الفاتح .. نبكيك بحزن القلب ودمع العين
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
محمد المكي أحمد
بعد رحيل شقيقته آمنة ( ساكنة الفؤاد ) في 7 يونيو 2024 في مدينة القضارف بشرق السودان، خارج بيتها، بعدما داهمه مسلحون في الخرطوم، هاهي أسرتي والأهل فُجعوا في 14 أغسطس 2024 برحيل الأخ العزيز الفاتح حسن الهدى ( بكسر الهاء وفتح الدال) .
الراحل شقيق زوجي إشراقة..
غادر دنيانا الفانية في القاهرة، وكان أضطر مع ابنه وبنته أن يغادروا بيتهم في الخرطوم في زمن الحرب إلى مدينة شندي، ومنها إلى الولاية الشمالية مسقط رأس والده، ثم مدينة الأبيض، وأخيرا حط الرحال في مصر، بعد رحلة مضنية بسيارة نقلته وحملت معه كل مخاطر الطريق وقسوة السفر الاضطراري .
إضطر للسفر ،وهو من يعشق وطنه والعيش بين احضان أهله، لم يجد العلاج في وطنه، كان يحتاج إلى غسيل كلية واحد بعدما أزيلت كلية في عملية جراحة في الأردن قبل سنوات.
خضع خلال الأشهر الماضية لغسيل كلية في مصر، وتحسن وضعه الصحي، ثم تدهورت صحته قبل أيام بسبب نزيف دم من البطن ، فدخل العناية المكثفة، وقبل يومين خرج من المستشفى الى البيت، حمدنا الله ، وكنت سعدت بسماع صوته.
لكن.. لكل أجل كتاب.
رحل الفاتح .. الشخصية المحبوبة وسط أسرته والأهل، إذ تميز بنبض تواصل اجتماعي لافت، ولا يُجارى.
كان صاحب مدرسة في التواصل مع أهل أمه ووالده وكثيرين من الأصدقاء..
أمه من أهل أمي في( دارحامد) بكردفان في غرب السودان ، ووالده من ديار الشايقية في شمال السودان.
كان الراحل حبيبا إلى قلوبنا وقلوب كثيرة وسط الأسرة والأهل .
برحيله فقدت سماع صوته وهو يردد التحية والسلام و قائلا بصوت مشحون بالمودة ونبض "حنين" ( يا ود خالتي).
هكذا كان يخاطب إخواني، ويعبر بالروح الطيبة نفسها" يا بنت خالتي" مخاطبا أخواتي.
كانت هذا النبض الدافئ يدخل القلوب، ويخاطب الدواخل ويستقر في العقول.
" ود خالتي" كان يسافر من الخرطوم إلى مدينة بارا لعناق أمي الراحلة ستنا وللقاء إخواني وأخواتي،
فتح صفحات علائق بيننا وآخرين، إذ كان يصحب معه من وقت لآخر بعض أهل والده.
فساهم في توثيق صلات وبنى جسور تواصل ومودة.
برحيل الفاتح فقدت زوجي حببيا هو أقرب الأقربين اليها وهو الأخ الوحيد بين أخواته، كان قريبا منها وأخواتها، مثلما كان قريبا من ابنه وبنته بعد رحيل والدتهما قبل سنوات، ولهذا فالحزن شديد .
نبكيك يالفاتح بحزن القلب.. ودمع العين.....
هكذا تُعبر دواخلنا.. دواخل أهلك .. وهكذا تنبُض دواخل أي انسان يفقد عزيزا أو عزيزة عن وجع الفراق..
وهاهي الأحزان والمواجع تتواصل برحيل عزيزنا الفاتح خارج بيته، وبعيدا عن أهله، بعدما شردته وابنه وبنته الحرب الحالية في السودان، كما شردت ملايين السودانيين داخل السودان وخارجه، ورحل عدد منهم خارج بيوتهم ووطنهم.
قال تعالى( وما تدري نفس بأي أرض تموت).
تبقى الحقيقة أيضا أن الحرب التي أشعلها من يجلسون فوق الجماجم وشلالات الدم في السودان قد قتلت السودانيين داخل الوطن
بالمواجع قبل أن ينتقلوا إلى رحمة الله.
رغم أحزان السودانيين، المتواصلة ، نسمع من يكرروا بصوت مرتفع "لا للمفاوضات ووقف الحرب حتى لو استمرت سنوات عدة" !! .
أي بشر هؤلاء الذين لا يولون أدنى اهتمام لمآسي السودانيين، ولا تهز قلوبهم وعقولهم شلالات الدم وقوافل الهاربين من جحيم آلة الحرب، و الجوع والمرض !!.
نسأل الله، فاطر السموات والأرض أن يتغمد فقيدنا الكبير بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء.
أحر العزاء إلى إبنه مصعب وبنته رؤيا ، وأخواته محاسن وفاطمة وإشراقة والأسرة والأهل.
( إنا لله وإنا اليه راجعون)
Sent from my iPhone
modalmakki@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
أولويات ما بعد الحرب في السودان
كغيري من اصحاب الراي نشرت عدة مقالات حول اعادة التعمير في السودان بعد هذه الحرب، وستظل الافكار والاقتراحات تتداول الامر حتى تتشكل خارطة طريق جيدة يساهم فيھا كل السودانيين بصورة ايجابية كل في مجاله وبما يستطيع، ابتدأ من كل الخبراء واصحاب القرار نزولا الى ابسط مواطن يمكن ان يساهم مع جيرانه في نظافة الحي.
بالطبع ھناك مناطق تأثرت بالحرب أكثر من غيرها وتحديدا اقليم دارفور والعاصمة المثلثة الخرطوم واقليم الجزيرة، ولكن لا ينبغي التركيز فقط على الخرطوم، وداخل الخرطوم يجب تقديم تأهيل المرافق الصحية الخدمية، خلافا لما تقوم به سلطة الامر الواقع اليوم، عندما أعلن أحد المسؤولين غير المسؤولين حقيقة بأن اعادة اصلاح القصر الجمهوري بالخرطوم سيوفر لھ مبلغ مليار و800 مليون دولار ، !!!
بالطبع ھناك مناطق تأثرت بالحرب أكثر من غيرها وتحديدا اقليم دارفور والعاصمة المثلثة الخرطوم واقليم الجزيرة. وللعلم ھذھ الثلاث مناطق تضم ما لا يقل عن نصف سكان السودان اي حوالي 20 مليون مواطن ، منهم أكثر من 10 مليون أصبحوا لاجئين في دول الجوار او نازحين في بقية اقاليم السودان.
في انتظار الشراكات الدولية والتعاون الدولي والمساعدات الدولية وغيرها. ينبغي التركيز على أن رجوع هذه الاعداد من اللاجئين والنازحين مرتبط في المقام الاول بوقف إطلاق النار اي وقف الحرب والامن من النيران العدوة او الصديقة بما فيھا المسيرات، ثم توفر الأولويات او الحاجات الطارئة وھي مياه صالحة للشرب والغذاء ثم المأوى
بالنسبة للمياه، مؤقتا يمكن استخدام صهاريج مياه جماعية، استخدام أجهزة تنقية المياه في الاحياء والقرى، الاستفادة من مياه النيل والترع والابار، بالنسبة للغذاء يمكن تطوير التكايا الموجودة الى مراكز لتوزيع الخبز والمواد الغذائية الأساسية مثل العدس وغيرھ.، نقطة الغذاء تستدعي توفير الوقود كالكهرباء والجازولين وغيرها لتشغيل المخابز الاهلية والمطاحن، وهنا يمكن ان يستفاد من الواح الطاقة الشمسية باعتبار تركيبها آمن وأسرع.
بالنسبة للمأوى بعد حملات التنظيف الأولية يمكن ان يكون هناك نقاط لتوزيع الخيام والبطاطين وما شابھھا.
من المؤكد ان الجانب الصحي له نفس الأهمية القصوى لتفادي انتشار الامراض والعدوى ، خاصة مع وجود كثير من الجثث المتحللة في اماكن مكشوفة او غير مرئية . والجانب الصحي يبدا بالنظافة كما ذكرنا، ويمكن البدء بإيجاد وحدات طبية متنقلة محملة بالطعوم واللقاحات والاسعافات الأولية، والقيام بالتطعيم ضد الامراض المعدية كالكوليرا.
ضمن برنامج النظافة ونشر الامن ، يمكن الاستفادة من أجهزة الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي والمدارس ومنابر المساجد في التوعية والارشاد في كيفية التعامل مع بقايا الحرب من شظايا والغام وقنابل غير متفجرة واجسام معدنية غير مألوفة للمدنيين، والتذكير بضرورة عدم لمس اي جسم معدني غريب، وعدم التعامل مع الجثث متحللة وغيرها مما قد يجده العائدون الى أحيائهم، وتفادي المباني المتهدمة والمهجورة. كما ينبغي على السلطات المحلية ومجالس الاحياء الاهتمام بالنظافة وذلك من خلال حملات يومية لجمع الاوساخ والتعامل معها بصورة صحية.
في خط مواز لكل ما سبق يجب الاهتمام بنشر الآمن بتكوين دوريات من شباب الحي او القرية ليتناوبون الحراسة الليلية واستعمال أجهزة انذار بسيطة كالصافرة والهاتف المحمول للتبليغ عن أي خطر بالمكان،
فرض الامن. بواسطة الشرطة والبوليس وعدم ترك المجموعات والجماعات المسلحة التي شاركت بصورة او بأخرى في الحرب لفرض أحكامها وقراراتها عبر السلاح الذي تحمله على المواطنين وذلك لتفادي تجدد تصفية الحسابات بين الافراد والجماعات كما وقع في الأسابيع الماضية من اعدامات فردية وجماعية دون محاكمات بل لمجرد اتهامات من افراد لأخرين بأنام متعاونين مع مليشيا الدعم السريع.
بعد ان يسود شيء من الهدوء النسبي في الأحياء والقرى يجب مباشرة الالتفات للتعليم لأنه من أھم روافع رفع الوعي واعادة بناء اللحمة الاجتماعية الوطنية بين الاطفال والتلاميذ والطلاب. كما يمكن الاستفادة من الخيم كمدارس مؤقتة
ما سبق كان على المستوى المحلي اما على مستوى الدولة فينبغي التواصل مع المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وافرعھا منظمات مثل اليونسكو و الايسسكو واليونسيف والفاو ومنظمة الصحة العالمية وغيرها .ومنظمات الھلال الاحمر والصليب الاحمر ومنظمات المجتمع المدني وغيرها للمساعدة في اعادة تأھيل البنية التحتية و الكھرباء؛ وتأهيل مرافق المياه كحفر الابار والعناية بالصحة بتأهيل المستشفيات والمراكز الصحية
واخيرا على المدى المتوسط والطويل يمكن الاستفادة من تجارب دول اخرى في اعادة الاعمار مثل العراق ورواندا وغيرها.
ان اعادة الاعمار تبدأ بإيقاف الحرب ونشر الامن وبداية الاستقرار والتعاون الدولي ولعل قبلهم جميعا يأتي الاتفاق على التوافق الوطني
abdelgadir@hotmail.com