أنسنة .. تجلّيات السهل الممتنع
تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT
لا أدري لماذا أستحضر الشاعر أحمد الصافي النجفي (1897-1977) كلّما أقرأ نصًّا للشاعر حيدر الخفاجي؟ فكلاهما يركّز على الفكرة، ويعتمد على المفارقة، ويكتب بلغة يومية متداولة، وتعبير بسيط هو أقرب ما يكون لـ(السهل الممتنع)، وكذلك غرابة الموضوعات، وربما هذا هو السبب الذي جعل الخفاجي يتردّد طويلًا بنشر ديوانه الأوّل، رغم أنه يكتب منذ ثمانينيات القرن الماضي، ففي تلك السنوات عرفته، شاعرًا غزير النتاج، مليئًا بالنشاط والحيوية، وكان يضع المثّلثات والدوائر الهندسيّة خلف ظهره في كلية الهندسة التي يدرس فيها، ويأتي إلى كلية الآداب بجامعة بغداد، يقوده هوس كتابة الشعر، ليلقي على مسامعنا ما جادت قريحته من قصائد غالبا ما تمتاز بقوة الفكرة وبساطتها المعجونة بعمق يثير دهشتنا، كقصيدته (أحزان رجل مربع)، التي كان جمهور الطلبة يطلبها منه كلما ارتقى منصّة، ومرّت السنوات، تخرّجنا من الجامعة وخرجنا من البلاد، وتفرّقنا، وظلّ حيدر الخفاجي يبحث تحت كل نجمة عن صديق قديم أضاع أثره، ليتواصل معه، بحميميّته المعروفة، ورغم أنه صار مهندسا يشار إليه بالبنان، يدير مشروعات كبرى لبنايات وفلل، لكن شيطان الشعر لم ينقطع عن زيارته، وكنت أستغرب تأخّره عن جمع نصوصه في ديوان، وكان يقول: لم يحن الوقت بعد! وفي زيارتي الأخيرة لعمّان التي يقيم فيها منذ حوالي عشرين سنة، أهداني نسخة من ديوانه (أنسنة)، الذي صدر مؤخرا عن دار الشؤون الثقافية ببغداد، وقد ضمّ نصوصا كتبها في سنوات متفرقة، ابتداء من الثمانينيات، ولم يتردّد في نشر نص كتبه عام ١٩٨٦ ويليه نص كتبه العام الجاري، ويعقبه بنص كتبه في التسعينيات، وقد لا تجد فروقات كثيرة في النصوص، فهو يكتب على وتيرة شكّلت طابعا تميّز به، وهذا ليس مستغربا، ففي الشعر، قد يدهشنا نصٌّ كتبه شاعر في شبابه، فيما نمرّ بنص آخر كتبه الشاعر نفسه بعد سنوات من الخبرة والنضج مرور الكرام!
وجاء العنوان (أنسنة) مختزلا، مقتضبا يحيلنا إلى أنسنة الأشياء من جمادات، وكائنات، فيضفي عليها الشاعر من إحساسه، فتنطق وتتحرك وتتقمص روحه، فيلصق سماته فيها، ففي قصيدة (هكذا مات الكرسي) يتحدث عن كرسي صبور مركون بزاوية في غرفة مشلول عن الحركة، يُستخدم في المآتم والأعراس، وفي غرف التحقيق، هذا الكرسيّ يحاول أن يفهم ما يجري حوله ويتساءل:
ولماذا يتقاتل أبناء الشعب على كرسي المنصب
في كل صباح ومساء
ولماذا يجلس فوق الكرسي على المنبر
من لا يملك أخلاق الفقهاء؟»
وفي نهاية القصيدة يموت الكرسي، ومن المحزن أن مأتمه لم يحضره أحد كما يموت (ملايين الغرباء)، وهنا يكمن جوهر النص، ورسالته، فالغربة تبسط نفوذها على روح الشاعر، ولكنه يبحث عن ممرّات يسرّب من خلالها أحاسيسه، وهذه الممرّات تأتي على شكل شظايا ذائبة في نصوصه:
المحطّات للغرباء بيوت
فيها نعيش وفيها نموت
المحطّات للغرباء وطن
كل القطارات واقفة كي يمرّ قطار الزمن
وفي قصيدته (مكاشفات الطاولة العجوز) يعقد حوارا بينه وبين طاولة تشكو من الوحدة: حينَ اتكأتُ على الطاوِلةْ
جَفَلَتْ .
ويحاول الخفّاجي أن يصنع مشهدا بصريا، متأثرا بالفن التشكيلي الذي يُدرج ضمن اهتماماته، متكئا على حسّ المفارقة، وتقنية التكرار:
النخلةُ قالتْ للنَخلَةِ لنْ أحمِلَ تَمرا هذا العامْ
أخشى أنْ يتفَجَّرَ جِسمُ (الصاعودِ)
وأشارت لطوابيرِ الشُهداءْ
النحلةُ قالتْ للنحلةِ همْسا
لا تَثقي أبدا بالغُرّباءْ
وفي قصيدة «الرجل الذي تحولَ إلى قلمِ رصاصْ»، يكتب نصا على لسان قلم رصاص مشيرا في النهاية إلى قوة الكلمة وتأثيرها، ويصغي إلى صمت الشبابيك في قصيدته (شبابيك) وثباتها رغم تبدّل الأحوال:
الشبابيكُ شاهدةُ صامتةْ
الشبابيكُ أرجوحةُ (الفاخِتةْ)
الشبابيكُ رُغمَ تغيُّرِ أوضاعِها ثابتةْ
والملاحظ أنه يعتني بعناوين قصائده، ويشتغل عليها، ويختزل فيها فكرة النص، كعنوان قصيدته «محاولات فاشِلةٌ للتخلّص مِنْ الجُثةِ المجهولة»، التي يجنح فيها إلى السرد، فيتحدّث عن جثّة أكبر من التابوت، يحتار فيها الدفّان، ويحاول أن يبذل محاولات لدفنها، فيطوي القدمين ويدير الرأس إلى الخلف، بل تطرأ على باله فكرة أن يقطع الفائض عن القبر بالفأس، أو حرق الجثة وذرّ الرماد في الأرض، وفي النهاية يتوصّل إلى نتيجة مؤلمة أن الجثة بلا أبعاد لأنها جثة إنسان بعيد عن وطنه:
«قالَ الدفّانُ: تُرى هلْ أخطأنا في أَبعادِ الحُفرةِ والتابوتْ؟
أمْ أنَّ الإنسانَ يصيرُ بلا أبعادٍ في المَنفى حتّى يتلاشى ويموتْ؟»
وكم كنت أتمنى من الشاعر تكثيف النص، وضغط الأجزاء، لكي لا يفقد النص وهجه، خلال رسمه قسوة المشهد و(فانتازيته) وصولًا للخاتمة التي يكمن فيها مغزى النص، وهذا ينطبق على نصوص أخرى عديدة، فالشاعر حيدر الخفاجي يسترسل في السرد، ويفصّل في الأجزاء، حتى تأتي الخاتمة التي غالبا ما تنطوي على شيء من المفارقة، التي صارت ميزة لتجلّيات الخفّاجي في سهله الممتنع.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
كيفية إضافة تعليقات توضيحية إلى الصور في مستندات جوجل (دليل شامل)
تشتهر مستندات Google على نطاق واسع بواجهتها سهلة الاستخدام، مما يجعلها أداة أساسية لإنشاء المستندات وتحريرها. وفي حين تقدم مستندات Google مجموعة متنوعة من الميزات المفيدة، فإن أحد القيود الملحوظة هو عدم قدرتها على إضافة تعليقات توضيحية إلى الصور المدرجة. وقد يكون غياب ميزة التعليقات التوضيحية المضمنة غير مريح للمستخدمين الذين يبحثون عن تسمية أو توفير سياق لصورهم. لحسن الحظ، هناك العديد من الحلول البديلة المتاحة التي تسمح للمستخدمين بإضافة تعليقات توضيحية إلى صورهم بفعالية داخل مستند مستندات Google. هنا يمكنك معرفة طرق مختلفة لإدراج التعليقات التوضيحية في مستندات Google، مما يساعدك على تحقيق مستندات ذات مظهر احترافي بسهولة.
إضافة تعليقات توضيحية إلى الصور في مستندات Google: تحقق من طرق مختلفة
الطريقة 1: استخدام ميزة الرسم
تتمثل إحدى أبسط الطرق لإضافة تعليقات توضيحية إلى الصور في مستندات Google في استخدام أداة الرسم. تتيح لك هذه الطريقة إضافة كل من الصور والتعليقات التوضيحية داخل رسم واحد، والتي يمكن إدراجها بعد ذلك في مستندك.
إدراج الرسم: ضع المؤشر حيث تريد ظهور الصورة مع التسمية التوضيحية. انتقل إلى إدراج وحدد رسم > جديد.
أضف الصورة: في نافذة الرسم، انقر فوق الزر صورة لتحميل الصورة التي تريد إدراجها.
أضف التسمية التوضيحية: بعد ذلك، انقر فوق أيقونة مربع النص لإنشاء مربع نص. ضع مربع النص أسفل الصورة أو بجوارها، حسب المكان الذي تريد ظهور التسمية التوضيحية فيه. قم بتخصيص الخط وحجم ونمط النص ليناسب مستندك.
حفظ وإغلاق: بمجرد أن يبدو التسمية التوضيحية بالشكل الذي تريده، انقر فوق حفظ وإغلاق. ستظهر الصورة والتسمية التوضيحية الآن معًا في مستندك، ويمكنك نقل الرسم بالكامل (الصورة والتسمية التوضيحية) إلى أي موضع.
إذا كنت بحاجة إلى تحرير الرسم لاحقًا، فما عليك سوى النقر فوق الصورة المدرجة، والانتقال إلى إدراج > رسم > جديد > تحرير، وإجراء التغييرات اللازمة.
الطريقة 2: إدراج جدول للتسميات التوضيحية
هناك طريقة أخرى لإضافة تسميات توضيحية إلى الصور في مستندات Google وهي استخدام جدول. بإدراج جدول بحجم 1x2، يمكنك وضع الصورة في الصف العلوي والتسمية التوضيحية في الصف السفلي بفعالية.
إدراج جدول: ضع المؤشر حيث تريد ظهور الصورة والتسمية التوضيحية. انتقل إلى إدراج > جدول وحدد جدول بحجم 1x2 (عمود واحد وصفان).
إدراج الصورة: اسحب صورتك وأفلِتها في الصف العلوي من الجدول.
إضافة التسمية التوضيحية: اكتب التسمية التوضيحية في الصف السفلي من الجدول. يمكنك ضبط حجم الخط ونمطه ومحاذاته لتتناسب مع تنسيق المستند.
إزالة حدود الجدول: انقر بزر الماوس الأيمن على الجدول وحدد خصائص الجدول. اضبط حدود الجدول على 0 نقطة لإزالة الحدود المرئية، مما يجعل الجدول غير مرئي ويترك الصورة والتسمية التوضيحية فقط مرئيين.
تحريك الصورة والتسمية التوضيحية معًا: عند نقل الصورة إلى موقع مختلف في المستند، سيتحرك التسمية التوضيحية معها.
تعمل هذه الطريقة بشكل جيد للحفاظ على تخطيط متسق لتسمية الصورة والتسمية التوضيحية وهي مفيدة بشكل خاص إذا كنت بحاجة إلى الحفاظ على محاذاة الصورة والتسمية التوضيحية أثناء تعديل المستند.
الطريقة 3: استخدام النص المضمن للتعليقات التوضيحية
للحصول على نهج أبسط وأكثر مرونة، يمكنك استخدام النص المضمن لإنشاء تعليقات توضيحية مباشرة أسفل صورك. لا تتطلب هذه الطريقة أي أدوات خارجية، ولكنها تأتي مع بعض القيود.
إدراج الصورة: انقر فوق الصورة داخل المستند لتحديدها. ستحتوي الصورة على خيارات على الجانب الأيسر.
اختيار النص المضمن: حدد خيار النص المضمن. يضمن هذا التعامل مع الصورة كجزء من النص، مما يسهل التعامل معها.
إضافة التعليق التوضيحي: ضع المؤشر أسفل الصورة واكتب التعليق التوضيحي الخاص بك. يمكنك ضبط الخط وحجمه ونمط النص لتتناسب مع تفضيلاتك.
القيود: أحد العيوب الرئيسية لهذه الطريقة هو أن التعليق التوضيحي لن يتحرك مع الصورة إذا قررت إعادة وضعه في مكان آخر في المستند. بالإضافة إلى ذلك، قد لا يظهر التعليق التوضيحي بالشكل المقصود إذا تم فتح المستند بتنسيق مختلف، مثل قارئ PDF.
هذه الطريقة مناسبة بشكل أفضل للمستندات السريعة وغير الرسمية حيث تكون المرونة أكثر أهمية من التنسيق الدقيق.