أستهداف المكلفون بالخدمة العامة الأسباب والمعالجات
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
أغسطس 9, 2023آخر تحديث: أغسطس 9, 2023
ابراهيم الخليفة
تُعد ظاهرة استهداف المكلفون بالخدمات العامة من الظواهر الخطيرة والمقلقة في المجتمع ،و التي نمت وتطورت بعد احداث احتلال العراق بل هي احد المعاول التي استثمرت لتفتيت بناء الدولة واضعاف كيانها ومؤسساتها ومن يمثلها عبر تعطيل تفعيل القوانيين الحاكمة تحت مبررات واهية.
وبانت بوادرذلك عندما سمحت الحكومات المتعاقبة او غضت الطرف عن معالجة تلك الممارسات ( اي ممارسة استهداف العاملين بالخدمة العامة) ، مما تمخض عن ذلك تسجيل المئات من حالات التجاوز عليهم ، وبالتالي تسويف مقاضاة المعتدين بالترهيب أوبالترغيب.
وتعد حادثة “سيدتا التاهو”وضابط المرور التي وقعت بتاريخ 27 تمو2023 هي الأبرز كون المستهدف فيها ضابط يحمل مرسوم جمهورى يقوم بتادية واجبه الرسمي، ثم اعقب ذلك الأعتداء على شرطي المرور في شارع المتنبي من قبل سائق مركبة سايبه، وآخر سلسلة هذه الاعتداءات وليست الاخيرة ، ما حدث بتاريخ 4 آب عندما تعرض الكادر الطبي في مستشفى ابن الخطيب / صحة الرصافة إلى أعتداء من قبل ضابط برتبة كبيرة من منتسبي وزارة الدفاع وافراد حمايته، بسبب ملابسات وفاة أمرأة مصابة بالحمى النزفية.
الحوادث الثلاثة هذه وما اعقبها وقعت خلال أسبوع ، واستقطبت أهتمام وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي وتحول البعض منها إلى قضية رأي عام مما يعكس حجم المشكلة وخطورتها كاآفة دخيلة على المجتمع ،وهذا جزء من سلسلة، ابرز الاحداث التي قيدت بمثابة حوادث أعتداء ضد العاملين في الخدمة العامة سواء من العسكريين او المدنيين، والتي تجذرت في المجتمع بعد 2003،لغياب المعالجة القانونية السديدة، والتاريخ مملوء بالحوادث المماثلة والتي تنقلها لنا وسائل التواصل الإجتماعي والأذرع الاعلامية الأخرى، وغالبا ما يكون المجنى عليه مستخدم في الدولة يؤدي خدمة عامة لصالح النظام والمجتمع.
بديهي ان أولى ضحايا هذه الاعتداءات والتجاوزات هم شرطة المرور، والعاملين في الدوائر البلدية ،والصحية والاسباب واضحة لانهم من العاملين في الميدان، وعلى حالة تماس مباشرة مع المواطنين.
والبحوث النفسية والاجتماعية أثبتت وجود عدة دوافع تدفع بالاشخاص سواء رجال او نساء ان يقوموا باعمال عدائية ضد القائمين بالخدمة العامة كأن يكونوا مستقوين بأعراف قبلية أو عشائرية، أو تقف وراءهم شخصيات سياسية مثل حالة سيدتا التاهو حيث توعدت إحداهما ضابط المرور، ومثل ما اشيع عبر المنصات الرقمية ،باسم النائب بهاء النوري، والذي نفى لاحقا معرفته المسبقة بهما، وإنما وجد في مسرح الحادث بناءً على طلب صديق منه ذلك كحالة “أنسانية”. أو شخصيات وزعماء احزاب متنفذة او جماعات مسلحة،تكون ضامنة وكافلة لحمايتهم والدفاع عنهم حتى ،وان لم يكونوا على حق في حال تعرضهم للمسائلة القانونية إن وجدت.
والعامل الآخر هي حالة الاستعلاء والشعور بالفوقية عند البعض تجاه الآخرين ، والعامل الأكثر أهمية وخطورة هو عدم تفعيل القوانين الحاكمة أو تعطيلها، فالقانون وجد من أجل تنظيم الحياة اليومية للمواطنين ورسم العلاقة بينهم، واعطاء كل ذي حق حقه، أي بمحاسبة المعتدين وفق القوانين المرعية ، فالرأي العام يعتقد،لو القانون اخذ مجراه بالإتجاه الصحيح في كل حالة، لٌما نمت و تجذرت الظواهر السلبية هذه في المجتمع.
الاعتداء على العاملين بالخدمة العامة يعد أعتداء على الحكومة والنظام والاساءة لها والتقليل من هيبتها وتشكيل نواة للتمرد من قبل الآخرين.
ومع هذا نحن لا نستبعد وفي بعض الحالات النادرة وجود خرق للقانون Abuse of law، من جانب العاملين في الخدمة العامة كالاجتهاد الخاطئ في تطبيق وتفسير القانون أو انعدام الحالة الإنسانية من البعض، لكن هذا لايعطي مسوغاً أو مبررً للاعتداء عليهم.
صحيح في بعض الحالات هم( العاملون في الخدمة العامة) من سمح بالتجاوز أو غض الطرف عن حالة سلبية معينة مقابل مصلحة ذاتية لتصبح هذه الحالة مع مرور الوقت واقع حال ، كما هو الحال في التجاوز في الوحدات البلدية على الارصفة ، وبالتالي عندما يتم تفعيل القوانين الحاكمة لهذه الحالات يتم الاصطدام بالمتجاوزين، وهنا يقع العاملين في الخدمة العامة ضحية لاعمال عنف نظير قيامهم بمعالجة حالة غير قانونية هم كانوا السبب في انتشارها وعموميتها ، وبالتاكيد ان التجاوزات التي تقع على العاملين تخلف قتلى وجرحى ومعاقين مما يعكس عمق الضرر الذي يلحق بالضحية وبالمجتمع معا..
إن المعالجات الناجحة والرادعة تكمن في تفعيل القوانين الحاكمة باعتبارها الاداة الفعالة في منع تعرض العاملين في الخدمة العمومية للاعتداء او المضايقات عبر قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنــــة ( 1969)”. حيث نصت المادة(229) منه ، على تجريم الاعتداء على موظف عام أو مكلف بخدمة عامة كالإهانة او التهديد، بالحبس لمدة لاتزيد عن سنتين او بالغرامة المالية.
يتضح من ذلك، ان قانون العقوبات العراقي النافذ واضح وصارم تجاه من يقوم بالاعتداء على من يؤدي خدمة عمومية والاعتداء هنا ليس الاعتداء الجسدي فقط وانما اللفظي والرمزي لكي يضمن حقوق الضحية المادية والمعنوية ضد مرتكبي الجرائم من جانب المتنفذين أو العبثيين والذين غالبا ما يكونوا محميين سياسيا أو حزبيا او من جانب من يحمل السلاح او من سلطة العشيرة، لكن الخطورة تكمن ان يتم الالتفاف على القانون من خلال التسويات والمساومات بل في بعض الاحيان يصل الامر بتهديد المعتدى عليه في حالة عدم التنازل أو القبول بالصلح العشائري او اي صلح خارج سلطة القانون؟
ان الالتفاف على سلطة القانون كما يدعي البعض لجوانب إنسانية ومجتمعية يؤدي إلى نتائج سلبية من حيث يزيد من حوادث الإعتداء أو تذمر البعض على العاملين بالخدمة العمومية وبالتالي، يعد ذلك اساءة متعمدة واهانه للدولة ولسلطة القانون والحل يكمن في مثل هذه التجاوزات التطبيق الحرفي للقانون، ومحاسبة ليس الجاني فقط وإنما المظلة التي يحتمي تحتها الجاني ايضا، لان هكذا اجراء سيكون كفيل لضمان هيبة الدولة وسلطة القانون.
هنا لابد من الاشارة ان التوجيهات التي أصدرها وزير الداخلية عبد الامير الشمري والتي نشرت بتاريخ30 تموز 2023، و اعطى بها صلاحيات كبيرة لرجال المرور، تصب بهذا الاتجاه، والتي جاءت بضوء حادثة سيدتا التاهو وضابط المرور و استندت إلى تفعيل العمل بأحكام المادة ( 102) من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ, التي تبيح لرجل المرور القبض على من يعتدي عليه وتسليمه إلى الجهات المختصة كون هذا الاعتداء من الجرائم المشهودة التي يمكن لضباط المرور القبض على مرتكبيها كونها أحد أعضاء الضبط القضائي المنصوص عليهم في المادة ( 39) من قانون أصول المحاكمات الجزائية”.
كما أوعز بالعمل بحق الدفاع الشرعي استناداً لأحكام المادة ( 212) من القانون المدني.مؤكدا “التنسيق مع مجلس القضاء الأعلى من أجل عدم التهاون مع حالات الاعتداء على رجال المرور والقوات الأمنية كافة، ان مقترح السيد الوزير الذي يخص القوى الامنية ان تطبق على العاملين في المؤسسات الحكومية الاخرى، لكن ما يخشاه المعنيون بحقوق الإنسان ،أن تستغل هذه الصلاحيات من قبل البعض عبر التعسف في تطبيقها،
وهنا يتبادر الى ذهننا قضية المواطن الأمريكي”جورج فلويد” 2020، الذي قضى اختناقا تحت ركبة احد رجال الشرطة2020، وكذلك وفاة” مواطنه” تايري نيكولز” في يناير 2023، جراء إساءة رجال الشرطة للصلاحيات الكبيرة الممنوحة لهم.
اذن خلاصة ذلك أن الاعتداء على العاملين في الخدمات العمومية آفة متجذرة في المجتمع تساهم المساومات والعلاقات الشخصية والضغوط من جهات متعدد نحو تسويتها بعيدا عن سلطة القانون تساهم في النهاية باضعاف هيبة الدولة وتنشط في الوقت نفسه هذه الممارسات من قبل البعض من اصحاب النفوس الضعيفة بحاجة إلى معالجة جادة عبر التطبيق السليم للقوانين النافذ او اضافة تشريعات جديدة تردع المتجاوزين.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الاعتداء على على العاملین فی المجتمع من قبل
إقرأ أيضاً:
انطلاق الجلسة العامة للنواب لمناقشة قانون العمل الجديد
بدأ مجلس النواب جلسته العامة اليوم الثلاثاء برئاسة المستشار أحمد سعد الوكيل الأول للمجلس حيث من المقرر مناقشة تقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة، ومكتبي لجنتي الشئون الدستورية والتشريعية، والخطة والموازنة عن مشروع قانون مُقدم من الحكومة بإصدار قانون العمل حيث يناقش مشروع القانون من حيث المبدأ، ومواد الإصدار، والمادة الأولى الخاصة بالتعريفات.
وأكدت اللجنة أن مشروع القانون يراعي التوازن بين طرفي العملية الإنتاجية ويتوافق مع الأحكام الواردة في مواثيق واتفاقيات العمل الدولية ويعد أداة من الأدوات التى يمكن تفعيلها فى سبيل توفير مناخ جاذب للاستثمار دون إخلال بحقوق العمال مع توفير ضمانات الأمن الوظيفي للعمال.
وأكد تقرير اللجنة أن مشروع القانون راعى تحقيق التوازن فى تنظيم أوقات العمل وفترات الراحة بحيث لا يجوز الخروج عن أحكامها، إلا أنه استثنى من ذلك بعض الأعمال التي يحددها الوزير المختص بقرار منه، كما أجاز لصاحب العمل تشغيل العامـل فـي يـوم راحته دون اعتراض منه، ولكن اشترط وجود مبررات لهذا التشغيل والحصول على موافقة الجهة الإدارية على ذلك، وهو أمر تنظيمي ولا يعتبر تدخلا في سلطة صاحب العمل في إدارة المنشأة.
ومنح مشروع القانون العامل الحق في الحصول على إجازة سنوية تقدر بحسب مدة خدمته ليسترد فيها نشاطه وحيويته إلا أنه وضع ، سلطة تحديد ميعادها لصاحب العمل حتى لا يؤثر ذلك على الإنتاج وسمح بإنهاء عقد العمل غير محدد المدة لأي من طرفيه بشرط أن يخطر الطرف الآخر كتابة قبل الإنهاء ، وأن يستند الإنهاء إلى مبرر مشروع وكاف.
وقرر المشروع حق العامل في إنهاء العقد، لتمكينه من الالتحاق بعمل آخر مناسب لقدراته وخبراته التي تتراكم ولا يتجاوب معها الأجر ، بشرط أن يقوم بإخطار صاحب العمل قبل الإنهاء ليستطيع تدبر أمره.
وتضمن المشروع نصا يجعل لحقوق العمال مرتبة امتياز على جميع أموال صاحب العمل المدين وتستوفى حتى قبل المصروفات القضائية، كما نص على حق صاحب العمل في إغلاق منشأته لضرورات اقتصادية.