نوف الموسى
«هناك فرقٌ كبير بين «السكوت» و«الصمت»، السكوت عندما تكون قادراً على أن تعبر ثم تمتنع، أما الصمت فهو أبلغ مراحل الإعجاب، وبه يعجز الإنسان عن الحديث، وفي الكثير من الأحيان «الدهشة» بمقدورها أن تقودنا إلى الصمت، بهذه العبارة الساكنة في التساؤلات الأولى حول «الخط العربي»، أي قبل أن يخط الإنسان إحساسه، أزاح الفنان زكي الهاشمي، في حواره، تصوراتنا البديهية عن الكتابة، وكيف أن العرب قديماً - وتحديداً في التاريخ العربي قبل الإسلام - كانوا يذمون من يكتب الملفوظ، وأن الناس بدأت تكتب بعد أن وصلت فيه إلى أعلى مراحل «البيان»، فكل ما يعمل به اليوم في الجانب الفني، سواء خط أو غيره، أو مما يراد به التعبير عن القول بشكل عام، هو أدنى مرتبة أمام الجانب الصوتي، كون أعلى مرحلة وصل لها العرب قبل الإسلام، في المخزون اللفظي كانت «المعلقات».


وبالنظر إلى «القصيدة» فهي بيان الحال، بالمقابل فإن «الفن» هو بيان التجربة الحسية، والناس لم يستطيعوا إخراج بيان مشاعرهم وإحساسهم كفن، إلا في مراحل متأخرة جداً، ومنه فإن الفن لا يزال اليوم متأخراً، موازنةً بالبيان والبلاغة عند العرب عموماً، فلا يزال بيت شعري واحد تسير به الركبان، بينما اللوحات، رغم قيمتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، إلا أن أثرها محدود، وما نحتاجه هو تأصيل فني بمقدوره أن يكون ذاكرة لا تنساها الأرض.

أخبار ذات صلة المقيّم والجاليري.. جناحان ذهبيان للفنان التشكيلي لوحات عبدالصمد بويسرامن.. تعكس رؤى غنية بالرموز والدلالات

إذاً، هل كل شيء اشرأب من «النقطة»؟ هنا توقف الفنان زكي الهاشمي في دلالة السؤال، بأنه مبحث فلسفي وفكري يعود إلى القرن السادس والسابع الهجري، ولطالما جاءت رمزية «النقطة»، بمقاربة الدوران حول الكعبة المشرفة، وكأنها «النقطة»، ممثلةً عمق فني مختلف، والناس يسعون لمعرفته عبر الطواف «الحركة».
ولمدة ظلت «النقطة» أصل تقعيد الخط العربي، ولأن «الدائرة» هي حركة الناس وسط ثبات الكعبة المشرفة، فالحركة هي الأصل في الخط العربي والفنون جلها، ومنها انتقل الناس، سواء في المهد الأول الهجري أو الثاني الهجري، من «النقطة» إلى «الدائرة»، وكأن «الدائرة» هي الملاذ الأخير لهم في العملية الإبداعية، حيث نجد أن الخطوط تعددت في احتمالاتها بين المستقيمة والزوايا وغيرها، ومن ثم صارت «دائرة» ولم ترجع إلى كونها «نقطة» أبداً. 

اللغة والخط 
وفي منظومة «الخط العربي»، فإن البعد الحركي متصل بأسس النص العربي، الذي بُني عليه الخط، فلا يمكن للخط أن يتجاوز اللغة في السعة، اللغة دائماً أوسع، وعزاء الخط أنه يتبع اللغة، وبمقدار ما هي واسعة فهو يريد أن يصل إليها، ومنه فإن تعريف الخط العربي أقرب إلى كونه بمثابة «فن يريد أن يصل إلى صورة اللغة»، لذلك كلما كانت اللوحة جميلة، نقول إن هذه اللوحة أقرب لفهم حقيقة المعنى، الذي من دونه، ربما يذهب الخط للمفاهيمي والشكل التجريدي، الذي بطبيعته له زمن وجمهور يتذوقه، ولكنه غير ثابت، بعكس ارتباط الخط في سعي لا ينتهي عبر اللغة.
بين «السعة في اللغة»، و«المعرفة العلمية للفنان»، في عالم الخط العربي، أين تكمن قوة الفنان الإبداعية، متى تحين اللحظة الذهبية في بناء احتمال جديد في جوهر المشروع الفني؟! تأتي إجابة الفنان زكي الهاشمي، بعد محاورة جمالية حول دراسته للغة العربية وآدابها، وظنه أن لا وجود للذة أعظم من الاستماع إلى الأدب، وحالة خروج الإنسان عن شعوره، وكيف جاء بعدها الخط ليزاحم تلك اللذة في الأدب لديه، أتمَّ من بعدها إلقاءه قصيدة للمتنبي، واستطرد: إنه لمن المهم إدراك حديث أحد الفلاسفة القدماء بأن الخط العربي هو «هندسة روحانية»، والروحانية هنا هي «القدرة العالية من العلم، التي تؤهل الفنان لأن يستطيع فعل ما يشاء في الفن». فهذا الشخص وصل إلى مكانة ترسخت عبر العلم، مكنته لعمل ما يشاء خارجه. الفن يتقاطع مع العلم، من خلال استلهام الإرشادات التي يحتاجها الفنان، ولكنه لا يعمل فيه، لأن العلم مسيرة متكاملة، بينما الفن عبارة عن متغيرات، فالعلم علمنا أن الناس يحبون الجمال، هذه حقيقة علمية يمكننا أن نطلق عليها «مقاصد»، ولكن كيف نستطيع أن نعطي الناس ما يحبونه، العلم لا يستطيع أن يقدم هذا الشيء، الفن يستطيع.
وللتنويه يقصد بمفهوم «العلم» هنا، ما وصل إلينا عبر الكتب والروايات والتراث والتقاليد والأمثال الشعبية وكل ما له علاقة بمسيرة الناس في الحياة. 

هوية الفنان 
كيف تتم التحولات في هوية الفنان واختلافها عن الخطاط، وارتباطها بالمتغيرات الجذرية لطبيعة المدخلات البصرية السريعة في العصر الراهن؟ في هذا التساؤل تحديداً، انطلق الفنان زكي الهاشمي، باتجاه التباين بين الخطاط وهو الحرفي، والفنان باعتباره يعمل خارج إطار ما هو حرفي، ويُشترط فيه أن يكون مفكراً، بعكس الخطاط فهو يبني على شيء موجود، يقلد مسيرة حاضرة، بينما الفنان يحاول أن يبدع في الفكر، ويحقق الوصول إلى القيمة العالية للنص.
ويتابع: كلما كان الفنان أكثر تكاملاً، كان أكثر إبداعاً، يأخذ من كل فن شيئاً، بعض الخطاطين مثلاً يشتغل في الخط ولا يريد أن يعرف شيئاً عن الزخرفة، أو عن النحت وغيرها، وبذلك فإنه فنياً لا يستطيع أن يخرج لاحتمالات إبداعية أوسع، والخروج دائماً لديه غير موفق، لأنه ليس مبنياً على أصل آخر لفن ممارس في الواقع، وربما ينتهي لدى البعض منهم بالوقوف عن ممارسة الخط - فعلياً - لا وجود لفن من الفنون استمر إلا وتكامل، وأي فن لم يتكامل، كان مصيره الزوال.
تفحص الخطوط العربية، على سبيل المثال، يهدينا أبعاد تداخل خطين لإنتاج خط ثالث، ويأتي أيضاً تداخل ثلاثة خطوط لإنتاج خط جديد، نجد أنه استمرار خط واحد لأكثر من 150 سنة، ما كان ليكون دونما أن يعضده شيء من الخارج، وكأنه أمة من الأمم، تتفاعل مع كل ما يحيطها، فمثلاً الخطوط في الجزيرة العربية تأثرت قديماً بالخطوط غير العربية، من مثل خط «المسند»، «الثمودي»، «اللحياني»، «النبطي».
ويلاحظ تأثيرها على الخطوط الأولى، فقد نراها قاسية، ويابسة، لأنها قائمة على الزوايا، بسبب ضعف الأدوات الموجودة، وكذلك وجدنا أن بعض الخطوط استخدمت لمدة 50 سنة وانتهت في وقتها، لأنها لم تستطع أن تتداخل مع فنون وأشياء أخرى تجعلها تبقى، أي فن أو مهارة ترتبط بشيء لا ينتهي.. لا تنتهي. 

المدخلات البصرية 
يواصل الفنان زكي الهاشمي: الحديث عن المدخلات البصرية في العصر الراهن، تنقلنا ببديهية لعولمة العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي، فنحن لا ننظر إلى شيء واحد فقط، مثلما هو البدوي قديماً عندما يتأمل الفضاء الشاسع، والأشياء تتكرر عليه كثيراً. نحن نرى أشياء جديدة، مأخوذين بجنون نحو هذه الخيارات المتغايرة، ما نتج عنها رغبة الإنسان في التوقف عن العمل أو الاشتغال على تطوير الحالات الإبداعية، كون هذه المدخلات البصرية، تشعرنا بشيء من الإحباط لكثرتها وآنيتها، مزاحمةً أفكارنا باستمرار، والإشكالية ليس في تحدي المخزون البصري المهول، ولكن الفكرة في كيفية «استحسان المخزون»، بمعنى كيف أستطيع أن أخذ الأجزاء من كل هذا المخزون، للخروج بشيء أنا أستحسنه، أنا أرى اليوم شجرة، تعجبني فيها جزئية الغصن، بالتوازي هناك مئات الصور المتخيلة لها، التي يمكن أن استحسن العمل عليها ضمن قالب معين، قررت العمل عليه - خلال ذلك - الصور مستمرة في التوافد ضمن المخزون العام، فالأمر السلبي اليوم هو عدم قدرة الناس على مواكبة هذا المخزون، مما يؤدي بالفنان إلى كسر القالب، ومحاولة بناء قالب أوسع جامع لعوالم متعددة، فبإمكان فكرة صغيرة جداً أن تؤثر على عمل بين يدي، ولو بنسبة بسيطة، ما يجعلني أمسك عن استكماله، لأقرر على أثره الابتعاد قليلاً عن منصات التواصل الاجتماعي، لأبدأ في ترتيب مخزوني، والاتصال مجدداً بفضاءات الحالة الإبداعية الخاصة بي.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الخط العربي فن الخط العربي الفن التشكيلي الخط العربی

إقرأ أيضاً:

الخط الأزرق. واشكالية المناطق المتحفَّظ عليها

لا شك أن الحديث عن اليوم التالي للحرب لم يعد محصورا فقط بقطاع غزة إنما بالمنطقة ككل. وفي لبنان الاهتمام منصب حول اليوم التالي لوقف إسرائيل عدوانها على الجنوب، وكان لافتا ما أعلنه مدير الاستخبارات البريطانية الخارجية (إم آي 6) ريتشارد مور لنظيره الأميركي من أن وقف القتال في غزة سينتج حلاً لقضايا الخط الأزرق بين إسرائيل ولبنان والشحن بالبحر الأحمر. ويعتبر لبنان أن تطبيق الشامل للقرار 1701 يعني انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي اللبنانية المحتلة، ووقف اعتداءاتها على سيادة لبنان واستهدافها للمدنيين اللبنانيين والأهداف المدنية، وانخراطها في عملية إظهار الحدود اللبنانية الجنوبية البرية المعترف بها دولياً، والمؤكد عليها في اتفاقية الهدنة لعام 1949، بإشراف ورعاية الأمم المتحدة. كما طالب لبنان الدول الأعضاء في مجلس الأمن والمجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لتطبيق القرار 1701 بكافة بنوده.

وأمام ما تقدم يسأل كثيرون هل القرار الدولي 1701 كان مطبقًا قبل إندلاع عمليّة "طوفان الأقصى" سواء من قبل العدو الإسرائيلي أو من قبل حزب الله؟ القرار الدولي 1701 لم يكن ، كما يقول القائد السابق لقطاع جنوب الليطاني،العميد الركن المتقاعد خليل الجميّل، مطبقا من قِبَل العدو الإسرائيلي قبل عمليّة "طوفان الأقصى"، فاسرائيل لم تحترمه أبدًا، والخروقات الجويّة والبحريّة الإسرائيليّة كانت شهريًا بالمئات، عدا عن محاولات الخروقات البريّة التي كانت ستكون بنفس الكثافة لولا تصدّي الجيش لها ومنع الجرافات الإسرائيليّة مثلًا من إنتهاك الأراضي اللبنانيّة والقيام بأعمال تجريف وقضم لما كان سيتيسَّر لها من مئات الأمتار اللبنانيّة، وذلك بحجّة الضرورات الأمنيّة للعدو، كما وقد تصدّى الجيش منذ إنشاء الخطّ الأزرق وعلى مدى سنوات لمحاولات عديدة لتجاوز الخطّ الأزرق بريًا أوخرقه من قبل العدو سواء بعناصر راجلة أو بآليات مدرّعة معادية، ولا تزال صورة الجندي الذي يقف بسلاحه الفردي في وجه دبابة الميركافا المعاديّة التي كانت تحاول خرق الخطّ الأزرق ماثلة للأذهان، كما وصورة العسكري المتقاعد الذي يمنع بجسده جرافة العدو من الإعتداء على ارض لبنان، عدا عن أن أعمال التجسّس الإسرائيليّة بطرق مختلفة لم تتوقّف عن الداخل اللبناني كما وعلى طول الخطّ الأزرق، من رأس الناقورة غربًا حتى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا شرقًا، وهذا يُعتَبَر أيضًا من ضمن الخروقات الخطيرة والدائمة للقرار 1701.مّا من جهّة لبنان فقد كانت وحدات الجيش وقوات اليونيفيل ،تسيّر مئات الدوريّات المُشتركة في قطاع جنوب الليطاني وعلى طول الخطّ الأزرق للمراقبة وضمان تنفيذ القرار 1701، فاليونيفيل المكلّفة بتطبيق هذا القرار، يبلغ عديدها حوالى احد عشر الف عنصر وتشتَرِك فيها حوالى 40 دولة، وهي منتشرة في كافة القطاع الجنوبي اللبناني وتراقب كلّ شيء، ولم تكن تشتكي إلّا فيما نَدَر من عدم إحترام الجهّة اللبنانيّة للقرار الدولي 1701، وكانت هذه الشكاوى النادرة تتعلّق بإجتياز بعض الرعاة والمواشي للخطّ الأزرق من لبنان باتجاه فلسطين عن طريق الخطأ، بينما قوات اليونيفيل غير منتشرة على الجانب الإسرائيلي حيث لا حسيب ولا رقيب على إسرائيل، ولا مراقبة عليها في تنفيذ هذا القرار الأممي.من جهّةٍ أخرى فالعدو الإسرائيلي يخرق الخطّ الأزرق الاممي بشكلٍ دائم عبر تركيز سياجه التقني في 18 منطقة تقضُم من الخط الأزرق مساحة حوالي 736000 مترًا مربّعًا من الأراضي اللبنانيّة، وذلك بإعتراف قوات اليونيفيل نفسها. كما أن اليونيفيل لم تسجّل قبل عمليّة "طوفان الأقصى" أي تواجد مسلّح ظاهر لعناصر حزبيّة خلال مراقبتها الجانب اللبناني لسنوات.

اذن هل القرار الدولي 1701 كافٍ لحماية لبنان؟   إن القرار الدولي 1701 هو قرارٌ كافٍ لحماية لبنان، بحسب الجميل، إذا ما إلتزم به العدو الإسرائيلي بحذافيره، وإذا ما وضِعَت القواعد والآليّات الصحيحة لمراقبة الجانب الإسرائيلي والتحقّق من مدى إلتزامه به، ويجب تعديل هذا القرار ليكون إنتشار قوات اليونيفيل على جانبي الحدود وليس من الجهّة اللبنانيّة فقط، وعلى إسرائيل أن توقف خروقاتها وإنتهاكاتها للقرار 1701 لضمان الإستقرار على جانبي الحدود اللبنانيّة الجنوبيّة.

اذن ماذا ينتظر لبنان على مستوى الترسيم البر في اليوم التالي لانتهاء الحرب.. يقول الجميل في هذا السياق: إن الطروحات التي تنتشر في الإعلام أو على لسان مسؤولين غير لبنانيين هي طروحات غير قابلة للتطبيق ومنها:
-تحويل الخطّ الأزرق إلى خطّ حدود دوليّة وهذا أمر مستحيل القبول به من قِبَل لبنان الذي يطالب بإستعادة 13 منطقة محتلّة مُتَحَفَّظ فيها على الخطّ الأزرق، وتبلغ مساحتها حوالي 486 ألف مترًا مربعًا بالإضافة إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة والأراضي المُحتلّة من قرية "الماري" اللبنانيّة. -مبادلة الأراضي لتعديل خطّ الحدود بشكلٍ يتوافق مع الواقع الحالي، وهو أمر غير قابل للتطبيق أيضًا لأسباب عديدة أهمّها مخالفته للمادّة الثانية من الدستور التي تمنع التنازل عن أي جزء من الأراضي اللبنانيّة أو التخلّي عنه، ولكونه أيضًا يحتاج إلى إتفاقيّة ترسيم جديدة مع العدو الإسرائيلي لتعديل خطّ إتفاقيّة بوليه - نيوكمب والنقاط الجغرافيّة الحدوديّة المثبَّتة منذ أكثر من مئة عام، فالحدود اللبنانيّة مرسّمة ومثبّتة وهي بحاجة فقط إلى إعادة التأكيد عليها في اليوم التالي للحرب، وبالتأكيد سيكون موقف لبنان كما يلي: لن يتنازل لبنان عن أي متر من حقوقه في حدوده البريّة ولن يوافق على أي حلّ لا يُعيد له المناطق ال 13 المُتَحَفَّظ فيها على الخطّ الأزرق، ولن يوافق على أي طرح لا يُعيد مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة حتى حدود مجرى وادي العسل، وبأن يستعيد لبنان أراضي بلدة الماري التي تمدَّدَت إليها قرية الغجر السوريّة المحتلّة، وبأن تتراجع إسرائيل عن مناطق الخرق الدائم ال18، ويستعيد لبنان منطقة الطفافات وهي المساحة البحريّة التي بقي وضعها معلقًا في الإتفاق غير المباشر لترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل عام 2022 والتي تَبلُغ مساحتها حوالي كيلومترين ونصف مربّعين، عندها فقط تخفّ حدّة التوتّر على الحدود الجنوبيّة وتنعَم هذه المنطقة وكلّ لبنان بالهدوء، وعدا ذلك من الحلول فأنها ستكون حلولًا غير قابلة للحياة، وسيزداد التوتّر حكمًا وستعود الأمور إلى الإشتعال مجدّدًا في أيّة لحظة.

ومع ذلك يظن بعض القوى السياسية أن لبنان خسر مزارع شبعا، إلا أن العميد الجميل،، يشدد أن لبنان لم يخسَر مزارع شبعا ،ولن يضيع حقّ يطالب به لبنان بكافّة أطيافه، فهذه المنطقة التي تبلُغ مساحتها حوالي 42 كياومترًا مربّعًا هي أراضي لبنانيّة باعتراف كافّة المسؤولين السياسيّين السوريين الذين يضعون سياسة الدولة السوريّة، وقد أعلنوا ذلك مراتٍ عديدة عبر تصريحات علنيّة موثّقة ومنهم الرئيس السوري بشار الأسد ووزراء خارجيّة سوريا كفاروق الشرع ووليد المعلّم وغيرهم، كما أن لبنان لديه مئات الوثائق التي تؤكّد لبنانيّة مزارع شبعا، بالإضافة إلى وثيقة سوريّة رسميّة تعتَرِف بذلك، وهي خريطة موقّعة عام 1946 من قبل قاضيين عقارييَّن لبناني وسوري، وهي عبارة خطيطة عقاريّة تُرَسِّم وتثبّت الحدود البريّة لمزارع شبعا على حدود قرية مغر شبعا السوريّة، ومجرى وادي العسل، وتحدِّد الأراضي التابعة للجمهوريّة اللبنانيّة والجمهوريّة السوريّة في هذه المنطقة، و هذان القاضيان هما القاضي العقاري السوري عدنان الخطيب والقاضي العقاري اللبناني رفيق الغزاوي، وقد توصّلا إلى وضع وثيقة دامغة تُحدّد الحدود الصحيحة وتزيل كلّ شكّ حول هويّة المزارع، وبوجود هذه الوثيقة التاريخيّة المعروفة بأسم خريطة الغزاوي – خطيب فأن لبنان ليس بحاجة إلى أي مستند من سوريا لإثبات لبنانيّة المزارع وهي وثيقة كافية لإثبات ذلك، ولكن منظّمة الأمم المتحدة مُنحازة إلى الجانب الإسرائيلي في هذا الموضوع، وتَعتَبِر أن مزارع شبعا هي أراضي سوريّة تتبَع لمندرجات القرار الأممي الرقم 242 وليس للقرار الأممي الرقم 425. وتكمُن اهميّة مزارع شبعا للعدو الإسرائيلي في أنها منطقة إستراتيجيّة تَقَع على مثلث ثلاث دول: لبنان- سوريا- فلسطين، وهي خزان مائي جوفي ضخم يَرفُد بحيرة طبريا ومنها نهر الأردن، وطبيعتها الجغرافيّة تحتوي على تلالٍ حاكمة، ومرتفعات إستراتيجيّة تُركّز عليها إسرائيل محطات تنصّت وتجسّس تطال عمق الداخل اللبناني وحتى الداخل السوري، ولذلك فالعدو يتمسّك بها ويحتلّها ويناور بكلّ الطُرُق السياسيّة والعسكريّة لعدم الإنسحاب منها، ولكن في النهاية سيضطرّ إلى ذلك بسبب الإصرار اللبناني المُحقّ على إسترجاعها أو عبر توجّه الدولة اللبنانيّة إلى محكمة العدل الدوليّة مع كافّة المستندات والوثائق، بغية إصدار وثيقة دوليّة تُجبِر إسرائيل على الإنسحاب منها.

يبقى السؤال الاساس أين تكمُن الإشكاليّات في المناطق المُتحفّظ عليها؟

إن إشكاليّة المناطق المتحفَّظ على الخطّ الأزرق فيها، تكمُن، بحسب العميد الجميل، في أنها مساحات لأراضٍ لبنانيّة تَقَع بين خطّ الحدود الدوليّة والخطّ الأزرق، وهي أراضٍ قضمها الخطّ الأزرق من لبنان لصالح إسرائيل، وقد إستبدَلَ المجلس الأعلى للدفاع اللبناني تسميتها عام 2018، من "المناطق المُتحفَّظ عليها"، إلى "المناطق اللبنانيّة المُحتلّة"، وعددها 13 منطقة تتدرَّج من الغرب بأتجاه الشرق كما يلي: رأس الناقورة، علما الشعب (3 تحفّظات)، البستان، مروحين، رميش، يارون، بليدا، ميس الجبل، العديسة، العديسة كفركلا، الوزاني. ومساحتها تَبلغ 485487 مترًا مربعًا، وهي تَقَع كلها على الحدود اللبنانيّة – الفلسطينيّة الممتدّة من رأس الناقورة غربًا، إلى الجسر الروماني القديم على نهر الوزّاني شرقًا، أمّا القسم المتبقّي من الخطّ الازرق فهو يَقَع على الحدود اللبنانيّة – السوريّة في الجولان السوري المُحتل، وفيه إشكاليّة قرية الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة اللبنانيّة، بالإضافة إلى الخروقات الدائمة للخطّ الازرق وعددها 18 خرقًا بمساحة حوالي 736526 مترًا مربعًا وهي تتدرّج من الغرب باتجاه الشرق في المناطق التالية: رأس الناقورة، علما الشعب، البستان، يارون، عيتا الشعب، بليدا، ميس الجبل، حولا (2)، مركبا، العديسة، الخيام (3)، عمرا (2)، الماري. تجدُر الإشارة إلى أن الخطّ الازرق ما هو إلّا خطّ وضعته الأمم المتحدة عام 2000، للتحقّق من إنسحاب العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان، وهو ليس بأي شكلٍ من الأشكال حدودًا دوليّة، والمناطق المسمّاة "مُتَحَفَّظ عليها" هي مناطق لبنانيّة مئة بالمئة وفق الإحداثيّات الجغرافيّة الموجودة لدى مديريّة الشؤون الجغرافيّة في الجيش لخطّ بوليه – نيو كمب عام 1923، ولخطّ الهدنة عام 1949، ولبنان لن يتخلّى عنها بأي شكلٍ من الأشكال، وقد وثّقها الجيش مع نقاط الخرق الدائم ال18 ومع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة ومنطقة الطفّافات، بالمساحة العقاريّة، والطول، والعمق، والشكل ولا مجال فيها للخطأ أو للتراجع ولو مترًا واحدًا. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • ضربوا ابني في المدرسة لأنه تشاجر مع زميله ”الهاشمي”.. أديب يمني معروف يشكو بقهر عنصرية ”السلالة”
  • صدور اوامر القبض القهري على مفجري قنبلة في الخط البحري بعدن
  • شركة البريقة تنفي شائعات نقص البنزين في بنغازي وتؤكد توفر المخزون الكافي
  • وزير التموين يناقش الفرص التمويلية والاستثمارية المقدمة من بنك أبوظبي الأول
  • وزير التموين يناقش تعزيز المخزون الاستراتيجى مع "أبو ظبي الأول مصر"
  • كيف غير "مترو دبي" خارطة الإمارة في 15 عاما؟
  • كيف غير "مترو دبي" خارطة الإمارة في 15 عاما؟
  • حادث مروري مروع في كربة خط تعز عدن يودي بحياة 14 شخص
  • فنانة تشكيلية: الراحل حلمي التوني حلقة وصل بين الفن الحديث والمعاصر
  • الخط الأزرق. واشكالية المناطق المتحفَّظ عليها