بين “سيّد المقاومة” و “سيد الإبداع”..
تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
استمعت الى عمل أوبرالي مدهش، كتبه ولحنه ووزعه موسيقياً وإنشادياً، الفنان اللبناني الشيوعي الكبير زياد الرحباني..
والعمل الذي حمل عنوان “ هذا السيد” ، يتغنى بالسيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله.
وللحق، فإن “ هذا السيد” لم يكن عملاً اوبرالياً إنشادياً موسيقياً رائعاً فحسب، إنما كان آية من آيات الجمال، وسمفونية من سمفونيات الوفاء، ولوحة من لوحات الوطنية، والنضال، والإخلاص للقضية الإنسانية، وهو أيضاً راية من رايات الحرية التي رفعها زياد الرحباني بفخر فوق سطوح الزمان العالية، ليراها كل العالم .
إن “هذا السيد”، ليست أنشودة أبكت الحاضرين في لبنان حين قدمها الفنان زياد الرحباني بصورة فنية رائعة، وأدهشت ببهائها ملايين المشاهدين والمستمعين، والمستمتعين العرب وغير العرب فحسب، إنما هي أيضاً عقد حب ووفاء، ووثيقة انتماء لعالم الجمال، والقيم، والفروسية، والتعالي على كل ما يفرق الإنسان عن اخيه الإنسان. “، لقد أبهر العالم هذا الفتى المجنون بهذا العمل “ العاقل”، ولا غرابة في ذلك، فهذا المجنون هو ابن فيروز” ونجل الرَّحَابنة الكبار.
وكي أكون أكثر صدقاً في الموضوع، فإني لم أرغب في أن أتناول هذا العمل الساحر الجميل من بابه الفني المحض، باعتباري شاعراً غنائياً – رغم روعة العمل فنياً -، إنما أردت تناوله من زاوية مختلفة، زاوية حرجة، لكنها مضاءة بسؤال كبير وعلامة استفهام أكبر:- لماذا يكتب ويلحن وينشد هذا الشيوعي- الملحد – بنظر الكثير من اصحاب العمائم البيض والسود، وهو المسيحي النصراني (الكافر)، بنظر الكثير من أصحاب الفتاوى الداعشية والقاعدوية و(الإخوانچية) وغيرهم من شيوخ وزعماء (الرايات البيض والسود)، ولماذا يجازف هذا الفنان الجميل بكل رصيده الفني، ورصيد أمه الفني والمادي الهائل، وبتاريخ العائلة الرحبانية الكبير في لبنان وغير لبنان، فيقدم عملاً منحازاً للحرية في هذا الزمن (الاستعبادي) الخطير، الملغوم بالفتاوى والتحريض والإعلام المناوئ، والمزدحم بالقنوات الفضائية البترودولارية الكثيرة، التي تملكها حكومات النفط والغاز، وزعامات سياسية فاسدة، وشركات وهيئات ومنظمات وبنوك طائفية تعادي السيد حسن نصر الله من الوريد الى الوريد، لا سيما في هذا الزمن الإرتدادي والمرتد؟!
والسؤال: كيف انتفض هذا الفتى الشيوعي لوحده -وهو الذي لايملك غير موهبته الكبيرة- فيقدم عملاً ناصعاً، يكسر به المألوف والتقليدي والسائد في الساحة العربية.. يقدم عملاً – أعتبره – أشجع عمل فني يقدم في هذه المرحلة العربية (الجبانة)، بينما يركض الكثير من الزعماء والشيوخ (والسادة) والمطارنة، والشعراء، والفنانين والإعلاميين نحو آبار النفط والغاز، يستجدون هذا الطاغية الصغير، ويقبلون يد ذلك ( الأمير) ، ويتملقون لتجار الحروب المجرمين، فيمجدونهم ويعظمونهم، وهم يعرفون تماماً أن أفضل هؤلاء الممدوحين والممجَّدين، لا يساوي ( ضر … ط… ة ) في سوق الصفارين ..!
إن “ هذا السيد” عمل فني كبير دون شك، لكنه ايضاً صفعة كبيرة للطائفية ( الإسلامية والمسيحية ) على حد سواء، وهو صفعة للمال الحرام، بل هو أقوى “راشدي “ يوجهه زياد الرحباني لكل من يسوِّق بعد اليوم شعار المعممين الفاشلين (الشيوعية كفر وإلحاد)!
إن من يتغنى بحسن نصر الله بهكذا عمل فني متكامل، وبهذا البهاء والجمال، وفي هذه الظروف اللبنانية والعربية والإقليمية الحرجة جداً، ودون أن ينتظر أجراً، أو كلمة شكر، لا يمكن أن يكون كافراً، فالكافر برأيي هو من يسرق دم أبناء شعبه، سواء أكان بعمامة بيضاء، أو سوداء لا فرق !
تحيةً لفتى الشيوعية الجميل، وسيد الإبداع والجمال زياد رحباني .. وتحية لـ ( سيد المقاومة ) وأسدها حسن نصر الله ..
وتحيةً كبيرةً لعشاق الثورة والحرية والإنسانية والعدل والمساواة أينما كانوا، ومهما كانت هوياتهم ومرجعياتهم.
شكراً زياد رحباني ..
فالح حسون الدراجيالمصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات زیاد الرحبانی هذا السید نصر الله
إقرأ أيضاً:
مآسي من لا علاقة لهم بعمليات حماس وحزب الله
اليمين المتطرف يرى في التوسع على حساب الفلسطينيين في الضفة الغربية عملية حيوية ويعتقد أن التخلص من أذرع المقاومة في المنطقة مهمة عاجلة ورسالة لمن يفكرون في اختيار هذا الطريق
كشفت العمليات التي قامت بها حركة حماس وحزب الله لمواجهة إسرائيل عسكرياً عن وجود طيف واسع من الفلسطينيين واللبنانيين تعرض إلى مآس عديدة وهم لا علاقة لهم مباشرة بالحركة أو الحزب، ودفع هؤلاء ضريبة كبيرة، ولا يزال آخرون يدفعونها كرهاً، فالمقاومة التي ينطلق خطاب كليْهما منها تأكد أن تكلفتها المادية والمعنوية باهظة، ولم تحقق نتائج إيجابية، ومنحت إسرائيل فرصة لتقويض أذرع المقاومة حالياً وفي المستقبل.وقد تكون رهانات حماس وحزب الله في سبيل الوصول إلى نصر يمكنهما من تحقيق أهدافهما، كبيرة على مواصلة المقاومة ضد إسرائيل، في حين وجدت الأخيرة في ما جرى خلال الأسابيع والأشهر الماضية فرصة لوضع ترتيبات أمنية مريحة لها.
تتحمل إسرائيل جانباً كبيراً من الانسداد الراهن لوقف إطلاق النار على جبهتي غزة ولبنان، لكنها تجد في تمسك حماس وحزب الله باستمرار العمليات العسكرية ضدها، ما لم يصل كلاهما إلى صفقة مرضية بعد خسائرهما، عملية جيدة لتسويق رؤيتها العسكرية المتعلقة بالدفاع عن النفس، والتي وجدت تفهما أمريكياً وغربياً كبيراً.
كما نسجت على قاعدة استمرار المعارك سردية خفية تقول إن إصرار الحركة والحزب على مواصلة القتال، على الرغم من الخسائر الميدانية التي تكبدها كلاهما، يعني أنهما لا زالا يملكان مخزوناً من الأسلحة والمعدات يمكنهما من عدم الاستجابة لمبادرات الوسطاء، وبالتالي تزعم إسرائيل أنه من حقها الاستمرار في ضرباتها الانتقامية كي تصل إلى النقطة التي تتمكن فيها من الإجهاز على ما تبقى من قوتهما.
أكدت الحصيلة العامة للفترة الماضية أن إسرائيل لا تعبأ بالجوانب الإنسانية وما تفرزه من نتائج سلبية قاسية على المواطنين في غزة وجنوب لبنان، في شكل قتل متعمد وتهجير مقصود وتدمير للبنى التحتية لا يجعل هناك حياة مناسبة، وضربت عرض الحائط بالقوانين الدولية، وقضت على جزء معتبر من عمل المنظمات الإنسانية ووجدت ردودا ليّنة من الدول الكبرى، شجعتها على عدم التوقف عن الانتهاكات التي ترتكبها ضد المدنيين.
في وقت لا تمثل النتيجة الناجمة عنها شيئاً في حسابات حماس وحزب الله، ويتجاهل كلاهما أن إسرائيل تعلمت من دروس حروبها السابقة معهما، حيث كان عدم تمكينها من تحقيق أهدافها تعتبره الحركة والحزب نصرا في حد ذاته، ما جعل الجنرالات في تل أبيب يعملون على إجهاض هذه المسألة في الوقت الراهن، والسعي لمنع تحويل المآسي إلى ورقة نصر معنوي لدى خصومها.
والملاحظ من مشاهد الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة وجنوب لبنان وجود حرص بالغ على عدم وقفها قبل أن تحقق أغراضها كاملة، والتي تشمل هذه المرة تقويضا فعليا للقدرات العسكرية لكل القوى التي ترفع شعار المقاومة، سواء أكانت في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في جنوب لبنان، أو غيرهما.
وهذا يدل على تغير إستراتيجي في خططها والانتقال من مرحلة التوظيف التكتيكي لوجود عدو على الدوام والاستفادة منه في لجم الخلافات الداخلية، إلى العمل على التخلص منه تماما، وإنهاء هذه الظاهرة التي تغذت عليها قيادات عديدة في إسرائيل رأت أن الحرب مع بعض القوى أفضل لها من السلام مع الجميع، استنادا إلى فرضية راسخة تشير إلى أن السلام سوف يفجر التناقضات بين القوى المجتمعية المتشتتة في الداخل، بينما الحرب تخفيها أو تقلل منها.
بدأت هذه الفرضية تتراجع، وربما تتلاشى في المستقبل، على وقع تزايد نفوذ اليمين المتطرف وهيمنته على مفاتيح القرار في إسرائيل، والذي يرى في التوسع على حساب الفلسطينيين في الضفة الغربية عملية حيوية، ويعتقد أن التخلص من أذرع المقاومة في المنطقة مهمة عاجلة، ورسالة لمن يفكرون في اختيار هذا الطريق لاحقا، فلدى قيادات إسرائيلية متعددة قناعة بأن القوة العسكرية وحدها هي القادرة على حفظ الأمن، وأن التساهل أو غض الطرف أو القبول بنظرية قواعد الاشتباكات التقليدية أدوات تجاوزها الزمن، ما يفسر التصميم الكبير على عدم وقف الحرب الآن.
وفي خضم تسريب معلومات عن مفاوضات على جبهة غزة أو لبنان لا تتورع إسرائيل عن الاستمرار في المعارك، والتي قد تزيد وتيرتها وقت الحديث عن مفاوضات أو الدخول في تفاصيلها فعلا، لأنها استقرت على أن القوة وحدها هي السلاح الذي يمكنها من الحفاظ على أمنها، ولا قيمة لذلك مع وجود أعداء يملكون مخزونا كبيرا من السلاح ويملكون قدرة عالية على استخدامه.
دمرت إسرائيل جزءا من معدات المقاومة العسكرية، وفي هذا الخضم قررت التخلص من فكرة الحواضن الاجتماعية لها، الأمر الذي يكشفه الإمعان في التقتيل في صفوف أشخاص لا علاقة مباشرة لهم بالمقاومة، حيث قامت إسرائيل بمحو مناطق كاملة في غزة، وصلت حد تسوية غالبية القطاع بالأرض، ونالت ضرباتها من قرى لبنانية عدة وأماكن مختلفة في الضاحية الجنوبية في بيروت، ما ولد إحساساً بالغضب من حماس وحزب الله، ومحاولة هدم فكرة أن المقاومة تتغذى على المقاومة وتنتعش مع زيادة أعداد الضحايا التي سادت سابقاً.
وسعت إسرائيل إلى تحويل المآسي من ورقة تستخدم ضدها إلى أداة تمكنها من تشويه صورة المقاومة، والتي كانت تخرج في كل مواجهة عسكرية محتفظة بقوتها أو جزء منها، يمكنها من خوض الجولة التالية.
وتعمل إسرائيل على تصفية المقاومة كي لا تنشغل بالجولة المقبلة وطرق التعامل معها، وهو ما جعل الحرب الراهنة أطول الحروب التي خاضتها منذ نشأتها، كأنها أرادت هدم رواية نجاحها في الحروب القصيرة، وتثبيت رواية جديدة تؤكد أن نفسها العسكري أكبر مما يتوقع أعداؤها، بهدف إجبارهم على إعادة التفكير في الحروب الخاطفة، فالحرب الحالية مختلفة عن الحروب التي سبقتها، وقصد منها محو أفكار راسخة في أذهان قوى تقاتل ضد إسرائيل.
ولا يعني الوصول إلى هذه الاستنتاجات أن تل أبيب تمكنت بالفعل من تحقيق كل أهدافها، أو أن المقاومة سوف تتلاشى مع فقدان حماس وحزب الله القوة العسكرية الضاربة لديهما. فما تريده إسرائيل لن يلحق أذى بالمقاومة فقط، بل يؤثر على دول وتوازنات دقيقة في المنطقة، وميل عناصر القوة لصالح إسرائيل وحدها، عليه ممانعات وتحفظات إقليمية.
فما تسعى إليه لأجل تقليص أذرع إيران والقضاء على ظاهرة المقاومة يجلب لها مخاوف من دول عربية كبيرة ترفض قيام إسرائيل بفرض الأمر الواقع وسيطرتها على الحل والعقد، والإخلال بمعادلات تاريخية، كما أن الهواجس منها سوف تزداد، ما ينعكس على رغبتها في أن يستند التطبيع على القوة وليس المصالح المتبادلة.