قراءة التاريخ ليست مجرد سرد أحداث فحسب، لكنها محاولة تفكيرية لوضعه ضمن إطار معرفي يجعله يتميز عن القصص المحكية وينضجه للاستفادة منه في مجالات أخرى.

ورغم تعدد النظريات فإنها في المجمل ليست متضادة، فكلها كانت تدرس الطريقة التي يتحرك بها التاريخ بدءًا من ابن خلدون على الأقل، مؤلف المقدمة وكتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر" الذي طور فيه نظرية دورة التاريخ وأطواره الخمسة، ثم هيغل التي يعتقد أن التاريخ يتطور بتصادم أطروحة وأطروحة أخرى مضادة لينتج عن ذلك أطروحة أخرى تضادها أخرى رابعة وهكذا، ثم ماركس الذي يعتقد بتفرد الصراع المادي وراء تطور التاريخ، إلى جانب نظرية التحقيب التي تقسم التاريخ إلى أقسام متجانسة يسهل دراستها، وغير ذلك من النظريات.

وتعتبر إحدى أشهر المدارس في قراءة التاريخ مدرسة "أناليس" الفرنسية التي يبرز المؤرخ فيرناند بروديل كأحد روادها بنظريته المسماة "تاريخ الزمن الطويل" التي طورها في مقال له نشر عام 1958، ناقش فيه مشاكل العلوم الاجتماعية وعلى رأسها علم التاريخ ثم قدم أطروحته في كيفية قراءته والتفاعل معه.

وكان بروديل يحلم بأن يكون طبيبا في صغره لكن والده دفعه لدراسة التاريخ، حتى تخرج منه عام 1923 وبدأ التدريس في الجزائر لمدة 10 سنوات، وبعد عودته إلى فرنسا التقى بعالم الاجتماع كلود ليفي شتراوس ورافقه إلى البرازيل لتأسيس جامعة ساو باولو حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 حين عاد للالتحاق بالجيش ليعتقله الألمان ويظل بمعسكر الاعتقال حتى نهاية الحرب عام 1945.

وفي السجن كتب مسودة رسالته للدكتوراة، بعنوان "البحر المتوسط والعالم المتوسطي في عهد فيليب الثاني" ملك إسبانيا في القرن 16، وهو الكتاب الذي أكسبه الشهرة ومهد الطريق لنموذج "الطبقات الثلاث" الذي عرفت به مدرسة أناليس، الطبقة الأولى هي "الزمن الطويل" (Longue Duree) وهي طبقة تدرس تفاعل البشر مع محيطهم المادي، والطبقة الثانية تدرس تكون المجموعات البشرية من القبيلة وحتى الدولة القومية، أما الطبقة الثالثة فتدرس حياة الأفراد.

المؤرخ والأكاديمي التونسي عدنان منصر:  اليهودية ديانة وليست قومية، والفارق بينها وبين الصهيونية هو بالضبط الفارق بين الثقافة والحرب (مواقع التواصل)

وفي هذا اللقاء حاورت الجزيرة نت المؤرخ التونسي والمحاضر في الجامعة التونسية الدكتور عدنان منصر للوقوف على نظرية بروديل وتميزها عن غيرها وكيف برزت في أعمال مؤرخين آخرين، ثم محاولة إسقاطها على القضية الفلسطينية للنظر إليها من زاوية أخرى، فإلى الحوار:

 عرِّفنا أكثر عن المؤرخ الفرنسي بروديل؟

يمكن القول دون تحفظ كبير إن بروديل أحد أعظم المجددين في علم التاريخ فهو يصنف كممثل وربما كأب موقر للجيل الثاني، وهو الجيل الأكثر اعتبارا في مدرسة الحوليات. وينظر كثير من المؤرخين إلى بروديل من خلال كتابه الهام حول "المتوسط والعالم المتوسطي زمن فيليب الثاني".

المؤرخ الفرنسي فرناند بروديل منتصف عام 1984 في باريس (غيتي إيميجز)

ولكن أهم نص كثف فيه بروديل تأطيره النظري لمنهجه التاريخي الذي أطلق عليه اسم "تاريخ الزمن الطويل" وهو مقال له أصدره سنة 1958 بمجلة "الحوليات اقتصاد مجتمعات حضارات" بعنوان "التاريخ والعلوم الاجتماعية. الزمن الطويل".

ناضل بروديل من خلال هذا المقال من أجل التأكيد على حدود المنهج التقليدي الذي يسيطر عليه تقديس الحدث التاريخي، منسّبا إلى حد كبير من الإضافة العميقة التي يمكن أن يقدمها التاريخ الآني.

واعتبر في هذا النص أن القرن الـ19 كان قرن التاريخ الحدثي، الذي يمكن أن نسميه أيضا التاريخ السياسي. ويدين بروديل المنهج الذي يعتمد تحقيبا اعتباطيا يدور بالأساس حول الحدث المراد درسه، من أجل تبرير أهمية الموضوع المطروق. وبالنسبة لبروديل، ليس التحقيب سوى ضرورة تبريرية يعتمدها المؤرخ الكلاسيكي المهتم بالحدث، وبخاصة منه السياسي، من أجل الإيحاء بأن عمله يساعد على فهم التاريخ.

التاريخ أصلا لا يفهم إلا في مداه الطويل عند بروديل، وهو يجري بصمت، وفي الغالب دون أن يشعر التاريخ نفسه بذلك، مثل نهر يجري منذ ملايين السنين، يبني حوله كل شيء من حضارات وإنسان وبيئة، إلى الحد الذي ينسى فيه الناس أنه موجود. والسكون ليس غيابا بالنسبة لبروديل، كما أن الضوضاء ليست بالضرورة حركة

ما الذي يميز قراءة بروديل للتاريخ؟

التاريخ أصلا لا يفهم إلا في مداه الطويل عند بروديل، وهو يجري بصمت، وفي الغالب دون أن يشعر التاريخ نفسه بذلك، مثل نهر يجري منذ ملايين السنين، يبني حوله كل شيء من حضارات وإنسان وبيئة، إلى الحد الذي ينسى فيه الناس أنه موجود. والسكون ليس غيابا بالنسبة لبروديل، كما أن الضوضاء ليست بالضرورة حركة.

وعندما ننظر في الصيغة الأولى لعنوان أطروحة بروديل "فيليب الثاني والمتوسط" والصيغة التي قدمت بها أخيرا "المتوسط والعالم المتوسطي زمن فيليب الثاني" فإننا نفهم بيسر المخاض المنهجي العظيم الذي عاشه بروديل. وانتقل بروديل من أطروحة كلاسيكية حول السياسة المتوسطية لملك إسباني في الفترة الحديثة إلى التأريخ للمتوسط وعالمه زمن هذا الملك. ولقد تراجع الملك كثيرا وراء المتوسط وأصبح هذا الأخير هو صلب موضوع الأطروحة. هل يمكن كتابة تاريخ بحر كان هناك منذ الأزل، مياه مالحة ممتدة ساكنة أو هائجة بحسب الطقس، لا تصل إلى الحكم ولا تخرج منه، لا تشعل ثورة ولا تفرض سلالة؟

ولاحقا سيؤلف أحد مريدي بروديل، وهو المؤرخ الفرنسي إيمانويل لروا لادوري، وكان من ضمن الأكثر تأثرا بمنهجه، كتابا حول "تاريخ المناخ منذ سنة ألف". وهو تحول ضخم في الزمن ومقاييسه بالنسبة لعلم التاريخ.

لقد أسقط بروديل ليس فقط التاريخ الكلاسيكي الذي يقوم بتتبع الأشخاص، حتى لو كانوا ملوكا امتدت عهودهم عشرات السنين أحيانا، وإنما المبدأ الاعتباطي للتحقيب.

لقد أسقط بروديل ليس فقط التاريخ الكلاسيكي الذي يقوم بتتبع الأشخاص، حتى لو كانوا ملوكا امتدت عهودهم عشرات السنين أحيانا، وإنما المبدأ الاعتباطي للتحقيب.

ولنأخذ نموذجا عن هذه الاعتباطية باتباع المنهج البروديلي: في تاريخ بلاد المغرب على سبيل المثال، وتونس بالخصوص، نجد نوعا من الاتفاق بين المؤرخين منذ عقود طويلة، على أن التاريخ الحديث يبدأ من فكر حركة النهضة، وبالخصوص منذ الإصلاحات التعليمية والعسكرية لمنتصف القرن الـ19، وأنه ينتهي كحقبة سنة 1881، أي بدخول الجيوش الفرنسية واحتلالها البلاد لتبدأ الفترة المعاصرة.

وقبل الفترة الحديثة، هناك اتفاق على أن الفترة الوسيطة تبدأ بقدوم المسلمين لفتح البلاد تنتهي بسقوط الدولة الحفصية. وعندما تنظر إلى الجزائر، إلى المغرب الأقصى، وحتى إلى ليبيا، فإنك ستجد هذه التواريخ بلا معنى، حيث يحصل تفاوت في الحدود بين فترة وأخرى، أو بين حقبة وأخرى.

وبالنسبة للمنهج البروديلي، هذا مجرد اعتباط. وهناك نوع من المنطق، لكنه يبقى منطق تبرير بالدرجة الأولى. هل تغير المجتمع سنة 1881 وتحول من مجتمع حديث إلى مجتمع معاصر؟ هل تغيرت طريقة تعامل الناس فيما بينهم، طريقة تواصلهم وعلاقتهم بالأرض والأمراض وما إلى ذلك مما في بيئتهم؟ يمكن أن نسأل نفس الأسئلة في خصوص الحقبة التي سبقت، أو التي لحقت. وقعت أحداث نعم، وهذه الأحداث هامة جدا من منظور المؤرخين الذين يجعلون من حقبة صغيرة، حتى لو امتدت على قرن أو قرنين، محط تركيزهم.

قيمة الحدث تكمن في صغر السلم الزمني، وليس في الحدث بحد ذاته، وكلما وسعت من هذا السلم تضاءلت قيمة الحدث الذي كان قبل ذلك هاما جدا. وبالنسبة للمنهج البروديلي، يتراجع ليس الفرد فقط، ولكن الإنسان في المطلق إلى مرتبة متأخرة عن الجغرافيا، عن البيئة التي أنتجته فكرا وسياسة وحضارة، ليصبح أحد إنتاجاتها المتفاعلة معها.

وليس هناك اعتراف بصنع الإنسان للتاريخ في معناه الإطلاقي إذن، هذه الفكرة جعلت معارضي بروديل يتهمونه بالانحياز للحتمية الطبيعية، وبجعل الإنسان وإرادته أشياء تفصيلية يمكن التنبؤ بها. ويضع بروديل علم التاريخ في بيئة العلوم الاجتماعية، ليصبح التاريخ وعاء لكل جوانب النظر الممكنة للإنسان وللبيئة

ومن هنا فإن قيمة الحدث تكمن في صغر السلم الزمني، وليس في الحدث بحد ذاته، وكلما وسعت من هذا السلم تضاءلت قيمة الحدث الذي كان قبل ذلك هاما جدا. وبالنسبة للمنهج البروديلي، يتراجع ليس الفرد فقط، ولكن الإنسان في المطلق إلى مرتبة متأخرة عن الجغرافيا، عن البيئة التي أنتجته فكرا وسياسة وحضارة، ليصبح أحد إنتاجاتها المتفاعلة معها.

وليس هناك اعتراف بصنع الإنسان للتاريخ في معناه الإطلاقي إذن، وهذه الفكرة جعلت معارضي بروديل يتهمونه بالانحياز للحتمية الطبيعية، وبجعل الإنسان وإرادته أشياء تفصيلية يمكن التنبؤ بها. ويضع بروديل علم التاريخ في بيئة العلوم الاجتماعية، ليصبح التاريخ وعاء لكل جوانب النظر الممكنة للإنسان وللبيئة.

وفي الوقت الذي كان فيه علماء الاجتماع وعلماء النفس مثل المؤرخين تماما بدايات القرن العشرين، في مناوشات مستمرة حول خصوصيات مناهجهم المتعددة، حريصين على تمييز مجالاتهم الخاصة والحميمة، فإن بروديل كممثل وأحد كبار الآباء المؤسسين لمدرسة الحوليات والتاريخ الجديد، قد فجر هذه الحواجز المنهجية بين العلوم الاجتماعية، وتحرر من الوثيقة وإيحاءاتها ومغالطاتها، ليجعلها تفصيلا في جهد منهجي أكبر ضخامة. ولم يظهر ذلك فحسب في كتابه حول المتوسط، بل أيضا في كتابه "هوية فرنسا" وكتابه حول "ديناميكية الرأسمالية" الذي دمر بصورة منهجية وكاملة المنطق الذي قامت عليه أطروحة ماركس حول رأس المال.

المؤرخ الذي يكتفي فقط بإعادة رسم التسلسل الذي توحي به الوثائق المتتابعة، ربما كان محققا، لكنه من وجهة النظر البروديلية ليس مؤرخا، وتحتل الجغرافيا مركزا أساسيا في كتابات بروديل، حيث يصبح النهر والبحر والجبل والهضبة والسهل والمناخ والجيولوجيا والديموغرافيا والجفاف، عناصر الفعل الرئيسية المستديمة والمتفاعلة والمنشئة لظواهر مختلفة ومتكاملة، بما في ذلك الإنسان والحضارة. وأحيانا تأخذ الخريطة شكل جسم حي، حيث تمثل شبكة الأنهار الأوردة الدموية، وحيث تتحول هضبة أو سهل إلى قلب نابض بالنشاط الاقتصادي بعد أن تجمعت فيه تلك الأوردة

وهنا المؤرخ الذي يكتفي فقط بإعادة رسم التسلسل الذي توحي به الوثائق المتتابعة، ربما كان محققا، لكنه من وجهة النظر البروديلية ليس مؤرخا.

وتحتل الجغرافيا مركزا أساسيا في كتابات بروديل، حيث يصبح النهر والبحر والجبل والهضبة والسهل والمناخ والجيولوجيا والديموغرافيا والجفاف، عناصر الفعل الرئيسية المستديمة والمتفاعلة والمنشئة لظواهر مختلفة ومتكاملة، بما في ذلك الإنسان والحضارة. وأحيانا تأخذ الخريطة شكل جسم حي، حيث تمثل شبكة الأنهار الأوردة الدموية، وحيث تتحول هضبة أو سهل إلى قلب نابض بالنشاط الاقتصادي بعد أن تجمعت فيه تلك الأوردة.

والطبيعة جسم حي ومؤثر، بانٍ للهوية ومشكّل لها. وقد أدت ثورة بروديل والحوليات عموما على التاريخ السياسي والحدثي إذن إلى ثورة على الإنسان، في صيغته المفردة خصوصا، وإلى إعادة بناء سلم الزمن، وترسيخ حتميات ديناميكية جديدة.

أدت ثورة بروديل والحوليات عموما على التاريخ السياسي والحدثي إذن إلى ثورة على الإنسان، في صيغته المفردة خصوصا، وإلى إعادة بناء سلم الزمن، وترسيخ حتميات ديناميكية جديدة (غيتي) هذه النظرية وبعض تطبيقاتها لكن أين يمكن أن نقرأ فلسفة بروديل في أعمال علماء آخرين؟

يمكن أن نجدها عند جمال حمدان على سبيل المثال، الجغرافي المصري المعروف في كتابه الضخم والمؤسس عن مصر الذي صدر في 4 أجزاء سنة 1984، باتباع نفس التوجه المنهجي العام إجمالا، وهو كتاب "شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان".

وعندما تنظر في الجزء الأول من الكتاب تجد أن الطبيعة هي أصل كل الحضارة المصرية، الجيولوجيا والصحراء والنيل. وفي الجزء الثاني منه تجد حركة البشر عبر هذه الطبيعة وعناصرها المحددة، بما في ذلك الأنظمة السياسية الرئيسية والتحولات الاجتماعية التي نشأت عنها، أما الجزء الثالث فقد جعله للاقتصاد في زمنه الطويل (شخصية مصر التكاملية) مخصصا الرابع للثقافة "شخصية مصر الحضارية". وكان هذا العمل الضخم إقرارا وترسيخا لعبقرية المكان، الذي يمكن أن نسميه الطبيعة أو البيئة أو الجغرافيا، وعنها نشأت تفصيلات كثيرة، من بينها الإنسان والحضارة.

المفكر المصري الراحل جمال حمدان مؤلف كتاب "شخصية مصر" (مواقع التواصل)

انظر إلى كتاب جديد صدر منذ أقل من عام تقريبا، يتبع إلى حد كبير نفس التوجه العام لبروديل، وهو كتاب "هزيمة الغرب" للمؤرخ الفرنسي إيمانويل تود، وهو للمصادفة مؤرخ مختص في التاريخ الديموغرافي، أي شديد القرب من الجغرافيا البشرية وقضاياها ومناهجها.

وتجد في هذا الكتاب تفكيرا حول الزمن الطويل، ووضعا للغرب أمام العناصر الرئيسية العميقة التي تحدد توجهاته ومصيره والتي يقع تحليل كل تفاصيل السياسة الأوروبية والعالمية انطلاقا منها واحتكاما إليها، الأنثروبولوجيا والديموغرافيا والأخلاق.

كتاب "ما بعد الإمبراطورية" صدر للمؤرخ إيمانويل تود عام 2001 (الجزيرة)

وهذه عناصر يمكن أن نرى بيسر تشابهاتها الشديدة مع العناصر المكونة للزمن الطويل لدى بروديل.

وفي حين يركز مؤرخ الأحداث، أو المختص في الزمن السياسي (القصير) ضرورة على حرب أوكرانيا، فإن مؤرخ الزمن الطويل يذهب للحفر بعيدا جدا في فبراير/شباط 2022، ولا يسعى فقط إلى فهم الأسباب العميقة لهذا النزاع في رقعته الروسية الأوكرانية، وإنما في بيئته الحضارية العامة الأوروبية، وفي سياق منظومة الهيمنة الدولية التي نشأت منذ الحروب الاستعمارية، مسائلا تركيبة العائلة، ونسب الجريمة، والممارسات الدينية، والظواهر الجنسية إلخ.

وفي حين يركز مؤرخ الأحداث، أو المختص في الزمن السياسي (القصير) ضرورة على حرب أوكرانيا، فإن مؤرخ الزمن الطويل يذهب للحفر بعيدا جدا في فبراير/شباط 2022، ولا يسعى فقط إلى فهم الأسباب العميقة لهذا النزاع في رقعته الروسية الأوكرانية، وإنما في بيئته الحضارية العامة الأوروبية، وفي سياق منظومة الهيمنة الدولية التي نشأت منذ الحروب الاستعمارية، مسائلا تركيبة العائلة، ونسب الجريمة، والممارسات الدينية، والظواهر الجنسية إلخ

وهنا فإن الثقافة والأنثروبولوجيا وتاريخ الأخلاق والديموغرافيا تصبح عناصر الزمن الطويل التي تقدم الأجوبة الأساسية عما يقصر تاريخ الأحداث عن إدراكه، ويمر بالقرب منه دون أن يراه في الغالب. وهذه "العناصر الساكنة" هي في الحقيقة العناصر المتحركة، ولكننا لا نرى حركتها، أو أننا نسينا أن نراها.

الثقافة والأنثروبولوجيا وتاريخ الأخلاق والديموغرافيا تصبح عناصر الزمن الطويل التي تقدم الأجوبة الأساسية عما يقصر تاريخ الأحداث عن إدراكه، ويمر بالقرب منه دون أن يراه في الغالب. وهذه "العناصر الساكنة" هي في الحقيقة العناصر المتحركة، ولكننا لا نرى حركتها، أو أننا نسينا أن نراها

ولنأخذ مثالا آخر: يمكن أن يهتم أحد الباحثين بتطور السلاح المستخدم في هذه الحرب، بدوره في الحسم العسكري لمعركة ما، بنقل عربات أو مدرعات أو مدافع متحركة من الحلف الأطلسي إلى الجيش الأوكراني. ولكن إيمانويل تود يذهب للبحث في مسألة تكوين المهندسين، في توجيه طلبة البكالوريا لشعب الهندسة، ويقارن بين الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا مثلا من جهة، وبين نفس الظاهرة في كل من روسيا وإيران والصين. وهذا هو العامل المحدد، وليس نقل آلة ما من جهة إلى أخرى عبر الحدود. وهناك مجددا فارق في سلم الزمن، حيث تتحول معركة أو آلة إلى تفصيل صغير وثانوي جدا في مسار امتلاك التقنية على المدى البعيد.

بنفس المنهج، كيف يمكن أن نقرأ القضية الفلسطينية عبر "الزمن الطويل"؟

هناك كتاب هام صدر بالألمانية سنة 1939 بعنوان "موسى والتوحيد" للمحلل النفسي الأشهر سيغموند فرويد. وما يهمنا في علم النفس التحليلي هنا كونه أحد مناهج البحث الذي يمكن أن تضيف لعمل المؤرخ، وإن كان فرويد نفسه قد عاد لكثير من المراجع التاريخية، وحتى لعلم الآثار والدراسات في حقل اللغة والكتابة، مع محاولة لضبط الأماكن على الخارطة الجغرافية لكل منطقة المشرق.

عالم الأعصاب النمساوي ومؤسس التحليل النفسي فرويد في لندن عام 1938 وبيده مخطوطة كتابه "مخطط التحليل النفسي" (شترستوك)

وهناك توجه بروديلي واضح في هذا الكتاب، وإن كان بروديل لم يكن قد أخذ بعد الشهرة التي له اليوم (لم يكن قد ناقش أطروحته حول المتوسط أصلا آنذاك) ولم يكن فرويد مؤرخا، كما لم يكن المنهج البروديلي قد عبر عن نفسه بعد، لنوضح ذلك لأنه هام.

هل تأثر فرويد بالحوليات؟ لا أدري، لكن دراسته التي راقب فيها نشأة الديانة اليهودية، وحركة البشر عبر الصحراء، ودور القحط، واعتبار كل تلك العناصر هامة في التحليل النفسي، وإخضاع الظواهر التاريخية إلى منهج التحليل النفسي، يضيء منهجا متحررا من حدود الاختصاص التقنية الكلاسيكية والمحافظة.

علم الآثار أنقذ التاريخ. وهذه عبارة رشيقة للتدليل على مأزق التاريخ السياسي والحدثي إزاء القضايا التاريخية الكبرى والممتدة في الزمن. وباتباع المنهج البروديلي، يجب أولا ألا ننظر لفلسطين، تلك الرقعة الصغيرة من الأرض في بلاد الشام الجنوبية، ككتلة بشرية أو حتى طبيعية منفصلة عن البيئة العامة للمشرق. وهناك منذ الأزل حركة مستمرة للبشر بين أرجاء هذه الرقعة الجغرافية، وهذه الحركة لا تحدد اتجاهها الحروب فقط على سبيل المثال، بل إن الحروب في أصلها نوع من الضرورة المستجيبة لأحكام المجال وإمكانياته وتعامل الإنسان مع الندرة والمناخ

ويقول بروديل -في مقاله الصادر سنة 1958- إن علم الآثار أنقذ التاريخ. وهذه عبارة رشيقة للتدليل على مأزق التاريخ السياسي والحدثي إزاء القضايا التاريخية الكبرى والممتدة في الزمن. وباتباع المنهج البروديلي، يجب أولا ألا ننظر لفلسطين، تلك الرقعة الصغيرة من الأرض في بلاد الشام الجنوبية، ككتلة بشرية أو حتى طبيعية منفصلة عن البيئة العامة للمشرق. وهناك منذ الأزل حركة مستمرة للبشر بين أرجاء هذه الرقعة الجغرافية، وهذه الحركة لا تحدد اتجاهها الحروب فقط على سبيل المثال، بل إن الحروب في أصلها نوع من الضرورة المستجيبة لأحكام المجال وإمكانياته وتعامل الإنسان مع الندرة والمناخ.

وهناك وحدة طبيعية وبشرية وتاريخية إذن، لكل هذه المنطقة التي تبدو لنا متصارعة منذ قرون. وكل الصراعات التي نشأت في الإقليم، قبل الظاهرة الصهيونية وفي الحيز الذي استغرقته الحملات الصليبية القادمة من أوروبا، هي صراعات داخلية يحددها منطق عام متماسك.

وكون موسى مصريا مثلما يقول فرويد، يتناقض تماما مع الفكرة التي كانت شائعة آنذاك، والتي لا تزال منتشرة اليوم بحكم الصراع السياسي والثقافي في المنطقة، وفحواها أن اليهودية نشأت كقطيعة مع البيئة الطبيعية والبشرية للمشرق. وفكرة الاستمرارية وليست فكرة السكون وهي ما يميز التاريخ، والأمر غير متوقف على منطقة المشرق. هل تركز الصراع في منطقة الشام الجنوبي، حيث نسبة التساقطات مرتفعة مقارنة مع بادية الأردن، وحيث شبكة الأنهار كثيفة نسبيا مقارنة مع شبه الجزيرة، هل هي مجرد صدفة لا أثر لها في حياة شعوب المنطقة؟ وتلك المكونات التضاريسية الممتدة، صحراء كانت أو مسطحات بحرية ومائية، هل منعت انتماء المنطقة إلى نفس الثقافة الممتدة عبر الزمن الطويل؟

اليهودية إنتاج لبيئة جغرافية معينة، أو فلنقل تلافيا -للجدل- أنها نشأت في بيئة معينة لها مميزاتها ومنطقها العام القائم على التجانس. وما حصل عبر الحملات الصليبية وكذلك عبر المشروع الصهيوني هو تفاعل مع عنصر غريب وافد بقوة السلاح وقرار السياسة، في سياق تاريخي معين، على منطقة منسجمة تعايش فيها السكان إجمالا بتناسق مع البيئة. وينبغي النظر في كتابات رواد التاريخ الجديد في إسرائيل لنفهم خصوصية هذا العنصر الدخيل، ودوره في إنتاج المأساة الفلسطينية والمشرقية منذ ثلاثينيات القرن الماضي

وبطريقة ما، فإن اليهودية إنتاج لبيئة جغرافية معينة، أو فلنقل تلافيا -للجدل- أنها نشأت في بيئة معينة لها مميزاتها ومنطقها العام القائم على التجانس. وما حصل عبر الحملات الصليبية وكذلك عبر المشروع الصهيوني هو تفاعل مع عنصر غريب وافد بقوة السلاح وقرار السياسة، في سياق تاريخي معين، على منطقة منسجمة تعايش فيها السكان إجمالا بتناسق مع البيئة. وينبغي النظر في كتابات رواد التاريخ الجديد في إسرائيل لنفهم خصوصية هذا العنصر الدخيل، ودوره في إنتاج المأساة الفلسطينية والمشرقية منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

يركز (المؤرخ الإسرائيلي) شلومو ساند مثلا على موضوع مملكة الخزر ناقضا بذلك أطروحة الشتات تماما. إنه يذهب بعيدا جدا، بمعنى المسافة، ليفسر أطروحته التي تعتبر الصهيونية، وليس اليهودية، سبب مأساة المنطقة، متنقلا من العراق القديم إلى بلاد آشور فأوروبا الوسطى ثم أوكرانيا، حتى يقول لنا إنه لا أصل لفكرة شعب كان متجمعا في فلسطين وقع تشتيته بقوة السلاح، ثم دخل بعد ذلك في عهد الشتات، قبل أن تظهر الصهيونية وتدعي عملها من أجل إعادة الشعب اليهودي إلى أرضه، أرض الميعاد

ويركز (المؤرخ الإسرائيلي) شلومو ساند مثلا على موضوع مملكة الخزر ناقضا بذلك أطروحة الشتات تماما. إنه يذهب بعيدا جدا، بمعنى المسافة، ليفسر أطروحته التي تعتبر الصهيونية، وليس اليهودية، سبب مأساة المنطقة، متنقلا من العراق القديم إلى بلاد آشور فأوروبا الوسطى ثم أوكرانيا، حتى يقول لنا إنه لا أصل لفكرة شعب كان متجمعا في فلسطين وقع تشتيته بقوة السلاح، ثم دخل بعد ذلك في عهد الشتات، قبل أن تظهر الصهيونية وتدعي عملها من أجل إعادة الشعب اليهودي إلى أرضه، أرض الميعاد.

اليهودية ديانة وليست قومية، والفارق بينها وبين الصهيونية هو بالضبط الفارق بين الثقافة والحرب. وبالنسبة ليهود فلسطين، من غير الوافدين إليها مع الصهيونية، فإنهم أبناء الأرض الذين أصبحوا في فترة ما مسيحيين، وهم اليوم مسلمون. ويعني ذلك أن الفلسطينيين اليوم، بغض النظر عما اعتنقوه عبر التاريخ من ديانات، هم أبناء الأرض منذ قرون عديدة، بل منذ الأزل، وأن ما حصل باستمرار كان تحولا من تعبير ثقافي لآخر، في نفس الكتلة التاريخية البشرية المهيمنة

اليهودية ديانة وليست قومية، والفارق بينها وبين الصهيونية هو بالضبط الفارق بين الثقافة والحرب. وبالنسبة ليهود فلسطين، من غير الوافدين إليها مع الصهيونية، فإنهم أبناء الأرض الذين أصبحوا في فترة ما مسيحيين، وهم اليوم مسلمون. ويعني ذلك أن الفلسطينيين اليوم، بغض النظر عما اعتنقوه عبر التاريخ من ديانات، هم أبناء الأرض منذ قرون عديدة، بل منذ الأزل، وأن ما حصل باستمرار كان تحولا من تعبير ثقافي لآخر، في نفس الكتلة التاريخية البشرية المهيمنة.

وبالنسبة للمؤرخين الجدد، والتاريخ الجديد المعادي للصهيونية في الأكاديميا الإسرائيلية، فإن المأساة في سعي القومية الأوروبية إلى جانب الصهيونية، لقطع حبل التجانس البشري والطبيعي في الإقليم، عبر السياسة والقرار السياسي، والمصلحة الاقتصادية، والرغبة في الهيمنة.

وهناك محاولة إحلال ثقافة دخيلة عنيفة محل ثقافة أصيلة مسالمة. ويجعل ذلك من الأمر اليوم متعلقا بصراع بين أبناء الأرض، أبناء الجغرافيا والثقافة والديموغرافيا الأصيلة في المنطقة، وبين مشروع هيمنة مستورد ومفروض بالقوة الخارجية.

ويشير إيلان بابي، ضمن هذا التيار البحثي المسمى بالتاريخ الجديد، أي في نهاية الأمر بمدرسة الحوليات، إلى ظاهرة طريفة ومعبرة عندما يذهب للبحث عن آثار القرى الفلسطينية القديمة التي دمرتها العصابات الصهيونية بداية من ربيع 1948، فيجد أنه إمعانا في طمس حقيقة الزمن الطويل وترسيخ التاريخ المستورد، فإن دولة إسرائيل قامت في الغالب بغراسة غابات فوق هذه القرى، وأن هذه الغابات متكونة في معظمها من أشجار لا علاقة لها ببيئة فلسطين، حيث تم استيرادها من أوروبا، وقد حصل نفس الشيء في موضوع المعمار.

يشير إيلان بابي، ضمن هذا التيار البحثي المسمى بالتاريخ الجديد، أي في نهاية الأمر بمدرسة الحوليات، إلى ظاهرة طريفة ومعبرة عندما يذهب للبحث عن آثار القرى الفلسطينية القديمة التي دمرتها العصابات الصهيونية بداية من ربيع 1948، فيجد أنه إمعانا في طمس حقيقة الزمن الطويل وترسيخ التاريخ المستورد، فإن دولة إسرائيل قامت في الغالب بغراسة غابات فوق هذه القرى، وأن هذه الغابات متكونة في معظمها من أشجار لا علاقة لها ببيئة فلسطين، حيث تم استيرادها من أوروبا، وقد حصل نفس الشيء في موضوع المعمار

وقد أنشأت الصهيونية في فلسطين واقع صراع متعدد الأوجه وعنيف بين التاريخ في مداه البعيد، والقرار السياسي المستند إلى المصلحة المادية للقوى الكبرى، لكنه صراع لا تستطيع القدرات التقنية حسمه، وهو ما يظهر بوضوح منذ 10 أشهر هي اليوم عمر العدوان الصهيوني على غزة.

قدرة المقاومة على البقاء، واستعدادها اللامتناهي للتضحية من أجل الأرض، هو دليل تملك بعيد في الزمن لهذه الأرض، لبيئتها التي تحسن الانسجام فيها دون جهد مصطنع، وتملك للثقافة التي أنشأتها هذه البيئة

وقدرة المقاومة على البقاء، واستعدادها اللامتناهي للتضحية من أجل الأرض، هو دليل تملك بعيد في الزمن لهذه الأرض، لبيئتها التي تحسن الانسجام فيها دون جهد مصطنع، وتملك للثقافة التي أنشأتها هذه البيئة. وهناك حقيقة إستراتيجية تمخضت عن عشرات القرون من التطور البشري في بيئة متجانسة ومتكاملة طبيعيا، وبالمقابل وهناك حقيقة حدثية، سياسية، تكتيكية، منفصلة تماما عن البيئة الطبيعية والبشرية والحضارية للمنطقة.

وهذا هو التلخيص البروديلي الممكن للصراع الحالي في فلسطين، تلخيص خصص له جمال حمدان، إذا ما أخذناه كمثال عن تطبيق المنهج البروديلي على تاريخ الزمن الطويل للمنطقة، أعظم إنتاجاته الفكرية.

بعد مرور 76 عاما على احتلال فلسطين وفناء أجيال في مقاومة الانتداب البريطاني ثم الاحتلال الإسرائيلي، أليس من الصعب اليوم الحديث عن تحرير كامل وعن فلسطين كاملة من النهر إلى البحر، خاصة مع التفوق العسكري والدعم الغربي؟

عندما نقول عن أمر ما إنه صعب، أو إنه يسير، ما هو المقياس الذي على أساسه نطلق هذا التقدير؟ التوازنات الوقتية العابرة، لأنها توازنات مصطنعة ولا تستند إلا إلى القوة المادية الغاشمة والعنف العاري، أم التوازنات الطبيعية والديموغرافية والحضارية الممتدة عبر الأحقاب التاريخية؟ الوضع الراهن اليوم ناتج عن محاولة إحداث قطيعة في منطق الزمن الطويل، لكن أي قطيعة قابلة للنجاح يجب أن تكون إنتاجا للبيئة الداخلية التي يتطور داخلها الزمن الطويل لمنطقة ما. والقطائع المصطنعة محاولات فاشلة مبدئيا بحكم منطق التاريخ نفسه. وهذه مسالة إستراتيجية لا دخل للأفراد وللمجموعات بها التي تتحكم فيها على المدى الطويل. وهؤلاء الأفراد والمجموعات مجرد إنتاج للمنطق العام للتجانس الطبيعي الذي ينشأ عنه تجانس حضاري لا يستطيع أن يهضم العناصر عندما تحاول الدخول إليه غصبا وفي حيز زمني قصير.

احتلال فلسطين، وقبل ذلك الهجرة الصهيونية إليها، والانتداب وحرب 1948، وحتى حرب 67 ومعاهدات التطبيع، كلها مجرد تفاصيل إذا ارتفعنا بما يكفي لنستطيع رؤية الحركة العامة للتاريخ في هدوئها وإصرارها وانسجامها. وما نراه من مقاومة في فلسطين، ومن عجز إسرائيل وكل العالم الغربي الذي يسيطر تقريبا على كل السياسة والاقتصاد اليوم في العالم، هو تأكيد على غلبة الإستراتيجي على المرحلي، حتى لو استمر هذا المرحلي مئة عام. أصلا، يعد المنسوب العالي من العنف المستخدم ضد الفلسطينيين تعبيرا عن قناعة صميمة لدى الصهيونية وحزامها الثقافي بأن الأمر يتطلب جهدا ضخما من أجل عكس منطق التاريخ في مداه الممتد

واحتلال فلسطين، وقبل ذلك الهجرة الصهيونية إليها، والانتداب وحرب 1948، وحتى حرب 67 ومعاهدات التطبيع، كلها مجرد تفاصيل إذا ارتفعنا بما يكفي لنستطيع رؤية الحركة العامة للتاريخ في هدوئها وإصرارها وانسجامها. وما نراه من مقاومة في فلسطين، ومن عجز إسرائيل وكل العالم الغربي الذي يسيطر تقريبا على كل السياسة والاقتصاد اليوم في العالم، هو تأكيد على غلبة الإستراتيجي على المرحلي، حتى لو استمر هذا المرحلي مئة عام. أصلا، يعد المنسوب العالي من العنف المستخدم ضد الفلسطينيين تعبيرا عن قناعة صميمة لدى الصهيونية وحزامها الثقافي بأن الأمر يتطلب جهدا ضخما من أجل عكس منطق التاريخ في مداه الممتد.

عندما تنظر في التركيبة الحضارية والثقافية واللغوية والأنثروبولوجية لهذه المنطقة، تجد بأن بإمكانها أن تتوحد، ولكن ليس تحت راية الصهيونية التي تبقى جسما غريبا عنها

وأصلا، عندما تتحدث الصهيونية عن إسرائيل الكبرى، فإنها تقر بأن المنطقة التي تشمل فلسطين والشام ومصر وشبه الجزيرة إلى حدود العراق، منطقة متجانسة ومتكاملة طبيعيا وتاريخيا.

وعندما تنظر في التركيبة الحضارية والثقافية واللغوية والأنثروبولوجية لهذه المنطقة، تجد بأن بإمكانها أن تتوحد، ولكن ليس تحت راية الصهيونية التي تبقى جسما غريبا عنها. انظر في سحنة من يقود إسرائيل اليوم، وانظر في سحنة من يقاومها، وسيتضح لك من الأصيل ومن الدخيل. وهذا هو مقياس الحق الذي يصوغ الإرادة ويبني النصر إستراتيجيا، وليس كثافة النيران أو عدد ما توقعه من ضحايا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات العلوم الاجتماعیة على سبیل المثال التاریخ الجدید فیلیب الثانی علم التاریخ بقوة السلاح أبناء الأرض التاریخ فی للتاریخ فی فی فلسطین عن البیئة بعیدا جدا التی نشأت شخصیة مصر فی کتابات منذ الأزل فی الزمن یمکن أن فی مداه فی بیئة فی سیاق قبل ذلک ما حصل فی هذا حتى لو من أجل من هذا دون أن

إقرأ أيضاً:

بين الوهم والحقيقة … نحزن ونفرح لما ليس ملكنا ؟؟

بقلم الخبير المهندس حيدر عبدالجبار البطاط ..

إن حياتنا على هذا الكوكب ليست سوى ومضة عابرة في الزمن الكوني الممتد عبر مليارات السنين.
ورغم هذه الحقيقة نجد أنفسنا غارقين في أحزان وأفراح تجاه أمور لا نملكها حقاً
وكأننا نعيش تحت وطأة وهم السيطرة على العالم من حولنا.

الحياة التي نحياها على قصر مدتها تختزلها عقولنا في مشاعر لحظية ترتبط بأشياء زائلة.
نتألم لفقد ممتلكات أو علاقات أو فرص ونبتهج بامتلاك ما قد نفقده غداً.
في النهاية ندرك أننا لم نكن نملك شيئاً منذ البداية وأن كل ما مررنا به كان مجرد ظلال لأفكار ومشاعر
وليست الحقيقة ذاتها.

رحلة قصيرة في عمر الكون

عمر الإنسان بالنسبة للكون لا يتعدى لحظة واحدة أقل حتى من أجزاء من الثانية إذا ما قسناها بمقياس الزمن الكوني.
لكننا مع ذلك نعيش وكأن هذه اللحظة هي كل شيء ونستنزف طاقة أرواحنا الكبيرة في ملاحقة أهداف لا تدوم.

هذا التعقيد المذهل في تصميم أجسادنا وعقولنا
والطاقة الهائلة التي تحملها أرواحنا
لا يمكن أن تكون قد وُجدت لتُستهلك في حياة عابرة مليئة بالانشغال بأوهام الملكية والسيطرة !!؟؟

قصة النار والعبرة الكبرى

تصور هذه القصة مشهداً مألوفاً
اندلع حريق في منزل، ووقف صاحبه يشاهد النيران تلتهمه وهو يذرف الدموع بحرقة.
فجأة اقترب منه أحد المارة ليخبره أن المنزل لم يعد ملكه، فقد باعه بالأمس.
عند سماع ذلك تبدل حزن الرجل إلى حالة من اللامبالاة وكأنه تحرر من الألم !!
لكن عندما جاء آخر وأخبره أن الصفقة لم تكتمل عاد الرجل إلى البكاء وكأن العالم انتهى بالنسبة له.

وفي النهاية حين طمأنه ابنه بأن الصفقة قد تمت بالفعل تحولت مشاعر الأب من الحزن العميق إلى السعادة ؟؟

هذه القصة تفتح الباب للتأمل في طبيعتنا البشرية.
كيف يمكن أن تتبدل مشاعرنا بشكل جذري بناءً على ما نؤمن أنه حقيقة في اللحظة.

العبثية في الحزن والفرح

عندما نحزن أو نفرح لأمر ما فإننا غالباً لا ننظر إلى الصورة الكاملة.
نحن نتعلق بأشياء نعتقد أنها لنا
بينما الحقيقة أنها عابرة مثلنا تماماً.
المنزل الذي نبكي عليه الثروة التي نخسرها أو حتى العلاقات التي نتمسك بها
كلها ليست أكثر من محطات مؤقتة في مسارنا.

هل من المنطقي أن ننفق طاقة أرواحنا على أشياء
ليست خالدة مثلنا ؟؟
هل يعقل أن نحمل هذا الكم من التعقيد في عقولنا لنستهلكه في معارك على ما ليس لنا حقاً ؟؟

دعوة لإعادة برمجة التفكير

الوعي بحقيقة أن حياتنا قصيرة جداً مقارنة بعمر الكون يدعونا إلى إعادة النظر في طريقة تفكيرنا.
علينا أن ندرك أن وجودنا هنا ليس مجرد صدفة عابرة
وأن طاقة الروح التي نحملها أكبر من أن تُهدر في الغرق في عواطف تتعلق بأشياء زائلة ؟
الروح خالدة هذا موكد !

نحن أكثر من لحظة عابرة

إن أعظم التناقضات التي نعيشها هي أننا نملك أرواحاً قادرة على إدراك الأبدية ومع ذلك نحصر أنفسنا في لحظات قصيرة من الزمن.
هذه الحياة بكل قصرها ليست عبثية لكنها أيضاً ليست مبرراً لأن نستهلكها في وهم الملكية والسيطرة.

نحن هنا لنتجاوز الزمن لنعبر عن الروح التي تسكننا ولنعيش بوعي يجعلنا ندرك أن الحقيقة ليست فيما نملك بل في ما نكون.

فلماذا نحزن ونفرح … على تخيلات لحظية

حيدر عبد الجبار البطاط

مقالات مشابهة

  • اكتشاف قد يغير مفاهيمنا عن التوسع الكوني
  • السلام على الأرض ومحبة تتجاوز الحدود .. الكنائس تحتفل بذكرى ميلاد السيد المسيح.. صلوات وقداسات في فلسطين وسوريا لوقف نزيف الحرب
  • الجوف.. تجارب فريدة بـ"مخيم الطويل" في محمية الملك سلمان
  • صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية: “إسرائيل” تواجه ليالي بلا نوم بسبب تهديدات اليمن
  • بريطاني شارك في الحرب العالمية الثانية يحتفل بـ "ربيعه" ال 110.. فما سرّ هذا العمر الطويل؟
  • خرافة “سهم باشان”.. ما حاجة الصهيونية لتبرير أطماعهم؟!
  • بين الوهم والحقيقة … نحزن ونفرح لما ليس ملكنا ؟؟
  • وصفة العمر الطويل.. أسباب تجعلك تتناول الموز والتفاح باستمرار
  • الأمة تحت الهيمنة (الصهيونية) فماذا بعد؟
  • شراقي يكشف عن خطر مائي بعد احتلال إسرائيل لجبل الشيخ