الأديب الكبير، والداعية المفكر والكاتب القدير المرموق وصاحب القلم السيال والأسلوب الرفيع، وهو عالم ومفكر عظيم، ورائد من رواد النهضة التعليمية العربية في دولة بنغلاديش، ومصلح تعليمي عربي ومجدد المنهج الدراسي العربي، الشيخ أبو طاهر المصباح، وهو عقلية ثاقبة ويراع متألم يسيل بأوضاع الطلاب، وأوجاع الشعب. ولقد وجدنا في مؤلفات الشيخ أبي طاهر المصباح لغة جديدة وروحا متميزة، ومشاعر جياشة.



تشرب الأديب الشيخ أبي طاهر، محبة فطرية للأدب واللغة العربية واللغة البنغالية، ووعيا عميقا بدوره في التأثير، وقد كان تأثير الشيخ أبي الحسن الندوي على الشيخ أبي طاهر كبيرا وبالغا.

توفرت للأستاذ أبي طاهر المصباح قوة الحافظة واتقاد الذكاء، ومحيط علمي يفوح بالمعارف والدراسات الإسلامية واللغوية، وقد أتقن في شبيبته عدة لغات مثل البنغالية الأوردية والفارسية وما إلى ذلك، وأما اللغة العربية فقد كانت حبيبة قلبه ونبع مداده، وأصبح فصيح اللسان باللغة العربية، مفعم الوجدان بأدبها.ولقد بدأت النهضة التعليمية العربية في هذه الديار البنغالية على يديه في مطلع التسعينيات من خلال إعداد منهج شامل لتعليم اللغة العربية لأبناء هذه البلاد، وسماه المنهج المدني حبا للمدينة المنورة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وألف له عدة مؤلفات، وأدرجها في ذلك المنهج التعليمي الجديد، وإن هذه الكتب أجدى للنشء الجديد والجيل الصاعد في المدارس العربية الإسلامية الغراء في هذه البلاد، وأخذت مجراها الطبيعي بشكل كبير، وأدت ثمارها الطيبة على وجه شامل.

وتتسم كل أعماله التأليفية بطابع الجد والمسؤولية. وكان من مآثر الشيخ أبو طاهر المصباح أنه هو الذي يسعى بجد وحرص لصنع جيل جديد إسلامي على الصلاح والفلاح والورع والتقى. ومن كتبه التعليمية العربية كتاب الطريق إلى العربية، ويمتاز أسلوب هذا الكتاب بالروعة والسهولة، وأعده أفضل كتاب لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في جميع أرجاء المعمورة.

مولده ونشأته:

ولد الشيخ أبو طاهر المصباح في ٦ آذار / مارس سنة ١٩٥٦ ميلادية في أسرة ذات اتجاه ديني، وفكر علمي، وعمل دعوي.

وأما والده الشيخ مصباح الحق فقد كان عالما وداعية، وقد عاش تقيا ومات تقيا، وأما مقاطعة كوميلا فهي مسقط رأسه، وكان رجل أعمال أيضا، وكانوا يقطنون كلهم في مدينة داكا عائليا.

وأما أمه فقد كانت إمرأة صالحة ذات حسب ونسب، وتلقى من لدنها طرفا من التعليم العربي الابتدائي في صباه.

وقد توفرت للأستاذ أبي طاهر المصباح قوة الحافظة واتقاد الذكاء، ومحيط علمي يفوح بالمعارف والدراسات الإسلامية واللغوية، وقد أتقن في شبيبته عدة لغات مثل البنغالية الأوردية والفارسية وما إلى ذلك، وأما اللغة العربية فقد كانت حبيبة قلبه ونبع مداده، وأصبح فصيح اللسان باللغة العربية، مفعم الوجدان بأدبها.

التحق بالجامعة القرآنية الإسلامية الأهلية العريقة بلالباغ في داكا القديمة على ضفة النهر. ومنها حفظ القرآن الكريم الكامل عن ظهر قلب، ودرس منهج الدرس النظامي في الجامعة النورية الإسلامية الأهلية التي أسسها الشيخ محمد الله الحافظي رحمه الله تعالى، وأكمل مرحلة الهداية في الجامعة القرآنية الإسلامية الأهلية أيضا، ثم غادر هذه الجامعة المعتمدة، وتوجه إلى الجامعة الإسلامية الأهلية المتميزة بفتيا بإشارة المحدث الشيخ هداية الله رحمه الله تعالى. وأكمل فيها دورة الحديث بامتياز في سنة ١٩٧٧ ميلادية.

حياته المهنية:

وبدأ حياته المهنية كأستاذ في الجامعة الإسلامية المدنية الأهلية بزتراباري في داكا، ودرس في الجامعة الشرعية الإسلامية الأهلية المرموقة بماليباغ أياما قلائل كأستاذ. ثم انتظم في الجامعة النورية الإسلامية الأهلية بكمرنغيرصار كأستاذ بإشارة الشيخ محمد الله الحافظي رحمه الله.

وفي سنة ١٩٩٢ ميلادية تخلى عن عمل التدريس في تلك الجامعة المرموقة وأسس جامعة المدينة الإسلامية الأهلية في منطقة كمرنغيرصار بدعاء والده العطوف ورعاية فائقة لأستاذه المشفق الشيخ عبد الحي البهاربوري، وإنها مركز علمي تربوي لتكوين العلماء المؤهلين علما وعملا وخلقا وسلوكا، وقلما شهدت البلاد مركزا علميا تربويا من طرازه، وحماك الله، يا جامعة المدينة الأهلية.

وقد عمل لبعض الوقت في المؤسسة الإسلامية البنغلاديشية في بداية حياته المهنية.

حياته العائلية:

وقد تزوج هذا العالم العبقري الجهبذ وعملاق الدعوة الإسلامية والصحوة العربية من كريمة الشيخ أحمد الله أشرف بن الشيخ محمد الله الحافظي، وأنجب منها بنتين وولدا، وقد زوج بنتيه كلتيهما بعالمين مؤهلين مبجلين. وولده الوحيد الشيخ محمد أبو طاهر من العلماء المؤهلين، ورباه والده الشفوق تربية علمية، وأنشأه تنشئة علمية، ورباه على الفضيلة والأخلاق، وكونه والده الشفوق في كنفه، وعلمه على عينيه، وقد عاش تحت رعايته الفائقة.

وقد تزوج ابنه العالم الشاب الشيخ محمد أبو طاهر بإمرأة صالحة ذات أرومة لا غبار عليها.

مؤلفاته:

ولقد طبقت شهرة الشيخ أبو طاهر المصباح آفاق البلاد بما أنه كاتب قدير مرموق، وهو كاتب عمومي أيضا، حتى يتردد صداه في الجاليات البنغلاديشية الشتى في أرجاء المعمورة، وهو يعرف عدة لغات عالمية وإقليمية من اللغة العربية والبنغالية والأردية والفارسية وما إلى ذلك. وقد كتب كتبا عديدة، ومؤلفات وفيرة باللغة البنغالية والعربية، وقد لقيت كتبه ومؤلفاته إقبالا كبيرا من القراء بغض النظر عن المسلك والمذهب والحزب والجماعة والطائفة.

وكانت تصدر مجلة عربية غراء باسم "اقرأ" تحت رئاسة تحريره قبل تأسيس جامعة المدينة الأهلية، وكانت تلك المجلة العربية تصدر باسم القلم فيما بعد. وبالإضافة إلى ذلك، كان يولي أهمية قصوى لتعليم اللغة البنغالية الفصحى طلاب المدارس العربية الأهلية والجامعات الإسلامية الأهلية، فأصدر مجلة بنغالية للأطفال والفتيان باسم البرعم في عام ١٩٩٩ م لأول مرة، وتلعب هذه المجلة دورا بارزا في تنمية اللغة البنغالية للنشء الجديد والجيل الصاعد في المدارس الأهلية الإسلامية بهذه البلاد.

ومن أهم مؤلفاته الدراسية:

الطريق إلى العربية، والتمرين الكتابي على الطريق إلى العربية، والطريق إلى الصرف، والطريق إلى النحو، والطريق إلى الفقه، والطريق إلى القرآن الكريم، والطريق إلى البلاغة والطريق إلى الأوردية، والطريق إلى تفسير القرآن الكريم وما إلى ذلك.

ومن أهم مؤلفاته البنغالية الأدبية:

زائر الكعبة المشرفة، وتحت ظلال بيت الله، ويوميات سائح في تركيا، وكلمة البستاني الرحوم، وطريق المنزل لطالب العلم، والطريق إلى إصلاح القلم وما إلى ذلك.

ومن أهم مؤلفاته في أدب الأطفال:

الله ربنا، والأنبياء والرسل، والكتاب السماوي، والملائكة، وآدم أول إنسان، والجنة، والجحيم، والقيامة، ومنزل الطين، والحكم الأخير، والنبي بمكة المكرمة، والنبي بالمدينة المنورة، والنبي في معمعة الوغى، وهكذا كان النبي، ومعجزة النبي، وقال النبي، وكان النبي يحبكم، والنبي في عيون الكفار وما إلى ذلك.

طبقت شهرة الشيخ أبو طاهر المصباح آفاق البلاد بما أنه كاتب قدير مرموق، وهو كاتب عمومي أيضا، حتى يتردد صداه في الجاليات البنغلاديشية الشتى في أرجاء المعمورة، وهو يعرف عدة لغات عالمية وإقليمية من اللغة العربية والبنغالية والأردية والفارسية وما إلى ذلك. وقد كتب كتبا عديدة، ومؤلفات وفيرة باللغة البنغالية والعربية، وقد لقيت كتبه ومؤلفاته إقبالا كبيرا من القراء بغض النظر عن المسلك والمذهب والحزب والجماعة والطائفة.ومن أهم مؤلفاته المترجمة البنغالية:

ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ورجال الفكر والدعوة في الإسلام، والمرتضى في سيرة أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب، والأركان الأربعة، ومعالم في طريق العلم، وتحفة المشرق للداعية الأديب العلامة الهندي أبي الحسن علي الندوي، وما هو المذهب ولماذا المذهب، ومسيرة الحياة، ومعاوية رضي الله عنه والتاريخ الحقيقي للشيخ المفتي تقي عثماني، وضحى الإسلام للأديب المصري أحمد أمين، وأحبك يا رسول الله للكاتب الهندي غرو دتو شنغ، ومكانة الصحابة وكرامتهم للشيخ أشرف علي التهانوي، وأمانتك في يديك للداعية الهندي الشيخ كليم الصديقي وما إلى ذلك.

ومن مشاهير أساتذته المبجلين رئيس جامعة دار المعارف الإسلامية في شيتاغونغ الشيخ سلطان ذوق الندوي، والعالم الرحيل الشيخ عبد الحي البهاربوري وغيرهم.

وقد شغف قلبه حب الأدب الإسلامي، وتأثر بالداعية الحكيم والأديب الداعية الهندي العلامة أبي الحسن الندوي تأثرا بالغا.

ولقد لعب الشيخ أبو طاهر المصباح دورا كبيرا في تعليم اللغة العربية وآدابها، وتطورها في هذه البلاد، وبمساعيه المحمودة وجهوده الجبارة انتشرت اللغة العربية في أنحاء هذه البلاد بشكل كبير وعمت في مدنها الدانية وأمصارها القاصية، وإن الأمة الإسلامية البنغلاديشية لن تنسى مساهمته الجيدة في تعليم اللغة العربية وآدابها، وستسطر خدماته الجبارة في لغة القرآن والسنة بهذه الديار بحروف ذهبية في صفحات التاريخ عبر العصور.

*عميد كلية اللغة العربية وآدابها في جامعة الشيخ محمد الحسن الددو الإسلامية ببنغلاديش

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير عالم العربية بنغلاديش مسيرة بنغلاديش عالم عربية سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإسلامیة الأهلیة اللغة العربیة والطریق إلى الشیخ محمد فی الجامعة هذه البلاد الشیخ أبی عدة لغات فقد کان

إقرأ أيضاً:

ولو أجبت بغير السيف لم تُجب… تأريخ المعارك في الشعر العربي خلال العصور الإسلامية المتقدمة

ازدهرت الحياة الفكرية في العصور الإسلامية المتقدمة ازدهارا ملحوظا، وانعكس ذلك على الأدب والشعر، فتنوعت الموضوعات الشعرية واكتسى الشعر حلة قشيبة تحمل الموروث القديم في طياتها وتزدهي بما اكتسبته من صفات جديدة وحيوية تواكب روح العصر وعجلة التطورات المتنوعة على صُعد الحياة كافة آنذاك، السياسية والفكرية والثقافية والفنية وغيرها.

فبعد العهد الراشدي واستتباب أركان الحكم الإسلامي والانطلاق به نحو الفتوحات والتوسعات كان لا بد للحياة الأدبية أن تعكس ما وراءها من واقع يبدو مستقرا بالنظر إلى فرض السلطة الأموية نفسها واستلامها زمام الحكم، واتخاذ دمشق عاصمة للخلافة، وإدارتها الولايات الإسلامية كلها.

لكن في الوقت نفسه، كان الحكم الأموي يموج فوق بركان فاتر قابل للاشتعال والانفجار في أي آن، فبعد تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان فيما عُرف بعام الجماعة غدا معاوية خليفة للمسلمين، واستلم الحكم نحو 20 عاما (41-60هـ)، ثبّت خلال حكمه الخلافة في بني أمية وجعلها وراثية في نسله، وكان أقوى من يُذكر من خلفاء بني أمية من الفرع السفياني، لكن جاء من بعده خلف ضعاف فانتقلت إلى الفرع المرواني، وذلك عندما تغلّب مروان بن الحكم على الطامعين في الخلافة، مستفيدا من الأحداث التي رافقت اعتلاء معاوية بن أبي سفيان عرش الخلافة من جهة، ومن ضعف الخلفاء الذين جاؤوا من بعد معاوية من جهة ثانية.

وجاء بعد مروان بن الحكم ابنه عبد الملك الذي امتد حكمه إلى 21 عاما (65-86هـ)، وأثناء ذلك كله كان المخالفون حاضرين، وكان أبرز المخالفين عبد الله بن الزبير الذي استوطن مكة ونادى بالخلافة لنفسه، كما اجتمع المعارضون لخلافة بني أمية من الشيعة والخوارج في العراق وما امتد بعدها شرقا.

أثّرت السياسة في الأدب والشعر خلال العصر الأموي تأثيرا كبيرا، فقد رأينا آثاره في ما وصل إلينا من دواوين وأشعار وخطب، وما اتسمت به من ظواهر أدبية وفنية، وقد أسهم النتاج الأدبي والشعري في العصر الأموي إسهاما مهما في نقل كثير من الأحداث التاريخية والسياسية بتفاصيلها.

وبيّن لنا الشعر الأموي انقسام الناس وتحزبهم في فرق دينية وأخرى سياسية، وأظهر بجلاء استيقاظ العصبية القبلية مجددا بعد أن خبت نارها في ظلال العهد الراشدي بنسبة عالية، لكن العهد الأموي اكتظ بالفرق والشيع الفكرية التي تتنافس على أحقيتها في الخلافة، وكانت تبدو دينية في ظاهرها، لكنها في حقيقتها ذات أبعاد سياسية، وإلى جانب أهل السنة والجماعة الذين كانوا المادة الرئيسة في الأمة، وكانوا يرون أن قبيلة قريش هي الأحق بالخلافة، كانت أبرز تلك الفرق الشيعة، الذين ناصروا العلويين وكانوا يعتقدون أن الخلافة لا بد أن تكون لأبناء علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، أي للطالبيين من بني هاشم، وظهرت فرقة الخوارج التي اعتقد أصحابها أن الخلافة أمر دنيوي ولا حاجة للخليفة بين المسلمين إذا ما استطاعوا تسيير أمورهم بأنفسهم، والناس أحرار بتولية من يشاؤون عليهم بغض النظر عن انتمائه لقريش أو غيرها، وكانت هناك فرق أخرى كالمرجئة الذين نادوا بإطاعة الخليفة ولو كان على ضلال، وغيرها من الفرق المتعددة الأهواء.

كان العصر الأموي عصرا إشكاليا على الصعيد السياسي، فقد عجت الفتن في أرجائه واضطرب الناس وانقسموا، واشتعلت الحروب، وانبعثت العصبية القبلية وانتشرت أدرانها، وقد عُرف العصر الأموي بتنوع المشارب السياسية فيه، وانطلاقا من كثرة الفرق السياسية نجد تنوعا كبيرا في الشعر السياسي الذي استخدم للدفاع عن الفرقة حينا، ولتصدير أفكارها التي تدعو إليها ونشرها في حين آخر، ولمحاربة الفرق الأخرى وإظهار مثالبها في أحيان كثيرة، وبذا بزغ نجم كثير من الشعراء، ودبت الحياة مجددا في أواصر الشعر العربي بعد أن اتهم باللين بعد مجيء الإسلام وانصراف بعض الشعراء عن نظم الشعر واكتفائهم بالقرآن الكريم.

كما عُرف في العصر الأموي بعض الشعراء بشعرهم السياسي دون غيره من الموضوعات الأخرى التي طرقوها في أشعارهم، وبذا صار الشعر السياسي تأريخا للعصر وتوصيفا للمرحلة وتفصيلا لوقائعها وأحداثها بوعي من أصحابه أو بدون وعي منهم، ومن نافلة القول: إن من أهم سمات هذا العصر إلى جانب الحركة الفكرية والسياسية الثرية اتساع رقعة الفتوحات واحتدام المعارك، وتسجيل اتساع غير مسبوق لرقعة الدولة الإسلامية، وفيما يأتي استعراض لبعض الوقائع والمعارك التي أرخ الشعر العربي لها وحكى كثيرا من دقائقها التي تفرد بذكرها، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر.

تأريخ معركة القادسية

اختلف أهل الأدب في صاحب الأبيات الآتية، فمنهم من نسبها إلى عمرو بن معد يكرب، ومنهم من نسبها إلى بشر بن ربيعة الخثعمي صاحب عمرو بن معد يكرب، ونسبت إلى غيرهما، وما يعنينا هنا هو ما تضمنته الأبيات من وصف وتصوير وتأريخ لمعركة القادسية الشهيرة التي تعد إحدى أهم معارك الفتح الإسلامي للعراق وبلاد فارس، وقد جرت في السنة الخامسة عشرة للهجرة في القادسية بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص، والإمبراطورية الفارسية بقيادة رستم فرخزاد، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين ومقتل قائد الفرس، فلننظر معا إلى الأبيات:

ونحن بصحراءِ العُذَيب ودارُها

حجازيةٌ إِنَّ المَحَلَّ شَطيرُ

 

تَحِنُّ بباب القادسية ناقتي

وسعدُ بنُ وقّاصٍ عليَّ أميرُ

 

وسعدٌ أميرٌ شرُّهُ دون خيرِهِ

طويلُ الشذا كابي الزنادِ قصيرُ

 

تَذَكَّر هَداكَ اللَهُ وَقعَ سيوفنا

بباب قُدَيسٍ والمَكَرُّ عسيرُ

 

عشيَّةَ وَدَّ القومُ لو أَنَّ بعضهم

يُعارُ جناحَي طائرٍ فيطيرُ

 

إذا ما فرغنا من قراع كتيبة

دلفنا لأخرى كالجبال تسير

 

ترى القوم فيها أجمعين كأنهم

جمال بأجمال لهن زفير

قصيدة (فلمّا أصبحوا صلّوا وقاموا) للشاعر الخارجي عيسى بن فاتك… تأريخٌ للمواجهة

الخوارج في العصر الأموي فرقة دينية، وحزب سياسي، يقال إنهم ظهروا في السنوات الأخيرة من عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعُرفوا بتكفير الفرق الأخرى، والمغالاة في قضايا الدين، وسبب تلقيبهم بالخوارج يعود إلى خروجهم على ولي الأمر، ولهم أسماء كثيرة، منها الحروروية لأنهم نزلوا في حروراء بعد انشقاقهم عن علي كرم الله وجهه، والشراة لأنهم يقولون إنهم شروا أنفسهم في طاعة الله وابتغاء الجنة، وغير ذلك من أسماء أخرى يقبلون بعضها ويرفضون بعضها، إذ يقبلون لقب الخوارج على تأويل أنهم خرجوا على ولي الأمر المائل عن أمر الله نصرة للدين وجهادا في سبيل الله.

كان كثير من الشعراء آنذاك أشبه بأبواق إعلامية تصدح بأفكار الفرقة الدينية والسياسية التي ينتمون إليها وينافحون عنها، وكانت أشعار الخوارج تحديدا تمتاز بقوة الأسلوب وجموح العاطفة وتوقدها، فيشعر المرء في حديثهم عن النجاة يوم القيامة أن الأمر حكر عليهم، فهم وحدهم الذين شروا أنفسهم في سبيل الدين وإعلاء الحق، ومن سواهم هم العدو الكامن المتربص المارق من الدين.

حتى إن عبد الملك بن مروان قال عن أشعارهم "لقد كان يوقع في خاطري أن الجنة خلقت لهم وأنا أولى بالجهاد منهم"، والسبب وراء ذلك هو قوة اعتقادهم ورسوخ مفاهيم المثل العليا والأخلاق في نفوسهم، لأنهم كانوا يلتفون حول مبادئ معينة، لا حول شخص محدد، فحازت أشعارهم صبغة الجلال والجمال والتأثير.

كان عبيد الله بن زياد واليا على العراق في العهد الأموي، واشتد سعيه في طلب الخوارج، وعُرف بقسوته الشديدة في ملاحقة المعارضين له ولخلافة بني أمية، وكان مرداس بن أدية المعروف بأبي بلال لا يخشى في قول الحق لومة لائم، فسجنه عبيد الله بن زياد مع أتباع له، وبينما هو في السجن قتل أخاه عروة أيضا، وحين أذن بإخراجه من السجن استبقى أنصاره لديه في السجن، وكان عبيد الله يتتبع المعارضين رجالا ونساء على حد سواء، فيقتل ويسجن، ويُذكَر أن امرأة تدعى البلجاء كانت من أنصار مرداس، وكانت تتحدث عن جبروت عبيد الله وقسوته، فأمر بقطع يديها ورجليها ورميها في السوق.

لم يصبر مرداس على الظلم والأذى وهمّ بالرحيل مع مجموعة من أصحابه لا يتجاوز عددهم الأربعين نفرا كما تذكر كتب الأخبار والتاريخ، إذ قال لأصحابه وهم يهمون بالخروج من البصرة "والله إنه لا يمكن لنا أن نبقى عند هؤلاء الظالمين، والله إن صبرنا عظيم، وقتالهم لنا عظيم، ولكننا لا نقاتل إلا من يقاتلنا"، فشبههم شاعرهم عيسى بن فاتك بصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر؛ وزعم أنهم تغلبوا على جيش أموي تعداده أضعاف مضاعفة من عددهم، إذ يقول:

فَـلَمّـا أَصـبَـحوا صَلّوا وَقاموا

إِلى الجُـردِ العِـتاقِ مُسَوِّمينا

 

فَلَمّا اِستَجمَعوا حَمَلوا عَلَيهِم

فَـظَـلَّ ذَوو الجَـعـائِلِ يَقتُلونا

 

بَــقِـيَّةَ يَـومِهِـم حَـتّـى أَتـاهُـم

سَـوادُ اللَيـلِ فـيـهِ يُراوِغونا

 

يَــقــولُ بَـصـيـرُهُـم لَمّـا رَآهُـم

بِـأَنَّ القَـومَ وَلّوا هـارِبـيـنـا

 

أَأَلفـا مُـؤمِـنٍ فـيـمـا زَعَـمـتُم

وَيَهــزِمُهُــم بِــآسِـكَ أَربَـعـونـا

 

كَـذَبـتُـم لَيـسَ ذاكَ كَما زَعَمتُم

وَلكِــنَّ الخَــوارِجَ مُــؤمِــنـونـا

 

هُـمُ الفِـئَةُ القَـليـلَةُ غَيرَ شَكٍّ

عَلى الفِئَةِ الكَثيرَةِ يُنصَرونا

 

أَطَــعــتُــم أَمـرَ جَـبّـارٍ عَـنـيـدٍ

وَمـا مِـن طـاعَـةٍ لِلظّـالِمـيـنـا

قطري بن الفجاءة يؤرّخ لحربه مع أعدائه في موقعة «دولاب»

قطري بن الفجاءة، قائد الخوارج وشاعرهم الشهير، يذكر في قصيدة له حربه مع أعدائه في موقعة «دولاب» التي وقعت في البصرة ضد حكم بني أمية وأنصارهم، ويصورها كحرب مع الكفار، واصفا جيشه المكون من فتية باعوا أنفسهم لله مقابل جنات عدن أعدت لهم في الحياة الآخرة، فيقول:

وَلَو شَهِدَتني يَومَ دولابَ أَبصَرَت

طِعانَ فَتى في الحَربِ غَيرَ ذَميمِ

 

غَداةَ طَفَت عَ الماءِ بَكرُ بنُ وائِلِ

وَأُلافَها مِن حِميرٍ وَسَليمِ

 

وَمالَ الحِجازِيّونَ نَحوَ بِلادِهِم

وَعُجنا صُدورَ الخَيلِ نَحوَ تَميمِ

 

وَكانَ لِعَبدِ القَيسِ أَوَّلُ جِدِّها

وَوَلَّت شُيوخُ الأَزدِ فَهِيَ تَعومُ

 

فَلَم أَرَ يَوماً كانَ أَكثَرَ مَقعَصاً

يَمُجُّ دَماً مِن فائِظٍ وَكَليمِ

 

وَضارِبَةٍ خَداً كَريماً عَلى فَتى

أَغَرَّ نَجيبُ الأُمَّهاتِ كَريمِ

 

أُصيبَ بِدولابٍ وَلَم تَكُ مَوطِناً

لَهُ أَرضُ دولابٍ وَديرَ حَميمِ

 

فَلَو شَهِدَتنا يَومَ ذاكَ وَخَيلُنا

تُبيحُ مِنَ الكُفّارِ كُلَّ حَريمِ

 

رَأَيتُ فِتيَةً باعوا الإِلهَ نُفوسَهُم

بِجَنّاتِ عَدنٍ عِندَهُ وَنَعيمِ

امتاز شعراء الخوارج عامة بثبات الشخصية سياسيا والالتفاف حول المبادئ والتركيز عليها، لا حول الشخصيات، لذلك لا نجد في أشعارهم كثيرا من التفصيلات حول مهاجمة الأحزاب الأخرى، فكلها عندهم سواء، كل أفراد الأحزاب المخالفة لهم كفار وظالمون، والخلافة ينبغي أن ينالها من يحق الحق فحسب، ويعد الخوارج أنفسهم حماة للدين مناكفين عن الحق، وهم في الوقت نفسه عباد زهاد، وقد دفعهم إلى ذلك كله الحاضن الثقافي السياسي والديني الذي عاشوا فيه، فلا مكان لهم في السلطة، وهم مغيبون عن الواجهة الدينية، أي لا اعتبار لوجودهم إلا بقدر ما يشعلون الحروب ويواجهون ويقاتلون الفئات الدينية والأحزاب السياسية الأخرى.

 (السيف أصدق أنباء من الكتب) أبو تمام يؤرخ بشعره فتح عمورية:

كانت معركة عمورية بين الإمبراطورية البيزنطية والخلافة العباسية في عهد المعتصم بن هارون الرشيد في عام 223هـ، وكانت ردا من خليفة المسلمين، الذي خرج بنفسه، على ما فعله ملك الروم توفيل بن ميخائيل من تخريب لمدينة ملطية وقتل وتعذيب وأسر لسكانها وسبي لنسائها.

وبعد هذا الفتح العظيم جاء الناس والشعراء لتهنئة الخليفة الذي لبى نداء الكرامة المتمثل بصرخة المرأة الشهيرة التي استنجدت بالمعتصم، فحفظ التاريخ استغاثتها (وامعتصمااااه!). وقد سطر هذا النصر وخلد وأرخ له في صدر المجد بقصيدة أبي تمام حبيب بن أوس الطائي، القصيدة البائية التي تُعَد من عيون الشعر العربي قد بلغت 70 بيتا. ويذكر أن الخليفة المعتصم قد كافأ أبا تمام على كل بيت منها بألف درهم. يقول أبو تمام فيها:

السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ

في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ

 

بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في

مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ

 

أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما

صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ

 

تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً

لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ

 

فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ

نَظمٌ مِنَ الشعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَبِ

 

فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ

وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ

 

يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت

مِنكَ المُنى حُفَّلاً مَعسولَةَ الحَلَبِ

 

أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ

وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ

ثم يقول مادحا الخليفة المعتصم، وشاكرا صنيعه، ومتغنيا بحسن تدبيره وفعاله:

تَدبيرُ مُعتَصِمٍ بِاللَهِ مُنتَقِمٍ

لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللَهِ مُرتَغِبِ

 

وَمُطعَمِ النَصرِ لَم تَكهَم أَسِنَّتُهُ

يَوماً وَلا حُجِبَت عَن رَوحِ مُحتَجِبِ

 

لَم يَغزُ قَوماً وَلَم يَنهَض إِلى بَلَدٍ

إِلّا تَقَدَّمَهُ جَيشٌ مِنَ الرَعَبِ

 

لَو لَم يَقُد جَحفَلاً يَومَ الوَغى لَغَدا

مِن نَفسِهِ وَحدَها في جَحفَلٍ لَجِبِ

 

لَبَّيتَ صَوتاً زِبَطرِيّاً هَرَقتَ لَهُ

كَأسَ الكَرى وَرُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ

 

عَداكَ حَرُّ الثُغورِ المُستَضامَةِ عَن

بَردِ الثغورِ وَعَن سَلسالِها الحَصِبِ

 

أَجَبتَهُ مُعلِناً بِالسَيفِ مُنصَلِتاً

وَلَو أَجَبتَ بِغَيرِ السَيفِ لَم تُجِبِ

ويقول مصورا حال الروم البيزنطيين وقد لاقوا من سيوف المسلمين ما لاقوه من شدة وعذاب:

تِسعونَ أَلفاً كَآسادِ الشَرى نَضِجَت

جُلودُهُم قَبلَ نُضجِ التينِ وَالعِنَبِ

 

يا رُبَّ حَوباءَ حينَ اِجتُثَّ دابِرُهُم

طابَت وَلَو ضُمِّخَت بِالمِسكِ لَم تَطِبِ

 

وَمُغضَبٍ رَجَعَت بيضُ السُيوفِ بِهِ

حَيَّ الرِضا مِن رَداهُم مَيِّتَ الغَضَبِ

 

وَالحَربُ قائِمَةٌ في مَأزِقٍ لَجِجٍ

تَجثو القِيامُ بِهِ صُغراً عَلى الرُكَبِ

 

كَم أَحرَزَت قُضُبُ الهِندِيِّ مُصلَتَةً

تَهتَزُّ مِن قُضُبٍ تَهتَزُّ في كُثُبِ

ثم يدعو للخليفة بخير الجزاء لما أداه من دفاع عن الإسلام والمسلمين، فيقول:

خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَكَ عَن

جُرثومَةِ الدِينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَبِ

 

خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَكَ عَن

جُرثومَةِ الدينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَبِ

 

بَصُرتَ بِالراحَةِ الكُبرى فَلَم تَرَها

تُنالُ إِلّا عَلى جِسرٍ مِنَ التعَبِ

 

إِن كانَ بَينَ صُروفِ الدهرِ مِن رَحِمٍ

مَوصولَةٍ أَو ذِمامٍ غَيرِ مُنقَضِبِ

 

فَبَينَ أَيّامِكَ اللاتي نُصِرتَ بِها

وَبَينَ أَيّامِ بَدرٍ أَقرَبُ النسَبِ

 

أَبقَت بَني الأَصفَرِ المِمراضِ كَاسمِهِمُ

صُفرَ الوُجوهِ وَجَلَّت أَوجُهَ العَرَبِ

إن الناظر في الشعر العربي الذي أرّخ للمعارك والانتصارات في العصور الإسلامية المتقدمة، يرى أنه أرخ للهزائم والخيبات أيضا، وحمل إلينا مشاعر الشعراء وأفكارهم ورؤاهم، والشعراء بالضرورة أبناء بيئاتهم، ويحملون في ثنايا أشعارهم همومهم وهموم أبناء جيلهم، وهذا ديدنهم حتى العصر الحديث والمعاصر، فالشعراء نموذج الإنسان بشكل من أشكاله، والشعر يعكس صور الحياة من زوايا مختلفة، وأهم ما يميز الشعر الذي يؤرخ للأحداث العظيمة أنه ينقلها بعيون القلب وإحساس الشاعر وتأثره وانفعاله بها، ويبقى للمتلقي مساحته الخاصة لينفعل وفقا لتأثره واستجابته، وتبقى للقصائد في صفحات التاريخ كلمتها التي لا يخبو نورها ولا ينتهي نبضها.

مقالات مشابهة

  • ولو أجبت بغير السيف لم تُجب… تأريخ المعارك في الشعر العربي خلال العصور الإسلامية المتقدمة
  • ذكرى المولد النبوي والواقعُ الإسلامي
  • دفعة جديدة تلتحق بمعهد السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية
  • سلطان الثقافة.. يرسم خارطة الثقافة العربية
  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يستعد للمشاركة في القمة العالمية للذكاء الاصطناعي
  • المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف موقع معيان باروخ دعماً لغزة
  • فتح باب التقديم ببرامج الترجمة المتخصصة بـ«ألسن كفر الشيخ»,. اعرف الشروط
  • وزير الثقافة يطلع على أبرز مشروعات مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية
  • وزير الثقافة يزور مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية
  • أهمية تعزيز الأخلاق الإسلامية في ذكرى المولد النبوي الشريف