جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-29@02:54:24 GMT

كيف تنظر للمخطئ؟

تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT

كيف تنظر للمخطئ؟

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

 

تسير بنا الأقدار إلى وطن لا خل فيه عادلا ولا صديق صادق الوعد منصفا، وتمضي ساعاتنا مرهونة بالخير تارة، وأخرى بها ظلم مجحف، يوافقها الصواب مرة، وتاليا تجنح عن الصح قصدًا وتعمدًا.

ولما الحال يكون أحيانًا هكذا، فإنه قد قبل يوماً أن العفو عند المقدرة، وقال الله سبحانه وتعالى "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ".

وعليه يندر أن تجد في هذه البسيطة هذه الحياة الدنيئة الوضيعة، وفي هذا الوجود المتخم بأخطاء الإنسان الذي جعل خليفة فيه من لا يخطئ، وسبحان الله جلَّ من لا يخطئ، وأيضا قلما تجد بيننا من يغفر زلاتنا إن أخطأنا، ويتجاوز عن سيئاتنا إن أسأنا، ويصفح عن هفواتنا وأذانا للغير إن حدث منَّا تجاههم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ تعالى عفوٌّ يُحِبُّ العَفو، وقال لعُقبة صِلْ مَن قطعَك، وأعطِ مَن حرمَك، واعفُ عمَّنْ ظلمَكَ، وقال أحسنوا إلى مُحسنِ الأنصارِ، واعفوا عنْ مسيئِهم.

كل تلك الأحاديث تدل على أن الحرص على الانتقام من المسيء والمخطئ في حقنا من الأهل والأقارب والأصدقاء والإخوة والأخوات والجيران، أمر مؤخر وغير محمود، مقدم عليه العفو والصفح ما أمكن ذلك في الأحوال العادية. والمؤمن إذا ظلم فلم ينتقم ولم يعاقب، قال الله عزَّ وجلَّ له: يا عبدي عفوت عنك فلك الجنة، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ومعلوم أن الرحمة تنعدم من الإنسان القاسي العاصي والمتكبر والجبار والمتغافل والمتفلسف، غير الطيب، فإذا رأى الإنسان نفسه فوق الجميع، ولا مستشعرا أخطاءه، فلن يرحم إنسانا مثله مطلقًا. وإذا أصبح الإنسان فظًا غليظ القلب، فسينفضون من حوله، وإذا وصل إلى هذه المرحلة، فلن يعطف ولن يتجاوز عن أخطاء الآخرين، وستنتفي منه خواص وصفات كثيرة، الله تعالى جلَّ جلاله، خصَّ نفسه بها.

وحتى الإنسان يكون سليم القلب نقيًا تقيًا رحيمًا بنفسه وبغيره، عليه أن يتذكر أخطاءه وسيئاته مذ كان طفلاً فشاباً فأكبر من ذلك، عليه أن يتتبع سيرته منذ كبر وعقل وتذكر وحتى وصل إلى ما وصل إليه من العمر، عليه أن ينظر إلى مستقبله الذي من الحكمة أن يكون مستقبلا طيبا خالياً من المشاكل.

إن المبالغة في تمجيد الذات وفي مدح النفس وذم الغير والانتقاص منهم، ونسيان ماضينا، يؤدي إلى سواد القلب وحدوث الغشاوة على العين من أن لا ترى الحق حقًا. فحتى يهدأ الإنسان عن عصبيته وثورته عند وقوعه في موقف ما استدعاه أن يتخذ إجراء لمعاقبة من أساء إليه من الفئات المذكورة، ينبغي أن ينظر إلى نقصه وضعفه وقلة حيلته، وأخطائه الكثيرة والمتكررة، وكيف لو كان هو في ذاك الموقف، وعفو والديه عنه عندما أخطأ يوما ما، وعفو الناس عنه عندما تنازلوا عن حقهم يوماً عندما زل، أو عفو وصفح من ارتكب في حقه ذاك الخطأ، فكلنا ذوو خطأ ولسنا معصومين عن الخطأ.

أيها القارئ الكريم.. ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما انتزع من شيء إلا شانه، فكيف تنظر أنت عزيزي القارئ إلى المخطئ من الناس، سواء هذا الإنسان ارتكب خطأ في حقك، أو في حق أحد من أهلك وأقاربك، وسواء كان هذا المخطئ أخاً أو صديقاً أو ابناً أو ابنة أو أختا أو جارا، كيف تتعامل معه، وكيف تنظر إليه بعد خطئه، خاصة إن أقبل عليك وإليك معتذرا ونادما آسفا، يطلب منك إعطاءه فرصة بالتجاوز والعفو عنه. يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ما نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّه. وإذا كان لا يحقد أحدكم على أخيه، فإنَّ الحقد يفسد العمل، فكيف لنا أن نكون حتى لا نشذ عن القاعدة السوية، وحتى لا نتجرد من الإنسانية.

إن الذي سيخطئ في حقنا من الفئات التي ذكرتها وأقبل علينا نادمًا، أقول فإن احتواءه والعفو عنه أولى ومقدم على عكس ذلك، فالراحمون يرحمهم الله تعالى، والقلوب بيد الله تعالى يقلبها كيف شاء. علينا أن لا نكره المخطئ بل علينا أن نكره الخطيئة والفعل الذي أتى به، وربما صفحا وعفوا منك تجاه المخطيء، أبلغ من عقوبة تنزلها عليه، تهدم بها مستقبله وتضيع له حياته.

أيها الأخ الكريم.. قل الحمدلله دائماً، فإن رأيت ضالا عن الله شاردا عن الحق، قل اللهم اهده وأصلحه، لا تضحك على النَّاس فكل ضاحك مضحوك عليه، ولا تشمت على أحد، فكل شامت سيأتي وسيكون من يشمت عليه، ولا تظلم فكل ظالم سيسقى بما سقى. ادعُ للمخطئ بالهداية والصلاح أمامه وفي ظهر الغيب، فرب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، وربما ذاك المخطئ مستقبله عند الله تعالى أفضل منك، ومكانته عند الخالق جل جلاله أفضل منك.

احذر أخي- رعاك الله- أن يأخذك الغرور وينسيك البطر والكبر نفسك، وبأنك إنسان تخطئ وتصيب وتحتاج إلى العفو والصفح والرحمة والرأفة ومراعاة أحوالك بعين الاعتبار، وأخذها وإحاطتها بالاهتمام، وإعطائك فرصة لمراجعة ذاتك ومحاسبة نفسك.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من عجز عن أداء قيام الليل فعليه بهذا الفعل

الاستغفار بالأسحار، يستحبّ للمسلم أن يكثر من استغفار الله– تعالى- في شتّى الأوقات، ويكون كثرة الاستغفار بصيغة أستغفر الله، وهي بمعنى سؤال العبد، وطلبه، ورجائه من الله– تعالى- أن يغفر له ذنوبه، وسيئاته، ويتجاوز عن معاصيه بكثرة الاستغفار، وكذا هفواته الّتي بدرت منه، وعن الأوقات الّتي قصرّ فيها عن عبادة الله بكثرة الاستغفار؛ فمن طبيعة النّفس البشريّة أنّها معرّضة لارتكاب الذّنوب لذا عليهم بمعرفة ماذا يفعل كثرة الاستغفار وفوائد كثرة الاستغفار.

الاستغفار بالأسحار

من عجز عن قيام الليل فعليه بالإستغفار فلا ينبغي أن يعجز عن الاستغفار فيه لتكن من الذين قال الله فيهم ﴿وبالأسحار هم يستغفرون).

دعاء للميت بالاسم .. احرص عليه عند الوقوف أمام قبرهتعليق صور المتوفى تلمسا للدعاء له بالرحمة.. الافتاء تردفوائد الاستغفار بالأسحار

أمر الله تعالى عباده بالاستغفار في العديد من الآيات القرآنية، منها قوله: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) كما أنّه أمر رسوله محمد عليه الصلاة والسلام بالاستغفار، فقال: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)، كما أنّ من أسماء اله تعالى الغفار، ومن صفاته أنّه غافر الذنب، وذو المغفرة، ويُعرّف الاستغفار بأنه طلب العبد من ربه جلّ وعلا المغفرة والستر في الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وللاستغفار العديد من الفوائد والثمار التي تعود على العبد في دنياه وآخرته، وفيما يأتي بيان عددٍ منها: تكفير الذنوب والسيئات والخطايا والآثام، حيث قال الله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا)، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قال : أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه غُفِرَ له وإنْ كان فرَّ من الزحفِ). دفع ورفع وصدّ البلاء والعقوبة والعذاب، حيث قال الله سبحانه: (وَما كانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم وَما كانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ). تحقيق السعادة والاطمئنان والسكينة في النفس والقلب، إضافة إلى نيل المتاع الحسن، حيث قال الله سبحانه: (وَأَنِ استَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ توبوا إِلَيهِ يُمَتِّعكُم مَتاعًا حَسَنًا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤتِ كُلَّ ذي فَضلٍ فَضلَهُ وَإِن تَوَلَّوا فَإِنّي أَخافُ عَلَيكُم عَذابَ يَومٍ كَبيرٍ). نيل الزيادة في الأموال، وإمداد الله تعالى عباده بالنسل، حيث قال سبحانه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).

دعاء سيد الإستغفار

عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ"، قَالَ: "وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ".

أثر الاستغفار في استجابة الدّعاء

إنّ للاستغفار أثرًا كبيرًا في استجابة الدّعاء.. أنّ المستغفر من الذّنب كمن لا ذنب له، كما في الحديث الصّحيح عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، ولا شكّ بأنّ المسلم الذي لا ذنب له يكون دعاؤه مقبولًا عند الله تعالى، بينما لا يتقبّل الله تعالى دعاء الظّالمين والعاصين لأنّهم بعيدون عن الاستغفار والتّوبة الصّحيحة في حياتهم.

إنّ المسلم الذي يستغفر ربّه دائمًا يكون حريصًا على اجتناب الكسب الخبيث والمال الحرام، الّذي هو سببٌ من أسباب عدم استجابة الدّعاء، ففي الحديث الشّريف نعيٌ لحال من يدعو الله تعالى وملبسه حرام ومأكله حرام، وعذّي بالحرام، فالاستغفار واستجابة الدّعاء أمران متلازمان فحيثما يكون الاستغفار والتّوبة يكون الدّعاء المستجاب، وإذا غاب الاستغفار ولم تصدق التّوبة غابت أسباب استجابة الدّعاء.

إنّ الله سبحانه وتعالى يعطي الرّزق لمن أدام الاستغفار وحرص عليه، قال تعالى: (فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ) وهذا الرّزق من الله تعالى يأتي كذلك من خلال الدّعاء الصّادق حينما يقف العبد بين يدي الله تعالى يسأله الرّزق الحلال الطّيب في الدّنيا، كما أنّ من مظانّ استجابة الدّعاء تحيّن أوقات معيّنة للدّعاء ومنها وقت نزول المطر.

إن لزوم الاستغفار هو سبب لتفريج الهمّ وإزالة الكرب. أن الإستغفار والحرص عليه يجعل المسلم من أولياء الله الصالحين وعباده المتّقين، الذين لا يرد الله دعاءهم ولا يخيب رجاءهم، كما جاءوفي الحديث القدسي الشّريف: (لئِن سألَني لأعطينَّهُ ولئنِ استعاذني لأعيذنَّهُ).

طباعة شارك أثر الاستغفار في استجابة الدّعاء الاستغفار بالأسحار فوائد الاستغفار بالأسحار دعاء سيد الإستغفار

مقالات مشابهة

  • هل يقبل الله تعالى التوبة بمن تاب وأناب إليه؟
  • أهمية تنظيم الوقت وترتيب المهام والأولويات
  • حكم أكل أموال الناس بالباطل وعقابه بالشرع الشريف
  • أذكار الصباح اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025
  • أذكار الصباح اليوم.. كنوز يومية تحافظ على قلبك من الغفلة
  • أسباب وجود البركة والرزق
  • هل كثرة الإنجاب باب للرزق؟.. الإفتاء تصحح 6 أخطاء شائعة
  • من عجز عن أداء قيام الليل فعليه بهذا الفعل
  • حكم قول خد الشر وراح .. دار الإفتاء توضح
  • فضل من مات يوم الجمعة