فشل مناورات اللحظة الأخيرة لاحتواء رد المقاومة
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
لا شك أن الوضع الاستراتيجي على الجبهات يحمل جميع الاحتمالات المفتوحة، ولا يستطيع أحد أن يتوقع توقعًا حاسمًا مآلات التصعيد الراهن ومحطات وصوله.
وإن كانت الأطراف لا يبدو عليها تفضيل خيار الحرب الشاملة، ويعمل كل طرف منها على كسر إرادة الطرف الآخر باعتباره معيارًا للنصر، إلا أنه، وفي هذا السجال الاستراتيجي لا يمكن استبعاد انزلاق الأمور إلى هذا الخيار وانتقال سياسة حافة الهاوية إلى هاوية فعلية.
كما لا يشك عاقل في أن أمريكا والكيان الصهيوني، لو توفرت لديهما حسابات، مفادها أن الحرب الشاملة ستقود للنصر على جبهات المقاومة، لما ترددت لحظة لإعلان الحرب الشاملة على إيران ولبنان واليمن وجميع الجبهات.
وبالتالي فإن ما يبدو تناقضًا بين خوف العدو «الإسرائيلي» وراعيه الأمريكي من خيار الحرب الشاملة، وبين التصعيد الخطير الذي أقدم عليه العدو باستهداف الضاحية واغتيال قيادة بحجم الشهيد فؤاد شكر، وما تبعه بساعات من اغتيال للشهيد إسماعيل هنية في قلب طهران، هو تناقض لا يوجد تفسير منطقي له، إلا محاولة كسر الإرادة واستعادة اليد العليا بناء على تقديرات أن النفاق الدولي وغياب القانون وآلة القتل والجريمة الصهيونية، وتواطؤ الأنظمة العربية وصمت الشعوب، ستشكل جميعها ضغوطاً على جبهات المقاومة لعدم الخروج برد متناسب، مما يعطي صورة للنصر واستعادة للردع، وهي حسابات وتقديرات تنطوي على أخطاء كبرى ومجازفات أمريكية وصهيونية خطيرة.
وهنا يمكن رصد بعض من المحاولات الخبيثة للخروج بهذه الصورة المخادعة ومحاولة تغيير موازين الردع وإمالة كفتها عنوة لصالح عدو فاشل لا يستطيع تحرير أسراه:
أولاً- البيان الثلاثي الصادر بتاريخ 8 آب/أغسطس، باسم أمريكا ومصر وقطر، وهو بيان أقل ما يقال فيه، إنه ينطوي على كثير من المغالطات، ويهدف للعديد من الأهداف الخبيثة.
فقد ورد في متنه فقرة مفادها: (لقد عملنا نحن الثلاث وفِرقنا بلا كلل على مدار أشهر عديدة لصياغة اتفاق إطاري أصبح الآن على الطاولة ولم يتبق سوى تفاصيل التنفيذ. ويستند هذا الاتفاق إلى المبادئ التي حددها الرئيس بايدن في 31 أيار/مايو 2024، والتي أقرها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2735، لم يعد هناك متسع من الوقت نضيعه ولا أعذار من أي طرف لمزيد من التأخير. لقد حان الوقت لإطلاق سراح الرهائن وبدء وقف إطلاق النار وتنفيذ هذا الاتفاق، وبصفتنا وسطاء، فنحن مستعدون، إذا لزم الأمر، لتقديم مقترح نهائي يُجسّر هوة الخلاف لحلّ ما تبقى من قضايا التنفيذ بطريقة تلبي توقعات كلا الطرفين).
وهنا يمكن القول، إن أمريكا تحاول ترسيخ صورة توحي بأنها وسيط وليست شريكًا، بل قائدًا للعدوان وحرب الإبادة، كما أن استخدام اللغة الثلاثية هو إعلان اصطفاف صريح يستخدم نفس المنطق الأمريكي والصهيوني الذي يعتبر أن أسرى الحرب هم مجموعة من الرهائن والمختطفين، وهو ترسيخ للصورة الإرهابية للمقاومة، كما يخاطب البيان الطرفين بنفس اللغة وكأن كلَيهما مسؤول عن تعطيل وقف إطلاق النار وليس العدو الذي رفض سابقًا ما وافقت عليه المقاومة، والذي يستبق كل تفاوض بجرائم وشروط تعجيزية مستجدة لإفشال المفاوضات بشكل مكشوف.
والأهم، أن البيان تجاهل جريمة اغتيال القائد السياسي للحركة التي تشكل طرفًا في التفاوض، كما أنه جاء في وقت يشهد ترقبًا لرد حتمي من جبهات المقاومة على جرائم العدو وكأن المقصود هو تحميل مسؤولية فشل المفاوضات لمن يقومون بواجب الرد وليس لمن قام بجريمة العدوان المستلزم للرد، وما يؤكد ذلك هو اقتراح موعد سريع لاستئناف التفاوض لقطع الطريق على الرد وتأخيره لحين استكمال إجراءات دفاعية لإجهاضه وإفساد رسائله الرادعة للعدو.
ثانيًا – حرص الكيان الصهيوني على عدم تبني اغتيال الشهيد إسماعيل هنية رسميًا، وتبني أمريكا لموقف الكيان، هو نوع من أنواع التلاعب السياسي والاستخفاف وهو يهدف لإبقاء الباب مفتوحًا لمزيد من مناورات التفاوض وكسب الوقت لحين تغيير الأوضاع على الأرض في غزة والحصول على أي صورة للنصر.
ويؤكد ما سبق، أن الأنظمة المشاركة في البيان الثلاثي مع أمريكا، لم توجه الاتهام للكيان الصهيوني باغتيال هنية، حيث جاءت بياناتها الرسمية عقب جريمة الاغتيال فضفاضة، باستنكار الجريمة في ذاتها، ومعها اعتداءات الكيان على المدنيين دون اتهام «إسرائيل» رسميًا بارتكاب هذه الجريمة.
ثالثًا- حجم الضغوط السياسية ومحاولات الترهيب لإيران وجبهات المقاومة لثنيها عن القيام برد متناسب ورادع، يؤكد أن الهدف هو التأثير على موازين الردع وتصدير صورة القوة للعدو وميل كفة الميزان لصالحه.
رابعًا- مجزرة التابعين والمجازر اليومية في غزة، وتعميق العدوان على لبنان بمزيد من الاغتيالات، هو انعكاس لرعب الكيان من الرد ومحاولة للقفز إلى الأمام، والملاحظ أنها تشكل عدوانًا جبانًا على النساء والأطفال والمدنيين، فيما هي ضربات محسوبة في لبنان ولا تشكل ضربات استباقية.
نحن إذاً، بصدد خطط لاستعادة الردع الأمريكي والصهيوني عبر إنجازين غادرين، ومحاولة احتواء الردود بحيث لا تكون متناسبة، باستخدام وسائل الترهيب والضغط السياسي والدعايات الإعلامية الكاذبة كافة، للتقليل من قوة جبهات المقاومة وانتقاص مصداقيتها.
ولكن هذه الخطط هي خطط مؤقتة بانتظار الرد الحتمي والرادع، وإيران وجبهات المقاومة تفطن لها، فهي أكدت أن مسار الرد الحتمي المشروع منفصل عن مسار المفاوضات الذي ستقبل به بما تقبله حماس، وبما أن الحركة أعلنت بالأمس في بيان موقفها من جولة المفاوضات المقررة الخميس المقبل، (طالبت الوسطاء بتقديم خطة لتنفيذ ما قاموا بعرضه على الحركة ووافقت عليه بتاريخ 2/7/2024م، بدلاً من الذهاب إلى مزيد من جولات المفاوضات أو مقترحات جديدة توفر الغطاء لعدوان الاحتلال) فهي بذلك تكون قد أفشلت بنفسها مناورة اللحظات الأخيرة لاحتواء رد جبهة المقاومة، والتي ثبتت مجددًا عدم مصداقية العدو والوسطاء، مستدلة على ذلك بجرائمه المتواصلة في غزة.
أما الأنظمة المتواطئة فلا خيار أمامها إلا إعلان الاصطفاف الصريح مع أمريكا والعدو وانتظار كلفة ذلك وتداعياته مع انزلاقات الجبهات، أو الاعتدال والوقوف في الموقف الصحيح وهو الصدق في نصرة القضية الفلسطينية.. فيما ليس أمام أمريكا والكيان المؤقت والغرب المنافق، إلا انتظار الرد واعتدال ميزان الردع وتثبيت المعادلات والاختيار بين الحرب الشاملة أو التسوية ووقف إطلاق النار.
أما جبهات المقاومة فقد حسمت خياراتها، وهي إلزام نفسها بالرد الرادع والعاقل، وانتظار سلوك العدو، وموقفها الثابت أنها جبهات إسناد مع جهوزيتها الكاملة بحال دفع العدو باتجاه الانزلاق نحو المواجهة الشاملة والوصول إلى هذه المحطة الفاصلة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
كيف تعكس تصريحات “نتنياهو” الأخيرة بشأن اليمن فشلَ العدوان الأمريكي؟
يمانيون../
كشفت التصريحاتُ الأخيرةُ لمجرم الحرب الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بشأن جبهة الإسناد اليمنية لغزة عن المزيد من دلائل فشل العدوان الأمريكي الذي تشنه إدارة ترامب على اليمن منذ منتصف مارس الماضي.
تصريحاتُ نتنياهو التي ركَّزَ فيها على طائرة “يافا” اليمنية المسيَّرة، وعبَّر عن غضبه من تسميتها، وهجماتها المتكرّرة على وسط الأراضي المحتلّة، عكست حالة انزعَـاج شديدة من استمرار العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة، واستمرار الكابوس الأمني والاستراتيجي الذي تمثّله هذه العمليات، وكذلك الدلالات التي تحمّلها في مفاعيلها ورمزياتها، برغم المحاولات الحثيثة لإخفاءِ ذلك بشكل تامٍّ على المستوى الإعلامي.
بل إن هذه التصريحاتِ تتصادمُ بشكل واضح مع الانطباع المزيَّف الذي حاول نتنياهو نفسُه أن يصنعُه في مناسباتٍ سابقةٍ من خلال تصوير العدوان الأمريكي الجديد على اليمن وكأنه نهاية للتهديد الذي تشكّله جبهةُ الإسناد اليمنية، حَيثُ يبدو بوضوح أن هذا التهديدَ لا يزال يفرضُ نفسَه بشكلٍ مُلِحٍّ على الواقع الأمني والاقتصادي لكيان العدوّ، بصورة تجبر نتنياهو على تناوله ومحاولةِ مَلْءِ فراغ الأسئلة المتصاعدة بشأنه لدى قطعان المستوطنين.
ومما يؤكّـد ذلك أن تصريحاتِ نتنياهو تتناقَضُ مع الاستراتيجية الإعلامية للعدوان الأمريكي على اليمن، والتي كشفت صحيفةُ “معاريف” في وقتٍ سابق، نقلًا عن مسؤولين صهاينة، أنها تركِّزُ على إبعادِ كيان العدوّ قدرَ الإمْكَان عن المشهد، والترويج فقط لدعاية خطر العمليات اليمنية على الملاحة؛ مِن أجلِ تحشيد الدعم الإقليمي والدولي ضد صنعاء، حَيثُ نسف نتنياهو هذه الاستراتيجية وأشَارَ بوضوحٍ إلى ارتباط العمليات العدوانية الأمريكية ضد اليمن بحماية العدوّ الصهيوني.
ولا يقف الأمر عند المستوى الإعلامي، فـ تهديدُ نتنياهو بالرد على الهجمات اليمنية التي تستهدف عمق الأراضي الفلسطينية المحتلّة، يعكس بوضوح الفشل العملياتي والميداني للعدوان الأمريكي على اليمن، والذي كشفت وسائل إعلام عبرية الشهرَ الماضيَ بأنَّ إدارةَ ترامب حرصت على إبلاغِ كيانِ العدوّ بعدمِ المشاركة فيه عسكريًّا بشكل مباشر وعدم الرد على الهجمات اليمنية، وهي استراتيجيةٌ انطلقت من تقديراتٍ أمريكية خاطئة استندت على فرضية أن واشنطن قادرةٌ بالفعل على احتواءِ وردع الجبهة اليمنية، كما أنها تهدفُ أَيْـضًا لترسيخِ الهدف الدعائي المتمثل في فَكِّ الارتباط الواضح بين جبهتَي اليمن وغزة.
الاندفاع الذي أبداه نتنياهو للعودة إلى استهداف اليمن بشكل مباشر، يعكسُ بوضوح سقوط الاستراتيجية العملياتية والإعلامية للعدوان الأمريكي، ووصول كيان العدوّ إلى إدراك تام لانسداد الأفق أمام إدارة ترامب، كما يعكس تزايد حجم الضغط الذي يشكله هذا الفشل الأمريكي واستمرار وتصاعد العمليات اليمنية المساندة لغزة، بالشكل الذي يرى نتنياهو أنه يحتاج للتصرف بشكل مباشر؛ مِن أجلِ تخفيفِه ولو دعائيًّا.
ومما يوضح سوءَ المأزِق الأمريكي -الصهيوني الذي تعبّر عنه تصريحاتُ وتهديدات نتنياهو، أنه هذه ليست المرة الأولى التي يجد فيها كيان العدوّ نفسه مضطرًّا للتصرف بشكل مباشر؛ بسَببِ فشل حلفائه الأمريكيين؛ فقد حدث ذلك خلال الجولة السابقة عندما اضطر جيشُ العدوّ الصهيوني لتنفيذ اعتداءات جوية مباشرة على اليمن، تحت ضغطِ العمليات اليمنية المتصاعدة ضد العُمق الصهيوني، متجاوزًا الاستراتيجيةَ العملياتيةَ والإعلامية التي حاولت إدارةُ بايدن من خلالها إبعادَ “إسرائيل” عن المشهد، وقد كانت نتائجُ ذلك عكسيةً بشكل فاضح؛ فبدلًا عن أن تقتصرَ فضيحةُ الفشل في ردع اليمن على الولايات المتحدة وبريطانيا، تصدَّر كيانُ العدوّ واجهةَ مشهد العجز، وامتلأت وسائلُ الإعلام ومراكزُ الدراسات العبرية بالتحليلات والاعترافات الرسمية وغير الرسمية بالعجز العملياتي والاستخباراتي الكبير الذي يعاني منه جيشُ العدوّ فيما يتعلق بتنفيذ عمليات مباشر في اليمن، وهو أمرٌ حَرَمَ قيادةَ العدوّ حتى من الفائدة المحدودة للتهديدات والعنتريات الدعائية، وجعل واقعَ استحالة وقف العمليات اليمنية راسخًا وواضحًا أمام الجميع، بما في ذلك قطعان المستوطنين الذين كان يسعى نتنياهو لطمأنتِهم.
توقيتُ تصريحاتِ نتنياهو بشأن اليمن يؤكّـدُ هو أَيْـضًا إدراكَ كيان العدوّ لفشل العدوان الأمريكي على اليمن، حَيثُ تأتي هذه التصريحات في ظل عجز يواجهُه البنتاغون حتى على مستوى تسويق إنجازات وهمية، حَيثُ أصبح يرفضُ تمامًا تقديمَ أية تفاصيل بشأن العمليات ضد اليمن ويمتنع عن الإجَابَة عن أسئلة وسائل الإعلام الأمريكية، في ظل أزمة داخلية باتت تهدّد مستقبل وزير الحرب الأمريكي بيت هيجسيث نفسه؛ بسَببِ قضيةِ تسريبات معلوماتٍ حسَّاسة عن العمليات العدوانية ضد اليمن، وذلك عقب أن اعترف مسؤولون بأن العدوانَ لا ينجح في الإضرار بالقدرات العسكرية اليمنية، وأن تكاليفَه تجاوزت مليار دولار في ثلاثة أسابيع فقط، وأنه يستنزفُ مخزوناتِ الجيش الأمريكي المخصَّصة لمنطقتَي آسيا والمحيطَين الهندي والهادئ.
ويبدو أن هذه الحالةَ قد أسهمت بشكل كبير في زيادةِ حالة اليأس والإحباط لدى قيادة كيان العدوّ الصهيوني، بالشكل الذي دفعها إلى تجاوُزِ الاستراتيجيات التي تم تنسيقُها مع واشنطن، والاندفاع إلى واجهة المشهد بفعلِ الحاجة إلى تعويضِ الفشل الأمريكي ومحاولة ملء الفراغ الذي يتركُه هذا الفشلُ في معنويات المستوطنين، وأمام وسائل الإعلام، وفي الميدان.