تبريد الأرض.. جدل بشأن حجب الشمس بجزيئات الكبريت
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
شهد العالم الشهر الماضي درجات هي الأكثر ارتفاعا على الإطلاق منذ بدء تسجيل بيانات المناخ عام 1940.
ومع تعثر الجهود الرامية للوفاء بالتزامات اتفاقية باريس لعام 2015 للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين، وإذا أمكن خفضها إلى 1,5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، تثير أفكار معينة بشأن تبريد الكوكب بشكل اصطناعي جدلا واهتماما ملحوظين.
إحدى هذه الأفكار تتمثل في خفض درجات الحرارة العالمية من خلال تظليل الكوكب بشكل فعال، أو تعديل الإشعاع الشمسي، وهي العملية المعروفة باسم "الهندسة الجيولوجية الشمسية" أو "هندسة المناخ"، على الأقل كإجراء مؤقت إلى أن يتم تقليل تركيزات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي.
وفي عام 2022، بدأت شركة ناشئة مقرها كاليفورنيا تسمى "ميك سانسيتس" في إطلاق بالونات مليئة بجزيئات الكبريت في الغلاف الجوي العلوي، حتى تساعد على تبريد الكوكب عن طريق عكس اتجاه ضوء الشمس القادم إلى الأرض.
تتمثل الفكرة في إضافة الهباء الجوي عن قصد إلى طبقة الستراتوسفير لتعكس بعض أشعة الشمس. وتخطط بعض المشاريع لضخ مليارات من جزيئات الكبريت في الطبقة العليا من الغلاف الجوي.
وجذبت هذه العملية الأنظار لأسباب منها الاعتقاد أنها من بين أرخص الأساليب وأقلها تعقيدا.
لكن في المقابل، تثير هذه الفكرة كثيرا من الجدل، بل إن الأمم المتحدة ومؤسسات دولية والاستخبارات الأميركية حذرت من خطورتها أو تطبيقها بشكل أحادي.
فمن شأن هذه العملية أن تحاكي ما لوحظ حدوثه عندما ثار بركان جبل بيناتوبو في الفلبين في عام 1991، حيث أدى التأثير الإشعاعي للجسيمات والهباء الذي تم إطلاقه إلى إنهاء عدة سنوات من ارتفاع درجات حرارة سطح الأريض على مستوى العالم، وتبريد الكوكب بمقدار 0.4 درجة مئوية خلال العامين التاليين.
لكن في الوقت ذاته، أدى التأثير المشترك للجسيمات البركانية والكلور التفاعلي الناتج عن أنشطة الإنسان إلى انخفاض مستويات الأوزون في طبقة الستراتوسفير إلى مستويات غير مسبوقة، بحسب دراسة نشرت في مجلة "نيتشر".
أي أنه على الرغم من أن حقن الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير قد يساعد فعلا في مواجهة بعض ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، فإن هذه العملية قد تعطل أيضا أنماط الطقس والمناخ العالمية، مما يخلق عواقب غير مقصودة وخطيرة على الكوكب بأكمله.
وحذر جون بايل الرئيس المشارك للجنة العلمية التي تعمل في مجال الأوزون لحساب الأمم المتحدة من أن ضخ الجسيمات في الغلاف الجوي "يمكن أن يؤدي إلى انخفاض خطير في مستوى الأوزون"، مضيفا أن "هناك الكثير من الشكوك".
وأشارت دراسة نشرت مجلة "تطوير علوم الأرض والفضاء" في 2018، من أنه إذا تم نشر الهندسة الجيولوجية الشمسية بحيث يتم إبطاء الانحباس الحراري العالمي، ثم توقف فجأة، فسيكون هناك ارتفاع سريع ومدمر في درجات الحرارة، وهو ما وصفته بـ"صدمة الإنهاء" التي سيكون لها تأثيرات وعواقب خطيرة.
ما يثير القلق أنه ليس هناك قانون دولي يحكم هذه العملية ويمنع الدول أو حتى الجهات الفاعلة غير الحكومية أو الشركات الناشئة الطموحة من تطبيقها على نطاق واسع بشكل أحادي، مما قد يؤدي إلى مخاطر نشوب صراع إذ قد تلجأ بعض الدول إلى القوة العسكرية لمنع ما تراه عبثا خطيرا بمناخ العالم.
التحكم في الإشعاع الشمسيوقبل أسابيع من مؤتمر الأطراف المناخي (كوب26) الذي عقد في غلاسغو في أوائل نوفمبر 2021، حذرت الاستخبارات الأميركية في تقرير من أن "توتر الأوضاع الجيوسياسية سيتفاقم لأنه ستحدث خلافات بين الدول حول طريقة تقليص انبعاثات غازات الدفيئة لتحقيق أهداف اتفاق باريس".
وأضاف التقرير الذي تضمن خلاصة تحقيقات مجمل أجهزة الاستخبارات الأميركية أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي "يزيد أساسا المنافسة الاستراتيجية للوصول إلى موارده الطبيعية".
وفي أماكن أخرى ومع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الحالات القصوى لتقلبات الطقس "هناك خطر متزايد لحدوث نزاعات على المياه والهجرة خصوصا بعد العام 2030"، حسب التقرير.
وأضافت الاستخبارات أن معظم البلدان "ستواجه خيارات اقتصادية صعبة وستعتمد على الأرجح على التقدم التكنولوجي لتقليل انبعاثاتها بسرعة، لكن في وقت لاحق"، محذرة من أن تقنيات الهندسة الجيولوجية التي تهدف إلى التلاعب بالمناخ والبيئة وتغييرهما قد تكون هي الأخرى مصدرا آخر للنزاع.
وبذلك يمكن لأي دولة أن "تختبر بشكل أحادي أو حتى تنشر تقنيات الطاقة الشمسية على نطاق واسع لمواجهة آثار تغير المناخ إذا اعتبرت أن الجهود الأخرى للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1,5 درجة مئوية قد فشلت"، كما أوضحت الاستخبارات.
وتابعت "بدون اتفاق دولي حول هذه التقنيات نعتبر أن مثل هذا الجهد الأحادي من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية".
وقال التقرير إنه بعد العام 2040، ستكون أقل البلدان نموا هي الأقل قدرة على التكيف مع تغير المناخ ما سيزيد من خطر عدم الاستقرار أو حتى حرب أهلية في هذه البلدان.
وحددت الاستخبارات في تقريرها 11 دولة تعتبر معرضة للخطر بشكل خاص هي أفغانستان وبورما والهند وباكستان وكوريا الشمالية وغواتيمالا وهايتي وهندوراس ونيكاراغوا وكولومبيا والعراق.
ولا تزال المحادثات حول الهندسة الجيولوجية لمناخ المحيطات والتكنولوجيا والحوكمة جديدة نسبيا، حيث تعمل الحكومات والنشطاء وأصحاب المصلحة في جميع أنحاء العالم على فهم الفروق الدقيقة، بحسب مؤسسة "ذا أوشن فاونديشن".
وتشير المؤسسة إلى أن "الهندسة الجيولوجية للمناخ" تقدم وعودا مغرية، ولكنها تشكل تهديدات حقيقية إذا لم نأخذ في الاعتبار آثارها طويلة المدى، وإمكانية التحقق، وقابلية التوسع، والإنصاف".
ويرى تقرير لمجلة "فورين أفيرز" الأربعاء، أنه "من خلال إرساء قواعد واضحة، وووضع آليات التنفيذ في ما يتصل بالهندسة الجيولوجية الشمسية، تستطيع الدول أن تساعد في ضمان أن أي جهود مستقبلية في مجال الهندسة الجيولوجية الشمسية تتم بالتعاون مع المجتمع الدولي تحت إشراف دولي وليس بشكل فوضوي وخطير من خلال العمل من جانب واحد"، معتبرة أنه "قد يعتمد استقرار المناخ العالمي وربما السلام والأمن الدوليين على ذلك".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: درجات الحرارة ارتفاع درجات الغلاف الجوی هذه العملیة
إقرأ أيضاً:
ارتفاع درجة الحرارة ١,٥ مئوية ستجلب ضرراً لا يمكن اصلاحه
من الواضح أن العالم سوف يتجاوز هدف 1.5 درجة مئوية للاحتباس الحراري العالمي، مما يؤدي إلى زيادة التركيز على الخطط الرامية إلى تبريده مرة أخرى عن طريق إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. ولكن لا يوجد ما يضمن أننا سوف نكون قادرين على تحقيق هذا الهدف. وحتى لو تمكنا من ذلك، فإن بعض التغييرات لا يمكن إرجاعها.
يقول جويري روجيلج من جامعة (إمبريال كوليدج لندن): «لا يمكننا إرجاع الموتى إلى الحياة». ويحذر هو وزملاؤه بعد دراسة سيناريوهات «التجاوز» من ضرورة التركيز على خفض الانبعاثات بشكل عاجل الآن للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
وفقًا لدراسة روجيلج وزملائه المنشورة في مجلة (نايتشر) على هذا الرابط (doi.org/nmxw )، هناك ما لا يقل عن خمس مشاكل كبيرة في فكرة تجاوز درجة حرارة المناخ ثم تبريد الكوكب مرة أخرى: المشكلة الأولى هي أن العديد من هذه السيناريوهات تعطي صورة مضللة عن الشكوك والمخاطر التي تنطوي عليها.
على سبيل المثال، نظرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها الرئيسي الأخير في سيناريو تجاوز الحد الذي قد يصل فيه العالم إلى 1.6 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول منتصف القرن، أي ما يزيد بمقدار 0.1 درجة مئوية فقط عن الحد الذي حددته اتفاقية باريس. ولكن بسبب الشكوك بشأن كيفية تغير درجات الحرارة العالمية، استجابة لكمية معينة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فإن مستوى الانبعاثات المفترض في هذا السيناريو قد يؤدي إلى أي شيء يصل إلى 3.1 درجة مئوية من الاحتباس.
يقول روجيلج: «بالنسبة لنفس مستويات الانبعاثات، فإن احتمالات أن يتجاوز الاحتباس العالمي درجتين مئويتين ستكون حوالي واحد من كل عشرة. واحتمالات التهديد الوجودي المحتملة بنسبة واحد من كل عشرة ليست ضئيلة».
المشكلة الثانية هي أنه لا يوجد ما يضمن توقف ظاهرة الاحتباس الحراري حتى لو توقفنا عن إضافة ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، والوصول إلى ما يسمى بالانبعاثات الصفرية الصافية.
على سبيل المثال، قد يؤدي الاحتباس الحراري العالمي إلى تفعيل تأثيرات ردود فعل إيجابية أقوى من المتوقع، مما يؤدي إلى انبعاثات كربونية أكبر من المتوقع من مصادر مثل الخث والتربة الصقيعية. وقد يؤدي هذا إلى زيادات إضافية في درجات الحرارة العالمية حتى بعد تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية.
وعلاوة على ذلك، يتطلب تحقيق صافي الصفر إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي؛ لأن بعض الأنشطة، مثل الزراعة، قد لا تكون هناك وسيلة لخفض الانبعاثات إلى الصفر. ولكن قد لا تكون هناك وسيلة ميسورة التكلفة لإزالة كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للتعويض.
إن البشرية تخاطر بشكل متهور بتجاوز تغير المناخ الخطير.
وهذه هي أيضا المشكلة الكبرى الثالثة المرتبطة بسيناريوهات تجاوز الانبعاثات. إذ يتطلب تبريد الكوكب بعد الوصول إلى الصفر الصافي إزالة كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يتجاوز ما هو مطلوب ببساطة للحفاظ على الصفر الصافي.
وحتى لو أمكن تطوير التكنولوجيا اللازمة لتحقيق هذه الغاية، فقد تحجم الحكومات عن ذلك على حساب شيء لن يعود بأي فائدة، على الأقل في الأمد القريب. ويقول روجيلج: «في أغلب الأحوال، الفائدة الوحيدة المترتبة على إزالة ثاني أكسيد الكربون هي إزالة الكربون. ولكن بخلاف ذلك فإنها تستهلك الطاقة، وتكلف المال، وتتطلب استثمارا وتخطيطا طويل الأجل».
والمشكلة الرابعة هي أنه حتى لو تمكنا من إزالة ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون لإعادة درجات الحرارة إلى الانخفاض مرة أخرى، فسوف يستغرق الأمر عقوداً من الزمن، كما يقول كارل فريدريش شلوسنر، عضو الفريق في المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية في مدينة لاكسنبورج، النمسا. وهذا يعني أننا سوف نضطر إلى التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة طالما استمرت.
ولكن كما أشار التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن التكيف مع التغيرات التي حدثت حتى الآن أثبت أنه أكثر صعوبة مما كان متوقعا. ويقول شلاوسنر: «إننا نثق في قدرتنا على التكيف مع تجاوز درجات الحرارة».
المسألة الخامسة هي أن إعادة درجات الحرارة إلى مستوياتها الطبيعية لن تؤدي إلى عكس كل التغيرات. فإذا مات المزيد من الناس في ظل الظواهر الجوية المتطرفة أو بسبب المجاعة بعد فشل زراعة المحاصيل، فلن يكون هناك أي سبيل إلى إعادتهم إلى حالتهم الطبيعية