الاختلال الوظيفي: اضطرابٌ إداريٌّ مزمن
تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT
خميس بن محمد البلوشي **
khamiszahran160@gmail.com
كثيراً ما نُصادف في بيئتنا الوظيفية القيادية ومحيط صناعة القرار في مختلف المؤسسات والمراكز، أن الأدنى في سلم الوظيفي أعلى درجة عملية، وأن الأعلى في ذات السلم أدنى درجة علمية، وتُفسّر هذه الظاهرة بعامل "الخبرة"، فالخبرة الوظيفية في منصب "ما" أكثر إفادةً وتأثيراً من الشهادة العلمية، باعتبارها الوعاء المعرفي التراكمي، القائم على المُراقبة وتقييم الأداء، بعيدا عن التنظير والتأطير.
إلا أن هذه الرؤية تتقاطع مع رؤية أخرى مغايرة، ومع فكرٍ فلسفيّ يُثير الشك، حول نقاوة الخبرة المهنية وطهارتها، ويرى أن الشهادة العلمية هي أكثر أهلية وقابلية في الإفادة والتأثير من المعرفة التراكمية أو الخيرة، لأنها وليدة الأبحاث والتجارب العلمية المعتمدة، والتي ستسهم-بلا شك- في التطوير والارتقاء، وفي صناعة القرار. ومحاولات التقريب أو الجمع بين أهمية الشهادة العلمية وأصالة الخبرة المهنية، في شخصية ذاتية، محاولاتٌ نجحت في بعض السياقات الإدارية، والتي آمنت -مسبقا- بما تقتضيه مصلحة العمل، دون المجاملة والملاطفة بين الخبرة والشهادة.
لكن أخفقت في أحيانٍ كثيرة، في سياقات إدارية متعددة الأقطاب، والتي لا ترى المعادلة أو الموازنة بين الخبرة والشهادة، خاصة وأن حيازة الشهادة العلمية باتت أمرا ميسورا، في الآونة الأخيرة، في قطاعات عديدة، وأن صاحب رسالة الدكتوراه قد يكون فردا له دوافعه الشخصية، لا يقدر مصلحة العمل العليا للمؤسسة، بل يرى أن مكانته كفرد في التسلسل الاجتماعي في المجتمع أولى (حرف الدال بجوار اسمه، يعني دكتور)، وهو الأهم.
وتبقى عملية الانفصال أو الاندماج التلقائي بين الخبرة والشهادة تحديا إداريا أفرزته البيئة الوظيفية المعاصرة، ولكن هل الوظائف القيادية، وصناعة القرار، تحتاج فقط إلى "الخبرة المهنية" وإلى "الشهادة العملية" في ظل التفاعل والتكامل الذي يشهده العالم من حولنا بين مختلف المتغيرات؟ من حيث الأفكار والرؤى والبرامج التي تطرح؟ ماذا عن المهارات الاجتماعية للفرد الذي يتولى الوظيفية القيادية؟ وماذا عن الأفكار التي يؤمن بها تجاه القضايا المعاصرة؟ ماذا عن حب الوطن لمن يتولى الوظيفية القيادية؟
لعل هناك عنصر أو متغير يوازي الخبرة والشهادة العلمية لم ننتبه إليه بعد، وعند اختيار الأفراد الذين سيمثلون تلك الوظائف لابد من اختبار العنصر الثالث الغائب عن أذهاننا (المفقود المجهول) لكي نتمكن من صناعة القرار لذات القرار في الوظائف القيادية.
** أخصائي تربوي
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
قضية طفل دمنهور.. خبراء لـ "الفجر": عقوبة رادعة ورسالة مجتمعية.. والبيدوفيليا اضطراب خطير
تصدرت قضية طفل دمنهور محركات البحث بعد إصدار محكمة دمنهور حكمًا بالسجن المؤبد على المعتدي على الطفل ياسين، مما أثار اهتمام المجتمع بشكل واسع.
القصة بدأت بتغيرات سلوكية مقلقة لدى ياسين، الذي تعرض للاعتداء من قبل رجل مسن بالمدرسة، تقدم والدته ببلاغ رسمي بعد اكتشافها الأمر، رغم محاولات التهديد والرشوة من جانب المعتدي.
تخللت التحقيقات عقبات، لكن الأسرة قدمت أدلة جديدة ساهمت في إعادة فتح القضية، خلال المحاكمة، تم تعديل وصف التهمة إلى "هتك عرض تحت التهديد والقوة"، مما زاد من العقوبة. الحكم الذي صدر لاحقًا لاقى ارتياحًا من أسرة الطفل ومساندة من المجتمع.
آراء الخبراء القانونيين والنفسيين تسلط الضوء على أهمية الوعي بمخاطر الاعتداء على الأطفال وأثرها النفسي العميق. كما أكدت أهمية تعاون المجتمع في حماية الأطفال ومنع وقوع هذه الجرائم، القضية ليست فقط نصرة للطفل ياسين، بل هي دعوة لتقوية الشعور بالأمان لدى جميع المواطنين.
العدالة تنتصر للطفل ياسين: خبير قانوني يوضح أبعاد الجريمة وحتمية الردع
من جانبه كشف الدكتور مسعد أبو طالب، الخبير القانوني، تفاصيل صادمة عن جريمة اعتداء جنسي بشعة تعرّض لها طفل يُدعى ياسين، يبلغ من العمر ست سنوات، داخل إحدى مدارس اللغات المعروفة بالمدينة.
أضاف أبو طالب، في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن الجريمة ارتكبها موظف إداري مسن يبلغ من العمر 80 عامًا، حيث قام بهتك عرض الطفل لمدة عام كامل، مستغلًا موقعه داخل المدرسة، موضحًا أن الجريمة تمت بتسهيل من عاملة تُعرف بـ "الدادة"، كانت تتعمد استدراج الطفل من فصله الدراسي بحجة الذهاب إلى دورة المياه، ثم تسلمه للجاني داخل الحمام أو في سيارة داخل الجراج، حيث تُغلق عليهما الباب.
وأكد أبو طالب أن هذه الوقائع في حال ثبوتها تُعد اشتراكًا جنائيًا بالمساعدة وفقًا للمادة (43) من قانون العقوبات المصري، والتي تعاقب كل من شارك في ارتكاب جريمة حتى وإن لم يكن فاعلًا أصليًا.
تواطؤ وتستر... والمديرة تحت طائلة القانونأشار الخبير القانوني إلى أن مديرة المدرسة حاولت التستر على الجريمة فور علمها بها، وهو ما يستوجب تحقيقًا قانونيًا ومساءلة جميع المتورطين، بما في ذلك المعلمات اللاتي أُبلغن بالواقعة ولم يبلغن الجهات المختصة. وأضاف أن المادة (145) من قانون العقوبات تنص على معاقبة كل من علم بوقوع جريمة وساعد الجاني على الإفلات من العقوبة.
كما شدد على أن العاملة المتورطة قد تُحاكم بتهمة المشاركة في الجريمة، مؤكدًا أن القانون لا يتهاون مع أي طرف يُسهم في وقوع جريمة كهذه أو يُسهل حدوثها.
الدكتور مسعد أبو طالب عقوبة رادعة ورسالة مجتمعيةوفي تعليقه على الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات في القضية، رفض الدكتور أبو طالب التعليق المباشر على الأحكام القضائية احترامًا لقدسيتها، لكنه أكد أن الحكم جاء ليحقق الردع العام والخاص، وهو ما يعزز شعور الأمان لدى المواطنين ويؤكد حرص الدولة على إنفاذ العدالة.
وقال: "الحكم يُطمئن المجتمع بأسره، وليس فقط أسرة الضحية. إنه يبعث برسالة واضحة لكل من تسوّل له نفسه ارتكاب جريمة مماثلة بأن العقوبة ستكون صارمة، وأن العدالة لن تتأخر في القصاص".
دعوة لمجتمع أكثر وعيًااختتم الخبير القانوني تصريحاته بالتأكيد على ضرورة التوعية المستمرة للأطفال بمخاطر التحرش والاعتداء الجنسي، مشيرًا إلى أن مواجهة الجريمة وعدم السكوت عنها هو السبيل الوحيد لإنقاذ المجتمع من الانهيار الأخلاقي، قائلًا: "لو لم نواجه الجريمة، لظل الطفل ياسين ضحية مدى الحياة، والمجرم طليقًا يواصل فساده، الحكم اليوم ليس فقط عدالة لياسين، بل هو حماية للمجتمع بأسره".
الآثار النفسية العميقة للاعتداء على الأطفال
وفي هذا السياق، يؤكد استشاري الإرشاد النفسي الدكتور وليد هنيدي، أن مثل هذه الجرائم تعكس اضطرابًا نفسيًا خطيرًا يُعرف بـ "البيدوفيليا"، وهو الميل الجنسي تجاه الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 عامًا.
أضاف هنيدي في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن التطور التكنولوجي وانتشار الإنترنت أسهما بشكل كبير في تسهيل الوصول إلى محتويات جنسية منحرفة، موضحًا أن البعض يبدأ بمشاهدة المواد الإباحية التقليدية، ثم يتدرج في البحث عن محتوى أكثر انحرافًا، قد يشمل الأطفال، ما يعمق هذا السلوك المرضي.
أشار إلى أن قلة التوعية، أو غيابها في بعض الأحيان، فيما يتعلق بحماية جسد الطفل وتعريفه بخصوصيته وحدود اللمس، تجعل الأطفال فريسة سهلة للمتحرشين، لا سيما وأنهم غالبًا ما يفتقرون للقدرة على التمييز أو الدفاع عن أنفسهم.
الدكتور وليد هنيديوأوضح استشاري الإرشاد النفسي أن التفكك الأسري، سواء من خلال الطلاق أو الانفصال، أو حتى غياب أحد الأبوين نفسيًا رغم حضوره الجسدي، يضعف الرقابة على الأطفال، ما يتيح للمتحرشين الوصول إليهم بسهولة ودون رادع فعلي.
ولفت هنيدي إلى أن الصمت الأسري يمثل أحد أبرز أوجه الخطر، إذ تختار بعض العائلات السكوت خوفًا من "الفضيحة"، أو التستر على الجاني إذا كان من الأقارب أو المعارف، وهو ما يشجع المعتدي على تكرار فعلته ويزيد من تعقيد الأزمة.
ورغم الصورة القاتمة، يرى هنيدي أن هناك بوادر أمل، في ظل تنامي الوعي المجتمعي ورفض الصمت، ما يعكس تحركًا إيجابيًا في الاتجاه الصحيح.
ويختم استشاري الطب النفسي بالتأكيد على أن انتشار ظاهرة البيدوفيليا لا يرتبط فقط بزيادة عدد المنحرفين، وإنما بتراجع الرقابة المجتمعية، وارتفاع جرأة المعتدين، وسهولة الوصول إلى الأطفال أو المواد المنحرفة عبر الإنترنت، مشددًا على ضرورة تعزيز برامج التوعية بالتوازي مع التطور التكنولوجي، للحد من تفاقم الظاهرة.