شخصياً، لا أعتبر جمال الزائدي صحفياً أو إدارياً بارزاً بقدر ما أتعامل معه كمثقف وكاتب يقدم منظومة ذهنية تنضوي ضمن الباقات الأكثر تماسكاً في الساحة الليبية. وبسبب اقتراب نصه من الأدب وعدم ابتعاده عن الفلسفة، أضف إلى هذا صداقتنا اللطيفة التي لم يؤذها ما يمكن أن أسميه تجاوزاً (تناقضاتنا الفكرية) مع ابتسامة خفيفة، لهذا وزيادةً تهمني جداً سطوره رغم فترات الانقطاع.
عندما ارتكب جمال مقالة “الكمبرادور” وجيرها بالكامل لهجاء المرتهنين للغرب رغم إمكانية المصطلح لتناول المصابين بحالة الرضوخ للشرق، ألحت عليّ الرغبة لأقرأ رأيه في “الكمبرادور” بصيغة الجمع. فالرأسمالية وليبراليتها ليست اللاعب الوحيد في المجال الوطني، وآثار النظرية الأوراسية لا تخفى على متأمل ذي قامة فارعة كالزائدي، إلا إذا كان يتقصد القفز عليها ويتخطاها لأغراض في جمجمته. سأخبركم أنّني كتبت نصاً قد يكون لاذعاً لاستفزازه على التوغل وتعميق الطرح، حتى لو كانت النتيجة سيلاً من الجمل التي تبرر الوثبة. في جميع الأحوال، كنت سأستفيد وأتعرف على كينونة المشهد الذي يراه من زاويته المضمخة بالثراء. لم أنشر مقالي الحاد الذي عنونته “بتشريح الكمبرادور”، ولكنني نشرت نسخة مطلسمة تدندن حوله خوفاً من إثارة سخط “اللعين”. نعم، كما لا يعلم الجميع، فأنا أراعي أحاسيس من يهمني أمر مشاعرهم أحياناً، وهذه إحدى المرات النادرة التي يلمع فيها هذا البرق في سمائي المكفهرة.
اليوم قرأت مقالاً جديداً للأستاذ جمال الزائدي – رفع الكلفة قد يزعجه – أنا أفرط في المراعاة، هذه أعراض خطيرة أرجو أن لا تتطور. لنعد من المسارات الجانبية إلى نصه “كم نبعد عن واحة الديمقراطية”. الأسلوب الأدبي الذي يدون به جمال مقالاته ليس موجهاً لجمهور اللغة البيضاء الذي تغزل لهم الصحف مادتها في الغالب. إنه يخاطب شريحة تستطيع استيعاب ما اختزله في جمل فخمة ترسم صورة كبيرة جداً. فهو، كما أعرف، قاريء نهم يضع الناقد أمامه عندما يناقش موضوعاً ويخمد النار قبل أن تشتعل بمآلات للفرار العاجل كي لا يحاصر. إنه لا يريد أن يفسر ما أدغمه ببساطة. أعتقد أنّ هذا الأمر أصبح فطرياً لديه وليس تربصياً. فن التنزه في الغابة مع تفادي فخاخ الصياد حصاد مران قديم. المقصد من تناول أرغفة الكاتب الساخنة ليس إرغامه على البوح، بل التلذذ بأفكاره قدر المستطاع والذهاب معها إلى حيث تريد. لن أقدم سردية مناقضة هنا رغم أنها متاحة، ولكن سأستفهم فقط، حتى لا أقول ما لم ينبس به صديقي العزيز: “ما هي آلية الحكم التي تتوافق مع نمط الحياة الليبي؟” أعني القيم النسبية التي تعليها. ضع لنا ما استخلصته عن الحقيقة وفق وجهة نظرك في سياقها التاريخي الراهن.
الإجابة حسب الأستاذ جمال الزائدي في مقاله: توجد في ليبيا (بنْية اجتماعية وثقافية في مرحلتها الأبوية) ومن لا يدرك ذلك (نخبة منبهرة تتعمد ترسيخ السديمية أو مصابة بالجهل). ولكن الممارسة (الديمقراطية) ضرورة، غير أنّ (الديمقراطية في الحالة الليبية ليست بالضرورة أن تكون الوسيلة الوحيدة للتعامل مع المعضلة التي نعيشها).
تناقضات يفرضها النص حتى بعد وضعه في سياقه. هل يقول جمال: إنّ الضرورات الديمقراطية غير ضرورية على هذه الأرض وفي هذا التاريخ، لأنّ النخبة لا تعي أنّ البنية الاجتماعية والثقافية غير ديمقراطية وبدائية أبوية؟ هذا جليّ وغير قابل للتفسير إلا على هذا النحو مع محاولاتي العديدة الفاشلة للويّ عنق السطور في اتجاه آخر.
عزيزي جمال، ما هي الوسيلة الأخرى (آلية الحكم) للتعامل مع المعضلة الليبية؟
لماذا كتبت مقالك؟ هل تدعونا إلى الانتظار حتى تصبح البنية الاجتماعية والثقافية ديمقراطية؟ لا بأس، ماذا نفعل كنخبة واعية أثناء ذلك؟ هل نستمر في استزراع الديمقراطية التي ترفضها الحقيقة الاجتماعية وتفرضها الحقيقة السياسية، وننضم إلى “السديميين” والجهلة المنزعجين من التباين كما نعتهم؟
هل ستقول أنّك تلتقط صورة فوتوغرافية وتصف ما احتواه الكادر؟ فأنت لا تفعل ذلك يا “دجيم”!
حدثنا بتواضع لابلاغة كارثية تشوبه ، انزل لنا من برجك النخبوي السامق، وحاول أن تراعي تجربتنا البسيطة في أزقة الذهن العالي. لا تتمتع بالنص وأنت تحفره، ساعدنا في تهجي أبجدية المواربات والمجازات والاستعارات و”بنات آوى”. يا ذئب اللغة، أذهلنا ببراثن لا مخمل يغلف قساوتها القاتلة!
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
الكاتب حسام الوحيشيالمصدر: ليبيا الأحرار
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي يوهان يونيسيف يونيسف يونغ بويز يونسيف
إقرأ أيضاً:
فيروس غامض يضرب الكونغو الديمقراطية: أكثر من 50 ضحية حتى الآن
تسبب مرض مجهول يجتاح جمهورية الكونغو الديمقراطية في وفاة أكثر من 50 شخصا، وفقا لتقارير الأطباء والسلطات الصحية العالمية.
وقال سيرغي نجاليباتو، المسؤول الطبي في مستشفى بيكورو، وهو مركز مراقبة إقليمي، لوكالة "أسوشيتد برس"، إن الفترة ما بين ظهور الأعراض والوفاة كانت 48 ساعة في معظم الحالات، مما يثير القلق بشكل كبير.
وبدأ أحدث تفشي للمرض في الجزء الشمالي الغربي من البلاد في 21 يناير، وتم تسجيل 419 إصابة، من بينها 53 حالة وفاة.
ووفقا لمكتب منظمة الصحة العالمية في أفريقيا، بدأ تفشي المرض لأول مرة في بلدة بولوكو بعد أن أكل ثلاثة أطفال خفاشا، وتوفي الأطفال في غضون 48 ساعة بعد ظهور أعراض الحمى النزفية.
هذا وأظهرت الفحوصات، خلو جميع العينات من فيروس الإيبولا أو أمراض الحمى النزفية المعروفة مثل ماربورغ، بينما ثبت وجود دلالات ملاريا في بعض العينات.
Relatedرئيسة وزراء الكونغو تكشف: 7000 قتيل و450 ألف مشرد بسبب النزاع الدائر في شرق البلادالكونغو: الأمم المتحدة تتهم متمردي حركة "إم 23" بقتل الأطفال في بوكافو الكونغو الديمقراطية: المتمردون على أبواب بوكافو وحالة من الذعر والخوف تسود المدينةوفي العام الماضي، تم تحديد مرض غامض آخر شبيه بالإنفلونزا في جزء آخر من جمهورية الكونغو الديمقراطية، والذي أودى بحياة العشرات، ويحتمل أن يكون ناتجا عن ملاريا حادة.
كما تكافح البلاد حاليا تفشي مرض الملاريا، بالإضافة إلى النزاع المستمر مع حركة إم 23 المدعومة من رواندا.
ولطالما كانت هناك مخاوف من انتقال الأمراض من الحيوانات إلى البشر في الأماكن التي يشيع فيها أكل الحيوانات البرية.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أشارت في عام 2022 إلى أن عدد حالات التفشي في أفريقيا ارتفع بأكثر من 60% في العقد الماضي.
وبدأ التفشي الثاني للمرض المجهول في بلدة بوماتي في 9 فبراير، وتم إرسال عينات من 13 حالة إلى المعهد الوطني للبحوث الطبية الحيوية في العاصمة كينشاسا لاختبارها.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الملاريا تواصل الفتك بالمواطنين في كينيا رغم التقدم في إنتاج الأدوية المحلية بعد عقود من التحسن.. لماذا شهد متوسط العمر المتوقع في أوروبا تباطؤًا ملحوظًا؟ مدير منظمة الصحة العالمية في أوروبا: "نحن في مرحلة وقف النزيف" بعد انسحاب واشنطن وفاةضحايامواجهات واضطراباتتفشي وباء - انتشار مرضجمهورية الكونغو الديموقراطية