جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-03@20:56:44 GMT

مختبر المستقبل

تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT

مختبر المستقبل

 

فاطمة الحارثية

 

لنا في الحياة قدرات لا يجد العلم لها تفسيرًا، ونحن كبشر نمتلك أيضًا مهارة تحجيم بعضنا البعض، ومن أجل تحقيق الكثير مما نؤمن به ونعتقده من أمور، وللتوازن مع التحجيم والتشكيك نلجأ لأطراف ثالثة كالاستشاريين أو التحزُّب أو الابتكار أو الاختراع أو الحيل، حتى تقبل التصورات والحلول المتجددة.

ولكي أُبسِّط هذا القصد، لنأخذ حال أساطير النبوءات كمثال، فعبر التاريخ أستطاع الجهل وهو الغالب أن يُكفر العقل التحليلي، والمنطق والكثير من الفكر والعلوم، ومساند الرقاب على المقاصل والسيوف عبر التاريخ شاهدة على ذلك، فدراسة السلوك وقراءة الظروف والمعطيات المحيطة بأي أمر، يقود بكل سهولة نحو توقع القادم أو لنقل نتائج تفاعل تلك الوقائع والعناصر مع بعضها البعض، طبعا لا يغيب عن الفكر "المتقد" مسائل الاحتمالات، وبناء السيناريوهات وأيضاً متعة الخيال التحليلي الممزوج ببعض الظن، وفي عصرنا الحالي، لمن يمتلكون مثل هذه الإمكانيات والقدرات تسميات يفخرون بها، ومجتمعات يعتزون بوجودهم، بالرغم من وجود عداء محدودي الإدراك ومرضى الجهل والتعصب.

لكل منَّا شغفه الخاص، وخصوصيته في تفضيلاته، مثلا: من أجمل الأوقات الجماعية بالنسبة لي تلك التي نقضيها مع صحبة الفكر وحوارات المنطق، والتجارب والخيال وشركاء الابتكار؛ وهذه اللقاءات لها وقع وأثر لا يُنسى وإثراء لا يضاهيه أية تجمعات، وأحب تسمية تلك اللقاءات بـ"وقت المختبر"، مثل مختبر الإبداع أو مختبر المستقبل، أو مختبر المنطق، أو مختبر النجاح كل حسب الأعضاء والأثر والتنوع، وكلمة "مختبر" أتت ربما لأن المختبر هو المكان الذي يستنبط فيه الباحثون والعلماء، النظريات والاختراعات من واقع التجارب والاختبارات، وأيضًا يُظهر الممكنات ويُلهم الحلول الذكية والفرص المتاحة، وربما لأنه الرحم الذي خرج منه أعظم المنافع الإنسانية والخدمية للحياة. وبطبيعة الحال، ليس الكل مؤهلاً لأن يكونوا أعضاء في مختبرك الخاص، أو من مجموعتك المفضلة، أو حتى مؤهلا ليكون شريكا للنجاح؛ وهذا يقودنا إلى أهمية المعايير والصفات التي يتأهل بها أعضاء المجموعات، والجماعات كيفما كان نوعها إيجابية أم سلبية، تتفق في العموم في بعض الصفات مثل الثقة والولاء، والتقارب الفكري والشغف المشترك، والأهداف والاحترام، أما المعايير والصفات الطرفية فهي جوهر الخصوصية، وهي التي تحكم وتحتضن روح الجماعة وعمرها واتساقها.

هل لديك جماعة أو شلة تغزوا معها فضاءات المعرفة وتحديات التغيير وسيناريوهات المستقبل؟ إن كان جوابك "لا" فلا بأس؛ فالاختلاف نعمة، والحياة أقدار تُرسم لنا من الخالق عز وجل، ونستطيع أن نستمتع بها كيفما كانت. إن ربط الأحداث والسلوك مهارة، وصياغة التوقعات جُرأة والصبر على النتائج أمر حتمي، يستحق الاحتفاء به، ومُختبر المستقبل الذي هو حديث اليوم يتنبأ بقادم لا جدل فيه، وبصدام لن ينجو منه إلا القلب السليم. تفشت خطايا البشر بحجم تعدادهم، الغالب يقول ما لا يفعل، ويدعو إلى ما ليس له به علم، يعتقد أنَّه في لعبة تسمح له أن يجرب مرة أخرى، ونحن لا نعيش على الأرض إلا مرة واحدة، والبقية يتصنعون الضعف ويلعبون دور المغلوب على أمره، كأنهم ضحايا حتى يصبحون بحق ضحايا، ولا ندم ينفع بعد ذلك؛ أما أبطال البالون، فتلك فئة كارثية دموية؛ إن العالم ينوء تحت وطأة ألسنة البشر، وفعل الصمت أمام المجازر والإبادة الإنسانية، لم يعد الخلاف على دين أو طعام، بل وحشية شيطانية تنهش لتحكم الأرض وتبيد السلام وتتفرد بها.

في مختبر المستقبل قلنا: لماذا كل هذا الشر؟ لم يخطئ من قال إن تعداد النساء في تزايد عن الرجال، لكنه لم يعلم أنه بسبب المذابح وعمليات التحول الجنسي، أي مُفتعل وليس طبيعيا، تحدثنا عن سُبل القمع الحديثة، وضياع الحقيقة بطرق ممنهجة اختار معظمنا تصديقها، تحدثنا عن زيف الكلمة على المنابر الاجتماعية، تحدثنا عن هيمنة الرعوية، وقوة التبعية، حتى ذكرنا رفيق المختبر الدائم "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ" (غافر: 47)، ثم أردف وقال: يجب أن يكف الضعف حتى ننجو، فأجبته: وأعظم الجهاد كلمة حق.

وإن طال...

لا تتذمر لفقد أو خيانة صديق، فربما أنت أيضًا لم تكن مخلصًا، ولا متمسكًا بما يُرضي ويُبقي تلك العلاقة الطاهرة؛ فالصداقة نعمة تضيع إن لم تُصن.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «2- 13»

ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟

قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024

(2- 13)

إهداء المؤلف لكتابه:

“إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)”.

بقلم سمية أمين صديق

أشرت في الحلقة السابقة إلى أن فكرةهذا الكتاب: (محمود محمد طه: نحو فهم جديد للإسلام) تقوم على سعي مؤلفه الدكتور عبدالله الفكي البشير للإجابة عن أسئلة عديدة ومتنوعة، تم طرحها عليه على مدى عقد من الزمان. وأوضح المؤلف بأنه واجه تلك الأسئلة في مؤتمرات ومحاضرات كانت في دول عديدة، منها: تونس، والجزائر، والمغرب، ومصر، وقطر، والأردن، والعراق، ولبنان، والسودان، وعبر مشاركات إسفيرية في ألمانيا وأستراليا، والسويد، وغيرها.  جاءت الأسئلة منمتخصصين من الأساتذة والأستاذات، ومن باحثين وباحثات وطلاب وطالبات، وكلها تمحورت حول فكر المفكر محمود محمد طه وسيرته الفكرية. وبهذا فإننا أمام كتاب تفاعلي ذو طبيعة كوكبية، يقول عبد الله:إن كتابه أتى نتيجة للتفاعل مع الباحثين والباحثات والطلاب والطالبات القراء والقارئات. وأن فكرته تبلورت وتعتَّقت عبر رحلة تساؤلات امتدت لنحو عقد من الزمان(2013-2023). وجاءت التساؤلات في منابر حوارية متعددة، وفي بلدن مختلفة”. كتب عبد الله عن أول سؤال واجهه، قائلاً: أول سؤال تلقيته هو: ما الجديد الذي أتى به محمود محمد طه في الفكر الإسلامي؟ وتبعه سؤال ثاني: ما الذي يميز محمود محمد طه عن المفكرين في العالم؟ وسؤال ثالث: ما هي أهم مرتكزات المشروع الفكري لمحمود محمد طه؟ وسؤال رابع: ما هو الفكر الجمهوري وماهي طبيعته؟ وسؤال خامس: كيف بدأ محمود محمد طه؟ وتكررت هذه الأسئلة في العديد من الفعاليات والبلدان. وهناك سؤال ظل حاضراً في بعض المنابر السودانية بصورة خاصة، وقليل من المنابر الأخرى، وهو: هل رفعت الصلاة والتكاليف الدينية عن محمود محمد طه؟ ومما تجدر الإشارة إليه أنه ومن خلال قراءة الكتاب، يمكن ملاحظة أن الأسئلة المطروحة في السودان تختلف في طبيعتها، عن تلك الأسئلة التي طُرحت في تونس أو الجزائر أو العراق وغيرها من البلدان، وهذا يعكس معاني كثيرة، ولكن لا يسع المجال للخوض فيها.

قبل الدخول في قراءة الفصول ومحاورها، وددت الوقوف بإيجاز عند أربعة مواضيع ورد الحديث عنها في الكتاب، لفتت نظري، وفي تقديري، أنها تستحق تسليط الضوء عليها. وأتناولها حسب الترتيب الذي جاءت به في الكتاب. الموضوع الأول: إهداء الكتاب وعبارة المفكر الدكتور يوسف الصديق. والموضوع الثاني: تاريخ شعار محمود محمد طه: “الحرية لنا ولسوانا”. والموضوع الثالث هو حديث المؤلف عن علاقته بالأستاذ عصام عبد الرحمن البوشي، مدير جامعة ود مدني الأهلية، وهو من كبار الإخوان الجمهوريين، وعن رحلته معه في تأليف هذا الكتاب وكتبه الأخرى، والموضوع الرابع، هو حديث المؤلف عن الفنان السوداني تاج السر حسن سيد أحمد، في هذا الكتاب، وفي كل كتبه.

يوسف الصديق إهداء الكتاب ومقولة المفكر التونسي يوسف الصديق

أهدى المؤلف كتابه، كما ورد نص الإهداء أعلاه، إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يُوسُف الصديق: “محمود محمد طه هو المُنقذ”. وفي تقديري تأتي أهمية عبارة الدكتور يُوسُف الصديق، والتي استدعاها المؤلف من أنها تمثل رؤية ثاقبة، وعبارة مدهشة، تستوجب الوقوف عندها والتفكير فيها ملياً، فهي دعوة لنا جميعاً لنعيد النظر في التعاطي مع طرح الأستاذ محمود محمد طه (الفهم الجديد للإسلام). بل وتدعونا إلى ضرورة تبني اتجاه جديد نحوه، مبني علي العلم والأخلاق، والمسؤولية الفردية حتى نتحرر من هيمنة رجال الدين ووصايتهم. حتى ندرك ما عناه ورمى إليه الدكتور يوسف الصديقفي عبارته: “محمود محمد طه هو المنقذ”. والأهمية الخاصة لهذه العبارة أنها صدرت عن مفكر كبير وأستاذ جامعي ظل مشغولاً بالفكر الإسلامي على مدى أكثر من نصف قرن. لقد أورد المؤلف تعريفاً بالدكتور يوسف الصديق. فهو مفكر تونسي ولد عام 1943. درَس الفلسفة ودرّسها بجامعة السوربون الباريسية، وفي تونس. تتلمذ في المدرسة الصادقية وبمكتبة والده الشيخ الحفناوي الصديق. حفظ القرآن صبيا والأحاديث الشريفة والشعر العربي الكلاسيكي. أنجز ترجمات عديدة إلى اللغة الفرنسية شملت الأحاديث النبوية ونهج البلاغة وموطأ الإمام مالك ورسائل ابن سينا، إضافة إلى ترجمة ذات صبغة فكرية لمعاني القرآن. من مؤلّفاته: هل قرأنا القرآن؟ أم على قلوب أقفالها؛ الآخر والآخرون في القرآن.

الحرية لنا ولسوانا “الحرية لنا و لسوانا”: شعار محمود محمد طه منذ منتصف القرن العشرين

فكرة الكتابة عن تاريخ شعار الأستاذ محمود محمد طه والتوثيق له، فكرة رائعة، وجديرة بالاحتفاء وتسليط الضوء عليها. كتب المؤلف، قائلاً: كان أول ظهور لهذا الشعار ” الحرية لنا ولسوانا” في دستور الحزب الجمهوري الذي أعلنه محمود محمد طه، رئيس الحزب في اجتماع عام، عقد مساء الجمعة 30 نوفمبر 1951. ثم ظهر الشعار في كتاب محمود محمد طه، قل هذه سبيلي:الاقتصاد-الاجتماع-التعليم-المرأة، الذي صدر في مايو 952 . فجاء الشعار ضمن دستور الحزب الجمهوري الذي تضمنه الكتاب بعد الإهداء مباشرة. بعد ذلك أصبح الشعار يظهر في منشورات الحزب الجمهوري ومطبوعاته، وكذلك في الأوراق الرسمية للحزب الجمهوري- الورق المروس. ثم برز الشعار في صدر صحيفة الجمهورية التي أصدرها الحزب الجمهوري، وترأس تحريرها محمود محمد طه، رئيس الحزب، وجاء عددها الأول في صباح يوم الجمعة 15 يناير 1954، ثم توقفت الصحيفة عن الصدور في نهاية مايو 1954. ظل الشعار يظهر في بيانات الحزب الجمهوري، كما ظهر ضمن دستوره لعام 1968. ثم برز الشعار في صدر مجلة الجمهورية، وهي مجلة داخلية شهرية، أصدر الحزب الجمهوري، العدد الأول منها يوم الخميس 17 أبريل 1969، وجاء في صدر العدد أن الجمهورية، مجلة الحزب الجمهوري الداخلية، تصدر شهرية، شعارها “الحرية لنا ولسوانا” رئيس التحرير سعيد الطيب شايب، وسكرتير التحرير عوض الكريم موسي. وأوضح عبد الله، بأن مجلة الجمهورية هي غير صحيفة الجمهورية. وأضاف عبدالله، قائلاً: بقى هذا الشعار مرفوعاً و مرسوماً باسم محمود محمد طه وتلاميذه وتلميذاته “الإخوان والأخوات الجمهوريات” في سيرتهم الفكرية ومسيرتهم السياسية.

عصام البوشي عصام البوشي: مدرسة فكرية متفردة

توقفت كثيراً عند ما كتبه المؤلف في “الشكر و العرفان” عن علاقته بالأستاذ عصام عبدالرحمن البوشي. وهي، فيما يبدو، علاقة فكرية وعلمية وروحية خاصة. أعجبني الوصف الذي قدمه عبدالله عن تلك العلاقة، وعن طبيعة الحوار بينهما، وهو حوار متواصل على مدى نحو (18) عاماً، عبر جلسات عديدة وأحاديث هاتفية تمتد لساعات، إلى جانب المراسلات المكتوبة. وعلى الرغم من أن الأستاذ عصام، من كبار الجمهوريين، وهو الأستاذ الجامعي والمفكروالشاعر، وهو في مقام الأستاذ بالنسبة لعبدالله، إلا أنه، كما أوضح عبدالله، لم يكن يمارس أي أستاذية أو وصاية على عبدالله، بل كان الحوار بينهما، كما فصَّل عبدالله، يقوم على الديمقراطية، والحرية، ومبدأ المسؤولية الفردية، إلى جانب الإقناع بالعقل والحجة. سألت عبدالله عن علاقته بالأستاذ عصام البوشي، فقال لي: “عصام البوشي كان معي، ليس في هذا الكتاب، فحسب، وإنما في كل مؤلفاتي. كنت أهاتفه بشكل يومي، في الصباح وآناء الليل والنهار، دون تحري للوقت المناسب، وإنما حسب أحوال الكتابة عندي، فأجد منه وعنده الترحاب والأريحية والسعة”. وأضاف عبدالله، قائلاً: ومع كامل الأدب والاحترام فإن عصام البوشي  مدرسة فكرية متفردة، عنوانها الديمقراطية والحرية، ولا تعرف الوصاية. كما أنني كُنت أمامه ومعه، حراً في أفكاري وعملي، وحريصاً على تجسيد الفردية في المسئولية والمواجهة والاحترام”.وهذا ما عبر عنه عبدالله في “الشكر والعرفان”. وقدرأيتُ هنا  أن أثبت ما كتبه عبدالله وخصّ  به الأستاذ عصام عبد الرحمن البوشي.  أنقل الكلمات كما هي ، فهي غنية بالقِيَم، وتتحدث عن نفسها، كتب عبد الله، قائلاُ:

“أجدد شكري مع فائق تقديري و إكباري للأستاذ عصام عبد الرحمن البوشي، مدير جامعة ود مدني الأهلية، السودان. لقد ظل عصام، و هو من قيادي الإخوان الجمهوريين و كبار مفكريهم، على مدى نحو عقد ونصف من الزمان، ليس متابعاً لهذا الكتاب و لكل ما أقوم به من أعمال، سواء تأليف الكتب، أو إعداد الأوراق العلمية، أو المقالات الصحفية، أو تقديم المحاضرات، عن الفهم الجديد للإسلام، و السيرة الفكرية لصاحبه محمود محمد طه، فحسب، و إنما كان هو الموجه و المقَّيم و الناقد و الناصح. كنت طيلة هذه السنوات

الخمس عشرة في تواصل يومي معه، أراسله بالبريد الإلكتروني و “الواتساب”، و أهاتفه وقت ما أشاء و أحتاج، وتتكرر المهاتفات في اليوم، واتصل أحيانا إلى خمس مرات، وتبلغ المساحة الزمنية للمهاتفة في بعض الأحيان أكثر من الساعة و الساعتين. نحتفي سوياً بما أقف عليه من وثائق جديدة، و بما أرصده من المواقف و البيانات و المقالات غير المعروفة لمحمود محمد طه، و التي ظلت قابعة في دور الوثائق و الأرشيف القومي داخل السودان و خارجه. أطرح عليه ما يراودني من أفكار و خطط لمشاريع بحثية، فيتداولها معي بعلميه و ديمقراطية و حياد عقلي، لا مجال فيه للمجاملة، أو التحامل على الآخرين، أو الانسياق خلف مشاهد الآخرين، و إنما السماحة و التجسيد لقول محمود محمد طه : ” الناس يحدثوهم بسعة الرحمة الإلهية”.

كانت مداولاتنا عبارة عن منبر حواري حُر، لم أشعر معه بوصاية منه، كما كُنت حراً في أفكاري وعملي، و ساعياً لتجسيد الفردية في المسئولية و المواجهة، و لكن عليَّ إقناعه بالعقل و الحجة. كنا إذا ما وصلنا لمفترق طرق في أمر ما، وأصبحنا أمام خيارين، لا يصدر قراراً من عنده بأفضلية الخيار، وإنما يسألني: لأي الخيارين أنت تميل؟ فأجيب محدداً الخيار الذي أميل إليه، فيقول: خُذ به. كُنت حينما أهاتفه كأنه كان ينتظرني، وعندما نبدأ الحديث كأننا في حضرة اكتمال المحبة والثقة في محمود محد طه، وكلانا لا يجد راحته إلا في سيرته، و فكره، والإكثار من ذكره، و حينما أودعه، يختم قائلاً:”إذا ظهر لك شيء، اتصل مرة ثانية”.

تاج السر حسن الفنان تاج السر حسن: النموذج الإرشادي في الاحترام للمفكر محمود محمد طه

أدهشني موقف الفنان تاج السر حسن سيد أحمد، وتعبيره العملي عما يكنه من احترام للأستاذ محمود محمد طه. الفنان تاج السر هو فنان سوداني وعالمي كبير، تربطه رحلة عمل خاصة بالمؤلف عبد الله، فهو الذي وضع خط غلاف هذا الكتاب، كما قام بوضع خطوط وتصاميم أغلفة جميع كتب الدكتور عبد الله الفكي البشير. وكان يرفض أن يأخذ مقابل نظير عمله، وهو فنان عالمي لديه ارتباطات واسعة، ولهذا ليس لديه وقت، كما أن أعماله عالية التكاليف، كما ذكر عبد الله، وعلى الرغم من ذلك كان تاج السر يفرّغ وقته لأغلفة كتب عبدالله. وقد عبَّر عبدالله عن كل ذلك، شاكراً لتاج السر، فكتب عبدالله، قائلاً:

“والشكر الخالص للفنان السوداني العالمي الأستاذ تاج السر حسنسيد أحمد، الذي قدم، من خلال رحلة عملي معه، نموذجاً إرشادياً نادر المثيل في الاحترام لمحمود محمد طه، والاحتفاء بفكره وسيرته. لقد وضع تاج السر خط وتصميم الغلاف لهذا الكتاب، ولكل كتبي عن محمود محمد طه ومشروع الفهم الجديد للإسلام، وقد صدرت خمس منها، وستصدر الكتبالأخرىتباعاً بإذن الله، وقد أنجز تاج السر تصميم أغلفتها. كان أول درس تلقيته من تاج السر في معاني الاحترام لمحمود محمد طه،في نهار 21 يوليو 2013، حينما قدمت نفسي لتاج السر وأبلغته بأنني أكتب في كتاب بعنوان: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، وطلبت منه تصميم الغلاف، رحب فوراً بطلبي، فسألته عن التكلفة المالية، وأنا أعرف أنه فنان عالمي كبير، وتكاليف أعماله عالية، لما تنطوي عليه من إبداع ودقة وإتقان، فرد عليَّ بحسم، قائلاً: “العمل عن الأستاذ محمود محمد طه لا يُؤخذ فيه مقابل”، وأضاف، دون أن يمهلني في استكمال الاعجاب والتعبير عن الشكر، قائلاً: أرجو لا تُحرج معي في طلب أي عمل عندك عن الأستاذ محمود محمد طه.ومنذ ذلك الوقت، ظل تاج السر، وعلى الرغم من كثرة مسؤولياته، وتعدد التزاماته،وضيق وقته،يستجيب بمحبةوترحابلكل طلباتي. وكنت مع كل عمل جديد، أكتشف بأن احترامه واحتفاءه بمحمود محمد طه، ينبع من موقف المثقف الحر، الملتزم بالواجب الثقافي والوطني والإنساني والأخلاقي”.

لا جدال في أننا مع الفنان تاج السر حسن، نجد أنفسنا نقف أمام مثقف وفنان كبير صاحب قيم أخلاقية عالية، والتزام إنساني وسداني نادر المثل، كما أنه يمثل نموذجاً إرشادياً، كما ذكر عبد الله، يحتذى في الاحترام للأستاذ محمود محمد طه. التحية والاحترام والتقدير للأستاذ تاج السر حسن سيد أحمد، فمثل هذه المواقف الأخلاقية تضخ الشجاعة في الفضاء السوداني والإنساني، وتمثل معولاً لهدم السردية التكفيرية، وتسهم في تطوير الوعي تجاه من يستحق الاحترام.

نلتقي في الحلقة الثالثة.

ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «1- 13»

الوسومالإخوان الجمهوريين السودان الفهم الجديد للإسلام تاج السر حسن سيد أحمد تونس د. عبد الله الفكي البشير سمية أمين صديق صفاقس محمود محمد طه يوسف الصديق

مقالات مشابهة

  • غايا تسلم جوائز مسابقاتها الإبداعية وتكرم نجوم الفكر والفن بالأوبرا
  • بالفيديو| "اليوم" ترصد تطورات وظائف المستقبل التي تنتظر الخريجين 
  • سفيرنا في مصر: دراسة لإطلاق "مختبر الثقافة العُمانية" من القاهرة
  • انعقاد لجنة التشاور السياسي بين مصر والسودان في القاهرة فبراير الجاري
  • وزير الخارجية: نشجع القطاع الخاص المصري على تطوير التبادل التجاري مع جيبوتي
  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «2- 13»
  • بكين ترد على واشنطن بشأن مزاعم بخروج «كوفيد 19» من مختبراتها
  • معرض الكتاب يُناقش سليمان العطار.. الفكر الإنساني والأدب
  • البيت الأبيض :مصدر فايروس كورونا هو مختبر يوهان الصيني ..فيديو
  • البيت الأبيض: خروج كوفيد-19 من مختبر صيني حقيقة مؤكدة