مدينة كُتُم الجريحة وقصة أعظم طيار في تاريخ السودان
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
✍️بقلم محمد الربيع
—————
أنّي لتطربني الخِلالُ كريمة - طربُ الغريبِ بأوبةٍ وتلاقي
وتهزّني ذكرُ المروءةِ والندَي - بين الشمائلِ هِزّة المشتاقِ
فإذا رُزِقتَ خليقة محمودةٍ - فقد إصطفاك مقسّمُ الأرزاقِ
لا تحسبنّ العلم ينفع وحده - ما لم يتوّج ربه بخلاقِ
،،،،، حافظ إبراهيم ،،،،،
✍️في مسلك مكرر من سلاح الطيران السوداني والذي لا يعبّر إلّا عن الأحقاد الدفينة وإخراج أسوأ ما في النفس اللوامة من سخائم وأدران قصفت طيران البرهان مستشفي مدينة كُتُم بولاية شمال دارفور مخلفاً عشرات الشهداء والجرحي أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن وتدمير كامل المستشفي الذي يعتمد عليه الآلاف رغم شُحّ الإمكانيات في ظل هذه الأوضاع المأساوية خاصة بعد خروج كل مشافي الفاشر من الخدمة بسبب قصف الطيران أيضاً والتي يقودها طيّارون قادمون من الجحيم ولا علاقة لهم بهذا الشعب وقيمه وأخلاقه، بل لا علاقة لهم بالإنسانية جمعاء!! فقد دمروا كل مؤسسات البني التحتية في إقليم دارفور وعلي رأسها المستشفيات التي تهب الحياة للملايين لكن ذلك لا تعجب صاحب "فلترق كل الدماء" وهؤلاء الوحوش الأوباش نهديهم قصة هذا الطيّار الأسطورة إبن المدينة المنكوبة.
✍️ في إحدي الليالي الصيفية الحارقة في عام 1993 بينما كانت الخرطوم تعيش في رعب سنوات الجمر الكيزاني الرهيب ضد الشرفاء الذين تم تصنيفهم كمعارضين وأعداء إمتلأت بهم بيوت الأشباح وما فيها من أهوال ومآسي يشيب لها الولدان جري هذا الحوار في مكانٍ ما بين زميلين صديقين: —
النقيب طيّار : أنا سوف أهرب بطيارتي هذه غداً صباحاً.
مسئول المراقبة الجوية : ولماذا؟
النقيب طيّار : إن القيادة حددت لي أهدافاً في جنوب كردفان وأعطاني التعليمات بقصفها ولم أفعل للمرة الثانية وألقيتُ براميل البارود في الخلاء لأن الأهداف ليست عسكرية ولا توجد قوات للتمرد هناك مطلقاً! بل للأسف إنها قُرَي لمدنيين بسطاء.
مسئول المراقبة الجوية: وهل تحدثتَ مع القيادة؟ وماذا كان ردهم؟
النقيب طيّار : نعم تحدثتُ وقلتُ للقائد لا توجد قوات متمردة هنا! بل قرية وأنا أسمع حالياً صوت آذان الفجر الذي أسمعه بوضوح وأنا في الجو!
فكان الرد الصادم من القيادة : ما تهتم بآذان ولا مؤذن "أحرق العبيد"!!!! "نحن هنا لا يهمنا عجز العبارة الصادمة(احرق العبيد) لأنها في الأخير تكشف عن عنصرية القائد وإستعلائه العرقي! لكن ما يعنينا هنا هو صدر العبارة والذي يأمر بأحراق المساجد بما فيها من مصاحف وآذان ومؤذن ومصلين!! وتخيّل يا صديقي أن العبيد هؤلاء هم شعب النوبة العظيم وهم أصل السودان وحضارته!!
مسئول المراقبة الجوية : وكيف تهرب وإلي أين؟
النقيب طيّار : أهرب بطائرتي إلي أريتريا وأنضم إلي المعارضة (التجمع الوطني) وليكن ما يكون.
مسئول المراقبة الجوية: أن المراقبة عالية في الجبهة الشرقية نسبة لنشاط قوات التجمع الوطني وكذلك جيش الحركة الشعبية التي تنشط في مناطق الكرمك وقيسان وسوف يتم أسقاطك، لكنني سأكون مسئولاً عن برج رادار بورتسودان غداً ويمكنك الخروج من عندي ولحظة عبورك سوف (أشغلُ نفسي بشيءٍ ما حتي تمر) وتتجه إلي السعودية شريطة أن تطير في إرتفاع منخفض جداً بضع أمتار من سطح البحر حتي لا يلتقطك أيّ رادار ولا ترتفع إلّا عند المياه الإقليمية في شواطيء مدينة جدة ….
النقيب طيّار: حسناً سأفعلها ولو تكلفني حياتي فهي أهون لي من قتل مواطن سوداني واحد!
وفي اليوم التالي وبعد تعبئة الطائرة الأنتبنوف بالبراميل المتفجرة مع تعليمات مشددة للطيّار الذي كان يعلم بأن الإستخبارات العسكرية ترصده ولو أخطأ الهدف هذه المرة فللخطأ ثمنه! لكنه بدلاً من التوجه إلي جنوب كردفان توجه شمالاً صوب مدينة بربر ثم شرقاً إلي بورتسودان وسارت الخطة بنجاح بفضل الله وكما قيل "النية زاملة سيدو" ونجا النقيب البطل من الموت بأعجوبة رغم التعليمات الصادرة بإسقاطه ووصل بطائرته إلي السعودية في ذروة تدهور العلاقة بين البلدين!! فأحدث دويّاً إعلامياً هائلاً حجبته إعلام الكيزان حينها!
???? لم يكن بطل قصتنا الأسطورية هذه سوي الضابط العظيم النقيب طيّار - أحمد أبو القاسم - المولود في مدينة كُتُم بولاية شمال دارفور وأحد أكفأ الطيارين السودانين متحدثاً مع إبن دفعته (لا أذكر أسمه)! والذي إستقبله الأمير بندر بن عبدالعزيز في قصره الفخيم بمدينة جدة! "فلما جاءه وقصّ عليه القَصَص قال لا تخف نجوتَ من القوم الظالمين" وفي صبيحة اليوم التالي سافر ثلاثة من قادة النظام البائد إلي السعودية ( الزبير محمد صالح، عبدالرحيم محمد حسين والطيب سيخة) تقفياً لأثره مع تعليمات بإحضاره حياً أو ميتاً وعندما قابلهم الأمير السعودي والذي كان قد سمع القصة من (خشم سيدو) قال لهم هذه هي طائرتكم خذوها لكن هو ضيفي ومستجير بي لن يقابلكم إلا برغبته! وعندما سأله الأمير إن كان يرغب في مقابلتهم؟ أجاب البطل الطيّار بنعم (لأنها كانت فرصة لإعطاءهم درساً في الأخلاق وفش الغبينة) وقد كان ،،،، وعندما حاولوا خداعه وقال له الزبير : لا تخف فأنت إبننا ولك الأمان. قال لهم : هل علمتم ما فعلتم بضباط رمضان وأنتم متجبرون؟ فبهت الذين كفروا وعادوا بخفّي حنين.
☀️الطيّار النبيل أحمد أبو القاسم تم إبتعاثه لمعهد الطيران الدولي بأبوجا للتأهيل العالي علي نفقة الأمير بندر ثم عاد وتم قبول طلبه في مكتب الأمم المتحدة فوراً وتوطينه في دولة السويد وسافر بين (دموع الأمير بندر ) الذي كان يرجو بقاءه في المملكة والإنضمام لهيئة الطيران الملكي ويختار هو راتبه!! لكنه إعتذر بلطفٍ ورفض بإصرارٍ عجيب فمثله لا يبحث عن المال بل عن القِيَم والمُثُلْ والأنسانية!! وحالياً هو أحد أفضل الطيارين في العالم أجمع!!!
✍️أن قصة البطل الأسطوري النقيب طيّار - أحمد أبو القاسم وما فيها من قيم ومثل وأخلاق ووطنية فضلاً عن الإنسانية العالية يجب أن يدّرس في كل الكليات العسكرية والمعاهد الجامعية وأن تظل حية في ذاكرة الأجيال جيلاً بعد جيل لأنها تكشف الجانب المضيء وكُوّة الضوء في عتمة وظلام الطيران السوداني المليئة بالخيّبات والأحقاد ضد شعوب الهامش جنوباً وغرباً ،،،، وقصة مليئة بالدروس والعبر والشجاعة المنقطعة النظير لبطل عرّض حياته للموت في سبيل شعبه فأنجاه الله ،،،، كما أن قصته يجعلنا مصرّين أكثر من أي وقتٍ مضي بضرورة إعادة تأسيس وبناء المؤسسات العسكرية والأمنية علي أسس قومية وطنية بعقيدة جديدة فمن الظلم والخطل أن يكون كل الطيّارين في سلاح الجو السوداني من قبيلتين ورقعة جغرافية صغيرة وكذلك كل الموظفين في أبراج المراقبة والرادارات الذين يوجهون الطيارين وحركة الطائرات من نفس المكان! هذا هو الإختلال في الميزان والظلم الذي يجب أن ينتهي وإلي الأبد.
وهؤلاء الطيّارين قتلة الأطفال والأنعام سوف لن تكون نهاياتهم بأفضل من نهايات طاقم الطيارين الأمريكيين الذي ألقوا القنابل الذرية علي هيروشيما وناجازاكي حيث ماتوا جميعاً ما بين الإنتحار ومشافي المجانين!!
قبل الختام:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه - فقوّم النفس بالأخلاق تستقمِ
والنفسُ من خيرِها في خير عاقبةٍ - والنفسُ من شرّها في مرتعٍ وخِمِ
m_elrabea@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
«القاهرة الإخبارية»: أوكرانيا تسقط 8 طائرات روسيا دون طيار
أفادت قناة القاهرة الإخبارية في نبأ عاجل قبل قليل، بأنّ القوات الجوية الأوكرانية أسقطت 8 طائرات روسية دون طيار خلال ساعات الليل.