لجريدة عمان:
2024-09-11@03:15:37 GMT

مفاوضات جنيف السودانية ومفاجآت الجيش!

تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT

خلال هذا اليوم الخميس 15 أغسطس الجاري تنعقد في جنيف بسويسرا جولة ناقصة من المفاوضات المفترضة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لإنهاء الحرب في السودان، إثر محاولات تم فيها التأجيل أكثر من مرة لتلك المفاوضات بعد أن توقف استئنافها في منبر جدة نوفمبر الماضي.

وتأتي هذه الجولة المهمة برعاية ومشاركة من الولايات المتحدة، وتنظيم كل من المملكة العربية السعودية وسويسرا.

إصرار الجانب الأمريكي على انعقاد الجولة في موعدها وسط مؤشرات عن غياب وفد الجيش السوداني (فيما وصل وفد الفريق المفاوض للدعم السريع منذ يوم أمس) اضطرت الولايات المتحدة إلى أن تمهل الجيش السوداني أياماً ثلاثة لحضور الجلسة بحلول يوم 17 أغسطس، وفي هذا الإمهال من الطرف الأمريكي ما يؤكد اتفاق الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على وضع حد للحرب المأساوية في السودان.

انهيار الوضع في السودان جراء الحرب وخطر الوصول إلى نقطة اللاعودة، كما حذرت من ذلك تقارير أممية متواترة، يجعل المراقب مستغرباً من موقف الجيش الذي بدا من الواضح أن الأسباب التي تمنع مشاركته في مفاوضات جنيف (رغم التمثيل الرفيع للمسؤولين الأمريكيين في رئاسة المفاوضات، كوزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن - ومندوبة الولايات المتحدة في المنظمة الدولة ليندا توماس غرينفيلد) أسباب تتصل بانقسام داخلي دفع الجيش مرتين للانسحاب من مفاوضات منبر جدة 1 و 2 ثم الانسحاب من مفاوضات المنامة خلال ديسمبر الماضي.

ويبدو واضحاً في ظل المخاطر الجسيمة للحرب، وضجر غالبية السودانيين من استمرارها على هذا النحو الخطير، وتداعي الدعوات السودانية والإقليمية والدولية لوقفها؛ أن الذي يمنع الجيش من التفاوض في جنيف هي؛ جهة سياسية في الداخل وترسل رسائل تحدٍ واضحة للمجتمع الدولي والإقليمي بما يجعلهما مدركين تماماً ما قد يترتب عن ذلك التعنّت من عواقب وخيمة، قد تضطر المجتمع الدولي إلى اللجوء لضغوط من نوع آخر على الجيش.

لا زالت هناك مهلة على الطاولة حتى حلول يوم 17 أغسطس، وإذا ما تعنّت الجيش في الرفض على ذلك النحو غير المقبول محلياً وإقليمياً ودولياً؛ فإن الذي يكمن بوضوح وراء ذلك التعنّت هو ما يظنه كثيرون من ارتهان الجيش لجهة سياسية تتحكم فيه، إذ أنه حتى معايير وقواعد الحرب العالمية لا تنطبق على موقف الجيش الذي لم ينتصر في الحرب ولم يجنح إلى السلم.

لطالما فنّد محللون سياسيون أعذاراً واهية للجيش السوداني في تبرير انسحابه من مفاوضات منبر جدة 1، و2 ثم انسحابه ثانياً من مفاوضات اتفاق المنامة السري في ديسمبر الماضي، بعد أن وقّع عليه بالأحرف الأولى كل من نائب قائد الجيش، ونائب قائد الدعم السريع بحضور أطراف دولية وإقليمية نافذة!

لذلك لا نعتقد أن التعنّت الأخير للجيش السوداني في رفض مفاوضات جنيف رفيعة المستوى سيمر بسلام هذه المرة، (حال لم يستدرك الجيش أمره ويلتحق بالمفاوضات في وقت متأخر) لأن الرسائل الخاطئة التي تبعثها مؤشرات الانقسام داخل الجيش تدل بوضوح على هيمنة لعناصر من النظام القديم عليه، تدل كثير من المؤشرات على دورها البارز في إشعال الحرب يوم 15 أبريل 2023م وإلا كيف يمكن تفسير موقف موضوعي للجيش في ظل الوضع الذي أصبح عليه حاله بعد هذه الحرب العبثية التي اضطرت إلى نزوح قيادة الحكومة برئاسة قائد الجيش إلى مدينة بورتسودان بعيداً عن العاصمة بسبب الحرب.

وبالرغم من تأكيد الولايات المتحدة للجيش السوداني أن مفاوضات جنيف هي امتداد لمفاوضات منبر جدة، ومكملة لها، إلا أن الجيش ظل يردد الأحجية التي تضع العربة أمام الحصان، فيما خص النقاش حول مفاوضات منبر جدة عبر بلاغة نسقية ضارة لا تعكس إلا انفصالاً خطيراً عن واقع أهوال الحرب وآثارها الكارثية المدمرة على حياة السودانيين.

ففي ظل نزوح أكثر من 12 مليون داخل السودان بسبب الحرب، وشبح المجاعة الذي يتهدد أكثر من 25 مليون سوداني والتقارير المفزعة للأمم المتحدة، لا يمكننا التسليم بأن موقف الجيش - والحالة هذه - مجرد وجهة نظر، لأن تخلف الجيش عن مفاوضات جنيف، سيعني احتمالاً لعواقب وخيمة تلوح في الأفق!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة مفاوضات منبر جدة مفاوضات جنیف من مفاوضات

إقرأ أيضاً:

تراجع الذهنية السودانية خلال الحرب !

تراجع الذهنية السودانية بعد الحرب وسيطرة السلوك الهمجي على حياتنا , خلال السنوات الأخيرة، شهد السودان تحولاً كبيراً في بنيته الاجتماعية والثقافية، خاصة بعد اندلاع الحرب الأهلية التي أججت العنف والفوضى في البلاد. هذا التحول لم يكن مقتصراً فقط على الدمار المادي أو السياسي، بل امتد ليشمل تراجعًا ملحوظًا في الذهنية السودانية وتغيراً جذرياً في السلوك المجتمعي. المثقف، الذي كان في يوم من الأيام رمزًا للوعي والتغيير، تراجع دوره بشكل لافت، وانحسر تأثيره وسط سيطرة السلوك الهمجي على الحياة العامة.
المثقف بين الأمس واليوم
في الماضي، كان المثقف السوداني يشغل مكانة مرموقة في المجتمع، يُنظر إليه باعتباره ضمير الأمة، والمسؤول عن توجيه الرأي العام نحو مستقبل أفضل. كان الأطباء والمدرسون والكتاب قادة الفكر، وهم من كانوا يقودون حوارات التغيير والتطوير. لكن مع تعاقب الأزمات وتفاقم الحرب، فقد المثقف دوره الريادي. تراجع حضوره الاجتماعي والسياسي، وأصبح محاصراً في دائرة ضيقة من التأثير، متخلياً عن مسؤولياته تجاه المجتمع.
هذا التراجع لم يكن بسبب قصور في المثقف نفسه، بقدر ما هو نتاج لعدة عوامل متشابكة. الحرب خلقت واقعاً جديداً، حيث لم تعد الثقافة أو الفكر أو الإبداع تُقدَّر بنفس الطريقة التي كانت تُقدَّر بها في السابق. انزوت الفكرة، وانكمشت القدرة على التفكير النقدي، لتحل مكانها أنماط من الفوضى والعنف الهمجي.
سيطرة السلوك الهمجي
مع تفكك البنى المجتمعية التقليدية بفعل الحرب، ظهرت أنماط جديدة من السلوك تهيمن عليها الفوضى والعنف. في غياب القانون وضعف المؤسسات، طفت على السطح القيم الغوغائية، وأصبحت لغة القوة والسلاح هي المهيمنة. في هذا السياق، انتشرت موجات من السلوك الهمجي في التعامل بين الأفراد والجماعات. تفاقمت هذه الحالة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت منصة للفوضى الفكرية والتلاعب بالعقول، وظهر قادة رأي جدد لا يمتلكون إلا القدرة على إثارة الغرائز والشحن العاطفي.
أسباب تراجع المثقف السوداني , من الأسباب الرئيسية لتراجع المثقف السوداني , هي انهيار النظام التعليمي: الحرب دمرت البنية التحتية للتعليم وأضعفت قدرة النظام التعليمي على تخريج كوادر قادرة على التفكير النقدي والمساهمة في الحياة العامة.
الضغط الاقتصادي: هجرة الكثير من العقول السودانية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، والتي بدورها حرمت البلاد من الكفاءات القادرة على تقديم حلول للأزمات.
ضعف المؤسسات الثقافية: تفكك المؤسسات الثقافية التي كانت في الماضي توفر منصات للحوار والتفكير، وتراجع دور النقابات المهنية والمؤسسات الأكاديمية.
تأثير الحرب على الذهنية السودانية
الحرب لا تقتصر آثارها على الجانب المادي فقط، بل تمتد لتشمل الجانب النفسي والعقلي. في ظل الحرب، تم تشكيل عقلية جديدة تقوم على الصراع والقوة. غابت القيم التي تقوم على الحوار والتسامح، وتم استبدالها بثقافة العنف والإقصاء. فقدان المثقف لدوره أفسح المجال لتلك العقلية الهمجية، حيث أصبح الصوت الأعلى هو صوت من يملك القوة، وليس من يملك الحجة أو الفكرة.
ضرورة إعادة الاعتبار للثقافة والتعليم
إذا كان هناك أمل في استعادة السودان لمكانته الثقافية والفكرية، فإن الحل يبدأ من إعادة الاعتبار للثقافة والتعليم. لا يمكن للسودان أن يستعيد عافيته بدون دور فعّال للمثقفين والمفكرين، والذين يجب أن يعودوا للواجهة ويشاركوا في رسم مستقبل البلاد. يجب أن يكون هناك استثمار حقيقي في التعليم، وإعادة بناء المؤسسات التي تدعم الفكر الحر والإبداع. كما يجب أن يتم منح المثقف المكانة التي يستحقها، وأن يُدعم دوره كصاحب رأي مؤثر في الحياة العامة.
الحرب في السودان لم تدمر البنى التحتية فقط، بل امتدت آثارها لتشمل العقلية السودانية نفسها، التي تحولت من الحوار والتفكير إلى العنف والفوضى. المثقف الذي كان في الماضي رمزًا للتغيير والتقدم، انسحب إلى الخلف، مفسحًا المجال لسلوكيات همجية هيمنت على المجتمع. الحل يكمن في العودة إلى العلم والثقافة، واستعادة المثقف لدوره المحوري في توجيه المجتمع نحو مستقبل أفضل.

زهير عثمان

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • المبعوث الأميركي يرسل إشارات لإحياء المشاورات مع الجيش السوداني
  • مستوطنة من غلاف غزة: انتهى عقدنا مع الجيش الذي فشل في 7 أكتوبر
  • اتفاقية جنيف في السرايا...تحييد المدنيين أولوية
  • الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء جديدة شمال غرب غزة
  • انطلاق الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف
  • بدء اجتماع مجلس حقوق الإنسان في جنيف برئاسة المغرب
  • افتتاح الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف
  • من بورتسودان.. الصحة العالمية تعلن حصيلة هائلة لقتلى الحرب السودانية
  • تراجع الذهنية السودانية خلال الحرب !
  • النائب العام السوداني يعتزم مواجهة تقرير بعثة التقصي في جنيف