على نفتالي بينيت أن يطيح بنظامي حكم
تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT
كانت المرة الأخيرة التي التقيت فيها بنفتالي بينيت في بيته بشمال تل أبيب ولم يمضِ وقت طويل على هجمات السابع من أكتوبر وقبيل توغل الجيش الإسرائيلي في غزة، بدا رئيس الوزراء الإسرائيلي قلقا من حمام دم، وكانت لديه أيضا خطة لاجتناب ذلك.
وضع بينيت -الذي اتسمت فترة حكمه القصيرة من 2021 إلى 2022 باتساع النطاق الأيديولوجي لحكومته- مفهوما من أربعة أجزاء: الاستيلاء على أطراف غزة دونما احتلال لمدنها، إمداد أهل غزة بالطعام والماء والدواء والملاذات الآمنة دون الوقود الذي تحتاج إليه حماس لتشغيل أنفاقها، استعمال «سلسلة من الغارات البرية المستهدفة المستمرة والمتواصلة» من أجل تخفيض تدريجي لجيش حماس وتدميره على مدى أشهر أو أعوام، وأخيرا توفير ممر خروج من غزة لمقاتلي حماس الراغبين في الاستسلام، وقد يكون ذلك في مقابل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين.
تجاهل نتنياهو النصيحة، وبعد عشرة أشهر من الحرب الطاحنة، لم تحقق إسرائيل أيا من أهدافها الأساسية، فلم تنهزم حماس، ولا يزال قائدها يحيى السنوار على حريته وله مطالبه، ولا يزال عشرات الرهائن أسرى، وعشرات آلاف الإسرائيليين لا يزالون عاجزين عن الرجوع إلى بيوتهم، والبلد منقسم كما كان وأكثر انعزالا من ذي قبل، ويتأهب الإسرائيليون لحرب كبرى متعددة الجبهات ضد إيران ووكلائها.
فما الذي كان يمكن أن يريده بينيت من إسرائيل الآن؟ في ظل أن استطلاعات الرأي تظهره متعادلا مع نتنياهو أو متفوقا عليه بوصفه الشخص الذي يريده الإسرائيليون رئيسًا للوزراء فإن لرأيه أهميته.
قال لي بينيت الأسبوع الماضي حينما التقيت به في نيويورك «إنني أرى الكلمات توجه رسالة بينما الأفعال توجه رسالة مناقضة»، وكان يقصد بذلك سلوك نتنياهو في حرب غزة، لكنه كان يفكر أيضا في أسلوبه تجاه إيران التي باتت الآن أقرب من ذي قبل من تحقيق فتح نووي، برغم سنوات من تعهدات رئيس الوزراء العلنية بألا يسمح للجمهورية الإسلامية بالاقتراب من القنبلة إلى هذا المدى.
في ما يتعلق بغزة، رأى بينيت مساري عمل يمكن الدفاع عنهما، الأول -وهو الذي يفضله بوضوح- زيادة قصيرة وحادة وحاسمة في القوات من شأنها أن تقضي على حماس، إذ قال بينيت «لو أنك في حلبة ملاكمة وقد وجهت لخصمك للتو ضربة فإذا به يترنح، فإنك تستجمع قوته وتوجه لكمة أخرى». والخيار الثاني هو التوصل إلى صفقة رهائن، وإعلان وقف لإطلاق النار و«إرجاء القتال ليوم آخر». وهذا ما تفضله إدارة بايدن بوضوح، ولكن الأمر يتوقف بالنسبة لإسرائيل على أسئلة تتعلق باحتياطياتها والمدى الذي يمكنها فيه تحمل حرب شديدة الحدة.
ولكن ما يفعله نتنياهو هو غير هذا وذاك. فهو يتكلم بلسانين مختلفين، مراوحا بين الوعود بـ«النصر الكامل» والصفقة الفورية لإعادة رهائن إسرائيل إلى الوطن. وفي الوقت نفسه، يخوض حرب استنزاف قليلة الحدة، شبيهة باستراتيجية وليم وستمورلاند في فيتنام ضد عدو لا يكف عن تجديد قواه من دون أن تلوح نهاية في الأفق.
قال بينيت «إنني أعلم أن هناك عددا من القتلى في صفوف حماس، وحينما تحصر القتلى، فإنك تفترض وجود عدد نهائي من المقاتلين». وأضاف قائلا عن حماس «ولكن لديهم شعبا كاملا من مليون نسمة يمكن الاعتماد عليه. فبوسعهم تجنيد عشرة آلاف آخرين في هذه الأثناء. وما هكذا ننتصر في الحرب».وهناك أيضا فشل نتنياهو الرهيب، وهو إيران. فعلى مدى سنين يحذر بينيت من «استراتيجية الأخطبوط» التي تتبعها إيران إذ يقيم نظامها الحاكم «وكلاء ومخالب في الشرق الأوسط كله والعالم ويمولهم ويسلحهم ويوجههم، ولا يكاد يدفع ثمنًا لذلك». وعلى مدى أكثر من عشرين سنة، قويت أذرع الأخطبوط -في لبنان وغزة والضفة الغربية وسوريا والعراق واليمن- بينما يصر نتنياهو على ضرورة أن ينصب التركيز على برامج إيران النووية.
«فجنينا الأمرين» كما قال بينيت في أسى، إذ أقامت طهران «إمبراطورية من الصواريخ والإرهاب» تطوق إسرائيل. لكن نتنياهو لم ينفذ القرارات بضرب منشآت إيران النووية حينما كانت الفرصة الواقعية سانحة لتدميرها في بداياتها. الآن باتت إيران فعليا على عتبة أن تصبح دولة ذات قوة نووية، قادرة على «إنتاج سريع لليورانيوم الملائم للأسلحة، في العديد من المنشآت، إن ارتأت أن تفعل ذلك» حسبما أشارت وثيقة معلومات أمريكية غير سرية وحديثة.
لو أن إيران قادرة على نشر رؤوس نووية على صواريخ بالستية -أو اقتسامها مع وكيل من قبيل حزب الله- فسوف تكون الدولة اليهودية على طريق الزوال. والسياسة الوحيدة القادرة على منع ذلك حسبما نبه بينيت هي «الإطاحة بالنظام الحاكم في إيران قبل أن يمتلك فعليا سلاحا نوويا».
وهو لا يتخيل تغييرًا للنظام على الطريقة العراقية، إذ تتقدم جيوش أجنبية نحو العاصمة. فإسرائيل لا تستطيع أن تقوم بذلك، ولا الأمريكيون قادرون.
ولكن في ذهنه بدلا من ذلك ما جرى في الاتحاد السوفييتي في الثمانينيات من القرن الماضي. ذلك أيضا كان نظام حكم هرما «متيبسا ومفككا» كما قال و«عميق الفساد والعجز ويحتقره شعبه». ولقد سقط الاتحاد السوفييتي جزئيا بسبب فرط ثقله. ولكنه أيضا تلقى ركلات في كعبيه - بانهيار عائدات النفط، والنزيف البطيء في أفغانستان، والدعم الغربي السري للحركات المعارضة من قبيل (التضامن) والرؤية الواضحة لهدف السياسة الغربية وهو انهيار الإمبراطورية الشيوعية، وليس الإدارة الدقيقة للوضع القائم.
يرى بينيت أن الفرصة مع إيران هي أن «رأس الأخطبوط أضعف كثيرا، وأكثر هزالا وأعجز عن احتمال الخطر من أذرعه. فما أحمقنا إذ ننخرط في حرب مع الأذرع في حين أن بوسعنا التعامل مع الرأس». يعني ذلك استئناف العقوبات الاقتصادية المشددة - فبفضل الإعفاءات المقدمة من الإدارة الأمريكية تقوم إيران اليوم بتصدير قرابة أربعة أمثال ما كانت تصدره من النفط قبل أربع سنوات - وتقوية حركة المعارضة الإيرانية وخاصة في ما يتعلق بمعدات الاتصالات.
وتلك جهود لا يمكن أن يقوم بها إلا رئيس أمريكي. فماذا عن الأزمة الراهنة مع إيران؟
سألت بينيت عن توقيت اغتيال إسماعيل هنية زعيم حماس في طهران. فقال بعد أن سكت طويلا «من الصعب للغاية اختيار أفعال معينة في ظل غياب استراتيجية» لكنه نبه أيضًا إلى أن إيران «لديها نقاط ضعف هائلة، وبخاصة في قطاع الطاقة، الذي يتركز إلى حد كبير في عدد قليل من المفاصل التي يمكن التعامل معها. ويجدر بالإيرانيين أن يخافوا الآن وليس العشرة مليون إسرائيلي. فهذه الطريقة السلبية التي يتولى بها أعداؤنا زمام الأمور ليست الطريقة الإسرائيلية».ترك بينيت رئاسة الوزراء وهو يتعهد بالبقاء بعيدا عن السياسة لعقد من الزمن على الأقل. وتركني دون أدنى شك في أنه على وشك الرجوع، بهدف الإطاحة بالائتلاف الحاكم عبر مناورات برلمانية خلال العام الحالي ثم خوض الانتخابات. وتعهد بتنظيف للبيت من شأنه أن يساعد على توحيد الإسرائيليين مرة أخرى.
قال: إنه «يجب تغيير جميع القيادات الكبرى في إسرائيل، في السياسة والجيش». فمن أجل إلحاق هزيمة بنظام حكم، لا بد أولا من إلحاق هزيمة بنظام حكم.
بريت ستيفنز من كتاب الرأي في نيويورك تايمز، متخصص في الشؤون الخارجية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
“هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق
وأكمل بالقول: “معظم فترة الحرب، رفض نتنياهو مناقشة الترتيبات لما بعد الحرب في قطاع غزة، ولم يوافق على فتح باب لمشاركة السلطة الفلسطينية في غزة، واستمر في دفع سيناريو خيالي لهزيمة حماس بشكل تام. والآن، من يمكن الاعتقاد أنه اضطر للتسوية على أقل من ذلك بكثير”.
ورأى هرئيل أن رئيس حكومة العدو، هذا الأسبوع، قد حقق ما أراده، إذ إن حماس وضعت عوائق في طريق تنفيذ الدفعات التالية من المرحلة الأولى في صفقة الأسرى، لكن نتنياهو تمكن من التغلب عليها، على حد تعبيره، موضحًا أنه: “حتى منتصف الليل يوم الأحد، تأخر نتنياهو في الموافقة على عبور مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال القطاع، بعد أن تراجعت حماس عن وعدها بالإفراج عن الأسيرة أربيل يهود من “نير عوز””، ولكن بعد ذلك أعلنت حماس نيتها الإفراج عن الأسيرة، وفق زعمه، فعلّق هرئيل: “حماس وعدت، والوسطاء تعهدوا، أن يهود ستعود بعد غد مع الجندية الأخيرة آغام برغر ومع أسير “صهيوني” آخر، والدفعة التالية، التي تشمل ثلاثة أسرى “مدنيين” (من المستوطنين)، ستتم في يوم السبت القادم”. لذلك، قاد تعنّت نتنياهو – ومنعه عودة النازحين الفلسطينيين – على تسريع الإفراج عن ثلاثة أسرى صهاينة في أسبوع، على حد ادعاء الكاتب.
تابع هرئيل: “لكن في الصورة الكبيرة، قدمت حماس تنازلًا تكتيكيًّا لإكمال خطوة استراتيجية، أي عودة السكان إلى شمال القطاع”، مردفًا: “أنه بعد عودتهم إلى البلدات المدمرة، سيكون من الصعب على الكيان استئناف الحرب وإجلاء المواطنين مرة أخرى من المناطق التي عادت إليها حتى إذا انهار الاتفاق بعد ستة أسابيع من المرحلة الأولى”، مضيفًا: “على الرغم من نشر مقاولين أميركيين من البنتاغون في ممر “نِتساريم” للتأكد من عدم تهريب الأسلحة في السيارات، لا يوجد مراقبة للحشود التي تتحرك سيرًا على الأقدام، من المحتمل أن تتمكن حماس من تهريب الكثير من الأسلحة بهذه الطريقة، وفق زعمه، كما أن الجناح العسكري للحركة، الذي لم يتراجع تمامًا عن شمال القطاع، سيكون قادرًا على تجديد تدريجي لكوادره العملياتية”.
وادعى هرئيل أن حماس تلقت ضربة عسكرية كبيرة في الحرب، على الأرجح هي الأشد، ومع ذلك، لا يرى أن هناك حسمًا، مشيرًا إلى أن هذا هو مصدر الوعود التي يطلقها “وزير المالية في كيان الاحتلال” بتسلئيل سموتريتش، المتمسك بمقعده رغم معارضته لصفقة الأسرى، بشأن العودة السريعة للحرب التي ستحل المشكلة مرة واحدة وإلى الأبد، ويعتقد هرئيل أن: “الحقيقة بعيدة عن ذلك، استئناف الحرب لا يعتمد تقريبًا على نتنياهو، وبالتأكيد ليس على شركائه من “اليمين المتطرف”، القرار النهائي على الأرجح في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن المتوقع أن يستضيف الأخير نتنياهو قريبًا في واشنطن للاجتماع، وهذه المرة لا يمكن وصفه إلا بالمصيري”.
وأردف هرئيل ، وفقا لموقع العهد الاخباري: “ترامب يحب الضبابية والغموض، حتى يقرر، لذلك من الصعب جدًّا التنبؤ بسلوكه”، لافتًا إلى أنه وفقًا للإشارات التي تركها ترامب في الأسابيع الأخيرة، فإن اهتمامه الرئيسي ليس في استئناف الحرب بل في إنهائها، وأكمل قائلًا: “حاليًا، يبدو أن هذا هو الاتجاه الذي سيضغط فيه على نتنياهو لإتمام صفقة الأسرى، وصفقة ضخمة أميركية – سعودية – صهيونية وربما أيضًا للاعتراف، على الأقل شفهيًّا، برؤية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية”.
وقال هرئيل إن “نتنياهو، الذي أصرّ طوال السنوات أنه قادر على إدارة “الدولة” (الكيان) وأيضًا الوقوف أمام محكمة جنائية، جُرّ أمس مرة أخرى للإدلاء بشهادته في المحكمة المركزية، رغم أنه يبدو بوضوح أنه لم يتعاف بعد من العملية التي أجراها في بداية الشهر، واستغل الفرصة لنفي الشائعات التي تفيد بأنه يعاني من مرض عضال، لكنه لم يشرح بشكل علني حالته الصحية”، مشددًا على أن نتنياهو الآن، من خلال معاناته الشخصية والطبية والجنائية والسياسية، قد يُطلب منه مواجهة أكبر ضغط مارسه رئيس أميركي على رئيس وزراء الكيان الصهيوني.