لم يكن قـد بـلغ العاشـرة حين تـشـرَّد مع أهـله وشعـبـه لتـنـتـقـل الأسـرة مـن حـيفا إلى دمشـق (بعـد الانـتـقال إليها من صـيدا في لبـنـان)، ولـيـجـد نـفـسَـه بعـيـدا من وطـنٍ سـرقـتْـه الصّـهيـونـيّـةُ بالقـوّة، وساعـدها على النّـجـاح في المسعـى تـواطـؤٌ دولـيّ وضَـعْـفٌ عـربـيّ مزمـن. مع ذلك، لم يـسْـكُـن بـلالَ الحسـن شعـورٌ بأنّـه لاجئٌ في سورية؛ ليس فـقـط لأنّ سوريـة وطـنُ الفـلسـطينـيّـين وهُـم أبـناءُ جنوبـها، ولا لأنّـها تُـعامِـل الفـلسطيـنـيّـيـن المقـيـميـن فيها معاملـةَ السّـوريّـيـن من غيـر تمـيـيـز، بـل لأنّـه رَبِـيَ في بيـئـةٍ ما كانـت تـقـيم الفـارقَ بين فـلسطـيـنَ ومحـيـطِـها العـربيّ.
هـذا ما يـفـسِّـر، في جملة ما يـفـسِّـره، ميـلَـه المبكّـر إلى الانـتـماء إلى أطـرٍ عربـيّـة للـعـمل السّـياسيّ («حـركة القـوميّـيـن العـرب»)، والعـمـل في مؤسّـساتـها (مجـلّـة «الحـريّـة» والكتابـة فـيها مع ألمـع أقـلامـها (محسـن إبـراهيم، غسّـان كـنـفاني...) في وقـتٍ اجتـمـع فيـه إخـوتُـه الكبـار الرّاحـلون (خالد وعليّ وهـاني الحسن) في «حـركة التّـحريـر الوطـنيّ الفـلسطيـنيّ» («فـتـح») متـقـلّـديـن فيها كبـرى المناصـب والمسؤوليّـات التّـنـظيـميّـة والسّياسيّـة. وحتّـى حينما اقـتضى نضـالُ شعـب فلسطيـن أن يـقـع الإلـحاحُ على الوطـنـيّـة الفـلـسطيـنـيّـة والتّـشـديـدُ على خاصِّـها وتـظـهيـرُه، مخافـةَ سياسات التّـبـديد العربـيّ للشّـخـصيّـة الوطـنـيّـة -وهي السّياسـة النّـاشطـة إذّاك في فـترةٍ تـقع بين منتـصـف السّـتيـنـيّـات وأوائـل السّـبعيـنـيّات- فوجَـد نـفسَـه (في امتـداد انـفـراط عـقـد «حـركة القـوميّـيـن العـرب») يـنـخرط مناضـلا في «الجبـهـة الشّـعـبيّـة لتحـرير فـلسطيـن» وبعـدها عضـوا في قـيـادة «الجبـهة الدّيـمـقراطـيّـة لتحريـر فـلسطيـن» ثـمّ مـمثِّـلا لـها في اللّـجـنـة التّـنـفـيـذيّـة لِـ«منـظّـمـة التّـحريـر الفـلسطيـنـيّـة»، (حتّى حينما حصـل ذلك كـلُّـه) لم يَـحِـد عـن خياره السّياسيّ العـربيّ الذي استـمـرّ يُـفـصِح عنـه، سـياسـيّـا، في مئـات الدّراسات والمقالات التي نشـرتها لـه «السّـفـير» و«شؤون فـلسطيـنـيّـة» و«مجـلّـة الدّراسـات الفـلسـطيـنـيّـة» و«اليـوم السّابـع» و«الحياة» و«الشّـرق الأوسط»، فـتـفـرَّد - مـن دون أقـرانـه من الكـتّاب والصِّحفـيّـين الفلسطينـيّـين- بالدّفـاع المـزدوج (وفي الآن عـيـنِـه) عن استقـلاليّـة القـرار الوطـنيّ الفـلسطيـنـيّ، في مواجـهة محاولات المصادرة العـربيّـة لـه، وعـن عروبة قـضيّـة فـلسطيـن: في مواجهة سياساتٍ انعـزاليّـة فـلسـطيـنـيّـة كانت تـتـنامى، بالتّـدريـج، إلى أن أنجـبت فضيـحة «اتّـفاق أوسلـو» المشؤوم.
ولـقد اختـار بـلال، منـذ تخرّجـه من جامعـة دمشق في مطلـع ستّـينـيّـات القـرن الماضي، العـمل في الصِّـحافة مـدفـوعا في ذلك بتـكـويـنـه الأدبيّ والسّياسيّ وبـتجـربـتـه المبكّـرة في العمـل التّـنظيـميّ في صفـوف «حـركة القـوميّـيـن العـرب» وبـإيمانٍ -سيـزيـد مع الزّمـن رسوخًا- بأنّ القلـم ليس أدنـى مـقامًا من السّـياسـة، ولا هـو أقـلَّ مفـعـوليّـة، في مسـار الثّـورة، ممّـا تـفـعلُـه البنـدقـيّـة، بل ليس من مـوطئِ قـدمٍ للسّـياسة والنّـضال في التّـاريخ إنْ لم يتـوسَّـلا لنـفسيْـهـما لسـانـا نـاطـقـا: واللّسان النّـاطق، عنـد الفـقيـد، لا يعـدو أن يكـون صحافـة أو أدبـا أو فكـرا. ولقـد كانت هـذه جميـعُها مَـهْـواهُ وزادَ قـلبه والرّوح. فـأمّا الصِّـحافـة فكانت صنْـعـتُـه التي احتـرفـها وبـزغ فيها واحتـلّ مـن المراتب ذُراها حتّى صار في عِـداد الجِـلّـةِ الأجَـلّ من الأقـلام الصِّـحافـيّـة العربيّـة في القـرن العـشرين. وأمّـا الأدب فعاقَـرَهُ مـعاقـرةَ المُـدْمِـن عـليه، فكان لا يني يقـرأ ما يصدر من أعمـالٍ روائـيّـةٍ وشعريّـة وكـأنّـه ناقـد أدبيّ محتـرِف، أو أكاديـميّ متخـصّص في الإنـتاج الأدبيّ. وما كانت سيرتُـه مع الفـكـر أقـلّ؛ إذِ انصـرف إلى قـراءة أمّـهات نصوص الفـكـر العربيّ: في دراسات التّـراث والحداثـة والتّاريخ والحضارة. وحيـن تَـقَـلّـد المسؤوليّـة على رأس مجلّـة «اليـوم السّابع» في باريس (1984- 1991)، أَبَى إلاّ أن يجـتـمع في مـنـبره - الفـريـد في تـميُّـزه - هـذا الثّـالوث: الصِّحافة والأدب والفـكـر. هكـذا كنـت تجـد في ضيافـة صِـحافـيّـي المنبـر (بلال الحسن وجوزف سماحـة) نصوص كـبار الأدبـاء وحواراتـهم (محمود درويش وسميح القاسم وإِميل حبيـبي مثـلا) ونصوص كبار المفـكّرين (هشام جـعـيّـط، محمّـد عابـد الجابري، حسن حنـفي، شاكر مصطفى مثـلا).
الهاجسان ذَيْـنـاك، اللّـذان سَـكَـنـاهُ وشَـغـلاهُ (الهاجس العربيّ، وهاجس الجمع بين السّياسة والصِّحـافة والثّـقافـة)، وَجَـدا لنـفسـيهـما عنـده تصـريـفا مناسـبا وناجـحـا من طـريق مجلّـة «اليـوم السّابع» التي كرّسها منـبرا لهـما. نـوّهـنا، قـبْلا، إلى ما كان من إفـراده أوسـعَ المساحات للثّـقافة والأدب والفـكـر، جـنـبا إلى جـنـبٍ مع السّياسـة والعـمل الصِّـحفيّ، ومـن حِـرْصـه على عـدم تَـضْـيِـقَـتها تحت أيّ ظـرفٍ أو طارئٍ سـياسيّ. ولكـن لا يَـعْـزُبُ عن النّـظـر والانـتـباه، في الوقـت عيـنِـه، ما أفـلـح هـذا العـقـلُ الكبـيـرُ في اجتـراحه على سبيـل تـفـعيـل ديـنامـيّـات التّـواصل والحـوار داخـل العـروبة: بين مشارقـها والمـغارب. لقد تنـزّلتِ المجلّـةُ على يـده مساحـة إعلاميّـة رائـدة في مضمـار تعريف المشـرِق والمغـرب العربـيّـين ببعـضـهما. كـأنّـما هـو أرادها «سـفـيـرا» أخرى شعارُها، هـذه المـرّة،: سفـير المشرق في المغرب وسفيـر المغرب في المشرق (على مثـال شعار «السّـفـير»: سفـير لبنان في الوطـن العربيّ، وسـفيـر الوطـن العربيّ في لبـنان). ولسـتُ أَتَـزَيَّـد حيـن أقـول إنّـه ما اجتـمع المغـرب والمشـرق في دوريّـةٍ واحدة نـظيـرَ اجـتـمـاع أقـلامـهما في «اليـوم السّابع»: الدّوريّـة التي نـجـح الفـقـيـدُ بـلال في أن يصـنـع لها ألـمـعـيّـتَـها التي بها انْـمازت وتَـفَـرَّدت عن نظيـراتها في الصِّـحافـة العربـيّـة.
لـن تَـجِـد في الذيـن عـاشروا بـلال الحسن أو عمـلوا معـه أو كانـوا في جملـة أصـدقائـه مَـن يُـرَخِّـص لـنـفسـه إتـيـانَ صغـيـرِ الكـلام في حـقّـه؛ فـلـقـد كان الرّجُـل، بسامـقِ أخـلاقـه، ونبـيـلِ سلوكـه، وعِـفّـةِ لسانـه، وصِـدْقِـه الطّـافـح على صفـحة وجـهه... أعلى من أيّ مَـأخـذٍ قـد يسـوقُه عليه زيـدٌ أو عمـرو من الذيـن كانوا يَـنْـفَـسُون عـليه نَـجَـاحَـهُ وعُـلُـوَّ فُـوقِـهِ أو كان يُـحْـفِـظُـهـم مركـزُه. حتّى خصومه في السّـياسة والصِّـحافـة احتـرموا فيـه رفيـعَ المناقـب التي بـها تَـحلَّى وتَـسَرْبـل؛ المنـاقـبُ التي هي إذْ تـدُلُّ عليه، دلَّـت على شـريـفِ مَـحْـتِـدِه ونـفـيـسِ معْـدِنِـه في آن.
عـاش مـتواضعا، عـزيز النّـفـس، حاملا فـلسطيـنَـه كلّ يـومٍ في القـلب وبيـن الأصابـع، شـاقّـا سبـيل الدّفـاع المـقـدّس عن حـقوق شعبـه وأمّـتـه، جاهـرا بالحـقّ لا يخشى في الأمـر لومـةَ لائـم. لم يـبحث عن صِـيتٍ ومـجْـدٍ؛ أتـاهُ الأخـير يَـطـرُق بابه من غيـر أن يَـغْـرى به أو تـتـعلّـق نفـسُـه بـه. هكـذا هـو أبـو فـراس في سيـرته الإنسانـيّـة البهـيّـةِ الوَضْحَـاء التي لـن يَـقْـطَع صـداها في الأهـلِ والأصـدقـاء والقُـرّاء غيـاب رَحَـل عنّـا في اليـوم عيـنِـه الذي رَحَـل فيه صـديقُـه محمود درويش، قبل ستّـة عشر عامـا، تاركـا إيّـانـا في حـالٍ من اليُـتْـم العاطـفـيّ الذي لا ينـدمـل جـرحُـه...
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
«رمى نفسه بسبب مراته».. التحقيقات تفجر مفاجأة حول سبب وفاة محمد طارق زوج نورا بلال
محمد طارق زوج نورا بلال.. مفاجأة من العيار الثقيل، فجرتها أسرة محمد طارق زوج الميكب أرتست نورا بلال، غيرت مجرى التحقيقات، حيث أكدوا أنه كان يمر بأزمة نفسية خلال الفترة الآخيرة، خاصًة آخر أسبوعين، لوجود خلافات بينه وزوجته، وتوجه إليها في الأمس لمصالحتها لكنها رفضت مما دفعه إلى التخلص من حياته بتلك الطريقة المأساوية، وإلقاء نفسه من مسكنه بالطابق السادس، يالشقة سكنه، بمدينة المحلة الكبرى، ليسقط أرضًا وسط بركة دماء.
سبب وفاة محمد طارقويواصل رجال المباحث بمديرية أمن الغربية، سماع أقوال شهود العيان، وأسرة المتوفي، فضلاً عن فحص كاميرات المراقبة المركبة بمحيط الواقعة، للوقوف على ملابسات الواقعة كاملة، لتستكمل النيابة العامة تحقيقاتها، قبل أن تصرح بدفن جثة المتوفي، فور ورود تقرير الطب الشرعي حول سبب وفاته.
تفاصيل وفاة محمد طارقحالة من الصدمة ممزوجة بحالة من الحزن انتابت نشطاء الفيسبوك، فور تداول منشورات تفيد بوفاة محمد طارق زوج الميكب أرتست نورا بلال، قبل أن يخيم الحزن على بيوت مدينة المحلة الكبرى الكائنة بمحافظة الغربية، وذلك عقب سماع الأهالي خبر وفاته المفجع، ليهرول سكان المدينة المتراصة العقارات إلى منزله لمعرفة ما حدث في صباح ذلك اليوم والمشاركة في مراسم تشييع الجثمان إلى مثواه الآخير.
محمد طارق زوج الميكب أرتست نورا بلال وفاة محمد طارق زوج نورا بلالكان قد تلقى مدير الإدارة العامة لمباحث الغربية، إخطارًا مفاده بورود إشارة من إدارة شرطة النجدة، بوقوع حادث سقوط من علو ووجود متوفي بمدينة المحلة الكبرى، ليوجه مدير المباحث الجنائية بالمديرية، بانتقال قوة أمنية إلى مكان البلاغ للوقوف على ملابسات الواقعة كاملة، وبيان وجود شبهة جنائية حول وفاته من عدمه.
من هو محمد طارق زوج الميكب أرتيست نورا بلال؟سرعان ما انتقلت قوة أمنية إلى مكان البلاغ للوقوف على ملابسات الواقعة كاملة، وبالفحص والمعاينة عثر على جثة محمد طارق زوج نورا بلال، وبإجراء تحريات المباحث وسماع أقوال شهود العيان وأسرة المتوفي تبين وفاته إثر سقوطه من الطابق السادس، ورجحت التحريات الأولية انتحاره لمروره بأزمة نفسية، وتم التحفظ على الجثة تحت تصرف النيابة العامة، وإتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة والعرض على النيابة العامة لتولي التحقيق.
آخر ظهور لمحمد طارق زوج الميكب أرتست نورا بلالمقطع فيديو مصورًا تداوله محبي ومتابعي الفقيد، رصد آخر ظهور له، كان كان قد شارك في واقعة "عروسة المحلة" التي كانت قد تصدرت الترند في الأشهر القليلة الماضية، كما حظت على اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي حينها، وتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي كافة، وذلك بعدما انتشر خبر وفاته كسرعة البرق، وسط تعاطف وحزن محبيه ومتابعيه، والمقربين منه وزوجته، داعين له بالرحمة والمغفرة، قبل أن يطالبوا الجمهور بالدعاء له، متمنيين الصبر والسلوان لأسرته.
اقرأ أيضاًلـ 3 مايو.. تأجيل محاكمة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في الجيزة
عاجل.. حبس رجل الأعمال المتهم بالنصب على «أفشة» 3 سنوات في قضية أخرى
لـ 3 مايو.. تأجيل محاكمة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في البدرشين