هل يُمكن لمحادثات السلام أن تنهي “الأزمة المنسية” في السودان؟
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
*جيريمي هاويل*
بي بي سي نيوز
تحاول الولايات المتحدة إقناع ممثلي طرفي الصراع في السودان بالاجتماع لإجراء محادثات سلام في جنيف، اليوم الأربعاء.
ولا تزال الحرب مستمرة منذ أبريل/نيسان 2023 وقد تسببت في أزمة إنسانية أثّرت على أكثر من 25 مليون شخص، لكن القوات المسلحة السودانية، التي تحكم البلاد فعلياً، قالت إنّها لن تشارك في المحادثات.
فما الذي يمكن أن تحققه المحادثات بدون وجودها؟
*كيف بدأت الحرب في السودان ؟*
في عام 2021، استولى قائد القوات المسلحة السودانية، الجنرال عبد الفتاح البرهان، على السلطة من خلال انقلاب.
وساعده في ذلك الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، وهو رئيس قوات شبه عسكرية تسمى قوات الدعم السريع.
ونشبت خلافات بين الزعيمين حول كيفية تقاسم السلطة، وحول الدور المستقبلي لقوات الدعم السريع وتمويلها، وفي أبريل/نيسان 2023، تصاعدت تلك الخلافات إلى حرب أهلية.
وتسيطر قوات الدعم السريع الآن على معظم العاصمة الخرطوم، ومعظم إقليم دارفور الضخم في غرب السودان، وولاية الجزيرة التي تنتج معظم المحاصيل في السودان.
فيما تسيطر القوات المسلحة السودانية على الأجزاء الشرقية والشمالية من السودان.
وتدور حالياً معارك عنيفة من أجل السيطرة على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وحول الخرطوم.
ويتلقى كلا الجانبين دعماً من قوى أجنبية، ما يساعدهم على مواصلة القتال، حيث تحظى القوات المسلحة السودانية بدعم من المملكة العربية السعودية ومصر، في حين تزوّدها إيران بالأسلحة، فيما تدعم الإمارات العربية المتحدة قوات الدعم السريع.
وذكرت تقارير أن مجموعة المرتزقة الروسية "فاغنر" كانت لها صلات بقوات الدعم السريع، لكنها نفت لعب أي دور في الصراع.
*ما هي المعاناة التي سببتها الحرب الأهلية ؟*
وتقول الأمم المتحدة إن هناك "أزمة إنسانية كارثية" في السودان، حيث يواجه 26 مليون شخص - أي حوالي نصف السكان - "جوعاً حاداً".
وقد أدى الصراع إلى نزوح ما يقرب من 11 مليون شخص -قسراً- من منازلهم، وتقول وكالة بيانات الأمن الغذائي (IPC) إن أكثر من 750 ألف شخص على شفا المجاعة.
وتشير تقديرات منظمة "مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة"، وهي وكالة تجمع البيانات حول الصراعات، إلى مقتل ما يقرب من 16650 شخصاً في الصراع .
واتُّهمت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بارتكاب فظائع واسعة النطاق، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والتعذيب والمذابح ضد المدنيين.
ووصفت الأمم المتحدة الحرب الأهلية في السودان بأنّها "أزمة منسية" ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار بين الجانبين باعتباره السبيل الوحيد لمنع انتشار المجاعة.
*لماذا لا تشارك القوات المسلحة السودانية في محادثات السلام؟*
أمضى المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، أشهراً في محاولة جمع قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لإجراء محادثات وجهاً لوجه.
ومن المقرر أن يجتمع الطرفان في جنيف في 14 أغسطس/آب، في محادثات السلام التي تستضيفها بشكل مشترك حكومتا المملكة العربية السعودية وسويسرا.
وستضم المحادثات مراقبين من الإمارات العربية المتحدة، الداعم الرئيس لقوات الدعم السريع، ومصر التي تدعم القوات المسلحة السودانية، بالإضافة إلى مراقبين من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت أنها سترسل ممثلين لها إلى المحادثات، لكن القوات المسلحة السودانية قالت إنها لن تفعل ذلك.
وقال آلان بوسويل من مجموعة الأزمات الدولية لبي بي سي: "إن الجنرال البرهان يقول منذ فترة طويلة: لا مفاوضات، لا سلام".
ويبين بوسويل سبب عدم المشاركة بالقول: "إن البرهان يرفض حضور المحادثات ما لم تتم الإشارة إلى القوات المسلحة السودانية على أنها حكومة السودان، بينما ترفض قوات الدعم السريع الاعتراف بذلك، هذه قضية بروتوكولية لم يتمكن الدبلوماسيون من حلها".
هناك سبب آخر يجعل الجنرال البرهان متردداً في حضور محادثات السلام، بحسب ما قاله أليكس فاينز، وهو من تشاتام هاوس - مركز أبحاث الشؤون الدولية ومقره لندن-.
ويقول لبي بي سي إن "القوات المسلحة السودانية تريد التفاوض من موقع قوة، فهي لا تزال تعتقد أنها قادرة على كسب اليد العليا في ساحة المعركة".
ويقول فاينز إن الجنرال البرهان معني بالاستماع إلى شركائه في الحكومة، سواء الجنرالات أو السياسيين، مبيناً أن معظمهم ضد التعامل مع قوات الدعم السريع.
*ماذا يمكن أن تحقق محادثات السلام؟*
ويقول الفريق الأمريكي إنه سيواصل "المحادثات الفنية" إذا فشلت القوات المسلحة السودانية في الوصول إلى جنيف.
ويقول بوسويل: "ستتحدث اللجنة إلى داعمي الأطراف المتحاربة، مصر والإمارات العربية المتحدة، وتحاول جمعهم حول صيغة السلام، وعندما يصبح من الممكن التوصل إلى توافق، فإن دفع الأطراف المتحاربة نحو السلام سيكون أمراً وارداً".
كانت هناك محاولات سابقة فاشلة للتوسط في السودان، فمنذ مايو/أيار 2023 ــ بعد شهر واحد من بدء الصراع ــ رعت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة محادثات سلام في مدينة جدة السعودية.
وفي هذه المحادثات، وافقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على سلسلة من وقف إطلاق النار المؤقت، لكنهما عادا إلى القتال بعد كل منها.
ويقول فاينز: "إن التوقعات قصيرة الأمد للسلام في السودان قاتمة للغاية، ولكن هذا لا يعني التوقف عن المحاولة".
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع محادثات السلام فی السودان
إقرأ أيضاً:
تعرف على خيارات قوات الدعم السريع بعد خسارتها وسط السودان؟
منذ تحوله من الدفاع إلى الهجوم قبل 6 أشهر، استمر الجيش السوداني في تقدم ميداني على حساب قوات الدعم السريع واستعاد السيطرة على وسط البلاد وجنوبها الشرقي واقترب من تحرير الخرطوم.
ويتوقع مراقبون تركيز قيادة الدعم السريع على إقليمي دارفور وكردفان لضمان وجودها العسكري والسياسي في أي تسوية محتملة، واستمرار الدعم من قوى إقليمية وتجنب الانهيار.
ومنذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب، في منتصف أبريل/نيسان 2023، ظلت قوات الدعم السريع تسيطر على غالب ولاية الخرطوم، قبل أن تتمدد في 4 من ولايات دارفور الخمس، وولايتي الجزيرة وسنار ومواقع في ولاية النيل الأزرق وشمال ولاية النيل الأبيض.
هجوم شامل
وظل الجيش، نحو 17 شهرا، في حالة دفاع عن مواقعه العسكرية الرئيسية، وتدريب قوات جديدة واستنفار المتطوعين والحصول على أسلحة نوعية بعد تعزير علاقاته مع قوى إقليمية ودولية، مما مكنه من إعادة بناء قدراته العسكرية.
ومند 26 سبتمبر/أيلول الماضي، تحول الجيش من الدفاع إلى الهجوم الشامل، وأطلق عملية الجسور بعبوره جسور النيل الأبيض والفتيحاب والحلفاية التي تربط أم درمان مع الخرطوم والخرطوم بحري، واستعاد السيطرة على مواقع إستراتيجية في العاصمة.
وكانت معركة جبل موية في ولاية سنار، التي حولته قوات الدعم السريع إلى قاعدة لوجيستية، نقطة تحول للجيش وفتحت الباب أمام إعادة السيطرة على ولايتي الجزيرة وسنار، وأطراف ولاية النيل الأزرق، ثم شمال النيل الأبيض.
وفي ولاية الخرطوم خسرت الدعم السريع مصفاة الجيلي لتكرير النفط التي تحيط بها مقار عسكرية مهمة، وتبع ذلك تقهقرها من محليتي الخرطوم بحري وشرق النيل وغالب جسور العاصمة العشرة، وقبلها محلية أم درمان ومعظم محلية أم بدة.
ونقل الجيش عملياته مؤخرا من الشرق إلى غرب النيل ونزع قوات الدعم السريع من القصر الجمهوري ومجمع الوزارات والمؤسسات والمصارف، والسوق العربي أكبر أسواق العاصمة وأعرقها، ومنطقة الخرطوم المركزية بوسط العاصمة ومنطقة مقرن النيلين وجزيرة توتي.
وفي غرب وسط البلاد، استعاد الجيش السيطرة على مدينتي أم روابة والرهد بولاية شمال كردفان، وفك الحصار عن الأبيض حاضرة الولاية، ويزحف لتحرير شمالها الذي لا تزال تنتشر فيه قوات الدعم السريع.
خسائر فادحة
وبإقليم دارفور صمد الجيش، والقوات المشتركة للحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانبه، أمام أكثر من 180 هجوما لقوات الدعم السريع على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وكبدها خسائر فادحة في محور الصحراء ودمر قاعدة الزرق الإستراتيجية، وضيق الخناق على الإمداد العسكري الذي يعبر عبر الأراضي الليبية.
وكشفت مصادر عسكرية للجزيرة نت أن هذه القوات باتت على قناعة بأنها فقدت ولاية الخرطوم ولم يعد لديها ما تدافع عنه، لكنها تحاول تأخير سيطرة الجيش على ما تبقى من العاصمة لتقديرها أن القوات الكبيرة في وسط البلاد والخرطوم ستتفرغ للزحف غربا نحو إقليمي كردفان ودارفور لطردها من المواقع التي تنتشر فيها.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم الإفصاح عن هويتها، إن قوات الدعم السريع كانت تخطط لإعلان الحكومة الموازية من داخل القصر الجمهوري، وبعث قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" أحد مستشاريه مع مجموعة أخرى لهذا الغرض وظل يحرض قواته على القتال عن القصر ومنطقة المقرن بغرب الخرطوم في خطابه الأخير قبل 5 أيام من خسارته القصر.
وحسب المصادر ذاتها، فإن قيادة الدعم السريع تسعى إلى الدفاع عن مناطق سيطرتها في ولايات دارفور من خارج الإقليم عبر تعزيز وجودها العسكري في ولايتي غرب كردفان وشمالها، وتفعيل تحالفها مع قائد الحركة الشعبية -شمال عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان، والسعي لإحداث فرقعة إعلامية عبر هجمات انتحارية في شمال البلاد انطلاقا من شمال دارفور.
من جانبه، قال فولكر بيرتس، المبعوث الأممي السابق إلى السودان، إن النجاحات العسكرية الأخيرة التي حققها الجيش السوداني سوف "ترغم قوات الدعم السريع على الانسحاب إلى معقلها في إقليم دارفور غرب البلاد". وأوضح في تصريح لوكالة أسوشيتد برس "لقد حقق الجيش نصرا مهما وكبيرا في الخرطوم، عسكريا وسياسيا، وسيقوم قريبا بتطهير العاصمة والمناطق المحيطة بها من الدعم السريع".
ولكن التقدم لا يعني نهاية الحرب حيث تسيطر هذه القوات على أراض في منطقة دارفور الغربية وأماكن أخرى.
وأضاف بيرتس "ستقتصر قوات الدعم السريع إلى حد كبير على دارفور. سنعود إلى أوائل العقد الأول من القرن الـ21″، في إشارة إلى الصراع بين الجماعات المتمردة وحكومة الخرطوم، في عهد الرئيس السابق عمر البشير.
كرّ وفرّ
بدوره، يرجح الباحث والخبير العسكري سالم عبد الله أن فقدان قوات الدعم السريع وسط السودان، سيدفعها إلى الاستماتة في الدفاع عن مواقعها في ولايات كردفان ودارفور لضمان بقائها في المشهد السياسي والعسكري، وخلق استقرار في مناطق سيطرتها لتشكيل حكومة موازية مع حلفائها الجدد يتيح لها تقديم نفسها في صورة جديدة بعد ما ارتكبته من انتهاكات في ولايات وسط البلاد.
ووفقا لحديث الخبير للجزيرة نت، فإن معلومات تفيد بأن هذه القوات "استقدمت خلال الأسابيع الماضية مقاتلين تابعين لها كانوا في اليمن وليبيا ومرتزقة جددا للزج بهم في الحرب للسيطرة على الفاشر".
وبرأيه، فإن الدعم السريع تسعى بهذه الخطوة إلى ضخ روح جديدة بعد تدمير قوتها الصلبة خلال معارك ولاية الخرطوم، وضمان استمرار الدعم العسكري الخارجي، وتجنيب قيادتها تحميلها مسؤولية أخطاء الفترة السابقة، و"دائما يدفع القادة ثمنا غاليا وربما يفقدون حياتهم في حال خسروا الحروب".
من جهته، يقول مسؤول في المكتب الإعلامي لقوات الدعم السريع للجزيرة نت إن "الحرب كر وفر، وإنهم خسروا معارك ولم يخسروا الحرب".
ويوضح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أنهم لا يزالون يحتفظون بمكاسب عسكرية في وسط السودان وغربه وستكون هناك مفاجآت خلال الفترة المقبلة.