الإنترنت في حال بدء الحرب.. أمن قومي يُمنع المساس به؟
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
يتربع الإنترنت على عرش القطاعات ويتقاسم الأولوية مع بعضها الآخر لناحية حساسيته وأهميته. والخوف من عدم القدرة على استعماله في حال بدء الحرب التي تهدد إسرائيل من خلالها بإبادة الحياة في لبنان باتت نقطة أساسية نظرًا إلى ارتباطه بأغلب القطاعات الأخرى.
منذ بدء الحرب على غزة، برزت تهديدات قطع كابلات الإنترنت من قبل الحوثيين، الذين هددوا مرارًا وتكرارًا باستهدافها وقطع ما نسبته 99% من الإتصالات العابرة للقارات التي تمر عبر الكابلات البحرية.
صعب لكن ممكن
محللون وباحثون حول العالم أكّدوا أن ليس للحوثيين فقط القدرة على الوصول إلى الكابلات البحرية إنّما قطعها أيضا واستهدافها، خاصة وأن الكابلات المتواجدة في هذه المنطقة هي مسؤولة عن 17% من مجمل حركة الإنترنت، عدا الإتصالات، وهذا ما يعني تعطيل قطاع التجارة والأعمال والبنوك في نقطة حيوية بين آسيا وأوروبا.
فبالعودة إلى العام 2021، إبّان تعرّض كبل بالقرب من استراليا للتلف، استغرق آنذاك إصلاحه قرابة الأسبوعين، إلا أن الوضع اليوم مختلف، إذ في حال قام الحوثي باستهداف الكابلات البحرية فإن أمر الإصلاح لن يتم إلا بموافقتهم، نسبة إلى أن هؤلاء قادرون على استهداف سفن الإصلاح التي ستصل إلى الموقع، فكما تم إغراق واستهداف أكثر من سفينة تجارية في البحر الأحمر، فإنّ سفن إصلاح الكابلات لن تكون هدفا صعبا على الحوثيين، وبإمكانها بالتالي منع اقتراب أي سفينة. ومن هنا تتجلى خطورة هذه الخطوة بتأثير مباشر على الإتصالات، خاصة العسكرية والأمنية الإستراتيجية، إذ تعتبر هذه الكابلات طريق تمرير البيانات التي تؤسس للعمليات وتُخطر في الوقت نفسه بالخطر.
أمن قومي لبناني
محليًا، وصّف الخبراء والمسؤولون الإنترنت في لبنان بقضية الأمن القومي، أي بمعنى أي استهداف لأي مصدر للإنترنت يؤدي إلى قطعه عن لبنان من دون أن تتأثر الدول التي تستفيد من الخدمة، يشير لمنحى خطير قد يطيح بكافة القطاعات، بدءًا من المؤسسات الأمنية، وصولاً إلى المستشفيات والبنوك، وغيرها من القطاعات التي تعتمد على الخدمة بشكلٍ كليّ.
من هنا، يتخوف المسؤولون من سيناريو استهداف كابلات البحر القبرصية من قبل إسرائيل، وبالتالي، تعطيل كافة السنترالات، ما يعني أنّ لبنان سينقطع عن العالم.
عمليًا، وزارة الإتصالات وهيئة أوجيرو تحركتا على الأرض حيث تم وضع خطط لتدارك أي عملية استهداف، إلا أنّ هذه الخطط تؤكّد معلومات "لبنان24" أنّها لن يكون لديها القدرة على تغطية لبنان بشكل كامل، بمعنى أن هذه الخطط قد تشمل فقط القطاعات الأساسية مثل المستشفيات والجيش والقوى الأمنية والوزارات، بالاضافة إلى شمل الدفاع المدني والصليب الأحمر والطواقم الطبية نظرًا إلى دورهم المهم على الأرض.
وزارة الإتصالات تتحضر
بالتوازي، لا تخفي مصادر وزارة الإتصالات خشيتها من استهداف الإنترنت في لبنان، وفي هذا السياق علم "لبنان24" أنّ الوزارة أعدّت خطة تهدف من ورائها إلى ضمان استمرار الخدمة خاصة في القطاعات الحيوية.
من هنا، تؤكّد هذه المصادر أن الخطة لن يتم الإفصاح عنها، وهناك عدد معين من الأشخاص يعلمون بتفاصيلها ومن غير الممكن أن تتسرب ضمانًا لتنفيذها في حال تَوقف الإنترنت.
وتضيف المصادر لـ"لبنان24" أنّه بالنسبة إلى المستشفيات، ونظرًا لحساسية دورها، فقد أمّنت وزارة الإتصالات إجراءً خاصًا لها، يضمن استمرار حصولها على الإنترنت بشكل مستمر. وأكملت المصادر:" في حال حصول أي ضربة على الإنترنت فإن الوزارة أمّنت طريقة للمستشفيات لحصولها على الخدمة، وهذه الطريقة ليست طريقة تقليدية. كما تعمل شركتا ألفا وتاتش بالاضافة إلى هيئة أوجيرو على خطط أخرى لضمان تسهيل الوصول إلى الإنترنت".
ماذا عن ستارلينك؟
على الأرض، لبنان في الوقت الحالي يرتبط بثلاث شبكات رئيسية، واحدة منها واسمها "قدموس2" تعتبر الأهم، وتتحمل الضغط الأكبر، إذ إنّ هذا المركز يصل لبنان بقبرص.
أما عن مشروع الحصول على الإنترنت من شركة "ستارلينك" فقد أشارت مصادر وزارة الإتصالات إلى أن هذا الموضوع في الوقت الحالي مجمّد.
وتشرح المصادر لـ"لبنان24" أسباب توقف المشروع، إذ تشير إلى أنّ الوزارة كانت قد تقدمت لمجلس الوزراء بطلب للتعاقد مع الشركة، إلا أن المجلس رفض، ولكن وزارة الإتصالات استمرت بعقد اجتماعاتها مع الشركة بالإضافة إلى جهات أمنية، حيث طلب الأمنيون من ستارلينك معلومات وبيانات "Destination IP"، وهذا ما لم تؤمنه شركة ستارلينك، علمًا أن وزير الإتصالات جوني القرم يؤيد تطوير الإنترنت، وهو مع تنفيذ المشروع، إذ لا يمكن للوزارة أن تقف في وجه التطور أو يتم عزل لبنان عن العالم.
وتوضح المصادر أنّه في الوقت الحالي من اللازم أن يتوفر للبنان الإنترنت البديل الذي يحل مكان الطرق التقليدية، ومن هنا تشير المعلومات إلى أنّه وعلى الرغم من عدم إتمام المشروع فإنّ الوزير القرم حسّن الإجراءات وحاول تطوير الإنترنت أكثر، بالاضافة إلى الخطة البديلة التي تم وضعها، حيث أعطى تعليمات واضحة لشركتي ألفا وتاتش، بالاضافة إلى هيئة أوجيرو للسير بالمعطيات والخطة التي تم وضعها تحسبا لأي طارئ. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: وزارة الإتصالات بالاضافة إلى فی الوقت فی حال من هنا إلى أن
إقرأ أيضاً:
يا ليت قومي يعلمون!
د. محمد بن عوض المشيخي **
عند ما تسوقك الأقدار الإلهية لأن تكون مصدرًا للحكمة والإنصاف وحفظ حقوق الغير، والحكم بين الأطراف المتخاصمة بالعدل لحقن دماء الأبرياء والوصول إلى حلول منطقية بين الدول والحكومات؛ بل لجميع مكونات المجتمع بدون تمييز أو محاباة لطرف على حساب طرف آخر، فتلك قمَّة التفوق والفوز على المصالح الشخصية والغرائز الذاتية والأنانية والانتهازية، والأهم من ذلك كله هو عند ما تملك نظرة ثاقبة واستقراء لمُستقبل الوطن؛ بل الإقليم بكامله، وتكون الدرع الواقي للجميع والمظلة التي تُغطي بظلالها الأشقاء والجيران، وتعمل بلا كلل أو انقطاع لتجنيب شعوب المنطقة الحروب المدمرة التي تأكل الأخضر واليابس وتقضي على البشر والحجر والبيئة، والأهم من ذلك عند ما تحظى بالقبول والثقة من كل الأطراف المتنازعة.
من هذه المقدمة يتجلَّى لنا بوضوح دور سلطنة عُمان ومواقفها الثابتة في السياسة الدولية، بداية من دول الجوار ومرورًا بالدول العربية ووصولًا إلى العالم من حولنا.
قبل عقد من الزمن كانت مسقط محطة رئيسة للدول الكبرى الخمسة وإيران (مجموعة 5+1)؛ بهدف الوصول إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني وتمكين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الإشراف والتفتيش على المفاعلات الذرية الإيرانية الخمسة عشرة، والهدف الأسمى من ذلك هو تجنب الأخطار المحدقة بتلك المحطات النووية ومنع أي تسريبات وإشعاعات شبيهة بما حصل في ثمانينات القرن الماضي في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق مثل مفاعل "تشيرنوبيل"، لكون ذلك إذا ما حصل سوف تكون له آثار كارثية على السكان في المدن الخليجية في الضفة الغربية من الخليج العربي. وهدفت سلطنة عُمان من احتضانها لمجموعة (5+1) إلى العمل بجهد مضاعف لكي تبقى منطقة الخليج بعيدة عن الأسلحة النووية التي تشكل أكبر تحدٍ للإنسانية كما حصل في اليابان من إبادة جماعية للمدنيين من الجيش الأمريكي، وذلك في منتصف القرن الماضي.
وعلى الرغم من النوايا الحسنة للسلطنة حكومة وشعبا، ومواقفها العروبية التي لا يمكن لأحد أن يزايد عليها والتي تسجل بماء من الذهب عبر تاريخها الطويل، بداية بنجدة الأشقاء في اليمن في عهد اليعاربة وتحديدا جزيرة سقطرة التي احتلها الفرنج والأحباش وعاثوا فيها فسادًا؛ مرورًا بالإمام المؤسس أحمد بن سعيد البوسعيدي الذي أرسل ابنه هلال على رأس إسطول بحري لكسر حصار الفرس على البصرة العراقية، وصولًا إلى الموقف الشجاع للعُمانيين من الإبادة الجماعية في قطاع غزة، إلّا أن هناك من الذين يزعمون جهلًا وزورًا بأن عُمان أقرب للمحور الإيراني على حساب الأشقاء العرب الذين تربطنا بهم علاقة الدم واللغة والثقافة والمصير المشترك عبر الأزمان.
الحقيقة الغائبة عن هؤلاء المُهرِّجين والمُراهقين بعلم السياسة والدبلوماسية والذين يتجاهلون حقيقة مواقف السلطنة ومبادئها التي لا يُمكن أن تتزعزع عنها، مهما ارتفعت أصوات الطُغاة والمُستبدين الذين يتشبثون بالأكاذيب والابتزاز الرخيص لهذا البلد العظيم الشامخ بشعبه الوفي وقيادته القوية التي لا تخاف في الحق لومة لائم.
من هنا، تقف عُمان قلعةً عصيَّةً على الأعداء، داحضةً بذلك وبكل ثقة كل الحملات الدعائية التي تستهدف التأثير على الرأي العام العُماني؛ بسبب مواقف الحكومة المتعلقة بالقرارات السيادية للسلطنة، والمتمثلة في مساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في إقامة دولته حسب القرارات الدولية، وقبل ذلك رفض المشاركة في حرب اليمن، والمحافظة على علاقة متوازنة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لوجود جيرة وحدود مشتركة بين البلدين، وعلى وجه الخصوص مضيق هرمز الذي يُعد الشريان الحيوي للطاقة العالمية.
في هذه الأيام، تعود التهديدات الأمريكية على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستهداف المنشآت الإيرانية النووية على ضفة الخليج الشرقية؛ بهدف التخويف، وإجبار دول المنطقة جميعًا على تقديم تنازلات ومكافآت للحكومتين الصهيونية والأمريكية، والتخلي عن المقاومة الفلسطينية وفتح الطريق لـ"صفقة القرن" مجددًا. من هنا، يتذكر البعض نظرة سلطنة عُمان الثاقبة لأمن الخليج والمخاطر من العربدة الغاشمة لبعض الدول التي تفتقد إلى الحكمة؛ وهو ما أكدته تصريحات رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني عندما قال إنَّ أي هجوم على منشآت نووية إيرانية مقامة على سواحل الخليج، من شأنه أن يحرم المنطقة من المياه. وأضاف- خلال حديثه قبل أسبوعين فقط للإعلامي الأمريكي اليميني تاكر كارلسون-: "إن البحر سيصبح مُلوثًا بالكامل وإن قطر ستشهد نفادًا للمياه خلال ثلاثة أيام فقط". وبالفعل هذا الذي سوف يحصل في المدن الخليجية المُطلَّة على شواطئ الخليج العربي في حالة استهداف المفاعلات النووية الإيرانية. والأهم من ذلك هو أن أسعار النفط إذا ما وقعت الضربة المزعومة سوف تتجاوز سقف 300 دولار أمريكي للبرميل، والخاسر الأكبر هو ترامب والغرب؛ خاصة إذا تمَّ إغلاق الممرات المائية الدولية في المنطقة بفعلِ فاعلٍ.
وفي الختام.. هناك تحدٍ وجودي يواجه الأُمَّة اليوم، ولا يُمكن الانتصار على المؤامرات التي تُحاك خلف الكواليس إلّا بالوقوف صفًا واحدًا حكومةً وشعبًا أمام الأعداء الذين يُرددون التهديدات المُبيَّتة. ولذا مهما تكن التحديات التي تواجهنا في هذه المرحلة، علينا أن نفتخر جميعًا بما تحقق على تراب هذا الوطن الغالي من إنجازات، في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من ظفار جنوبًا إلى مسندم شمالًا. ولعل أهم هذه الإنجازات على الإطلاق: الوحدة الوطنية التي أزعم أنها واحدة من أفضل النماذج العربية من المحيط إلى الخليج؛ فعُمان أمانة في رقابنا جميعًا، فلنحافظ عليها من الأعداء الذين يهدفون إلى العبث بالأمن الوطني.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصر