، لحضور مؤتمر ديبلوماسي رسمي. أرسلت ست عشرة دولة إجمالي ستة وعشرين مندوباً إلى جنيف. في 22 أب 1864، اعتمد المؤتمر اتفاقية جنيف الأولى "لتحسين حالة الجرحى في الجيوش الذين أصيبوا في ميدان الحرب".
وهكذا يكون لبنان، وهو الموقع على اتفاقية جنيف، قد احتفظ بحقّه في إعلاء الصوت الرافض لكل ما تقوم به إسرائيل من أعمال عدوانية ضد المدنيين في حربها المستمرة على جنوب لبنان.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • “صندوق الشهداء” و “سدايا” يعتزمان إنشاء مركز وطني لخدمة مستفيدي الصندوق
  • علماء المسلمين يدعو دول العالم لوقف الحرب في السودان ومواجهة تحديات النزاع
  • اتفاقية جنيف في السرايا...تحييد المدنيين أولوية
  • تنسقية “تقدم” تناقش مع بعثة تقصي الحقائق الأممية انتهاكات حقوق الإنسان في السودان
  • رئاسيات 7 سبتمبر.. المحكمة الدستورية “لم تتلق أي طعن لحد الآن”
  • افتتاح الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف
  • مخاوف ومطالب السودانيين بشأن مفاوضات وقف الحرب
  • تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” ترحب بما ورد في تقرير بعثة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة
  • “فيتو” لله! -الفرفره
  • بعد عام ونصف على الحرب.. “حاجة طارئة لحماية المدنيين” في السودان