لجريدة عمان:
2025-01-03@04:17:49 GMT

أمريكا وانتخاباتها المناخية

تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT

كل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا تـمر دون أن يترتب عليها عواقب مهمة، لكن الناخبين الأمريكيين يواجهون قرارًا خطيرًا إلى حد غير عادي في عام 2024. فسوف تؤثر نتيجة الانتخابات الرئاسية هذا العام على السياسة الخارجية، والسياسة الاجتماعية، وسلامة النظام السياسي ذاته في الولايات المتحدة. لكن أيا من عواقبها لن تكون أعمق أو أبعد مدى من تلك التي قد تخلفها على الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.

أثناء رئاسته، سَـحَـب دونالد ترامب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، في حين عادت الولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن إلى الانضمام إليها، وتعهد ترامب بالتوسع في إنتاج النفط والغاز، كما تعهدت حملته بأنه سيسحب الولايات المتحدة مرة أخرى من اتفاقية باريس إذا فاز بولاية ثانية.

في المقابل، دعمت نائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية للرئاسة، الصفقة الخضراء الجديدة، وهي خطة طموحة وضعها الكونجرس للتصدي لتغير المناخ، أثناء خدمتها في مجلس الشيوخ في عام 2019، وبصفتها المدعي العام لولاية كاليفورنيا، حققت في ممارسات صناعة النفط، وحصلت على تسوية من شركة تابعة لشركة بريتيش بتروليوم بسبب انفجار خزانات غاز تحت الأرض، فضلا عن توجيه اتهامات ضد مشغل خط أنابيب مقره تكساس بسبب تسرب نفطي ضار بالبيئة.

من الواضح أن مواقف المرشحين بشأن أزمة المناخ شديدة التباين، ولكن قد يتساءل المرء: ما هي الكارثة التي قد تترتب على سحب ترامب المنتخب حديثًا الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمرة الثانية، إذا كان بوسع الرئيس القادم، كما فعل بايدن، العودة ببساطة إلى الانضمام إليه؟ في الواقع، يدرك مستشارو ترامب هذا الاحتمال. ويُـقال إنهم يعملون على صياغة أوامر تنفيذية من شأنها أن تُـخـرِج الولايات المتحدة ليس فقط من اتفاق باريس للمناخ بل أيضا من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي تُـعَـد الأساس الذي بُـني عليه اتفاق باريس. ومن ثم فإن إبطال هذه الخطوة يتطلب موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي. ولا يمكن اعتبار موافقة مجلس الشيوخ أمرا مفروغا منه، نظرًا لتمثيل ولايات غنية بالنفط والغاز بوفرة في هذا المجلس.

علاوة على ذلك، من شأن رئاسة ترامب أن تهدد اتفاقيات مناخ ثنائية أخرى، قائمة ومحتملة. في الوقت الحالي، أصبحت اتفاقية المناخ المحتملة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تهدف إلى التوفيق بين الأساليب المختلفة التي ينتهجها كل من الاقتصادين في كبح جماح الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، في حالة جمود بسبب اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية.

جمع الاتحاد الأوروبي بين نظام تصاريح الحد الأقصى والمقايضة وآلية تعديل الكربون الحدودية (CBAM) - هي في واقع الأمر ضريبة تُـفـرَض على المحتوى الكربوني المكافئ في الواردات من البلدان التي تقاعست عن تحديد سعر مناسب للانبعاثات. ولأن مناقشة سعر الكربون أمر غير وارد في الكونجرس الأمريكي، فقد مضت إدارة بايدن بدلا من ذلك في تقديم إعانات الدعم للإنتاج المنخفض الكربون في صناعات الصلب والألمنيوم ومنتجات أخرى.

من غير المرجح أن يستمر ترمب في تقديم إعانات دعم صديقة للمناخ، ناهيك عن الاستمرار في المفاوضات. وعلى هذا فمن المنتظر أن يطبق الاتحاد الأوروبي آلية تعديل الكربون الحدودية على الصادرات الأمريكية بشكل كامل. وسوف تُـفـضي هذه الخطوة لا محالة إلى إجراء انتقامي من جانب الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، في أواخر العام الماضي، تفاوضت الولايات المتحدة والصين بنجاح على بيان سانيلاندز الذي يؤكد التزامهما بالعمل معا لمكافحة تغير المناخ. كان هذا الالتزام من قبل أكبر اقتصادين في العالم بالحد من الانبعاثات مرهونا، من جانب كل من الدولتين، باستعداد الأخرى للقيام بالمثل. من اللافت للنظر أن الصين وافقت لأول مرة على إضافة الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي غير الكربونية - بما في ذلك الميثان، وأكسيد النيتروز، والمركبات الهيدروفلوروكربونية المستخدمة في تصنيع مكيفات الهواء - إلى اتفاقياتها السابقة.

بالطبع، أصر ترامب على أن الصين «تخدع» شركاءها الدوليين. وإذا تراجعت الولايات المتحدة عن التزاماتها المناخية، فسوف يكون لدى الصين كل الحوافز للقيام بالمثل. وسوف تكون الرسوم الجمركية بنسبة 60% التي اقترح ترامب فرضها على جميع الواردات من الصين بمثابة مسمار آخر في نعش بيان سانيلاندز.

من ناحية أخرى، سوف تسعى هاريس إلى تنشيط هذه المفاوضات، على الأقل إذا كان لنا أن نسترشد بدعمها للصفقة الخضراء الجديدة. لكنها تستطيع أيضًا أن تفعل أكثر من ذلك. فبوسعها أن تثبت استقلالها عن الرئيس السابق لها بإزالة الرسوم الجمركية العقابية التي فرضها بايدن على الواردات من المركبات الكهربائية الصينية، وبطاريات الليثيوم أيون، والألواح الشمسية (التي تغطي أيضا المعدات الشمسية الـمُـنـتَـجة بواسطة شركات صينية في ماليزيا، وكمبوديا، وتايلاند، وفيتنام).

تستند هذه الرسوم الجمركية إلى مبررات شَـتّـى. فهي تؤمن سلاسل التوريد المحلية. وهي تعوض عن الإعانات غير العادلة والإغراق من جانب الصين. وهي تمنح المصانع الأمريكية الوقت الكافي للتحرك إلى مستوى أدنى على منحنى التعلم الإنتاجي وخفض التكاليف في صناعات رئيسية كانت لتخضع لولا هذه الرسوم لهيمنة منافس استراتيجي.

وهي تَـعِـد بالأمل في خلق وظائف تصنيع إضافية. الحق أنها أهداف نبيلة. لكنها تأتي على حساب إعاقة التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الانبعاثات. الواقع أن منع المركبات الكهربائية الصينية الاقتصادية يشجع سائقي السيارات في الولايات المتحدة على التمسك بمحركات الاحتراق الداخلي. كما أن فرض الضرائب على الألواح الشمسية الصينية يثبط من إقبال الأسر الأمريكية على تركيب ألواح خفيفة قابلة للتشغيل الفوري على شرفاتها، كما يفعل الألمان.

وعلى هذا فإن الرئيسة هاريس ستواجه معضلة. فسوف يكون لزاما عليها أن تقرر ما إذا كانت لتعطي الأولوية لوظائف التصنيع المحلية والاستقلال الاقتصادي عن الصين على مكافحة تغير المناخ. لا مفر من المقايضة. لكن هذا هو النوع من الأسئلة التي يُنتَـخَب الرؤساء ليبتوا فيها.

باري آيكنجرين أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وهو مؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك في الدفاع عن الدين العام.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة تغیر المناخ التی ت

إقرأ أيضاً:

بسبب تغير المناخ.. قناة بنما تواجه مشكلة كبيرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقالة للدكتور هوجان الذى يُدرِّس فى برنامج التاريخ والأدب فى جامعة هارفارد، وتتركز أبحاثه على أمريكا الوسطى والولايات المتحدة فى القرنين التاسع عشر والعشرين.

وقال أنه فى عام ٢٠٢٣، وخلال رحلة بحثية إلى بنما، حجزت جولة ليوم واحد لزيارة قناة بنما. توقعت أن أسمع القصة المعتادة عن بناء القناة الملحمي، وأهميتها فى التجارة العالمية، وتوسيعها الناجح لاستيعاب السفن الحديثة الأكبر حجمًا. ما لم أتوقعه هو الشعور الغامر بالقلق، بل وحتى الذعر، بين الأشخاص الذين تعتمد معيشتهم على القناة.

كان ذلك فى يوليو، منتصف موسم الأمطار فى بنما. لكن الأمطار كانت شحيحة، ومستويات المياه فى القناة انخفضت إلى مستويات مقلقة. وشرح مرشدنا أن الأقفال فى القناة لا يمكنها العمل دون المياه العذبة القادمة من الأمطار.

تذكرت تلك الزيارة عندما قال الرئيس المنتخب دونالد ترامب مؤخرًا إن الصين تهدد مصالح أمريكا فى القناة، وألمح إلى إمكانية استعادة السيطرة الأمريكية على الممر، الذى أُعيد إلى بنما قبل ٢٥ عامًا تمامًا.

كانت معاهدات تسليم القناة إنجازًا بارزًا للرئيس جيمى كارتر، الذى توفى يوم الأحد الماضي؛ وتعليقات ترامب تأتى فى سياق انتقادات طويلة الأمد ترى أن تسليم القناة كان خطأً استراتيجيًا.

لكن ترامب يسيء فهم التهديد الحقيقى للتجارة الأمريكية عبر بنما. إذا كان الهدف هو ضمان الوصول الميسور إلى هذا الممر على المدى الطويل، فإن ما يجب أن يقلق صناع السياسة الأمريكيين هو التغير المناخي، وليس النفوذ الصيني.

وإليكم السبب: عبور سفينة واحدة عبر أقفال القناة يمكن أن يستهلك حوالى ٥٠ مليون جالون من المياه، معظمها مياه عذبة يتم جمعها من بحيرة جاتون وهى بحيرة اصطناعية كبيرة تقع فى جمهورية بنما، وتشكل جزءا رئيسيا من القناة، تحمل السفن لمسافة ٣٣ كم خلال عبورهم خلال برزخ بنما.

ورغم أن القناة تعمل حاليًا بكامل طاقتها، فإن المناخ الأكثر جفافًا وزيادة الطلب على مياه الشرب أديا فى السنوات الأخيرة إلى تقليص حجم المياه المتاحة. وقد أجبرت هذه الظروف هيئة قناة بنما، التى تديرها الدولة، فى بعض الأحيان على تقليل عدد العبور اليومى للسفن عبر القناة، وصل فى إحدى المرات إلى نسبة ٤٠٪.

ومع انخفاض هطول الأمطار، تمتلئ الخزانات بوتيرة أبطأ، مما يعنى توفر كمية أقل من المياه لتشغيل الأقفال، وبالتالى عدد أقل من السفن يمكن أن يعبر.

لهذا السبب، أدى الجفاف فى عامى ٢٠٢٣-٢٠٢٤، الذى يُعد من بين الأسوأ فى السجلات، إلى إبطاء العبور ورفع أسعار المرور، مما تسبب فى تأخيرات طويلة، وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وزيادة عدم الاستقرار فى مسارات الشحن. ربما كانت هذه الزيادات هى ما أشار إليه السيد ترامب بوصفها «عملية احتيال».

وتعتبر قناة بنما ثانى أهم ممر مائى صنعه الإنسان بعد قناة السويس، وهى من أعظم الإنجازات الهندسية فى القرن العشرين، حيث تربط بين المحيطين الأطلسى والهادئ، وافتتحت فى عام ١٩١٤، وسجلت مرور أكثر من مليون سفينة.

ويبلغ طولها ٧٧ كيلومترًا، وتمتد من خليج ليمون فى المحيط الأطلسى إلى خليج بنما على المحيط الهادئ، ويقع أضيق جزء منها فى معبر جايلارد، بعرض يبلغ نحو ١٥٠ مترًا، أما أوسع أجزائها فيقع فى بحيرة جاتون الاصطناعية، التى تغطى مساحة تصل إلى ٤٢٢ كيلومترًا مربعًا.

تحيط بالقناة من الجهتين بحيرات عدة مثل بحيرة جاتون، التى تمثل مخزنًا رئيسيًا للمياه اللازمة لعمل القناة، وتمتاز تلك المنطقة بطبيعة غنية بالغابات المطيرة والتنوع البيئي.

وتعد قناة بنما شريانًا للاقتصاد والتجارة الأمريكية، حيث أن الولايات المتحدة هى أكبر مستخدم للقناة. وتمثل السفن الأمريكية نحو ٧٣ فى المئة من حركة القناة، وتمر ٤٠٪ من إجمالى حركة الحاويات الأمريكية عبر القناة كل عام.
 

مقالات مشابهة

  • ترامب: فترة بايدن الرئاسية كانت كارثة بالمطلق على الولايات المتحدة
  • بسبب تغير المناخ.. قناة بنما تواجه مشكلة كبيرة
  • “أراكم في20يناير”.. ترامب ينتقد الحكومة الحالية ويعد بإعادة عظمة أمريكا
  • مجزرة جديدة في الولايات المتحدة.. مسلح يفتح النار عشوائياً في نيويورك
  • الولايات المتحدة تعيد المعتقل في سجن جوانتانامو رضا اليزيدي إلى تونس
  • أمريكا.. انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس
  • الولايات المتحدة ليست مستعدة اقتصاديا لحرب بين الصين وتايوان
  • الصين وأميركا 2025 .. صراع مستمر مرشح للتصاعد مع تولي ترامب الرئاسة
  • ترامب: معدل الجريمة في الولايات المتحدة بلغ مستوى لم تشهده من قبل
  • الصين وأميركا في 2025.. حرب وشيكة أم دبلوماسية ستغير شكل العالم؟