عبد الباري عطوان: كيف يحاول نتنياهو دفع العالم نحو حرب عالمية جديدة؟ تفاصيل البيان الخماسي والرد الإيراني
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
الجديد برس: بقلم/ عبد الباري عطوان
لم يُفاجئنا البيان الخُماسيّ المُشترك الذي صدر عن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا مساء الاثنين، يُطالب، بل “يأمُر” إيران بعدم التّصعيد، والتّراجع على تهديداتها المُتواصلة بشنّ هُجوم عسكري على دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويُهدّد بشكلٍ مُباشرٍ بالرّد على هذا الهُجوم تحت ذريعة حماية إسرائيل، فمن الواضح أنّ هذه الدّول التي تُشكّل النّواة الصّلبة لحِلف النّاتو تُوفّر علنًا الغِطاء العسكري والسياسي لكُلّ الجرائم الإسرائيليّة، وانتهاكاتها للقانون الدولي، وبِما يُشجّعها للمُضيّ قُدُمًا في حرب الإبادة التي تخوضها حَـاليًّا في قطاع غزة وأدّت حتّى الآن إلى استشهاد 40 ألفًا وإصابة مئة ألف آخرين، النّسبة الأكبر منهم من الأطفال.
ما يُؤكّـد ما قُلناه آنفًا، إرسال الولايات المتحدة حاملة طائرات أمريكيّة (لينكولن) وغوّاصة بصواريخٍ نوويّة لتنضمّ إلى حاملة الطّائرات آيزنهاور في شرق المتوسّط، علاوةً على 14 ألف قنبلة “عِملاقة” بأوزانٍ تتراوح بين 2000 رطل إلى 500 رطل في خطوةِ ترهيبٍ، واستعدادا لدعمِ أي هُجومٍ إسرائيليٍّ ضدّ إيران ومُنشآتها النوويّة كَرَدٍّ على الرّد.
نتنياهو المهزوم يسعى إلى حربٍ عالميّةٍ ثالثة يُورّط فيها الغرب، ويعتبر طُوفان الأقصى الذي دمّـر هيبة كيانه وجيشه، بمثابة هُجوم على غِرار الياباني “بيرل هاربر” أَو نظيره الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولهذا سارع إلى انتهاك السّيادة الإيرانيّة بطريقةٍ استفزازيّةٍ مدروسةٍ باغتيال الشّهيد إسماعيل هنية في قلبِ العاصمة طِهران (كان أسهل عليه اغتياله في قطر أَو لبنان، أَو حتّى إسطنبول) لاستفزاز إيران، ودفعها إلى الرّد القاسي الذي يرتقي إلى مُستوى هذا العُدوان، دِفاعًا عن كرامتها وهيبتها، وبما يُؤدّي إلى حربٍ إقليميّةٍ قد تتطوّر إلى حربٍ عالميّةٍ يخوضها الغرب بقيادة أمريكا تحت ذريعة حماية كيانه.
نتنياهو هو العقل المُفكّر والمُحرّض الرئيسي للعُدوان الأمريكي على العِراق واحتلاله وتفكيكه، ومنعه من التحوّل إلى قوّةٍ إقليميّة، والذّريعة منعه من امتلاك أسلحة دمار شامل من بينها السّلاح النووي، والآن يُريد تِكرار السّيناريو نفسه ضدّ إيران، وللذّرائع نفسها، ولعلّ البيان الخُماسي الأُورُوبي- الأمريكي المُشترك الذي ذكرناه في بداية هذا المقال هو المُؤشّر الأولي على نجاح مخطّطه التّوريطي الذي يسعى إليه، وروّج له في خِطابه الذي ألقاهُ أخيرًا في الكونغرس الأمريكي عندما قدّم نفسه مُقاتلًا باسم الحضارة الغربيّة ضدّ الهمجيّة العربيّة والإسلاميّة لحماية الغرب، دفاعًا عنه، ومُصالحه، ولهذا فالمُساعدات العسكريّة الأمريكيّة المُتطوّرة ليست لحماية “إسرائيل”، وإنّما الغرب ومصالحه، ولا ننْسَ أَيْـضاً أنّ نتنياهو هو الذي حرّض ترامب على إلغاء الاتّفاق النوويّ مع إيران.
قمّة الوقاحة أنْ تُطالب الدّول الخمس إيران بوقف التّصعيد، وعدم الدّفاع عن كرامتها وسِيادتها، ولا توجّـه كلمة لوم واحدة لنتنياهو الذي فجّر هذه الأزمة مُتَعَمّدًا، باغتيال مُخابراته للشّهيدين هنية في طِهران، والسيّد فؤاد شكر قائد قوّات حزب الله في قلب الضّاحية الجنوبيّة معقل حزب الله في بيروت، وهذه الوقاحة يجب أنْ لا تظلّ دون ردٍّ قويٍّ يُؤدّي إلى وضعِ حَــدّ لهذه الغطرسة والاستكبار مهما كانَ الثّمن، خَاصَّة أنّ أمريكا ليست عصيّةً على الهزائم، وخسرت جميع حُروبها في الشّرق الأوسط، ابتداءً مِن أفغانستان وانتهاء بالعِراق.
السيّد ناصر كنعاني المتحدّث باسم الخارجيّة الإيرانيّة كانَ مُصيبًا وعلى قدر المسؤوليّة، عندما ردّ على هذا الاستكبار الغربيّ برئاسة أمريكا وبيانه الخُماسي الاستفزازيّ عندما قال “إنّ الجمهوريّة الإسلاميّة مُصمّمة على الدّفاع عن سِيادتها، ولا تطلب الإذن من أي كان لمُمارسة حُقوقها المشروعة في الرّد” وَأَضَـافَ “أنّ الطّلب الغربيّ يفتقر إلى المنطق السياسيّ ويتناقض مع مبادئ وأحكام القانون الدوليّ ويُشكّل دعمًا علنيًّا وعمليًّا لإسرائيل” وندّد بهذا الإعلان الذي لا يتضمّن أي مأخذٍ على الجرائم الدوليّة التي يرتكبها النّظام الصّهيونيّ، ويطلب بوقاحةٍ من إيران عدم الرّد بشَكلٍ رادعٍ على من انتهك سيادتها”.
هذا الموقف الإيراني الذي يتمسّك بحقّ الدّفاع بكُل السُّبُل والوسائل المُمكنة عن كرامةِ بلاده وسيادتها في وجه “العُدوانات” الإسرائيليّة، قديمها وجديدها، إذَا تُرجم عمليًّا بردٍّ قويٍّ، يستحقّ الدّعم عن كُـلّ العرب والمُسلمين، ووضع أية خلافات حقيقيّة أَو مُفتعلة جانبًا، فإيران تُواجه هذه التّهديدات الأمريكيّة، والغربيّة؛ بسَببِ دعمها للمُقاومة ضدّ الاحتلال بأذرعها كافّة، عربيّة وفِلسطينيّة، وعلينا أنْ نتذكّر بأنّ المُجاهد الشّهيد إسماعيل هنية الذي اغتيل على أرضها هو رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” التي أوقعت كتائب قسّامها وفصائل المُقاومة الأُخرى أكبر هزيمة في تاريخ دولة الاحتلال تمثّلت في هُجومِ “طُوفان الأقصى”، والصّمود عشرة أشهر في وجْهِ حرب الإبادة الإسرائيليّة في قطاع غزة، وإلحاقِ خسائر ماديّة وبشريّة ضخمة وغير مسبوقة في تاريخ دولة الاحتلال القصير.
دولة الاحتلال هذه، هي التي تُريد الحرب، وهي الخطر الحقيقي على أمن المِنطقة واستقرارها بارتكابها المجازر في حقّ الأبرياء، وأمريكا الدّاعم الأكبر لهذه المجازر علانية، وفي وضحِ النّهار، ستكون الخاسِر الأكبر إذَا نجحت خطط نتنياهو في توريطها.. والأيّام بيننا.
المصدر: صحيفة رأي اليوم
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: دولة الاحتلال
إقرأ أيضاً:
لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة
يظلّ اليمن والتحولات التي شهدها، منذ خروج علي عبدالله صالح، من السلطة في فبراير (شباط) 2012، لغزاً كبيراً. زاد الوضع تعقيداً واللغز عمقاً منذ سيطرة الحوثيين، أي إيران، على صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) 2014.
يتصرف الحوثيون بطريقة توحي بأنّ مصير اليمنيين المقيمين في مناطقهم آخر همّ لديهم. المهم بالنسبة إلى هؤلاء، وإلى إشعار آخر، خدمة الأجندة الإيرانية والمشروع التوسعي الإيراني اللذين لا أفق سياسياً لهما من جهة وتأكيد أنّ «الجمهوريّة الإسلاميّة» باتت تمتلك موطئ قدم في شبه الجزيرة العربيّة من جهة أخرى.انشغل العالم طوال سنوات عمّا يفعله الحوثيون في مناطق سيطرتهم، أي شمال اليمن. لم يكن شمال اليمن يوماً، على العكس من جنوبه، موضع اهتمام دولي ذي طابع جدّي.
يستفيد الحوثيون، الذي يسمّون نفسهم «جماعة أنصار الله» والذين كانوا ومازالوا، على علاقة وثيقة قديمة جدّاً مع «حزب الله» في لبنان، من نقاط قوّة عدّة. في مقدّم هذه النقاط عدم وجود بنك أهداف لدى القوى الغربيّة والإقليمية التي تحاول التصدي لهم. لم تستفق هذه القوى على خطر الحوثيين سوى بعد أحداث غزّة التي بدأت في السابع من أكتوبر عندما قرّرت إيران زج هؤلاء في حروبها.
شنت «الجمهوريّة الإسلاميّة»، مباشرة بعد «طوفان الأقصى»، سلسلة من الحروب استهدفت منها توجيه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة. فحوى الرسالة أنّها تمتلك قرار توسيع الحرب التي بدأتها «حماس» والقدرة على ذلك... وأن المطلوب عقد صفقة معها تفادياً لجعل حرب غزّة تشمل المنطقة كلّها.
فشلت إيران في الحروب التي شنتها، لكنّ اللغز اليمني باقٍ على حاله. ارتدّت هذه الحروب الإيرانيّة على قطاع غزّة نفسه الذي دمرته الوحشية الإسرائيلية. في لبنان تلقّى «حزب الله» الذي فتح جبهة الجنوب ضربة قويّة لم يستفق منها بعد. لولا تلك الضربة، لكان الفراغ الرئاسي مستمرّاً، ولكانت رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة لاتزال رهينة لدى إيران. بكلام أوضح، لولا الضربة التي تلقاها «حزب الله»، لما كان قائد الجيش العماد جوزف عون، في قصر بعبدا الذي بقي شاغراً طوال سنتين وشهرين.
كان الفشل الإيراني الأكبر في سوريا التي كان النظام العلوي فيها برئاسة بشّار الأسد، مجرّد تابع لـ«الجمهورية الإسلاميّة». أمّا العراق، فقد سعى، أقلّه ظاهراً، إلى التملّص من السيطرة الإيرانية المباشرة أو غير المباشرة عن طريق ميليشيات «الحشد الشعبي». إنّّها ميليشيات يتحكّم بها بطريقة أو بأخرى «الحرس الثوري» الإيراني. من الآن إلى أن يخرج العراق من تحت الهيمنة الإيرانية، لابدّ من ملاحظة أنّ حماسة ميليشيات «الحشد الشعبي» لـ«إسناد غزّة» خفت كثيراً، بل باتت شبه معدومة.
لم يبق سوى جزء من اليمن يخوض منه الحوثيون آخر الحروب الإيرانية. سيأتي يوم تتوقف هذه الحرب أيضاً التي أضرّت بحركة الملاحة في البحر الأحمر والتي لم تلحق أذى يذكر بإسرائيل. كلّ ما في الأمر أن الخسائر الكبرى لحقت بمصر حيث هبط الدخل الذي كانت تؤمنه لها حركة الملاحة عبر قناة السويس. يبدو الخيار الوحيد أمام الحوثيين التراجع والسعي إلى صفقة ما تحافظ على وجود لهم في شمال اليمن الذي باتوا يعتبرونه مملكة خاصة بهم.
ليس غياب بنك الأهداف وحده الذي يجعل من الصعب القضاء على الحوثيين. هناك أيضاً طبيعة الأرض في اليمن التي تسمح للحوثيين بإخفاء ما لديهم من صواريخ في أماكن يصعب تحديدها بدقة. في النهاية، الأولوية بالنسبة إلى الحوثيين حكم منطقة محددة في اليمن والسيطرة على أهلها وتغيير طبيعة المجتمع في تلك المنطقة التي كانت تسيطر عليها القيم القبلية، وهي قيم تبقى راسخة في بلد مثل اليمن... ولابدّ من أن تعود إلى الحياة يوماً.
في مواجهة الوضع القائم، أي بقاء القرار في اليمن الشمالي في يد الحوثيين، سيعتمد الكثير على ما إذا كانت على الأرض اليمنية قوى محلّية مستعدة للتحرّك في مواجهة هؤلاء.
لا شكّ أنّ «الشرعية» اليمنية، بقيادة الدكتور رشاد العليمي، في حاجة إلى أخذ المبادرة، خصوصاً في حال قرّرت القوى الغربيّة التنسيق مع القوى المناهضة للحوثيين الموجودة على الأرض.
عاجلاً أم آجلاً، سيتغيّر الوضع في اليمن. يؤخّر ذلك أن العالم الغربي غير مستعد للذهاب بعيداً في مواجهة الحوثيين بطريقة فعالة. يدفع هذا العالم ثمن تهاونه مع «جماعة أنصار الله» وذلك منذ سنوات عدّة عندما منع سقوط ميناء الحديدة في العام 2018، وقرّر بدل ذلك عقد اتفاق ستوكهولم مع تلك الجماعة التي ليست سوى أداة إيرانيّة.
هل جاء دور التغيير في اليمن الآن بعدما اكتشف العالم خطأ استرضاء الحوثيين؟ الجواب أنّ العالم يستطيع الانتظار ما دام الأذى الذي تلحقه إيران، عبر أداتها اليمنية، لايزال محدوداً... وما دام الطرف الذي يعاني هو الشعب اليمني.
سيأتي دور اليمن والوجود الإيراني فيه يوماً. لا يبدو العالم الغربي في عجلة من أمره، خصوصاً أنّ اليمن الشمالي لم يهمّه يوماً... بل كان همّه دائماً في الجزء الجنوبي من البلد الذي لديه ساحل طويل يمتد من بحر العرب... إلى ميناء عدن وميناء المخا الذي يتحكّم بباب المندب مدخل البحر الأحمر وبالتالي قناة السويس!
يبقى أنّ الحاجة في كلّ وقت إلى التعاطي مع لغز يمني يتمثل في أهمّية الجنوب بالنسبة إلى العالم في مقابل العزلة النسبية التي عانى منها الشمال عبر التاريخ.