صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-10@16:29:38 GMT

في جنيف: حميدتي الأقرب ليكسب!

تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT

في جنيف: حميدتي الأقرب ليكسب!

في جنيف: حميدتي الأقرب ليكسب!

فضيلي جماع

يقول شاعر الضمير الإنساني المعذب محمد مفتاح الفيتوري:

ربّما لم تزلْ تِلكُمُ الأرضُ،

تسكنُ صورتَها الفلكيَّةَ..

لكنّ شيئاً على سطحها قد تكسّرْ!

ما تكسّر على سطح تربة بلادنا، ونأى بها عن مسار العصر لم تكن بدايته نشوب هذه الحرب البشعة. حدثت بداية الإنحدار نحو الهاوية في العام 1983م حين قفز غول “الجبهة الإسلامية” يومئذٍ على مركب حكومة النميري المترنحة.

أخرجوا من جراب حاويهم آنذاك قوانين سبتمبر سيئة السمعة والتي أذاقت شعبنا ما لم يتصوره عقل. وإمّا اغتصبوا السلطة بانقلابهم العسكري المشؤوم في 30 يونيو 1989م فارقت بلادُنا مسار العصر. لست بحاجة لأحكي التفاصيل التي يعرفها الكل من سرقة قوت شعبنا باسم التمكين وحروب جهادية في الجنوب وحروب الإبادة في دار فور وجبال النوبة والأنقسنا!

قصدت أن أقول بهذه المقدمة أن قد حان الوقت ليعي كل سوداني أنّ الحرب الجارية، أشعل فتيلها الكيزان بقصد تأديب شعبنا الذي صنع ثورة سلمية أطاحت بنظامهم. ما كانوا يصدقون الهزيمة. وقد تشدق أحد قادتهم بأنهم لن يسلموا السلطة إلا لعيسى المسيح ! ما حسبوا أن لجنة التفكيك عرفت مخابئ ما سرقوا من أموال ، وأن سلاح (التمكين) في طريقه إلى زوال. لم يصدّقوا أن كل العراقيل التي وضعوها أمام حكومة الدكتور حمدوك لم تفلح. فما كان من جناحهم العسكري بقيادة البرهان وعصابته من مجلس حفظ النظام – إلا أن قاموا بانقلابهم البائس الذي فشل في أن يستقطب عاطفة أحد. فكان لابد من إشعال هذه الحرب اللعينة!

لا ينفي تهمة إشعال الكيزان لهذه الحرب إلا أحد ثلاثة: كوز ما عرف الجوع والمهانة والتمييز طيلة حكم الإنقاذ. أو انتهازي ضعيف الإرادة والضمير، لا تهمه إلا مصلحته. أو ساذج تنطلي عليه معارك الوهم في الميديا والتي يصرف عليها تنظيمهم ملايين الدولارات. والأخير هو ما تصدق عليه عبارة (السواقة بالخلا)!!

مشكلة الكيزان أن انفرادهم بالسلطة فوق الثلاثين سنة، ملأهم وهماً بأنهم لا غالب لهم. يقول اللواء أمن أنس عمر في أول فبراير 2023: (هذا الإتفاق الإطاري مقطوع الطاري، نحن إن شاء الله عاهدنا شعبنا واخواننا كلهم بأننا سندفنه وندفن من وقعوه.) وهو أنس عمر نفسه الذي يخطب مدعياً: (ما في زول أكبر من الحركة الإسلامية. ما في زول أعرف منها. وما في زول أرجل منها كلو كلو. ما في زول في الساحة دي أرجل من الحركة الإسلامية)!

يقول المثل الشعبي السوداني: (السوّاي ما حدّاث). لم تمض أيام على تهديدات الرجل التي أطلقها جزافاً حتى وقع في قبضة الدعم السريع. كم كان ذليلاً ومنكسراً!! أنس عمر وقادة تنظيمهم الفاشي أبطرتهم السلطة والمال المنهوب فلم يقرأوا التاريخ جيداً. لم يتفكروا أنّ موسى الذي تربى في قصر فرعون كان قاصمة ظهر فرعون وجبروته كما يضرب المثل بهذا دائماً صديقنا الإعلامي خالد محي الدين. جاءوا بالدعم السريع لحماية السلطة ورأس النظام. أشركوه في جريمة فض الإعتصام. جعلوه طرفاً في انقلابهم على حكومة حمدوك المدنية! لكن.. ليس كل مرة تسلم الجرّة. فقد شق قائد الدعم السريع هذه المرة عصا الطاعة! أدان الإنقلاب ، بل رحّب بالإتفاق الإطاري الذي دعت له القوى المدنية. فكان الجميع قاب قوسين من قيام حكومة مدنية للعبور بالبلاد إلى مرحلة جديدة لو لا مراوغة البرهان وضباطه الذين وضح لشعبنا أنهم يتلقون الأوامر من تنظيم سياسي، لا من مؤسسة عسكرية!

رحب حميدتي بالإطاري وبالدولة المدنية. هل كانت مناورة منه كما ظن البعض؟ أذكر ما قاله حميدتي آنذاك بالحرف: (الآن الاتفاق.. الشي الماشي دا نحن يا اخوانا مؤيدنو. وماشين فيه. ودايرين نمرق من الورطة دي يا اخوانا..عشان كدة لو نحن كلنا ختينا يدنا مع بعض واتفقنا مع بعض مافي إنسان بستعمرنا. لكين بطريقتنا دي الإستعمار حيرجع لينا تاني.. لكن المرة دي بلقانا تحت الواطا.. ما بلقانا فوق!)

لقد تابعت في المنابر ما كتبه البعض عن الدعم السريع وقائده منذ بدء هذه الحرب. حاولت بحرص شديد تفكيك كتابات من يرجى منهم توعية الرأي العام. يؤسفني أن أقول بأن الكثير مما حفلت به الأسافير من مقالات و”لايفات” عن ظاهرة الدعم السريع إنما هو خطاب إنطباعي رغبوي. بل إن بعضهم يخلط متعمداً بين الدعم السريع كمليشيا صنعها الكيزان في حرب دارفور ثم استدعوها لتكون فصيلا في الجيش بقانون القوات المسلحة وبين الانتماء الإثني والجهوي لكل من ينتمي إلى قبائل ربما تمثل ثقلاً في قوات الدعم السريع. أمثال هؤلاء أغمضوا الطرف عن تجاوزات الجيش وجرائمه التي لم نر مثلها إلا عند الدواعش ، من بقر للبطون وقطع للرؤوس!

طبعاً سيبقى ملف أي جريمة جنائية ارتكبها جند الطرفين مفتوحاً ولا يسقط بالتقادم. أما أن تحرّض أقلام على الكراهية واستمرار الحرب وكأنهم يشجعون في مباراة لكرة القدم، فهذا من أسوأ مخرجات هذه الحرب.

في الأيام القليلة الماضية علق شعبنا آماله على قائدي الفصيلين المتحاربين: الفريق البرهان والفريق حميدتي لانتهاز فرصة منبر جنيف الذي توفر له زخم دولي من قوى عظمى وبعض الدول التي ربما يكون لحضورها المشهد تأثير إيجابي في وقف الحرب وفتح المسارات الآمنة لإيصال مواد الإغاثة لعشرين مليون سوداني يتهددهم خطر المجاعة. استجاب حميدتي لمنبر جنيف ، بل إن وفده المفاوض قد وصل سويسرا بالفعل. بينما لا يعلم أحد حتى كتابة هذه السطور ما إذا كان الجيش بقيادة البرهان سيشارك في المفاوضات التي ستبدأ اليوم الأربعاء 14 أغسطس أم لا؟

وفي الجانب الآخر وفي خطوة لتأكيد حسن النيىة وإثبات موقفه المبدئي من الحرب وما أفرزت من تجاوزات قواته لحقوق الإنسان ، بل وموقفه من المستقبل السياسي للبلاد ألقى الرجل خطاباً أمس بالصوت والصورة، أكد فيه أنه أنشأ قوات للتصدي للتجاوزات في المناطق التي تسيطر عليها قواته ، ولحفظ أمن المواطن. كما أكد بأنه مع مشروع الدولة المدنية ومع غياب العسكر عن المشهد السياسي ، وقيام جيش وطني موحد. وختم بأنه يطالب بقيام لجنة وطنية أو دولية للتحقيق في تجاوزات الحرب!

إذا كانت السياسة هي فعل الممكن فإنّ قائد قوات الدعم السريع يكون قد أنجز هدفاً قبل أن تبدأ جلسات المؤتمر!

أختم بأننا- وقد أخرجت الحرب أسوأ ما فينا- علينا أن ننظر إلى الوجه المضيئ للقمر. على الداعمين للحرب أن يعرفوا أن الحرب أبشع ما ابتكر الإنسان لحل النزاع. وأنّ السلام يصنعه الشجعان ! إنّ شعبنا ينتظر نهاية هذه الحرب القذرة ، وبزوغ شمس فجر السلام. إن أكبر معركة تنتظرنا هي معركة بناء السودان الجديد.

لندن

14/ 08/ 2024

الوسومأنس عمر الحرب الحركة الإسلامية الدعم السريع السلام السودان النميري جنيف حميدتي فض الاعتصام فضيلي جماع قوانين سبتمبر محمد مفتاح الفيتوري

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أنس عمر الحرب الحركة الإسلامية الدعم السريع السلام السودان النميري جنيف حميدتي فض الاعتصام قوانين سبتمبر الدعم السریع هذه الحرب ما فی زول

إقرأ أيضاً:

هذا هو الفشل الأكبر لـالدعم السريع

لم يعد خافيًا أن "قوى الحرية والتغيير" بقيادة عبدالله حمدوك، المتحوّرة لاحقًا إلى "تقدم"، ثم إلى "صمود"، ثم مؤخرًا إلى "تحالف السودان التأسيسي"، هي الجناح السياسي لمليشيا الدعم السريع والحاضنة المدنية لها، وظلت وما تزال تمثل الحليف السياسي لمليشيا الدعم السريع.

وقد بدأ هذا الحلف عقب أحداث 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، فيما عُرف بـ"الثورة التصحيحية"، التي تم فيها عزل رئيس الوزراء حينها عبدالله حمدوك وحل حكومته من قبل رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان، ثم أعاده مرة أخرى إلى منصبه في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام، وذلك بعد أقل من شهر.

وتم توقيع اتفاق يقضي بإعادة الانتقال الديمقراطي إلى مساره، وتشكيل حكومة جديدة، لكن عبدالله حمدوك لم يتمكن من تشكيلها؛ بسبب الخلافات المتفاقمة داخل قوى الحرية والتغيير نفسها، مما أفضى في نهاية المطاف إلى استقالة حمدوك من منصبه بعد أربعين يومًا فقط من إعادته إليه.

الفشل الأول

كانت هذه نقطة البداية في توثيق عُرى العلاقة والتحالف ما بين مجموعة حمدوك المعروفة بالمجلس المركزي، ومليشيا الدعم السريع بقيادة حميدتي، الذي كان في ذلك الوقت نائبًا لرئيس مجلس السيادة الانتقالي.

إعلان

وقد كان السبب الرئيسي لقيام هذا التحالف، هو التوافق في طموحات كل من حمدوك ومجموعته السياسية من جهة، وقائد مليشيا الدعم السريع حميدتي من جهة أخرى، فمجموعة حمدوك كان طموحها هو اختصار طريق الوصول إلى السلطة باستخدام بندقية الدعم السريع في مواجهة الجيش، الذي تعتقد أنه ما يزال يدين بالولاء لنظام البشير وللإسلاميين.

أما حميدتي فكان طموحه هو الانتقال إلى كرسي الحكم رئيسًا للدولة باستخدام قوته العسكرية، وتحييد الجيش السوداني بعد اعتقال أو قتل رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وتنصيب نفسه بديلًا له، وذلك بدعم سياسي من مجموعة حمدوك، التي تعهدت بتوفير هذا الدعم حال نجاح عملية الاستيلاء على السلطة بواسطة مليشيا الدعم السريع.

لكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفن المليشيا وحليفها السياسي، على النحو المعروف، حيث كان مصير هذا السيناريو هو الفشل الذريع، فلم تستطع الدعم السريع اعتقال أو قتل البرهان وتحييد الجيش، وعجزت مجموعة حمدوك عن توفير أدنى قدر من الدعم السياسي للمغامرة التي أقدمت عليها المليشيا.

وكانت هذه أولى محطات الفشل من الجناح السياسي للدعم السريع وأول سقوط أخلاقي له، فطالما كانت مجموعة حمدوك تقدم نفسها على أنها داعية للديمقراطية والحكم المدني والتداول السلمي للسلطة، وتصدرت المشهد السياسي في السودان عقب الإطاحة بنظام البشير بهذا اللقب، الذي لقي قبولًا واسعًا من قبل قوى الثورة ومنظمات المجتمع المدني، لكنها نكصت عن التزامها حين وضعت يدها فوق يد مليشيا الدعم السريع للوصول إلى السلطة بالقوة.

الفشل الثاني

وبعد فشل مخطط الاستيلاء على السلطة بالقوة، كان من الممكن للجناح السياسي للمليشيا تدارك الأمر والعمل على إقناع حليفه العسكري بالتراجع عن الخطوة، خاصة أن الفرصة كانت مواتية بعد ثلاثة أسابيع من المحاولة الفاشلة للاستيلاء على السلطة، وذلك حين التأمت اجتماعات "منبر جدة"، التي انعقدت برعاية سعودية – أميركية واستضافتها السعودية، حيث تم التوقيع على اتفاق بين ممثلين للجيش السوداني وممثلين لمليشيا الدعم السريع على التزامات وافق عليها الجانبان، تقضي في مجملها بحماية المدنيين، وأبرزها خروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين التي احتلتها، واشتمل أيضًا على التزامات إنسانية واتفاق على جدولة محادثات مباشرة جديدة.

إعلان

لكن لم تلتزم الدعم السريع بتنفيذ ما وقعت عليه من التزامات، بل عمدت إلى توسيع عملياتها العسكرية واحتلال المزيد من منازل المواطنين والأعيان المدنية، ومارست انتهاكات إنسانية ضد المدنيين، من عمليات قتل وسلب ونهب واغتصاب وتشريد.

وكان من الممكن أن يمارس الجناح السياسي للمليشيا بقيادة حمدوك دورًا أكثر رشدًا بالضغط على قيادة الدعم السريع لتنفيذ ما التزمت به في اتفاق جدة، لكنها على النقيض من ذلك، عمدت مجموعة حمدوك إلى تبرير عدم تنفيذ حليفها العسكري التزاماته وشجعته على التمسك بما سمته بـ"المناطق المحررة".

وكانت هذه محطة أخرى من محطات الفشل والسقوط من جانب الجناح السياسي لمليشيا الدعم السريع، وكانت خطوة قاصمة لظهرها، مثّلت خسارة سياسية كبيرة لها.

إذ كيف تتحول منازل المواطنين والأعيان المدنية إلى مناطق محررة؟ وكانت هذه نقطة تحول فارقة في نظرة قطاعات الشعب السوداني حيال الحرب، التي كانت حينذاك ترى أن الحرب هي صراع بين جنرالين على السلطة، فتحولت النظرة الشعبية للحرب إلى أنها حرب تستهدف الدولة السودانية والمواطن السوداني بالأساس، وليست صراعًا بين البرهان وحميدتي على السلطة.

وقد ساعدت عوامل عديدة في تأكيد هذه النظرة الشعبية، أبرزها مشاركة عناصر أجنبية في القتال ضمن صفوف مليشيا الدعم السريع، ووجود طواقم عسكرية فنية من دول إقليمية كانت تقدم الدعم الفني للدعم السريع، هذا فضلًا عن المعاملة القاسية التي كانت تمارسها عناصر الدعم السريع في حق المدنيين. ولم تشأ مجموعة حمدوك إدانة هذا السلوك من قبل الدعم السريع، وظلت تنفي وجود عناصر وأيادٍ أجنبية تساند الدعم السريع.

وأدى هذا كله إلى التفاف قطاعات الشعب السوداني بمختلف أطيافه حول الجيش وقيادته ومؤسسات الدولة السيادية والتنفيذية دعمًا ومساندة لها، وانخرطت قوات الكفاح المسلح في دارفور تحت إمرة الجيش، وتشكلت مقاومة شعبية مسلحة تحت إمرة الجيش أيضًا من كل ولايات السودان، وهو ما نتج عنه تقدم كبير للجيش على الأرض، قابله تقهقر بنفس القدر لمليشيا الدعم السريع.

إعلان الفشل الثالث

كذلك، من محطات الفشل التي ارتادتها مجموعة حمدوك المساندة للدعم السريع سياسيًا، توسيع رقعة الحرب بانفتاح الدعم السريع في وسط السودان، في ولايتي الجزيرة وسنار وأجزاء من ولاية النيل الأبيض، وإمعانها في ارتكاب مجازر مروعة في حق المدنيين، مما تسبب في وقوع أكبر عدد من الضحايا وحدوث موجة نزوح هي الكبرى منذ بداية الحرب.

وقد خلق هذا التطور مزيدًا من الالتفاف والدعم الشعبي للجيش والمقاومة الشعبية، كما أن هذه المجازر دفعت كثيرًا من الجهات الدولية والمنظمات الأممية إلى إدانتها، ووضع عدد من القادة الميدانيين لمليشيا الدعم السريع في لائحة المطلوبين للعدالة دوليًا. وكل ما فعلته مجموعة حمدوك إزاء هذه التطورات الخطيرة هو الإنكار والنفي.

الفشل الأكبر

ويضاف إلى هذا وذاك من محطات فشل الجناح السياسي للدعم السريع في توفير حاضنة سياسية فعالة له، ذلك التذبذب في الأهداف التي تبنتها مليشيا الدعم السريع وساقتها لتبرير حربها ضد الجيش، ما بين استعادة الديمقراطية والحكم المدني، إلى القضاء على الإسلاميين، ثم إلى تفكيك دولة 1956، وأخيرًا إنشاء حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع، وهي بهذا التوصيف إقليم دارفور، مما يعني الاتجاه نحو فصل هذا الإقليم.

وفي الحقيقة، إن هذا الهدف الأخير كان أكبر محطات الفشل والخسران بالنسبة للمليشيا وجناحها السياسي، وعكس بوضوح سوء تقدير وتدني مستوى التفكير والتخطيط السياسي لهذا الجناح، وسطحية إلمامه بخارطة السياسة الدولية بالعموم، والوضع الإقليمي بالخصوص.

فالاتجاه نحو الإعلان عن تكوين حكومة موازية للحكومة السودانية المعترف بها دوليًا هو اختيار خاطئ كليًا، لم يأخذ في الحسبان القانون الدولي والمواثيق والأعراف الدولية، وألغى بجرة قلم المؤسسات والمنظمات الإقليمية، والأحوال في دول الجوار العربي والأفريقي للسودان، وما يمكن أن يمثله من تهديد للأمن القومي للعديد من هذه الدول.

إعلان

لذلك، فقد جاءت ردود الأفعال من كثير من هذه الدول سريعة وواضحة بالرفض القاطع والصريح لتكوين حكومة موازية للحكومة القائمة في السودان، بصورة منافية لما توقعته قوات الدعم السريع وجناحها السياسي، وهو ما يظهر أيضًا سوء وخطأ توقعاتها.

فالرشد السياسي يقول إنه، وبحسب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لا يمكن للأمم المتحدة أن تعترف بحكومة موازية لدولة عضو بالمنظمة ومعترف بحكومتها القائمة، وكذلك الحال بالنسبة للاتحاد الأفريقي والجامعة العربية.

وكذلك، لا يمكن لدول الجوار الإقليمي منفردة الاعتراف بهذه الحكومة؛ بسبب الأوضاع الداخلية لهذه الدول، وتشابه أزماتها مع حالة السودان.

ولما كانت هذه هي ورقة الرهان الأخيرة التي رمى بها الجناح السياسي للمليشيا على الطاولة، فإن ذلك يمكن اعتباره إيذانًا بنهاية مشروع الحلف السياسي – العسكري بين مليشيا الدعم السريع ومجموعة حمدوك، هذا المشروع الذي كان هدفه الرئيسي هو الوصول إلى سدة الحكم في السودان بقوة السلاح.

ويعضد من هذا الاحتمال ذلك الوضع العسكري الميداني الضعيف لمليشيا الدعم السريع، وتوالي الهزائم عليها، وفقدانها لكل المناطق التي احتلتها في العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض، ومقتل معظم قادتها العسكريين، وافتقارها للعناصر المقاتلة، التي أصبحت مشتتة، وجلّها عناصر أجنبية تقاتل بالأجر.

لم يتبقَ للمليشيا إلا أجزاء من إقليم دارفور، تقول كل المؤشرات إنها في طريقها إلى فقدانها في معركة الفاشر، وهي المعركة الفاصلة المنتظرة مع الجيش والقوات المساندة له، والتي أعد لها الجيش العدة والعتاد، في الوقت الذي تعاني فيه مليشيا الدعم السريع ضعفًا كبيرًا وشحًا في القوات، وانسدادًا في مسالك وطرق الإمداد اللوجيستي.

وإزاء هذا الوضع الميداني، تضيق الفرص أمام مليشيا الدعم السريع، خاصة أنه قد أغلق كل من البرهان القائد العام للجيش، ومساعده الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة، الباب في وجه أي شكل من أشكال التفاوض أو التسوية السياسية مع المليشيا وجناحها السياسي، وبالتالي، فإنه ليس أمام مليشيا الدعم السريع إلا أحد خيارين، أحلاهما مرّ: فإما الاستسلام، وإما خوض معركة أخيرة خاسرة بكل المقاييس.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • هذا هو الفشل الأكبر لـالدعم السريع
  • شاهد بالفيديو.. عبد الواحد محمد نور يسخر من دعوة “حميدتي”.. يصف قواته بالمليشيا والجنجويد ويتهمه بالتسبب في نزوح الأسر من منازلها
  • قتلى وجرحى في هجوم الدعم السريع على الخوي
  • مناوي: قائد الدعم السريع هدد بإحراق الخرطوم قبل اندلاع الحرب
  • مسؤول سوداني: النساء يمثلن 98% من الأسر التي تعاني أوضاعًا قاسية
  • شاهد بالفيديو.. اللاعب علاء الدين طيارة ينبه جنود الدعم السريع لمواعيد تحرك الجيش والأوقات التي يكثف فيها هجماته في رمضان وساخرون: (انت بعد الحرب تنتهي مفروض يربطوك في سوخوي وتموت خلعة بس)
  • حماس: نتنياهو يتحمل مسؤولية جريمة حصار غزة
  • الكشف عن مقبرة جماعية ومركز تعذيب في السودان.. واتهامات للدعم السريع
  • الكشف عن مقبرة جماعية ومركز تعذيب بالسودان.. واتهامات للدعم السريع
  • السودان يلاحق الإمارات بشكوى جديدة في جنيف