البرلمان الحائر: القوى السنية بين سحر الحلبوسي وسيوف الخنجر
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
15 أغسطس، 2024
بغداد/المسلة: في خضم المشهد السياسي العراقي المتوتر، برزت تسريبات تؤكد اتفاق ستة من القوى السنية على تسمية مرشح جديد لمنصب رئيس المجلس بدلاً من المرشحين السابقين.
وهذا التحرك يأتي في ظل دعم تحالفي “العزم” برئاسة مثنى السامرائي و”السيادة” برئاسة خميس الخنجر لترشيح محمود المشهداني، الذي يدعمه ائتلاف دولة القانون ايضا، مما يعكس تعقيد المشهد السني وتداخل المصالح بين مختلف الأطراف.
وفي هذا السياق، اتهم السياسي السني حيدر الملا، رئيس حزب “تقدم”، محمد الحلبوسي بالسعي إلى عرقلة انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب، مما يشير إلى تصاعد حدة التوترات الداخلية. كما وجه الملا انتقادات لاذعة لسياسيين آخرين داخل البيت السني، مشيراً إلى أن أحدهم يعتمد على التغريدات والإعلام المدفوع للتأثير على الرأي العام، بينما يسعى آخر لتقديم نفسه كمرشح من خلال الترويج لتعديل النظام الداخلي لمجلس النواب حيث تعكس هذه الاتهامات حالة الاستقطاب الشديدة التي تشهدها الساحة السياسية السنية.
و تأتي هذه التطورات في ظل ما يثار من أنباء عن سعي الحلبوسي للتحالف مع قوى شيعية مؤثرة، أبرزها “دولة القانون”، لتمرير مرشحه لمنصب رئيس مجلس النواب. غير أن خصوم الحلبوسي يحذرون من أنه في حال تحقيق هدفه، قد ينقلب على حلفائه الحاليين ويعيد ترتيب تحالفاته بما يخدم مصالحه الشخصية ويضمن استمرار نفوذه.
تحليل المشهد يشير إلى أن الحلبوسي، المعروف بقدراته على المناورة السياسية، قد يسعى إلى فتح باب الترشح من جديد لضمان بقاء السيطرة على المنصب من خلال مرشحه المفضل. هذه الخطوة قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الداخلية في البيت السني، وتزيد من احتمالية انقسام بين 55 نائباً يمثلون المكون السني.
ومع تصاعد الدعم لترشيح محمود المشهداني من قبل تحالفي “العزم” و”السيادة”، فإن الخيارات المتاحة تبدو محدودة. من جهة، قد تضطر القوى السنية إلى قبول هذا الترشيح لتجنب تصعيد الأزمة السياسية. من جهة أخرى، يبقى احتمال تخريب الجلسة واردًا، في حال استمرار الخلافات وعدم التوصل إلى توافق بشأن المرشح. كما أن سيناريو انقسام الكتلة السنية إلى مجموعات متنافسة يبدو مرجحاً إذا استمرت هذه الخلافات.
المشهد الحالي يعكس توازنات دقيقة وحساسة بين القوى السنية، التي تجد نفسها مضطرة للتعامل مع ضغوط سياسية داخلية وخارجية.
وإذا تمكن الحلبوسي من تمرير مرشحه، قد ينعكس ذلك على طبيعة التحالفات داخل البرلمان، ما قد يؤدي إلى تغييرات في المشهد السياسي العام. وفي المقابل، قد يشهد المشهد السني تحولات جوهرية إذا ما استمر الانقسام الحالي، وهو ما قد يؤثر على استقرار البرلمان وعملية صنع القرار.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: القوى السنیة
إقرأ أيضاً:
غرائبية المشهد في البيت الأبيض
وأنا أشاهد المشادة التي حدثت في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي لا أدري كيف برقت في ذهني تلك المشادات والتلاسن التي حصلت بين بعض الزعماء العرب في القمم العربية، وكان البطل الأوحد لتلك القمم الزعيم الليبي معمر القذافي فاكهة القمم ولذتها، رحمه الله، وكنا نتابع تلك القمم فقط لما قد يحدث بين الزعيم الليبي الذي يتفنن بطلّته وبين غيره من الزعماء، هذا ما كان يجذبنا لها. ذلك زمان ولّى ولن يعود، أما الآن قد تنعقد القمم دون حتى معرفة تاريخها فضلا عن مكانها، أصبح كل شيء لا يغري وفقد لذته.
تنبي التطورات الأخيرة والمتلاحقة بأن هذا العالم ليس إلا كتلة من القتامة واللامعقول ونزعة من السريالية غالبا ما تظهر عليه بين فترة وأخرى. ويبدو أنه ليس بالعجيب أن يلتقي اثنان من الممثلين، الأول ترامب الذي اتخذ من السمسرة والمقامرة جسرا يصله إلى البيت الأبيض وأسعفته موهبته البهلوانية إذ إنه يحسن استخدام الإعلام بحركاته التمثيلية لتحقيق مآربه وطموحاته اللامحدودة، وهو في الحقيقة ممثل بارع متقن للدور الذي يتقمصه مولع ومحب للإعلام والظهور بمظهر الرجل القوي الذي لا يقهر لذلك يجيد استخدام الإعلام في بث رسائله ونظرياته ومخاطبة ناخبيه وربّما يكون هذا هو السبب المباشر في ارتفاع شعبيته وجاذبية شخصيته أمام قاعدته الشعبية، التي قادته إلى البيت الأبيض.
والآخر (يا لسوء الحظ) فولوديمير زيلينسكي الرئيس الأوكراني الذي أتى السياسة من عالم التمثيل والفن وربما كان ممثلا فاشلا لم تسعفه موهبته فانخرط في عالم السياسة وكان من تبعات ذلك الفشل أن انعكس على حياته ولم يستطع التخلص منه إذ تحول إلى ما يشبه المطية يتخذه الأوربيون والأمريكيون جسرا لبيع أسلحتهم وتحقيق منافعهم وغاياتهم وتجميع أكثر قدر من المال، حتى لو كان الضحية أرواح وأجساد شعبه.
فلم يكتف بسقطاته في التمثيل وجر شعبه إلى الحرب إذ قادته توقعاته إلى الارتماء في أحضان ترامب رغم أن هذا الأخير لم يدع مناسبة إلا وشتمه فيها ولم يتردد في وصفه بالدكتاتور (نكر ذلك لاحقا). أتى صاحب بزة المناضلين بلحيته الخفيفة التي لا ترقى أن تكون لحية الثوار الأممين الكبار مثل كاسترو وجيفارا متقمصا دورا لم يحسن أداؤه، أتى مختارا طائعا إلى أمريكا تدفعه طموحه وفي جعبته العديد من الأماني والتطلعات في إنهاء الحرب مع روسيا وعلى رأسها استعادة أراضيه التي استولى عليها الدب الروسي وقبوله عضوا في الناتو وضمانات أمريكية ومن ثم لا يهم إن قايض ذلك نصف معادن أوكرانيا النادرة، وعلى استعداد لإبرام اتفاق تقاسم ثروته.
لكن ربما الشيء الذي تغافل عنه زيلينسكي أو لم يدركه بحسه الفني هو طبيعة ترامب وشخصيته المتقلبة والمنفلتة، وإن ترامب لا يعنيه إنهاء الحرب إلا بالطريقة التي هو يراها ولا يعنيه الأوروبيين ولا العالم أجمع، وأن شهوة المال هي الوحيدة التي تدغدغ مشاعره وعواطفه وتسحر لبه. وأن الدافع الحقيقي عنده وفريق معاونيه، أو هكذا يبدو الأمر، هو فقط الحصول على نصف الثروات الأوكرانية من معادن وغيرها بما فيها الحصول على مزيد من المال وأن تفتح أوكرانيا صناديق ثرواتها للأمريكيين وإلا نتخلى عنكم وتدفعوا المبالغ وثمن الأسلحة التي زودناكم بها. ويبدو أن عين ترامب كانت على ثروات أوكرانيا مستفيدا من تجارب سابقة عندما سقط الاتحاد السوفييتي حيث بيعت نصف الصناعات الثقيلة الروسية للغرب بمبلغ يقارب ستين مليارا، ناهيك عن مبيعات كثيرة حصلت في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
الشيء الآخر الذي لم يتوقعه زيلينسكي وربما العالم أجمع (وربما هنا لا يلام) أن تأخذ المحادثات منحنى مختلفا ومغايرا وتخرج عن أدب الحوار، وتتجاوز فيها كل الأعراف والدبلوماسية والأخلاق الإنسانية؛ فالمشادّة الكلامية الحادّة وذلك التقريع والإهانات التي وجهها ترامب ونائبه لزيلينسكي بل تعدى ذلك إلى الإهانة والاذلال عندما تحدثا معه عن ملابسه، عندما قيل له: أليس لديك بزة أكثر لياقة تدخل بها إلى هذا المكان؟ وكيف لا يحترم المكان الذي هو فيه ويأتي بهذه الملابس التي لا تليق بالمكان الجالس فيه، هي في الحقيقة شيء متقدم وغير متوقع أن تصل فيه العجرفة والتسلط الأمريكي إلى هذا الحد وضربة قاصمة للدبلوماسية والعلاقات الدولية.
مما تحولت تلك الزيارة العتيدة إلى أحد المفاصل في العلاقات الدولية وسوف تدخل بلا شك في سجل الزيارات الأكثر غرابة وعجائبية، فهي بحق ليست زيارة عادية أو زيارة مجاملة تطفح فيها البرتوكولات وتقديم فيها الهدايا والتذكارات.
أيهما أوقع الآخر في المحظور؟
الرئيس الأوكراني عندما أيقن أنه لن يعود من البيت الأبيض إلا خاوي الوفاض ولن يحصد من تلك الزيارة إلا الطرد والشتم والإذلال والإهانة. لا ضمانات أمنية ولا عضوية في «الناتو»، ولا اتفاق من دون تقديم تنازلات. بل كان ترامب لا يفوت فرصة إلا وذكره بما قدّمته واشنطن من دعم مالي وعسكري كبيرَين في حربه مع روسيا. مما جعل الرئيس زيلينسكي أن يقع في المحظور، ويقال إن زيلنيسكي استفز ترامب ونائبه مما جعل ترامب يرد له الصاع، بينما يرى البعض بأن ذلك سلوك ترامب ولعبته القذرة في الحصول على ما يريد وهذا أقرب إلى الحقيقة، فالذي يعرف من هو ترامب يدرك سريعا أن الرجل ليس له حدود في السذاجة والغطرسة والشتيمة.
ورغم أن زيلينسكي خرج مطرودا ومهانا من البيت الأبيض إلا أن ما يحسب له ورغم شتائم ترامب ونائبه جي فانس اللاذعة في أنه وقف صامدا وبدا متماسكا وقويا شجاعا غير متراجع ولم يحنِ رأسه أو يرتعش أو يتلعثم في الكلام وقد بادل مضيفيه نفس السلاح الذي استخدموه، ولم يستكن لهم، ولم يوقع اتفاقية المعادن كما أراد ترامب. وتلك نقاط تصب في صالحه أمام شعبه. وقد ترتّب عمّا جرى قطع الحوار وإلغاء المؤتمر الصحفي بين الرئيسَين، الذي كان مقرّرا بعد انتهاء المحادثات التي لم تكتمل، وانتهت من دون توقيع الاتفاق تقاسم المعادن والثروات. ورغم أنه خرج مطرودا، إلا أن ذلك لا يهم طالما لم يتنازل عن ثروات بلده وعاد رافع الرأس.
الرئيس الأمريكي يستخدم استراتيجية مع ضيوفه إذ يعمد إلى إدخال ضيوفه في مواقف محرجة يهدف من ورائها تثبيت مكانته مع ناخبيه وتغذية التيارات الشعبوية وإبراز عضلاته أمام العالم في ترجمة لما قد يعتقد أنه عظمة أمريكا وسموها. يجيد استخدم الإعلام وليس أي إعلام، فقط الذي يكون هو راض عنه ويتناغم مع أطروحاته، ويرسم المسرحية ويهيئ بنفسه وأعوانه الخشبة لذلك، وهو لا يتورع في استخدام الحركات والإيماءات والغمزات واللمزات دعما لموقفه، وقد لا يتردد أن يكيل الشتيمة ويخرج عن طوره إلى دعت الحاجة بل يستخدم يده في ذلك كما استخدم يده في دفع زيلينسكي.
كان ذلك واضحا من العديد من المقابلات التي أجراها ترامب مع زواره حتى الآن ابتداء من الملك عبد الله الثاني (الذي كان متجهما صامتا ملوحا برأسه في بعض المرات تاركا لترامب أن يمارس هوايته دون تدخل منه ولعل ذلك راجع لصفات يتحلى بها العربي دون سواه ومن أهمها احترام المكان والمضيف وربما نعذره في ذلك إذ دفعته مروءته ولباقته إلى عدم مجاراة ترامب) وحدث ذلك مع الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون ومع رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر.
يخاطب ترامب مضيفه بأسلوب مليء بالعجرفة والصلف والشتيمة إن لزم الأمر، أما إذا أبدى ضيفه تنمرا من ذلك ورد عليه ورفع صوته أحال ترامب ذلك على الشعب الأمريكي وكأنه يقول له أنت تهين الشعب الأمريكي وتقلل من احترامك للأمة الأمريكية كما حدث مع زيلينسكي. فترامب الذي فاز بأعلى أصوات من الشعب الأمريكي يعتقد بأنه يتكلم باسمهم ويتصرف ذلك عنوة عنهم وهو مخول منهم في أي قرار أو تصرف يصدر منه بما في ذلك تلك البذاءة والعنجهية.
يعتقد ترامب واهما بأنه يخرج من تلك المقابلات قويا وإنه يثبت لناخبيه وأغلبية الأمريكيين قوته وعظمته التي سترجع بدورها عظمة أمريكا الأفلة. لكن ذلك لا يزيد أمريكا إلا انحدارا وتسارعا نحو الهاوية. وأن تلك الغطرسة الفجة لا تجلب إلا الدمار والمصائب. يبدو أنه قد أدخل العالم في فوضى أخرى وهي غير تلك الفوضى الخلاقة التي بشرت بها كونداليزا رايس، فوضى ترامب تقوم على الصراحة دون مواربة والشفافية القذرة وتقوم على تسديد عدة لكمات من الإهانة والإذلال للخصم مما يجعل الخصم يقبل بأي شيء خوفا من الفضيحة أو تجنبا لمزيد من المشاكل. ترامب يضع الأسس والقواعد للعالم أو لنظام عالمي جديد يكون أكثر بشاعة ويقوم على التهديد والوعيد والاستيلاء على الثروات وهو لا يعترف بالدبلوماسية والمراوغة ويعتبرها مضيعة للوقت. فقط ضربة واحدة قاضية يوجهها لخصمه لا تحتاج إلى لغة أخرى، هذه هي اللغة التي يروجها ترامب.
أراد ترامب أن يوصل عدة رسائل للعالم من خلال تلك الزيارة وليفهم من يفهم، رسائل عدة واضحة ومفهومة ولا تحتاج إلى تأويلات أو تحليلات، ربما أهمها هي أن يتقبل من يأتي للبيت الأبيض كل شيء يوجه له، وأن يكونوا طائعين خاضعين خانعين منفذين لأوامره وما يملأ عليهم دون مواربة وتحت عين كاميرات الإعلام الموجهة نحوهم. الشيء الآخر هو أن هذه الضربات المتوالية التي يوجّهها ترامب شرقا وغربا دون تفرقة ربما تدفع العالم إلى التفكير في نظام عالمي مغاير ومختلف.
ما يهمنا في كل ذلك هم الزعماء العرب أن يفكروا ألف مرة قبل الذهاب إلى البيت الأبيض وأن يراجعوا علاقتهم مع أمريكا وترامب، وإذا دعت الحاجة فليتجنبوا السفر إلى أمريكا إلا للضرورة القصوى.