حكومة التغيير والبناء.. رؤية واثقة بإرادة صلبة ووعي جماهيري
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
كشف قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطابه بمناسبة العام الهجري الجديد 1446هـ، عن الخطوات والإجراءات المتخذة لإجراء التغيير الحكومي المرتقب، وأوضح قائد الثورة أن الحكومة الجديدة سيتم تشكيلها قريباً، وبالفعل أصدر رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط، قرارا بتكليف أحمد غالب الرهوي بتشكيل حكومة التغيير والبناء، وقراراً بتعيين رئيس الحكومة السابق الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور، عضوًا في المجلس السياسي الأعلى.
وصدر قـرار رئيس المجلس السياسي الأعلى رقم (12) لسنة 1446 هـ بشأن تشكيل حكومة التغيير والبناء وتسمية أعضائها بقوام اثنين وعشرين عضوا، أبرز ملامح حكومة التغيير والبناء هو دمج عدد من الوزارات وتعيين الوزراء من الكفاءات والكوادر المناسبة، وهذه خطوة إيجابية تهدف إلى تخفيف العبء والتضارب في الاختصاصات وإنجاز العمل بكلفة أقل وفي وقت أسرع وتنفيذ الإجراءات بشكل أكثر سلاسة، بما يساهم في تبسيط الإجراءات الإدارية وتحسين كفاءة الحكومة في تقديم الخدمات للمواطنين.
ومن أجل ذلك أجرت لجان متخصصة تقييماً شاملاً استغرق حوالي عام، للتعرف على التحديات ومواطن الاختلال وأسبابها في الجهاز الإداري الحكومي، وفقاً لثلاثة مسارات الأول تمحور حول مراجعة الهياكل والنظم الحكومية، والثاني تركز في الترشيحات والاقتراحات للتعيينات في المناصب الحكومية، والمسار الثالث تناول إعداد الموجهات لبرنامج العمل الحكومي المقبل.
فمعالجة القضايا الهيكلية التي تعاني منها الحكومة لفترة طويلة، يشير إلى استراتيجية استباقية واعية تهدف إلى تعزيز قدرة الحكومة على الأداء الجيد والفعال.
وعندما يتعلق الأمر بشمولية اختيار المرشحين الأكثر كفاءة وملاءمة، يظهر ذلك السعي إلى تحسين مستوى الكفاءة والفعالية، من خلال توجيه الاهتمام نحو اختيار الكوادر الأمثل لمواجهة التحديات المطروحة، وهذا يعزز الثقة في كفاءة النظام الإداري.
ونجد أن الاهتمام بالموجهات ودورها في تحسين الأداء الحكومي، يعكس التركيز على تحقيق أقصى قدر ممكن من الكفاءة الإدارية كمبدأ أساسي لضمان التقدم والتطور.
وتعمل التغييرات من منظور الممارسات الإدارية على تجديد الرؤى والاستراتيجيات، وتسهم في تجديد الروح والديناميكية في القطاع الحكومي، ولا يمكن إغفال دورها في مساعدة الجهاز الحكومي للتكيف مع التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ما من شك أن التغيير الجذري يثير حالة من القلق بين المواطنين إذ يبدو كشيء غريب ومختلف، ومع ذلك يجب أن ندرك أن هذا النوع من التغييرات هو تحول إيجابي يعزز من بناء الثقة بين المواطن والحكومة، ويهدف إلى تحقيق مصلحة الجميع وتحسين الخدمات والفعالية الحكومية.
إن المسار نحو التغيير ليس سهلاً، والسير في طريق التغيير يتطلب إرادة صلبة ووعياً جماهيرياً قوياً يقاوم الحملات السلبية ويقف ضد الأخبار المضللة ومحاولات التشويش، وبالتضافر بين القيادة والجيش والشعب، سيتغلب اليمنيون على التحديات مهما كانت.
فالنجاح الذي تحقق في الميدان العسكري لا يمكن فصله عن تحقيق نجاحات باهرة في بناء الدولة والعمل على تصحيح وتصويب مؤسساتها المتألمة، فالمواقف والأحداث تؤكد تكاملاً وانسجاما في اليمن قيادةً وجيشاً وشعباً تكاملٌ، قوامه الثقة المطلقة بقرارات القيادة وبحكمة القائد الذي يرى فيه ملايين الأحرار سر القوة التي تحوّل الثورة إلى دولة.
هذه المعطيات تجسد اليقين بأن اليمن في طريقها إلى امتلاك الصدارة في موقعها الطبيعي واللائق كدولة رائدة في المنطقة، يمتلك شعبها قراره السياسي والاقتصادي والعسكري بعيداً عن الهيمنة الخارجية.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
نحن مع التغيير العادل، ولكن ضد التفريط في وحدة السودان
إن السودان اليوم يقف أمام مفترق طرق خطير، حيث يتهدد شبح التقسيم وحدة البلاد وسط صراع محتدم لم يرحم أحدًا، لا من انحاز لهذا الفصيل ولا من وقف في صف ذاك، ولا حتى أولئك الذين التزموا الحياد وظنوا أنهم بمنأى عن المحاسبة التاريخية. إن هذا الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد سيحاكم الجميع، السياسيين الذين دعموا الحكومة الموازية، وأولئك الذين سعوا لشق الصف الوطني، وحتى من صمتوا عن قول الحق بينما كانت البلاد تتهاوى نحو الهاوية.
التجربة السودانية والانفصال الذي لم يكن درسًا كافيًا
لم يتعظ السودانيون من تجربة انفصال الجنوب في عام 2011، وهو الحدث الذي لا يزال يلقي بظلاله على مستقبل السودان السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ففي ذلك الوقت، ظن كثيرون أن الجنوب سينفصل دون أن تتأثر بقية البلاد، وأن استقرار السودان سيظل مضمونًا، لكن الحقيقة جاءت بعكس ذلك. فقد أدى الانفصال إلى تدهور اقتصادي حاد، وفتح الباب أمام مزيد من الأزمات السياسية والأمنية، وأصبح السودان أضعف مما كان عليه.
واليوم، وبعد أكثر من عقد على ذلك الحدث، نجد أنفسنا في مواجهة تحدٍّ مشابه، وربما أشد خطورة، إذ تتكرر السيناريوهات نفسها، من النزاعات المسلحة، إلى التدخلات الخارجية، إلى صمت النخب التي كان يجب أن تكون صوت العقل والحكمة.
أمثلة تاريخية من العالم: كيف ضاعت الدول بسبب الانقسامات؟
إن التاريخ الحديث مليء بأمثلة لدول تفككت بسبب الصراعات الداخلية، ولم تعد كما كانت بعد ذلك:
تفكك يوغوسلافيا: كان هذا البلد موحدًا لعقود، لكن الحروب الأهلية والانقسامات العرقية والسياسية قادت إلى انهياره وتفتيته إلى دول صغيرة، بعضها لم ينجُ من الحروب حتى بعد الاستقلال.
تفكك الاتحاد السوفيتي: رغم كونه قوة عظمى، إلا أن الصراعات الداخلية والضعف السياسي ساهم في انهياره إلى مجموعة دول مستقلة، مما أدى إلى تغير جذري في الخارطة السياسية العالمية.
سوريا وليبيا واليمن: لم تنقسم رسميًا، لكنها تحولت إلى كيانات متصارعة ضمن الدولة الواحدة بسبب الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية.
المسؤولية الأخلاقية والوطنية على النخب والمثقفين
من الغريب أن نرى بعض ممن يدّعون المعرفة والعلم يسيرون في طريق يهدد وحدة السودان، وكأنهم لم يدركوا دروس التاريخ. إنهم يتحملون مسؤولية أخلاقية جسيمة لأنهم لم يستغلوا مكانتهم في توجيه الرأي العام نحو الحلول التي تحفظ البلاد من التفكك. إن الانحياز الأعمى لأي طرف على حساب مصلحة الوطن، أو الصمت في اللحظات التي تتطلب موقفًا واضحًا، ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو جريمة تاريخية لن تُمحى من ذاكرة الأجيال القادمة.
هذا التخوف لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة قراءة متأنية لواقع مأزوم، تشكل عبر عقود من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن عقلية النخب التي قادت البلاد لم تكن يومًا بعيدة عن النزعات العنصرية والجهوية، حيث ظل تكالبها على السلطة والثروة هو المحرك الأساسي لصراعات السودان المتكررة. لم يكن هدفها بناء دولة عادلة للجميع، بل كانت ترى في البلاد غنيمة تُقسَّم بين مكوناتها المتصارعة، غير آبهة بمصير العامة والبسطاء الذين دفعوا وحدهم ثمن هذه النزاعات من دمائهم وأرزاقهم وأحلامهم.
إن هذه النخب لم تكتفِ بإشعال الفتن، بل استغلت بساطة الناس وجهلهم السياسي لتجنيدهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بينما تظل قياداتها في مأمن، تتفاوض وتتقاسم النفوذ على حساب الوطن والمواطن. هذا الواقع، بكل تعقيداته، يجعل من خطر التقسيم تهديدًا حقيقيًا، وليس مجرد فرضية نظرية أو دعاية تخويفية، لأن البلاد تسير بالفعل نحو سيناريوهات مشابهة لما حدث في دول فقدت وحدتها بسبب الطمع السياسي والفساد الفكري لنخبها.
التحدي الذي يواجه الجميع: هل سيكتب التاريخ خيانة هذا الجيل لوطنه؟
إن السودان اليوم في اختبار حقيقي، والجميع معنيٌّ بالنتائج. فإذا استمرت البلاد في هذا المسار، فسيكتب التاريخ بأحرف من خزي أن هذا الجيل لم يكن على قدر المسؤولية، وأن قادته لم يرتقوا لمستوى الأخلاق والإنسانية والوطنية التي تتطلبها هذه المرحلة الحرجة.
إن الصمت ليس خيارًا، والانحياز الأعمى ليس حلًا، والوقوف ضد المصلحة الوطنية لا يمكن تبريره. الخيار الوحيد هو الانتصار لوحدة السودان، والعمل على إنهاء النزاع، وتوحيد الجهود لإنقاذ البلاد قبل فوات الأوان.
zuhair.osman@aol.com