جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-11@02:44:56 GMT

الخريجون والواقع الصعب

تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT

الخريجون والواقع الصعب

 

سلطان بن محمد القاسمي

 

تُعد قضية الخريجين الباحثين عن عمل من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة، وخاصة في ظل التزايد المستمر لأعداد الخريجين مع محدودية الفرص المتاحة في سوق العمل، وهذه المشكلة لا تؤثر فقط على الجانب المهني والاقتصادي للفرد؛ بل تتعدى ذلك لتلامس جوانب حياته النفسية والاجتماعية، مُسببة آثارًا سلبية تتطلب تدخلًا عاجلًا وشاملًا.

فعندما ينهي الطالب سنوات طويلة من الدراسة في تخصص معين، فإنِّه يملأه الأمل في مستقبل مشرق ووظيفة تليق بتعليمه وجهده. ومع ذلك، يواجه العديد من الخريجين واقعًا صعبًا يتمثل في انعدام فرص العمل المناسبة لتخصصاتهم. هذا الواقع يؤدي إلى شعور متزايد بالإحباط والقلق؛ حيث تبدأ الأسئلة تتراكم في ذهن الخريج: لماذا لم أجد عملًا بعد؟ هل كنت مخطئًا في اختيار هذا التخصص؟ هل سأتمكن من تحقيق أهدافي المهنية؟ هذه الأسئلة تؤدي إلى تدهور الحالة النفسية للباحث عن العمل، خاصة عندما تطول فترة البحث دون جدوى.

كما إن الحالة النفسية للباحث عن العمل يمكن أن تتدهور تدريجيًا مع مرور الوقت؛ حيث يشعر الفرد بأنه غير مجدٍ، وأن كل الجهود التي بذلها خلال سنوات الدراسة لم تُثمر. وهذا الشعور بقلة الحيلة والعجز يمكن أن يؤدي إلى تراجع الثقة بالنفس، مما يزيد من صعوبة البحث عن عمل، ويؤثر سلبًا على قدرة الفرد على التواصل الاجتماعي والمشاركة الفعالة في المجتمع؛ فالخريج الذي يظل عاطلًا عن العمل لفترة طويلة قد ينسحب تدريجيًا من الأنشطة الاجتماعية، ويفقد الحافز للاندماج في الحياة اليومية.

هذا الانسحاب الاجتماعي لا يؤثر فقط على الفرد نفسه؛ بل يمتد ليشمل أسرته والمجتمع بشكل عام. وكذلك الأسرة قد تجد نفسها تحت ضغط متزايد نتيجة للوضع المالي المتدهور، مما قد يؤدي إلى توترات داخلية ومشاكل اجتماعية قد تتفاقم إذا لم تتم معالجتها. كما إن المجتمع بدوره يبدأ في رؤية هؤلاء الخريجين على أنهم عبء اقتصادي واجتماعي، مما يزيد من العزلة والتهميش الذي يعاني منه الباحثون عن العمل.

إنَّ الحلول التقليدية، مثل تقديم دورات تدريبية أو ورش عمل، غالبًا ما تكون غير كافية لمعالجة جذور هذه المشكلة. وهناك حاجة مُلحّة لتقييم شامل للبرامج الأكاديمية المُقدّمة في الجامعات والكليات، وضمان توافقها مع احتياجات سوق العمل الفعلية. وهذا يتطلب من الجهات المعنية وضع خطط استيعابية واضحة تهدف إلى توظيف الخريجين في مجالات تخصصهم، مع التركيز على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي اللازم لهم لتجاوز هذه الفترة الصعبة.

ومن الضروري أن يكون هناك تعاون وثيق بين المؤسسات التعليمية، والحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع بأكمله لضمان توفير فرص عمل حقيقية ومستدامة للخريجين. كذلك يجب أن يكون هذا التعاون مبنيًا على رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز التوافق بين التعليم وسوق العمل، بما يحقق توازنًا مستدامًا يمكن الخريجين من الإسهام في تنمية مجتمعهم وبناء حياتهم المهنية والشخصية.

وعلاوة على ذلك، فإنَّ القطاع الخاص يؤدي دورًا محوريًا في هذا السياق. ويجب أن يدرك أصحاب الشركات والمؤسسات أن استثمارهم في توظيف الخريجين هو استثمار في المستقبل. والشركات التي توفر فرص تدريب وتوظيف للخريجين، تساهم بشكل مباشر في بناء قاعدة مجتمعية قوية ومستقرة. كما يجب تقديم الحوافز للشركات التي تستثمر في توظيف الخريجين من قبل الجهات المختصة في ذلك؛ بما يعزز من دورها في دعم الاقتصاد الوطني ويقلل من نسبة البطالة.

ولا يمكن إغفال أهمية الدعم النفسي والاجتماعي للخريجين الباحثين عن عمل، وتوفير برامج إرشاد نفسي يمكن أن يساعد هؤلاء الشباب على التعامل مع الضغوط النفسية التي يواجهونها، ويمنحهم الأدوات اللازمة لمواصلة البحث عن فرص عمل وتطوير مهاراتهم الشخصية والمهنية. والدعم النفسي لا يقتصر على تقديم النصائح؛ بل يشمل بناء شبكة من العلاقات التي يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة للباحثين عن العمل، وتعيد إليهم الثقة بأنفسهم وبقدراتهم.

إضافة إلى ذلك، يجب أن تسهم وسائل الإعلام بدور إيجابي في تسليط الضوء على قصص النجاح والمثابرة بين الباحثين عن عمل؛ لأن تقديم نماذج إيجابية يمكن أن يلهم الآخرين ويحفزهم على الاستمرار في السعي لتحقيق أهدافهم. كما إن الإعلام يمكن أن يكون وسيلة فعّالة لتغيير النظرة السلبية التي قد تكون موجودة تجاه الباحثين عن عمل، وتحويلها إلى نظرة إيجابية تدعم وتعزز دورهم في المجتمع.

ختامًا.. إنَّ تحسين الحالة النفسية للباحثين عن عمل ليس رفاهية؛ بل ضرورة ملحة تتطلب تدخلًا فوريًا وشاملًا من جميع الأطراف المعنية؛ فالشباب هم عماد المستقبل، وتوفير فرص العمل المناسبة لهم هو أساس التنمية الشاملة للمجتمع. ومن خلال تبني رؤية استراتيجية بعيدة المدى ترتكز على دعم الخريجين نفسيًا واجتماعيًا، وضمان توافق التعليم مع احتياجات سوق العمل، يمكننا أن نضمن لهؤلاء الشباب مستقبلًا مشرقًا يمكنهم من خلاله الإسهام بفعالية في تنمية مجتمعهم وتحقيق ذواتهم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مناشدة الخريجين: استثناء الديوانية أسوةً بالمحافظات الأخرى لتحقيق العدالة في التوظيف

9 سبتمبر، 2024

بغداد/المسلة: تعتبر قضية البطالة بين الخريجين من أبرز التحديات التي تواجه العراق، حيث يطالب العديد من الخريجين بتوفير فرص عمل تتناسب مع مؤهلاتهم.

وفي محافظة الديوانية، تصاعدت حدة الاحتجاجات على مدى السنوات الثلاث الماضية حيث يتظاهر 533 خريجاً أمام ديوان المحافظة، مطالبين باستثناءهم من شروط عقود التوظيف (5902) أسوةً بمحافظات أخرى مثل النجف، بابل، بغداد، البصرة، ميسان، وذي قار، التي حصلت على استثناءات من تلك الشروط.

وتعود الأزمة إلى تفاقم البطالة نتيجة عجز الدولة عن توفير الوظائف اللازمة لاستيعاب الخريجين.

ويرى المحتجون في الديوانية أنهم يواجهون تهميشاً مقارنةً بالمحافظات الأخرى التي حصلت على استثناءات، مما يجعلهم يشعرون بأن العدالة في التوظيف باتت غائبة في محافظتهم.

واعتبر الخريجون أن من واجب الحكومة توفير الفرص بشكل عادل وشفاف لجميع المواطنين، دون تمييز بين محافظة وأخرى.

وخلال هذه الاحتجاجات، عبّر المتظاهرون عن استيائهم من الظروف التي يمرون بها.

أحد المتظاهرين صرح قائلاً: “لا تهمشوا من سهروا وقمعوا في سبيل الوصول إلى أرزاقهم.”

هذه العبارة تلخص معاناة الخريجين الذين يرون أن حقهم في العمل هو ثمرة جهد سنوات من الدراسة والتضحيات، وأن تهميشهم يعد ظلماً كبيراً.

وفي تصريح آخر، قال متظاهر آخر: “حقوق الخريجين أمانة في أعناق المسؤولين.” هذه العبارة تؤكد على الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة في حل الأزمة بشكل عادل ومنصف.

و العدالة في التوظيف لا تعني فقط توفير فرص العمل، بل أيضاً ضمان توزيع هذه الفرص بشكل متساوٍ بين مختلف المحافظات والمجموعات.

وعدم تحقيق العدالة في هذا السياق يزيد من تفاقم الفجوة بين المواطنين ويؤدي إلى شعور بالظلم الاجتماعي، مما قد يزعزع استقرار المجتمع.

وفي حالة الديوانية، شعور الخريجين بأنهم مستبعدون من فرص العمل المتاحة في المحافظات الأخرى جعلهم يشعرون بالإقصاء والتهميش، وهو ما دفعهم للاستمرار في التظاهر.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • ذكرى المولد النبوي والواقعُ الإسلامي
  • الموقف الإثيوبى الصعب
  • بروتوكول تعاون لتأهيل 360 من شباب الخريجين للوظائف الرقمية بـ أسيوط
  • محافظ أسيوط يشهد توقيع بروتوكول لتأهيل 360 من شباب الخريجين للوظائف الرقمية
  • أنجلينا جولي عن التصفيق لفيلمها: من الصعب الشرح
  • "الاقتصاد الصعب وحرب غزة" يخيمان على الانتخابات الأردنية
  • جبران يؤكد جاهزية العمالة المصرية المدربة التي يحتاجها سوق العمل في الإمارات
  • مناشدة الخريجين: استثناء الديوانية أسوةً بالمحافظات الأخرى لتحقيق العدالة في التوظيف
  • اللامي يشدد على تقديم افضل الخدمات الصحية للمواطن ولا تهاون مع المتقاعسين عن العمل
  • الأستاذ الصحفي فتحـي الضـو عن الحرب العبثية الدائرة ومآلاتها والسيناريوهات التي يمكن أن تحدث حال إستمرارها