لست من هواة نظرية المؤامرة، ولكن ما عشته منذ أحد عشر عاما في مثل هذا اليوم في مذبحة رابعة العدوية وما أعيشه في الأشهر العشرة الأخيرة من إبادة جماعية لقطاع غزة؛ يجعلني أؤمن بأن إبادة غزة بدأت بالفعل يوم مذبحة رابعة.
"المذبحة التي تُنسى تتكرر".. عبارة تاريخية قالها علي عزت بيجوفيتش عن مذبحة سربينيتسا في البوسنة والهرسك، العبارة صحيحة وفيها دعوة للتوثيق وإحياء ذكرى المذبحة وملاحقة مرتكبيها والبحث عن العدالة لضحاياها حتى لا تتكرر، ولكن في حالة رابعة وغزة، للأسف تكررت المذبحة.
في الأيام الأولى التي أعقبت السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عملت آلة الدعاية الصهيونية جنبا إلى جنب مع وكلائها في الإعلام السعودي والإماراتي على ترويج مجموعة من الأكاذيب؛ تتعلق باغتصاب النساء وحرق الأطفال وقطع رؤوسهم، في محاولة لشيطنة قطاع غزة بما فيه ومن فيه لخلق ذريعة لما ستشهده غزة من إبادة جماعية.
طريقة القتل والتطابق في ارتكاب المجازر بين رابعة والنهضة وما يحدث في غزة كلها؛ تؤكد أن كل شيء بدأ في مثل هذا اليوم منذ إحدى عشرة سنة
المشهد نفسه حدث في مصر قبل أيام من مذبحة رابعة العدوية، عملت الآلة الدعائية الرخيصة على شيطنة الاعتصام بمن فيه وما فيه، تحدث أحمد موسى ورفاقه عن كرة أرضية تحت منصة رابعة العدوية، وصفوه بالاعتصام المسلح، حرضوا ضده، شيطنوا المعتصمين ووصفوهم بالإرهابيين المسلحين، حتى إذا ما حدثت المذبحة وجدنا أشباه البشر يرقصون على أنغام تسلم الأيادي.
الحرب النفسية أيضا كانت عاملا مشتركا بين رابعة وغزة. في مصر سخّر السيسي جهاز الشؤون المعنوية مصحوبا بدعاة مثل عمرو خالد وأسامة الأزهري ليشحنوا الرأي العام ضد رابعة، كانت الطائرات تلقي بالمنشورات يوميا على مقر الاعتصام تدعو المعتصمين إلى الخروج والعودة إلى منازلهم وتعدهم بضمان سلامتهم.
نفس الأمر حدث في قطاع غزة، سخّر الموساد ورجاله صحفيين ناطقين باللغة العربية لشحن الرأي العام ضد الشعب الفلسطيني، مدعين أن كل غزة حماس ولم تتوقف طائرات الاحتلال عن إلقاء منشورات فارغة تطالب الفلسطينيين بإجلاء أماكنهم والذهاب إلى مناطق بعينها، ثم تم قصفهم في تلك المناطق أيضا.
ملايين المسلمين حول العالم هالهم ما رأوه من استهداف الاحتلال الاسرائيلي للمساجد في قطاع غزة، لتدنيس الجنود الصهاينة للمساجد بعد قصفها، ولكن مهلا، فقد حدث هذا المشهد بنفس الطريقة في رابعة العدوية؛ عندما أحرق جنود الجيش المصري ورجال السيسي مسجد رابعة العدوية ودنسوه بأحذيتهم ودمروه تماما على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
في رابعة العدوية لا زلت أذكر زملائي من الأطباء داخل المستشفى الميداني لرابعة العدوية وقد تم قتل المصابين أمام أعينهم واعتقال عدد كبير منهم، ثم إحراق المستشفى الميداني بمن فيه وما تبقى بداخله من جثث متفحمة.
مشاهد الأطباء والمرضى داخل المستشفى الميداني في رابعة وهم يحاولون الاختباء من رصاص القناصة شاهدها العالم أجمع، وهي نفسها تلك المشاهد التي شاهدها العالم أيضا لقوات الاحتلال وهي تقتحم مجمع الشفاء الطبي وتعتقل من فيه من أطباء وتحرق المبنى وبداخله مئات المرضى والجرحى والجثث أيضا.
طريقة القتل والتطابق في ارتكاب المجازر بين رابعة والنهضة وما يحدث في غزة كلها؛ تؤكد أن كل شيء بدأ في مثل هذا اليوم منذ إحدى عشرة سنة.
منذ أسابيع ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مذبحة بشعة عُرفت إعلاميا باسم مذبحة الخيام، حين قصفت طائراته خيام النازحين في مدينة رفح فأوقعت عددا كبيرا من الشهداء وأحرقت العديد من النازحين وهم أحياء داخل تلك الخيام.
لا تستغرب حين تعرف أن عبد الفتاح السيسي قد ارتكب الجريمة نفسها يوم مذبحة رابعة في مصر، حين أحرق جنوده عشرات المصريين وهم أحياء داخل خيام الاعتصام في ميدان النهضة.
مشاهد الحرق واحدة، مشاهد القتل نفسها، المجرم واحد والقاتل واحد والطريقة متطابقة بين رابعة وغزة.
الإعلام لعب دورا بغيضا في تبرير الجرائم أيضا.. في رابعة خرجت قنوات مدينة الإنتاج الإعلامي لتكذب على الهواء مباشرة وتتهم المعتصمين في رابعة بأنهم يقتلون بعضهم البعض ثم يتهمون الشرطة والجيش بقتل المعتصمين. وفي غزة، خرج الاحتلال ومتحدثه وجيشه وإعلامه بأكذوبة أن حماس قصفت المستشفى الاهلي المعمداني بصاروخ؛ ما أسفر عن ارتكاب مذبحة كانت من بين الأبشع منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
في رابعة استهدفوا الصحفيين فقتلوا أحمد السنوسي وحبيبة عبد العزيز ومصور قناة سكاي نيوز البريطانية، وفي غزة استهدفوا إسماعيل الغول والمصور سامر أبو دقة وأكبر عدد من الصحفيين تم قتلهم في حرب واحدة على مدار التاريخ.
الحقيقة تقول إن غزة لم تكن لتعاني هذه المعاناة الكبيرة وتتعرض لهذه الإبادة الجماعية لولا أن مصر قد تغيرت وتقزّمت وتبدلت أحوالها إلى الأسوأ يوم حدثت مجزرة رابعة
الغريب في الأمر أن مشاهد الاعتقال والأسر هي نفسها بين رابعة وغزة وكأن الفاعل واحد، مئات الصور والفيديوهات بين مصر وفلسطين لا تدري أيها في رابعة وأيها في غزة، الجنود يوجهون أسلحتهم في وجه الأسرى الذين جُردوا من بعض ملابسهم وأُجبروا إما على الجلوس على الأرض أو الوقوف وهم رافعون أيديهم إلى الأعلى.
حين نتحدث عن رابعة وغزة لا يمكن أن يمر عليك مشهد الطفل المصري وهو يصرخ أمام جثمان والدته في رابعة قائلا: اصحي يا ماما بالله عليكي، لتكتشف أنه وبعد مرور أحد عشر عاما تكرر نفس المشهد تقريبا لطفل فلسطيني يجلس أمام جثمان والده الشهيد ويصرخ بصوت عال قائلا: مين هيصحيني أصلي الفجر يابا؟
حتى شماتة الجنود المصريين والإسرائيليين بعد ارتكاب المذبحة يكاد يكون متطابقا إلى حد بعيد، يقفون بجوار الجثث والأرض قد أغرقتها الدماء، يرفعون سلاحهم وهم يتبسمون في فخر شديد، تطابق يدفعك للسؤال: من منهما قد تعلم من الآخر، المصري أم الإسرائيلي؟
في مذبحة رابعة بدأت إبادة غزة، بدعم إماراتي سعودي ومباركة أمريكية، وسعادة إسرائيلية، وتواطؤ غربي وصمت شعبي، ولكن الحقيقة تقول إن غزة لم تكن لتعاني هذه المعاناة الكبيرة وتتعرض لهذه الإبادة الجماعية لولا أن مصر قد تغيرت وتقزّمت وتبدلت أحوالها إلى الأسوأ يوم حدثت مجزرة رابعة.
x.com/osgaweesh
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مذبحة رابعة غزة مصر الاحتلال المجازر مصر غزة الاحتلال مجازر مذبحة رابعة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رابعة العدویة مذبحة رابعة قطاع غزة فی رابعة من فیه فی غزة
إقرأ أيضاً:
الصيد بالصعق الكهربائي إبادة جماعية للثروة السمكية بالفيوم
انتشرت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة صيد الأسماك باستخدام التيار الكهربائي بالفيوم، والتي تعد من أسهل طرق الصيد للحصول على كميات كبيرة من الأسماك دون عناء.
يأتي هذا بسبب انخفاض تكاليف عملية الصيد بالكهرباء، سواء من خلال سرقة التيار الكهربائي من أعمدة الإنارة على جانبي الترع والمجارى المائية، أو من خلال استخدام مولدات كهربائية.
وتستهلك المولدات القليل من البنزين لعمل صدمات كهربائية من شأنها أن تجعل أعدادًا ضخمة من الأسماك تتدافع هنا وهناك لتصاب على الفور بالإغماء والتشنجات فتطفو على السطح إثر هذا الصعق فيحدث الصيد الثمين، والنتيجة واحدة هو تعرض الأسماك للصعق الكهربائي.
تلك طريقة ربما رآها بعض الصيادين مناسبة لصيد كميات كبيرة من الأسماك حتى لو كانت تتنافى مع الشرع والقانون، رغم خطورتها التي تسببت في فقدان العديد من الصيادين حياتهم خلال عملية الصيد نتيجة صعقهم بالكهرباء خلال تواجدهم في المياه، بسبب الوصلات المستخدمة لتوصيل الكهرباء من المولدات إلى مياه البحر وغالبية تلك الوصلات تكون متهالكة نتيجة الاستخدام المستمر لها.
السدة الشتوية تشهد انتشار ظاهرة الصيد بالكهرباء في الفيوموتشتهر هذه الظاهرة خلال فترة السدة الشتوية بمحافظة الفيوم ويتحول الصيادين من الصيد خلسة في جنح الظلام إلى الصيد نهارا في الترع التي تشهد انخفاض منسوب المياه خلال فترة السدة الشتوية، وخاصة في الأماكن التي لا تشهد الجفاف التام مثل بحيرة قارون وبحيرات وادي الريان وكذلك بحر يوسف وسط مدينة الفيوم.
وعندما يتناول المواطن وجبة أسماك بأحد المطاعم ربما لا يشغل باله كيف تم صيدها؟. وهل هناك علاقة بين طريقة الصيد وجودة السمك وخطورة ذلك على صحته؟، ومع تفشي ظاهرة الصيد بالكهرباء في مصر أصبح لزاما على الجهات المعنية التصدي للأمر حفاظا على صحة المواطنين والثروة السمكية.
تعتمد فكرة الصيد بالصعق الكهربائي على إحداث صدمة كهربائية شديدة للأسماك، فتتحرك بصورة عشوائية، وتقع في الشباك أو تُصاب بسكتة حركية، وتطفو على سطح المياه فينتشلها الصياد، محققا صيدا ثمينا لا يصل إليه بأساليب الصيد التقليدية، وتعد الأسماك من الكائنات الحساسة للتغيرات البيئية، وتعرضها المستمر للكهرباء يؤثر في جهازها العصبي، وتصاب بتشنجات، ربما تموت أو يحدث لها خلل في النمو أو التكاثر.
في دراسة أجراها مركز علوم البيئة والمصايد وتربية الأحياء المائية البريطاني عن أضرار الصيد الكهربائي على البيئة المائية البحرية، ثبت أن 57% من الأحياء المائية تتعرض للقتل بسبب الصيد بالكهرباء، وبالربط بين نتيجة الدراسة السابقة وما يحدث من تفشي ظاهرة الصيد الكهربي
يؤكد أن أحد أهم أسباب إختفا أنواع كثيرة من الأسماك هي ظاهرة الصيد بالكهرباء، وهناك أبحاث علمية أجنبية أكدت أنه عندما تتعرض السمكة للصدمات الكهربائية يحدث لها تشنجات شديدة بالعضلات ونزيف داخلي قد يظهر على الخياشيم، وتتهشم السلسلة الفقرية، ويتلف البيض، فيهدد عملية التكاثر. وعلى الصعيد العالمي، حظرت أغلب دول أوروبا الصيد بالكهرباء في عام 1998، ولاقي هذا القرار معارضة من هولندا التي ترى أن هذه الطريقة أقل استخداما للوقود وأكثر إنتاجا للأسماك، وأدركت عدد من الدول خطورة ذلك، وقامت بالحظر، منها الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ووصل الأمر في بعض الدول المتقدمة لإعلان سلاسل متاجر شهيرة في فرنسا وبريطانيا حظر بيع الأسماك التي تم صيدها بواسطة الكهرباء، وهذه الآثار الناتجة عن صعق الأسماك ستجعل مذاق السمك سيئًا وغير مألوف طبقا لرأي بعض المتخصصين.
ومع النجاح اللافت الذي أحزرته مصر مؤخرًا في مجال تنمية الثروة السمكية، من خلال إنشاء مزارع لإنتاج أنواع مختلفة وكميات كبيرة بالتزامن مع تنفيذ مشروعات كبيرة لتطهير البحيرات والترع، فإن الدولة بحاجة إلى تخصيص مساحة أكبر من الاهتمام بمزيد من البحث والدراسة لممارسات الصيد الكهربائي.
وكانت دار الإفتاء المصرية قد حرّمت الصيد بالكهرباء، ويحظر القانون ذلك، لكن يمارس المخالفون عملهم في أوقات متأخرة من الليل بعيدا عن أعين رقابة شرطة المسطحات المائية وجهاز حماية البيئة، وهو ما يستوجب شن حملات تفتيش على كل المجاري المائية، إلى جانب تغليظ العقوبة بالحبس المشدد، وليس اقتصار المسألة على مصادرة أدوات الصيد.