لا يختلف اثنان على أن غياب المجالس الشعبية المنتخبة منذ تجميدها فى أعقاب ثورة 25 يناير، قد أوجد فراغا سياسيا واجتماعيًا كبيرًا، أثر وبشكل سلبى على شتى مجالات التنمية فى مصر منذ حل هذه المجالس بمقتضى القانون رقم 116 لسنة 2011.
ورغم مرور أكثر من 13 عاما على هذا الفراغ المخالف للدستور (دساتير 1923و1930 1971و2014) ولم يصدر بعد القانون الجديد النائم فى أدراج البرلمان، وهو ما دعا الحوار الوطنى إلى المطالبة بسرعة إصداره كمطلب شعبى وجماهيرى للوفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطن وتحقيق أمله فى تحقيق رقابة شعبية حقيقية لأجهزة المحليات بدءا من المحافظ وحتى أصغر موظف فى الوحدات المحلية للمدن والقرى بمختلف المحافظات.
وإيمانا بدور هذه المجالس التى تضم نحو 52 ألف عضو تقريبا، وضرورة عودتها كأداة سياسية شعبية ينبغى أن تواكب تحديات الدولة المصرية والجمهورية الجديدة، سأرصد هنا وعبر سلسلة من المقالات تاريخ الإدارة المحلية فى مصر وما الفرق بين نظامى الحكم المحلى والإدارة المحلية وأى من النظامين يصلح لبلادنا، مرورا بطريقة انتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية وأهدافها واختصاصاتها وصلاحياتها والعقبات التى تواجهها، بالإضافة إلى سبل تمويلها وتحقيق استقلالها، ونهاية بضرورة تغيير قانون الإدارة المحلية وإستبداله بقانون شامل لا يتناقض ولا يتعارض مع قانون المجالس الشعبية المرتقب صدوره.
بداية يجب أن نعلم أن نظام الإدارة المحلية المعمول به فى مصر يختلف تماما عن نظام الحكم المحلى الذى تطبقه أمريكا وبعض الدول الأوربية، ولكل منهما سلبياته وإيجابياته وظروف خاصة، جغرافية وسياسية لتطبيقه.
ويعود تاريخ الإدارة المحلية فى مصر (حضر وريف ) إلى عام 641 ميلادية، أعقاب فتح مصر، وباتت ملامحه أكثر وضوحا إبان الإحتلال الفرنسى، عندما أنشأ نابليون بونابرت (قائد الحملة) أول ديوان إدارى للقاهرة، تم تعميمه لاحقا على مديريات مصر(16 مديرية) فى 27 يوليو1798.
وفى عهد محمد على، وبالتحديد عام 1883 صدر قانون جديد للإدارة المحلية؛ تقوم بدور الاستشارى لرؤساء المديريات، ثم صدر قانون البلديات الذى منحها الشخصية المعنوية وميزانية خاصة تشبه (الصناديق الخاصة) وكانت بلدية الاسكندرية نموذجا منذ تأسيسها فى 5 يناير 1890.
وانتخبت هذه المجالس من كبار الملاك، مع تعيين بعض الموظفين، وعدد من الأجانب المقيمين فى المحروسة، وفى عام 1919 صدر قرار مجلس النظار بانشاء 13 مجلسا بلديا، إلى أن صدر دستور 1923، والذى نص فى مادتيه 132 و133 صراحة على تكون هذا المجالس بالانتخاب المباشر، وتكون ميزانياتها علنية، وجلساتها مفتوحة للمواطنين تناقش فيها كل قضايا المدن والقرى والأقاليم
والتزم دستور 1930 بنفس ما ورد عن هذه المجالس قى دستور 1923 التوجه والصياغة التى صدر بها دستور 1923، إلى أن صدر القانون رقم 24 لسنة 1934 بإعادة تشكيل وتنظيم مجالس المديريات وتوسعة دورها واختصاصتها فى شتى المجالات والخدمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وتوالت القوانين التكميلية الداعمة لهذه المجالس إلى أن صدر دستور 1956 وبه عشر مواد خاصة بالبلديات؛ وتنفيذا لهذه المواد صدر قانون المجلس الواحد القانون رقم 124 لسنة 1960 بتقسيم مصر إلى 26 محافظة وبقيت الأقصر وحدها مدينة قبل أن تتحول إلى محافظة، مع تقسم المحافظات إلى حضرية وأخرى ريفية، وتنوع تشكيل المجالس ما بين الإنتخاب والتعيين لبعض الموظفين المسئولين وبعض الشخصيات العامة من ذوى الكفاءات.
وحدد دستور 1964 دور المحليات فى مادتين فقط، إلى أن صدر دستور 1971، الذى بلور بشكل أوضح نظام الإدارة المحلية بجناحيه التنفيذى والشعبى.
وللحديث بقية
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المجالس الشعبية المحلية 1 الاحتياجات الأساسية الوحدات المحلية الإدارة المحلیة المجالس الشعبیة هذه المجالس فى مصر
إقرأ أيضاً:
دستور سوريا المؤقت الجديد.. خطوة واعدة أم تركيز للسلطة؟.. معظم الصلاحيات فى يد الشرع رغم الإعلان عن مبدأ الفصل بين السلطات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
وقّع الرئيس السورى المؤقت، أحمد الشرع، دستورًا مؤقتًا يَعِدُ بإصلاحات جوهرية، ويُرسّخ فى الوقت نفسه جزءًا كبيرًا من سلطة قيادة البلاد فى يد الرئيس، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" فى تقرير شامل لها، فيما أكدت عدة صحف أمريكية وفرنسية أن الأكراد أعلنوا تحفظهم على هذا الدستور المؤقت واعتبروه متنافيًا مع تنوع مكونات سوريا.
وبحسب "نيويورك تايمز"، تُمثّل هذه الوثيقة الجديدة لحظةً حاسمةً فى مسيرة التحول السياسى الطويل فى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد. وبينما يضمن الإعلان الحريات الفردية، ويتضمن وعودًا بحكومة شاملة، ينقسم النقاد والخبراء حول ما إذا كان يُتيح تحررًا سياسيًا حقيقيًا، أم أنه مجرد استبدال شكل من أشكال الاستبداد بآخر.
تساؤلات مشروعة
يمنح الدستور الجديد، الذى وُضع بعد حل الدستور السورى السابق فى عهد نظام الأسد، الرئيس المؤقت الشرع صلاحياتٍ واسعة. فلا يُمنح الرئيس سلطة إعلان حالة الطوارئ فحسب، بل يمتلك أيضًا سلطة تعيين ثلث أعضاء المجلس التشريعى خلال الفترة الانتقالية. تُثير هذه الصلاحيات التنفيذية الواسعة مخاوف بشأن إمكانية استمرار السيطرة المركزية فى نظامٍ اتسم بعقودٍ من الدكتاتورية.
وقد صاغ الشرع هذا الدستور المؤقت على أنه قطيعة مع الماضي، واعدًا بتاريخٍ جديدٍ لسوريا. ومع ذلك، ورغم ضمانات الحريات، بما فى ذلك حرية التعبير والصحافة، يشكك بعض الخبراء فى النطاق الحقيقى لهذه "الحرية" عمليًا، نظرًا لسيطرة السلطة التنفيذية على القضاء وغياب الضوابط على التعيينات الرئاسية.
دافع عبد الحميد العواك، عضو لجنة صياغة الدستور، عن الوثيقة، مُدّعيًا أنها تضمن فصل السلطات - وهو تناقضٌ صارخ مع تركيز السلطة فى يد الشرع. لكن استمرار هيمنة السلطة الرئاسية يُثير مخاوف من أن التغيير السياسى الحقيقى قد يكون سطحيًا أكثر منه جوهريًا.
مرحلة انتقالية
وحدد الإعلان الدستورى "المرحلة الانتقالية بخمس سنوات" على أن يتم "إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية" بهدف "تحديد سبل المساءلة ومعرفة الحقائق وتحقيق العدالة لـ"الضحايا والناجين" فى النزاع المدمر الذى اندلع اعتبارًا من عام ٢٠١١.
ومن بين البنود التى تضمنها الإعلان الدستورى أيضا، "ضرورة تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم"، إلا أنه لا يتيح إمكانية عزل رئيس الجمهورية. وردًا على سؤال صحفي، قال عضو لجنة صياغة الإعلان عبد الحميد العواك إن "القضية الأساسية تكمن فى أنه لا يستطيع رئيس الجمهورية أن يعزل نائبًا، ولا مجلس الشعب يعزل الرئيس، لأنه نظام رئاسي، هكذا هو نظامه، ومطبق فى أمريكا وفى تركيا والعديد من الدول".
الشريعة الإسلامية
يحتفظ الدستور الجديد ببندٍ رئيسى من سابقه: الشريعة الإسلامية لا تزال الأساس القانونى للنظام القانونى السوري. تؤكد الوثيقة على أن الشريعة الإسلامية ستكون المصدر الرئيسى للتشريع، مع ضمان "حرية المعتقد". ومع ذلك، يسمح هذا البند بتقييدات محتملة للحقوق، لا سيما عندما يكون الأمن القومى أو النظام العام على المحك.
إن خلفية الشرع كقائد للقوى الإسلامية خلال الحرب الأهلية السورية تُغذى الشكوك حول مدى التزامه بحكومة ليبرالية أو بإطار قانونى شامل حقًا. ولا يزال ارتباطه السابق بجماعات متطرفة مثل القاعدة، على الرغم من قطعه منذ سنوات، عالقًا فى أذهان الكثيرين، مما يُلقى بظلال من الشك على ما إذا كان حكمه سيعكس حقًا وعود التسامح الدينى والثقافي.
وضع الأقليات
تتألف سوريا من مجموعات عرقية ودينية متنوعة، ويَعِد الدستور الجديد بحماية حقوق جميع المواطنين. ومع ذلك، لا تزال الشكوك قائمة، لا سيما بين الأقليات. فقد أعرب السكان الأكراد، الذين يسيطرون على شمال شرق سوريا، عن مخاوفهم من أن الدستور الجديد يعكس الإطار الاستبدادى لعهد الأسد، مع بقاء السلطات التنفيذية المطلقة ثابتة.
فقد جاء أول رد فعل من الداخل حيث انتقدت الإدارة الذاتية الكردية هذا الإعلان الدستوري، معتبرة أنه "يتنافى" مع تنوع سوريا ويضم بنودًا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث.
وفى بيان، اعتبرت الإدارة الكردية أن الإعلان الدستورى "يتنافى من جديد مع حقيقة سوريا وحالة التنوع الموجود فيها، ويخلو من مكوناتها المختلفة من أكراد وعرب بما فى ذلك السريان والآشوريين وباقى المكونات الوطنية السورية". وأشارت إلى أنه "يضم بنودًا ونمطًا تقليديًا يتشابه مع المعايير والمقاييس المتبعة من حكومة البعث" الذى حكم البلاد لعقود. وتابع البيان قائلًا إن الإعلان الدستورى "لا يمثل تطلعات شعبنا ولا يدرك حقيقة هويته الأصيلة فى سوريا وهو بمثابة شكل وإطار يقوض جهود تحقيق الديمقراطية الحقيقية فى سوريا". وأضاف البيان "نأمل ألا تعود بنا بعض الممارسات والأفكار الضيقة إلى مربع الصفر لأن ذلك سيجعل الجرح السورى منزوفًا من جديد".
علاوة على ذلك، اندلع العنف الطائفى عقب الإعلان الدستوري، مما أبرز الانقسامات العميقة داخل البلاد. فى الأسبوع الماضي، نصب موالون للأسد كمينًا للقوات الحكومية، مما أدى إلى حملات قمع عنيفة استهدفت الأقلية العلوية، وهى فرع من الشيعة. تُبرز هذه الأحداث هشاشة سيطرة الشرع على البلاد واستمرار التقلبات فى السياسة السورية.
فى حين أعربت الأمم المتحدة عن أملها فى أن يُعزز الدستور الجديد عملية انتقالية شاملة، إلا أن الواقع على الأرض لا يزال غامضًا. تردد المجتمع الدولي، بما فى ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فى رفع العقوبات عن سوريا، وحثّ الحكومة الجديدة على إظهار التزام حقيقى بعملية سياسية شاملة وحماية حقوق الأقليات.
حرية التعبير بحدود
يكفل الدستور الحريات الأساسية، بما فى ذلك الحق فى حرية التعبير والمعلومات والصحافة. ومع ذلك، تأتى هذه الحريات مع محاذير، مثل القيود المفروضة على التعبير الذى يُمجّد نظام الأسد. ويجادل النقاد بأن هذه القيود قد تُخنق المعارضة وتمنع ظهور مساحة ديمقراطية حقيقية للنقاش العام.
من الجوانب الأكثر تقدمية فى الدستور الجديد التزامه الصريح بحقوق المرأة، وضمان حصولها على التعليم والعمل، وتمتعها بكامل حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقد بدا الشرع حريصًا على تصوير نفسه كمصلح فى هذا المجال، إذ اعتمد لغةً تراعى الفوارق بين الجنسين فى خطاباته، وأقرّ بالدور المحورى الذى لعبته المرأة فى الثورة. ومع ذلك، وفى ظل السياق السياسى الأوسع، لا تزال هناك تساؤلات حول كيفية صون هذه الحقوق عمليًا.
* عن التايمز