جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-04@17:09:34 GMT

كيف تنظر للمخطئ؟

تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT

كيف تنظر للمخطئ؟

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

 

تسير بنا الأقدار إلى وطن لا خل فيه عادلا ولا صديق صادق الوعد منصفا، وتمضي ساعاتنا مرهونة بالخير تارة، وأخرى بها ظلم مجحف، يوافقها الصواب مرة، وتاليا تجنح عن الصح قصدًا وتعمدًا.

ولما الحال يكون أحيانًا هكذا، فإنه قد قبل يوماً أن العفو عند المقدرة، وقال الله سبحانه وتعالى "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ".

وعليه يندر أن تجد في هذه البسيطة هذه الحياة الدنيئة الوضيعة، وفي هذا الوجود المتخم بأخطاء الإنسان الذي جعل خليفة فيه من لا يخطئ، وسبحان الله جلَّ من لا يخطئ، وأيضا قلما تجد بيننا من يغفر زلاتنا إن أخطأنا، ويتجاوز عن سيئاتنا إن أسأنا، ويصفح عن هفواتنا وأذانا للغير إن حدث منَّا تجاههم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ تعالى عفوٌّ يُحِبُّ العَفو، وقال لعُقبة صِلْ مَن قطعَك، وأعطِ مَن حرمَك، واعفُ عمَّنْ ظلمَكَ، وقال أحسنوا إلى مُحسنِ الأنصارِ، واعفوا عنْ مسيئِهم.

كل تلك الأحاديث تدل على أن الحرص على الانتقام من المسيء والمخطئ في حقنا من الأهل والأقارب والأصدقاء والإخوة والأخوات والجيران، أمر مؤخر وغير محمود، مقدم عليه العفو والصفح ما أمكن ذلك في الأحوال العادية. والمؤمن إذا ظلم فلم ينتقم ولم يعاقب، قال الله عزَّ وجلَّ له: يا عبدي عفوت عنك فلك الجنة، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ومعلوم أن الرحمة تنعدم من الإنسان القاسي العاصي والمتكبر والجبار والمتغافل والمتفلسف، غير الطيب، فإذا رأى الإنسان نفسه فوق الجميع، ولا مستشعرا أخطاءه، فلن يرحم إنسانا مثله مطلقًا. وإذا أصبح الإنسان فظًا غليظ القلب، فسينفضون من حوله، وإذا وصل إلى هذه المرحلة، فلن يعطف ولن يتجاوز عن أخطاء الآخرين، وستنتفي منه خواص وصفات كثيرة، الله تعالى جلَّ جلاله، خصَّ نفسه بها.

وحتى الإنسان يكون سليم القلب نقيًا تقيًا رحيمًا بنفسه وبغيره، عليه أن يتذكر أخطاءه وسيئاته مذ كان طفلاً فشاباً فأكبر من ذلك، عليه أن يتتبع سيرته منذ كبر وعقل وتذكر وحتى وصل إلى ما وصل إليه من العمر، عليه أن ينظر إلى مستقبله الذي من الحكمة أن يكون مستقبلا طيبا خالياً من المشاكل.

إن المبالغة في تمجيد الذات وفي مدح النفس وذم الغير والانتقاص منهم، ونسيان ماضينا، يؤدي إلى سواد القلب وحدوث الغشاوة على العين من أن لا ترى الحق حقًا. فحتى يهدأ الإنسان عن عصبيته وثورته عند وقوعه في موقف ما استدعاه أن يتخذ إجراء لمعاقبة من أساء إليه من الفئات المذكورة، ينبغي أن ينظر إلى نقصه وضعفه وقلة حيلته، وأخطائه الكثيرة والمتكررة، وكيف لو كان هو في ذاك الموقف، وعفو والديه عنه عندما أخطأ يوما ما، وعفو الناس عنه عندما تنازلوا عن حقهم يوماً عندما زل، أو عفو وصفح من ارتكب في حقه ذاك الخطأ، فكلنا ذوو خطأ ولسنا معصومين عن الخطأ.

أيها القارئ الكريم.. ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما انتزع من شيء إلا شانه، فكيف تنظر أنت عزيزي القارئ إلى المخطئ من الناس، سواء هذا الإنسان ارتكب خطأ في حقك، أو في حق أحد من أهلك وأقاربك، وسواء كان هذا المخطئ أخاً أو صديقاً أو ابناً أو ابنة أو أختا أو جارا، كيف تتعامل معه، وكيف تنظر إليه بعد خطئه، خاصة إن أقبل عليك وإليك معتذرا ونادما آسفا، يطلب منك إعطاءه فرصة بالتجاوز والعفو عنه. يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ما نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّه. وإذا كان لا يحقد أحدكم على أخيه، فإنَّ الحقد يفسد العمل، فكيف لنا أن نكون حتى لا نشذ عن القاعدة السوية، وحتى لا نتجرد من الإنسانية.

إن الذي سيخطئ في حقنا من الفئات التي ذكرتها وأقبل علينا نادمًا، أقول فإن احتواءه والعفو عنه أولى ومقدم على عكس ذلك، فالراحمون يرحمهم الله تعالى، والقلوب بيد الله تعالى يقلبها كيف شاء. علينا أن لا نكره المخطئ بل علينا أن نكره الخطيئة والفعل الذي أتى به، وربما صفحا وعفوا منك تجاه المخطيء، أبلغ من عقوبة تنزلها عليه، تهدم بها مستقبله وتضيع له حياته.

أيها الأخ الكريم.. قل الحمدلله دائماً، فإن رأيت ضالا عن الله شاردا عن الحق، قل اللهم اهده وأصلحه، لا تضحك على النَّاس فكل ضاحك مضحوك عليه، ولا تشمت على أحد، فكل شامت سيأتي وسيكون من يشمت عليه، ولا تظلم فكل ظالم سيسقى بما سقى. ادعُ للمخطئ بالهداية والصلاح أمامه وفي ظهر الغيب، فرب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، وربما ذاك المخطئ مستقبله عند الله تعالى أفضل منك، ومكانته عند الخالق جل جلاله أفضل منك.

احذر أخي- رعاك الله- أن يأخذك الغرور وينسيك البطر والكبر نفسك، وبأنك إنسان تخطئ وتصيب وتحتاج إلى العفو والصفح والرحمة والرأفة ومراعاة أحوالك بعين الاعتبار، وأخذها وإحاطتها بالاهتمام، وإعطائك فرصة لمراجعة ذاتك ومحاسبة نفسك.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سبب في استجابة الدعاء.. أركان المناجاة بين العبد والله تعالى

الله تعالى استجاب لمناجاة النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال تعالى قال تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة: 144] .

أركان المناجاة

وكان رسولنا الكريم يناجي ربه ويعلمنا، كأمة تعبد ربها، أن نناجي ربنا سبحانه وتعالى، وأن المناجاة سببٌ لاستجابة الدعاء، فالمناجاة لها أركان غفل عنها كثيرٌ من الناس.

دعاء العتق من النار.. مجرب ومستجابالأدعية المستجابة في شهر شعبان.. رددها يوميا واحرص عليه في جوف الليل

وقال الدكتور علي جمعة، إن أول هذه الأركان: أن نخلص النية لله، «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» فأول أركان المناجاة الإخلاص، اعبد ربك وحده، واسأل ربك وحده، قال: «وإذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك بشيء إلا ما كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيءٍ، لم يضروك بشيءٍ إلا ما كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» يعني تم القضاء فلا ملجأ من الله إلا إليه.

وأوضح علي جمعة، أن الإخلاص في مبدأه ومنتهاه مبنيٌ على التوحيد الخالص، فلا بد أن تُخرج السوى من قلبك، ولا يبقى فيه إلا الله، هذا أول ركنٍ من أركان المناجاة، ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ﴾.

وأضاف علي جمعة، أن الوجه في اللغة يأتي بمعنى المواجهة، ويأتي بمعنى هذا الوجه الذي في الرأس، ويأتي بمعنى العلو، ويأتي بمعنى الإخلاص، يعني أخلص وجهه لله، يعني وجه وجهه؛ فلما وجهه وجهه لجهةٍ واحدة وهو الله سبحانه وتعالى، أول شيءٍ قد نكون غفلنا عنه كثيرًا إلا من رحم ربي، أننا لم نحرر الإخلاص في قلوبنا لله حتى نصل إلى درجة المناجاة، ونريد أن نعود في هذا الشهر الكريم عندما نتذكر أن الله سبحانه وتعالى قد استجاب لنبيه، ونرى كيف استجاب لنبيه، فينص على أنه استجاب له من تقلب وجهه في السماء، الإخلاص، ثم إن النبي لم يدعو مرة، ولم يدعو مرتين، ولا عشرة، بل إنه استمر في الدعاء.

وتحولت القبلة بعد ثمانية عشر شهرًا من الهجرة النبوية الشريفة، كان رسول الله في مكة يستقبل بيت المقدس؛ لأنه كان قبلة أبيه إبراهيم، لكنه كان يستقبل الركنين اليمانيين، الركن الذي فيه الحجر، والركن اليماني الآخر، وبذلك يكون قد وضع الكعبة أمامه وهو اتجاه في نفس الوقت بيت المقدس، فيستقبل بذلك الكعبة وبيت المقدس، فلما تحول إلى المدينة، والمدينة شمال مكة، أصبح بيت المقدس في الشمال، ومكة في الجنوب، وافترقت القبلتان فدعا ربه ليس يومًا ولا يومين، ولم ييأس بعد شهرٍ أو شهرين، بل إنه استمر.

كيف تكون المناجاة مع الله؟

وأشار إلى أن الركن الثاني من المناجاة هو: الاستمرار والدوام؛ لأن الدعاء في ذاته عباده، فهو يعبد ربه والنبي الكريم يقول (الدعاء هو العبادة) وفي رواية (الدعاء مخ العبادة) إذا لابد من الاستمرار ويقول لنا رسول الله (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل).

وكان كما وصفته السيدة عائشة، كان عمله ديمة أي دائما مستمرا، والديمومة ركن من أركان عمارة الأرض ونجاح العمل، والشخص الذي يعمل تارة ويترك تارة، يقول فيه النبي (لا أحب أن تكون مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه) بل إنه يريد الحفاظ ولو على القليل لأن هذا من شأنه أن يربي الصدق مع الله ومن شأنه أن يستجيب الله لمناجاته.

أما الركن الثالث فهو التدبر والتأمل وقد حرمنا كثيرا من التدبر ومن التأمل، فالمناجاة تحتاج إلى أن تتحدث مع ربك بعد تفكر وتدبر.

أما الركن الرابع في المناجاة، هو الدعاء لله بما في قلب المسلم، وتحدثه تعالى وتناجيه وتكلمه وتشكو له وترجوه وتتضرع إليه وتتوسل إليه وتطلب منه حاجتك.

أما الركن الخامس في المناجاة، تكمن في السرية، فهي سر بين العبد وربه لا يطلع عليه أحد لا من قريب ولا من بعيد، فإذا فعلنا ذلك عدنا إلى ربنا سبحانه وتعالى فيستجيب لنا دعاؤنا.

مقالات مشابهة

  • حكم الدعاء بعبارة "يا غارة الله" وبيان معناها
  • علي جمعة: ذكر الله عبادة يطمئن ويصلح بها القلب
  • حكم الرقية بالقرآن الكريم.. الإفتاء توضح
  • قبل بدء شهر رمضان 2025.. خير الأعمال وأفضل العبادات
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • هل يصح القول: الأديان السماوية؟
  • ما ثواب ذكر اللهم إني أشهدك؟.. انتبه لـ10 أسرار تحقق المعجزات
  • سبب في استجابة الدعاء.. أركان المناجاة بين العبد والله تعالى
  • حكم قول بلى بعد قراءة أليس الله بأحكم الحاكمين.. الإفتاء ترد
  • الأطفال يسألون وشيخ الأزهر يجيب .. هل ما يحدث للمسلمين غضب من الله؟