ياسر عرمان

المني رحيل رفاق كثر في السنوات الأخيرة التقيتهم عند ناصية الشباب ووهجه، ولكني لم اتألم كما تألمت وحزنت على رحيل القائد بيور أجانق دوت الذي رحل في مدينة جوبا بالأمس ١٣ أغسطس ٢٠٢٤.
يمكنني أن اقول بكل ثقة ان مدينة جوبا لم تحزن منذ استشهاد جون قرنق كما حزنت على بيور أسود، فرحيله قبل الآوان أيقظ المواجع وأخرجت الأرض اثقال أحزانها.


رحل بيور أسود في منزله بجوبا هادئاً مثل ما عاش في عالمه الصاخب عالم المعارك العسكرية الكثيرة التي خاضها غير هياب ووجل. كان بيور أسود صاحب سهم معلى وسيكون تاريخ الجيش الشعبي لتحرير السودان منقوصاً ان لم يذكر أسم بيور أسود.
التقيت ببيور أسود أو بيور أجانق في شرق الاستوائية في عام ١٩٨٨ حينما انضممت للرئاسة المتحركة للدكتور جون قرنق ونحن في طريقنا إلى كبويتا، وكان هو القائد الثاني المسؤول في الرئاسة والضابط الأول بالرئاسة في ذلك الوقت. أسود ياله من إنسان رائع رفيع الاخلاق ومتواضع وفاضل، ولو وزعت اخلاقه على مدينة لأصبحت مدينة فاضلة، ومر ما يقارب الأربع عقود منذ التقيته وظل طوال السنوات كما هو متشرباً باخلاق المعلمين، فقبل انضمامه للجيش الشعبي كان معلماً في المدارس الابتدائية وظل في سنوات الصيف والخريف التي مر بها دائم الابتسامة وفاتحاً زراعيه لكل من عرفه وأخذ من آبائه السلاطين في منطقة كنغور بريف مدينة بور أن يكون منزله مشرّع الابواب وقبل ساعة من رحيلة كان منزله حافلاً بأهله من بور الذين أتوا لمناقشته في قضايا منطقتهم، وهو الذي هجر الحكومة والسلطة والجيش منذ سنوات ولكنه كان سلطة وسلطته المعنوية والأخلاقية لم تزل حتى بعد رحيله، وعندما كان في منزله دون نياشين وبريق فياله من إنسان.
إذا سألت الأرض من حررها وكان للأرض لسان فان لسانها إذا أجاب وذكر أشخاص في البدايات فان بيور أسود سيكون حتماً ضمنهم. لابد لي في مقال أخر أن ارسم صورة للقائد بيور أسود للذين لم يلتقوا به ولم يعرفوه وأود ان أسجل له اليوم شُكر وعرفان، فحينما انضممت لرئاسة الدكتور قرنق المتحركة رحب بي رفاق كثر وتخوف مني أخرين أنا القادم من أنحاء بعيدة، ولكن بيور أسود فرد لي أجنحة المحبة والأخوة الشريفة وأشبع عالمنا بالحكاوي والضحك والظرف والشهامة وعاملني كأخِ لم تلده أمه طوال سنوات معرفتي به وحتى رحيله، انه بيور أسود وياله من إنسان.
حينما اذكر سنوات الجنوب يظل بيور أجانق على الدوام في ذاكرتي ذاكرة المحبة والامتنان وكنت على اتصال دائم معه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ان بيور كان إنسان ومحارب باسل مترعاً بالإنسانية ولذا فان فقده اليوم ثقيل احس به كل من عرفه والعزاء لاسرته واولاده وعشيرته ورفاقه وأصدقائه ولشعب وحكومة ودولة جنوب السودان.
طوبى لبيور أسود في الأرض وفي السماء
والمجد لله في الأعالي
وعلى الارض السلام
وبالناس المسرة
ولبيور أسود المحبة والامتنان
وشكراً له على وجوده بيننا في سنوات الحرب الصعبة التي جعلها أكثر إنسانية وياله من إنسان ومناضل وفارس.

١٤ أغسطس ٢٠٢٤

صور الحزن الذي عم مدينة جوبا على بيور أسود ولأخر صور جمعتني به في منزله بجوبا

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: من إنسان

إقرأ أيضاً:

الخيميائى وطاقة الشر «٢»

حديثى يتواصل عن هؤلاء الأعداء الذين تلقى بهم الحياة أمامنا، وكلمة أمامنا أعنى بها العموم وليس «الذاتية»، منهم غرباء يكرهون لنا الخير ويتمنون أن يصيبنا كل شر، يحاربون نجاحنا، يحاولون سرقة راحتنا وسعادتنا، ولو طالت أيديهم سلاحا لقتلونا وسفكوا دماءنا لأن مجرد وجودنا فى الحياة يؤرقهم، وهؤلاء يرون أنفسهم فوق خلق الله، وأنهم الأحق بأى نجاح حتى لو لم تكن لديهم القدرات وملكات هذا النجاح، ويرون أنهم الأحق بأى منصب أو كرسى قيادة، ويحاربون كل ناجح بأقذر الوسائل حتى يصلوا لأهدافهم، وهؤلاء أعداء حقيقيون ولديهم طاقة شر غير عادية، ولديهم أسبابهم ودوافعهم لهذه العداوة من تنافس ومحاولة الوصول للقمة أو تحقيق مآربهم بأى وسيلة، وهم يرون أن وجود هذا الأخر فى طريقهم يحول دون ذلك، والحرب مع هؤلاء تطول أو تقصر حسب قدرتك على الصمود فى حربهم، ومدى ذكاءك وقدرتك فى مواجهتهم، ومن المؤسف أن هؤلاء لا يدركون أبدا أن أسبابهم فى العداوة ورؤيتهم خاطئة بكل المقاييس الإنسانية والقدرية والفطرية، لأن لكل إنسان قدره الخاص به، رزقه، ولا ينتقص أحد منه، وإذا اقتنع كل إنسان وأمن بأن الرزق من الله وأن عليه السعى الشريف فقط فى الحياة والتوفيق من الله، وأن ما أصابه ما كان ليخسره لو وقف كل العالم ضده، وما خسره ما كان ليكسبه لو وقف العالم معه، لأن مقسم الارزاق هو الله وحده سبحانه وتعالى، فلو آمن قلب وعقل كل إنسان بذلك، لكفى نفسه شر الحروب والصراعات مع غيره ممن حوله بالمجتمع الكبير أو فى محيط مجتمعه الصغير من عائلة وأسرة، ولساد السلام والمحبة الوفاق مجتمعاتنا وأصبحنا نساند بعضنا البعض لا نحارب بعضنا البعض فى الأرزاق ومسببات النجاح، وقد يكون هؤلاء الأعداء لنا ليس لديهم حتى المبررات لمحاربتنا، فقط هم يعانون من أمراض نفسية وعقد التربية فى طفولتهم، فأصبحت أنفسهم مريضة بالشر ورغبة الإنتقام من كل ممن حولهم، يكرهون رؤية إنسان سعيد و ناجح ومستقر فى حياته، فيكرسون كل جهودهم وطاقاتهم لإفساد تلك السعادة والإطاحة بهذا الهدوء وتحويل حياة الأخرين إلى جحيم مستعر، ومن هؤلاء من نجدهم حولنا فى مجتمعنا الكبير أو حتى داخل العائلة، إنهم يكرهون أنفسهم ووجودهم لما أصابهم فى صغرهم من قهر وسوء معاملة، فأصبحوا كبراميل البارود المتحركة التى تنفجر وتنشر شرها وشرارها فى أى مكان تتواجد به، ولا أعتقد أن أحدنا لم يبتلى بمثل هذا الشخص فى حياته، حتى إنك مجرد أن تراه تشعر وكأن الكراهية والحقد تتفجر من عينيه وملامح وجهه الكئيب ولسانه الذى لا ينطق إلا بالسوء والشكوى من كل شىء وفقدان الشعور بالنعم التى بين يديه، وستشعر أن طاقة سلبية احتلت المكان الذى هو به، وأن الهواء النقى بالأكسجين تم سحبه صدرك وحل محله اختناق وانقباض، وهذا النوع من الأعداء المرضى النفسيين يمكن التغلب عليهم ببذل الكثير من الحب والإحتواء لهم، ومحاولة تغذية ثقتهم فى أنفسهم، و تذكيرهم بالنعم التى وهبها الله لهم، وحال الفشل فى دفع عداوتهم بالتى هى أحسن، علينا فورا تجنبهم ونصحهم باللجوء لطبيب نفسى، وهناك عدو ثالث هو الأخطر فى تصورى للإنسان على الإطلاق لأنه نابع من نفسه وملازم له كقرين السوء، ألا وهو الخوف.. وللحديث بقية.

[email protected]

مقالات مشابهة

  • ظهور أول سيارات ”كهربائية” بصنعاء يثير ضجة واسعة في الوقت الذي الكهرباء منقطعة منذ سنوات!
  • إسرائيل تنشر فيديو النفق الذي قُتل فيه الرهائن
  • الخيميائى وطاقة الشر «٢»
  • أمين الفتوى يحذر من ضرب الزوجات: "حتى لو طولت لسانها عليك" (فيديو)
  • السجن المشدد 5 سنوات لـ8 متهمين بالسرقة وانتحال الصفة فى مدينة نصر
  • محمد غادر منزله ولم يعد.. هل من يعرف عنه شيئًا؟
  • بنك الكريمي يفك عثرة نجم الكرة اليمنية بعد سجنه بسبب إيجارات منزله
  • إيلون ماسك يعلن موعد هبوط أول إنسان على المريخ
  • من الذي سمى الرسول باسم "محمد"؟
  • من الأرض إلى الكوكب الأحمر.. ماسك يعلن تفاصيل رحلة تاريخية للفضاء