الجزيرة:
2025-03-04@05:07:35 GMT

هيئة المفاوضات السورية.. تعثر النشأة وتأخر الإنجاز

تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT

هيئة المفاوضات السورية.. تعثر النشأة وتأخر الإنجاز

لا تزال الهيئة التفاوضية السورية -التي تم تأسيسها بالرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2017- تشهد عديدا من التحولات في بنيتها التنظيمية وهيكلة تكتلاتها وأولوياتها وقوانينها الانتخابية.

وتعتبر الهيئة التفاوضية نسخة مطورة عن الهيئة العليا للمفاوضات التي تشكلت بالرياض أيضا في ديسمبر/كانون الأول 2015، لخوض مفاوضات جنيف السياسية مع الحكومة السورية، وكان يشغل منصب المنسق العام للهيئة يومئذ رئيس الوزراء السوري الأسبق رياض حجاب.

تبديل الجياد

وقبل تأسيس الهيئة التفاوضية بيومين، شهدت الهيئة العليا للمفاوضات يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 سلسلة من الاستقالات، أبرزها استقالة منسقها العام رياض حجاب، والمتحدث الرسمي باسمها رياض نعسان آغا، مما أدى لإحداث تغيير في ملامحها العامة على صعيد الاسم والتكتلات والشخصيات، مع ثباتها على المرجعية، وهو ما فسره أعضاء في الهيئة -بحسب ما نقلته مصادر خاصة للجزيرة نت- بأنه "بداية التدرج في إحداث انقلاب رحيم، بقصد التخفف من أعباء وقيود سياسية معينة".

وكان أعضاء من المستقيلين قد عللوا -في وقت سابق- استقالاتهم بأنها اعتراض على محاولات تمييع الهيئة وتشتيت ثوابتها، فقد اعتبر البيان الذي أصدره المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات حينها أن "منصة موسكو (التي أدخلت في الهيئة) هي منصة صنعتها روسيا، الدولة المحتلة وحليفة نظام الأسد، لاختراق المعارضة وتمزيق صفوفها، وأولى بها أن تكون في صف النظام، وإن قبولها بين صفوف المعارضة، وبشكل خاص في وفدها المفاوض، هو قبول لتمثيل النظام نفسه".

ومنصة موسكو هي تجمع لعدد من الشخصيات والكيانات السياسية التي تؤمن بالرؤية الروسية للحل في سوريا، انبثق عن جولتي محادثات استضافتهما موسكو عام 2015 تحت اسم "اللقاء التشاوري السوري السوري"، وجمع بين ممثلين عن الحكومة السورية وشخصيات اختارتهم موسكو مما تُعرف بـ"معارضة الداخل"، في حين رفض الائتلاف الوطني للمعارضة المشاركة آنذاك في أي محادثات خارج إطار الأمم المتحدة، كما أن رحيل الرئيس بشار الأسد لم يكن شرطا مسبقا فيها.

في المقابل، قال الرئيس السابق لهيئة التفاوض السورية نصر الحريري -في حديثه للجزيرة نت- إن "الهيئة كانت تحرص على حضور كل الفاعلين، ولقد واجهت كل الضغوط ولم تتغير سياستها مطلقا تجاه ثوابت الثورة، وإن نتائج مؤتمر الرياض الثاني تتطابق مع نتائج مؤتمر الرياض الأول المنعقد في ديسمبر/كانون الأول 2015″، ورفض الاتهامات الموجهة إليها، مؤكدا أن "القول إن الجسم السياسي لهيئة التفاوض عند تأسيسه لا يمت بصلة لهيئة المفاوضات العليا، غير دقيق على الإطلاق، ولقد تابع الأعضاء المنتخَبون من حيث انتهى زملاؤهم".

وبهذا، تكونت الهيئة التفاوضية السورية في أثناء التأسيس من 36 عضوا: 8 من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، و4 من منصة موسكو، و4 من منصة القاهرة، و8 مستقلون، و7 من الفصائل العسكرية، و5 من هيئة التنسيق الوطني. وبعد انتهاء ولاية الحريري في رئاسة الهيئة التفاوضية، خلفه أنس العبدة الرئيس الأسبق للائتلاف، وبعده بدر جاموس الأمين العام الأسبق للائتلاف الذي لا يزال رئيسا للهيئة التفاوضية، وتم التمديد له سنتين أخريين بعد إجماع الأعضاء في 21 يوليو/تموز 2024 على تعديل النظام الداخلي.

ومنصة القاهرة تكتل سياسي يجمع عددا من الكيانات والشخصيات، انبثق عن اجتماع في القاهرة للمعارضة السورية برعاية المجلس المصري للشؤون الخارجية عام 2014. ولا توجد هيكلية واضحة للمنصة ومكوناتها، إلا أنها تألفت من تيار "قمح" بقيادة هيثم مناع، وتيار الغد السوري بقيادة أحمد الجربا، وشباب الحراك الثوري السوري بقيادة فراس الخالدي، وبعض الشخصيات المستقلة مثل جمال سليمان وجهاد مقدسي وآخرين. أما هيئة التنسيق الوطني -ومقرها دمشق- فقد تأسست عام 2011 من عدة أحزاب سياسية صغيرة وشخصيات معارضة مستقلة من داخل سوريا وخارجها.

وبالرغم من تباين أسس ومرجعيات التكتلات السياسية المكونة لها، فإن أدبيات الهيئة العليا للمفاوضات -بحسب مصادرها الرسمية- تقوم على ركيزتين أساسيتين: "التمسك بوحدة الأراضي السورية، وتأسيس نظام يحوي كل أطياف الشعب لا مكان فيه لبشار الأسد ورموزه"، معتبرة أن "الحل السياسي هو الخيار الإستراتيجي" الذي تعتمده وفق بيان جنيف 1 والقرارات الدولية 2118 و2254 التي تنادي بوجوب إنشاء هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، "لا دور ولا وجود للأسد ومن اقترف الجرائم بحق الشعب السوري فيها، بدءا من المرحلة الانتقالية". وهي التفاصيل ذاتها التي ركز عليها البيان الختامي لمؤتمر الرياض الثاني، المرجعية الأساسية لهيئة التفاوض التي أكدت أن المفاوضات المباشرة تختلف عن المفاوضات المشروطة، وأن "المطالبة بالقرارات الدولية ليست شرطا، بل هي أساس للتفاوض".

مناورات على الأولويات

ومنذ بدء المفاوضات في جنيف، كان الخلاف بين المعارضة والنظام على رسم خريطة الوصول للحل السياسي وتطبيق القرارات الدولية الساعية لحل القضية السورية، فقد أصر النظام على وجوب البدء بسلة مكافحة الإرهاب والعنف، لتليها باقي السلال المطروحة من قبل الأمم المتحدة، والتي تتمثل في تأسيس هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وصياغة الدستور، والانتخابات. في المقابل، كانت الهيئة العليا للمفاوضات تصر على وجوب البدء بالعمل على تأسيس هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات قبل أي سلة أخرى.

وسلال التفاوض هذه هي مقاربة أعلن عنها ستفان دي ميستورا في الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف عام 2017، تشير إلى إطار عمل يتضمن 4 سلال تتناول: القضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي، ووضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، وكل ما يتعلق بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وإستراتيجية مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية.

وإثر الضغوط الدولية، استجابت الهيئة العليا للمفاوضات لطلب الوسيط الدولي ستفان دي ميستورا بشأن ضرورة تشكيل فرق فنية قانونية وسياسية، موازية لعملية التفاوض، لدراسة السلال الأربع ودعم القرار السياسي، بشرط أن يكون الأمر خارج مسار الجولات التفاوضية. وحسب الحريري، فقد تم ذلك مع دي ميستورا وفق قاعدة: "لن يتم الاتفاق على شيء حتى يُنتهى من الاتفاق على كل شيء"، أي أنه تم الاتفاق على تقديم دراسة نظرية للملفات الأربعة، وعند إنجازها يتم الذهاب إلى التنفيذ.

وفي السياق، أكد الحريري للجزيرة نت أن النظام السوري "ليس جادا في مناقشة أي من السلال الأربع، وأنه لا يريد التفاوض، وهدفه العرقلة واستنزاف الوقت"، موضحا أنه "لم يحضر ولا جلسة واحدة من الجلسات التي دعا إليها الوسيط الدولي، وكان الحضور دوما يقتصر على الأمم المتحدة وفريق الهيئة التفاوضي!".

وبذلك، كانت النتائج النهائية دوما تصب في صالح النظام السوري -الغائب الحاضر- وأذرعه الساعية لإغراق المعارضة بالتفاصيل، مستغلا هذه المناورات لإضاعة الوقت وتوسيع السيطرة على الأرض وإنشاء علاقات ثنائية وحوارية مع الدول خارج مظلة الأمم المتحدة، لفرض شروطه مجددا.

اجتماع الهيئة العامة للائتلاف السوري المعارض برئاسة نصر الحريري (مواقع التواصل) نزع الدسم

ورغم نجاح روسيا في الحصول على "نفوذ" لها في هيئة التفاوض، فإنها لم تنجح في إسقاط عبارة "وجوب رحيل الأسد" من المرجعية السياسية للهيئة، مما دفعها -حسب الحريري- لعقد مؤتمر "سوتشي" مباشرة، وهو المؤتمر الذي رفضته الهيئة بالرغم من الضغوط الإقليمية والدولية عليها، معللة ذلك بأنه خطوة للالتفاف على الحل السياسي، ومحاولة لإعادة تأهيل الأسد، وحرف لمسار الوساطة الذي ترعاه الأمم المتحدة.

وأكد رئيس هيئة التفاوض السابق للجزيرة نت: "لقد تعرضنا لضغوط من دول خارجية لإسقاط عبارة رحيل الأسد، وكان موقف الوسيط الدولي ملغوما وحاول إقناع الهيئة بالابتعاد عن العبارات الاستفزازية وعلى رأسها رحيل الأسد، لأنها تعطيه الحجة بعدم الحضور". وكان دي ميستورا طرح مبادرة تنفيذية على الهيئة التفاوضية السورية في يوليو/تموز 2015، تنص صراحة على إبقاء بشار الأسد لحين إجراء انتخابات.

كما أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم أشار في 2016 إلى أنه "ليس هناك شيء في وثائق الأمم المتحدة يتحدث عن مرحلة انتقالية في مقام الرئاسة"، مبينا أن "المرحلة الانتقالية في مفهومنا هي الانتقال من دستور قائم إلى دستور جديد، ومن حكومة قائمة إلى حكومة فيها مشاركة مع الطرف الآخر". ولأن الهيئة لم توافق على هذا الطلب، لم يحضر النظام السوري إلا جلسة مفاوضات واحدة عقدت بعد "مؤتمر الرياض 2" مباشرة، حسب الحريري.

وفي حديثه للجزيرة نت، يحذر الباحث السياسي أحمد رمضان من خطورة غياب الإستراتيجية التفاوضية لدى هيئة التفاوض السورية، موضحا أن "كل الأجسام التفاوضية السورية لا تملك إستراتيجية ولا خبراء ولا تقنيين، ولم تنجح في تشخيص إستراتيجية النظام التفاوضية، ومعضلتها أنها دوما ما تحاول محاكاة المزاج العام لا المصالح الوطنية، متناسين أن المفاوضات عمل غير شعبي، فهدف المفاوض جلب حقوق الناس وليس رضاهم!"، مشيرا إلى أن "تصلب هذه الأجسام بالمواقف السياسية ليس نتاج وعي سياسي، بل نتاج جهل بالخارطة التفاوضية وغياب الإستراتيجية. وعليه فإنهم يتشنجون في مواقفهم خوفا من مصادمة الرأي العام".

بدر جاموس رئيس الهيئة التفاوضية السورية (رويترز)

ويستدل الحريري ورمضان -في حديثيهما للجزيرة نت- على ضياع بوصلة هيئة التفاوض، بما أعلنته على لسان رئيسها الحالي بدر جاموس من أن أولويتها اليوم جلب الدعم المالي الدولي لتعزيز التعليم وتأهيل المرافق الصحية وتأمين الطعام لمكافحة الفقر، إضافة "لبناء صداقات حتى مع الدول المطبعة (مع الحكومة السورية)"، وهو ما رأيا أنه يدل على عدم وضوح في الرؤية وغياب للإستراتيجية وعدم إدراك للمهمة المناطة بها، وأنه سعي من الهيئة لإثبات وجودها بعد جمود التفاوض، ومحاولة لصناعة مرجعية خاصة تتعدى بها على صلاحيات وأعمال الأجسام المعارضة الأخرى.

ويضع رمضان اللوم على التغييرات التي شهدتها مؤسسات المعارضة السورية، ويصفها بأنها انتقائية وغير قانونية، ويرى أنها محاولة للانقلاب على هذه المؤسسات لنقلها من حالة "الوصاية الجزئية لحالة الوصاية الكلية والمطلقة"، وذلك من أجل "تحقيق السيطرة الكاملة على الهيئة التفاوضية وكافة أجسام المعارضة، وتحويلها لأجسام عاطلة ومعطلة ومستعدة أن تتماهى مع المصالح الدولية"، فالهيئة اليوم -بحسبه- لم تعد تمثل كل السوريين، إذ تغيب عنها كيانات وتيارات مهمة، ولذلك فإن إعادة الهيكلة ضرورة تفاوضية وسياسية وقانونية.

في 18 مارس/آذار 2024، أصدر مركز مدى لبناء السياسات والإستراتيجيات ورقة تقدير موقف بعنوان "نهاية مسار الدستورية واتجاه نحو المصالحة وحكومة شراكة"، تحدثت عن توافق غير معلن بشأن بدء التخلي عن مسار التفاوض الدولي، وذلك لعدم إمكانية تطبيق القرار 2254، ولأن العودة إلى المفاوضات برعاية الأمم المتحدة لم تعد متاحة بسبب حالة الاستقطاب بين الروس والأميركيين، مما يعني -بحسب الورقة التي حصلت الجزيرة نت على نسخة منها- أن السيناريو الأكثر ترجيحا "هو تبني الهيئة مسارا بديلا عن مسار الدستورية، وهو مسار البيئة الآمنة والمحايدة، بما يشكل تمهيدا للدخول في عملية الانتخابات وعقد مصالحة وحكومة مشاركة ما بين نظام الأسد وشخصيات معارضة وهيئات تخضع لتأثير دول النفوذ، على أن يكون ذلك ضمن إطار إقليمي واسع لتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية بما يضمن نجاح العملية".

وقد بدأ النظام السوري في إحداث تحولات داخلية تعكس انطباعا بوجود تغيرات في بنيته السياسية والأمنية والعسكرية والمؤسساتية، مما يشير -بحسب الورقة- إلى إمكانية أن يكون شريكا أساسيا في المرحلة المقبلة. لكن في المقابل، استبعد جاموس -في مقابلة تلفزيونية- سيناريو الحكومة المشتركة، معللا ذلك بأن النظام السوري هو "نظام صفري لا يريد التنازل عن أي شيء مطلقا"، لكنه استدرك "وهذا لا يعني أننا نوافق على بقاء الأسد وأخذ بعض الوزارات السيادية، فالكل يعلم أن الوزارات لا معنى لها في ظل سطوة القوة الأمنية والعسكرية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الأمم المتحدة النظام السوری مؤتمر الریاض هیئة التفاوض دی میستورا للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

مجمع الكرادلة الهيئة التي تنتخب بابا الفاتيكان

الهيئة الاستشارية العليا للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، تتكون من مجموعة من الكرادلة يشكلون مساعدي البابا ومستشاريه المقربين، الذين يشغلون المناصب في الإدارة المركزية لشؤون الكنيسة بالفاتيكان، ويديرون أكبر أبرشيات العالم.

والكرادلة هم أصحاب الرتبة الكنسية الأعلى بعد رتبة البابا، ويتم تعيينهم بموجب مرسوم بابوي، ويعتبرون أمراء الكنيسة، ويحملون لقب صاحب السيادة، ولا يخضعون لأي ولاية قضائية باستثناء سلطة البابا، ويتمتع المقيمون منهم في مدينة روما أو وخارجها بحقوق وامتيازات المواطنة نفسها.

ويُعد انتخاب البابا الجديد المهمة الأبرز لمجمع الكرادلة، والذي يتم في اجتماع سري مغلق، قد يستغرق أياما، يُطلق عليه "المجمع المغلق"، ولا يسمح لأي من الكرادلة مغادرته حتى انتخاب البابا، وإعلان ذلك للحشود المنتظرة خارج كنيسة سيستينا، مقر الاقتراع، عبر دخان أبيض يتصاعد منها.

النشأة

نشأت رتبة كاردينال، في عهد البابا سلفستر الأول، حوالي العام 315 ميلادي، وهي الرتبة الأعلى في الكنيسة الكاثوليكية بعد رتبة البابا، وكان يحملها الأساقفة الذين يشكلون مجموعة مستشاري البابا الأقربين ومعاونيه.

توسع استخدام لقب كاردينال، فأصبح يُطلق على قساوسة الأبرشيات السبع في روما، والكهنة والشمامسة الذين يديرون الكنائس داخل أسوار المدينة، ويؤدون الخدمات الأسبوعية في الكنائس البطريركية الأربع: كنيسة القديس بطرس وكنيسة القديس بولس وكنيسة القديسة ماريا وكنيسة القديس لورانس.

إعلان

وكانت وظائف الكرادلة في العقود الأولى تقتصر على الطقوس الكنسية، وكان على كرادلة الأبرشيات السبع في روما أداء الخدمات الأسبوعية في كاتدرائية اللاتراني بروما، لذلك أُطلق عليهم أحيانا "الأساقفة اللاترانيون".

وبمرور الزمن، شكلت مجموعة الكرادلة الذين ساعدوا البابا بشكل منتظم في كافة المهام الرعوية، والتي شملت العمل الإداري والقانوني والعقائدي والطقوس، "كوريا" خاصة بالبابا، على غرار الكوريا اللاتينية، أي مجلس مدينة روما في عصور ما قبل المسيحية، والذي كان يساعد في حكم المجتمع المدني في مدينة روما ومحيطها.

البابا فرنشيسكو بعد انتخابه في منتصف مارس/آذر 2013 (رويترز)

وبحلول منتصف القرن الحادي عشر، أخذ التنظيم الكنسي شكلا أكثر مركزية، وخضعت الكنيسة الأوروبية لسيطرة بابوية قوية ومباشرة، وهو الأمر الذي أدى إلى توسع مؤسسات الإدارة الكنسية، وتزايد الحاجة إلى موظفين قادرين على الإشراف على الأعمال البابوية، وحينها تولى الكرادلة مهام مؤسسية جديدة محل وظائفهم المتعلقة بالطقوس الكنسية.

ومنذ عام 1059 أصبح الكرادلة هم القائمين رسميا على مهمة انتخاب البابا، ومع ذلك، لم يتم إنشاء "مجمع الكرادلة" بشكله المعروف حتى عام 1150م، فترأسه وقتها أسقف أوستيا، وكانت مهمته إدارة الكرسي الرسولي عند وفاة البابا إلى حين انتخاب البابا الجديد.

وفي القرن الثاني عشر أصبح الكرادلة يُعينون في الكنائس الرئيسية خارج روما، وكان يُطلَب منهم عادة التنازل عن مناصبهم والإقامة في روما، ثم أصبح من الشائع أن يبقوا في مناصبهم، وتدار أبرشياتهم من قبل آخرين، ولكن منذ القرن السادس عشر، أصبح من الممكن لهم الإقامة في أبرشياتهم خارج روما، رغم حصولهم على لقب كاردينال.

وقد أخذ مجمع الكرادلة صفة العالمية بشكل واضح منذ النصف الأول من القرن العشرين، في عهد البابا بيوس الثاني عشر، فقد أصبح ثلث الكرادلة المعينين في عهده من خارج أوروبا، وكان هو أول من عين كرادلة في أفريقيا والهند والصين، ثم سار البابا بولس السادس على نهجه، فوسع عام 1965 نطاق مجمع الكرادلة ليشمل البطاركة الشرقيين.

إعلان

أعضاء مجمع الكرادلة

يتألف المجمع من مجموعة من الكرادلة، يشغلون المناصب في الإدارة المركزية لشؤون الكنيسة الكاثوليكية، أو ما يسمى "الكوريا الرومانية"، ويساعدون البابا في ممارسة سلطته ومهامه المختلفة، كما يضم المجمع أساقفة الأبرشيات المهمة في روما وحول العالم.

ويشترط لاختيار الكاردينال أن يكون قد نال رتبة كاهن على الأقل، إضافة إلى تمييزه في العقيدة والتقوى والفضيلة والحكمة في أداء واجباته، ويتم تعيينه بموجب مرسوم من الحبر الأعظم (البابا)، ويصبح الكاردينال ملزما بواجباته ويتمتع بالحقوق المحددة له في القانون الكنسي، بمجرد إعلان ذلك المرسوم في مجمع الكرادلة.

ويترأس المجمع رئيس يطلق عليه لقب عميد، ويساعده نائب، كلاهما يتم اختياره من الكرادلة الأساقفة، الذين يديرون كنائس الضواحي، وهي الأبرشيات الأقرب إلى روما، وتشمل: ألبانو، وفراسكاتي (توسكولوم) وأوستيا وباليسترينا وبورتو سانتا روفينا وفيليتري سيجني، ثم يصدق البابا على الانتخاب.

مشهد لمقر الفاتيكان في روما (شترستوك)

ولم يكن عدد كرادلة المجمع ثابتا دائما، فقد ظل يتغير بحسب العصور، وحتى القرن الخامس عشر الميلادي كان عددهم نحو 24 كاردينالا،  وفي منتصف القرن السادس عشر، رفع البابا بولس الرابع العدد إلى 70، ثم إلى 76 في عهد البابا بيوس الرابع بين عامي 1559 و1565، وتم إعادة عدد كرادلة المجمع إلى 70 مرة أخرى في العام 1586، في عهد البابا سكستوس الخامس، وهو العدد نفسه الذي أكده قانون الكنيسة عام 1917.

وزاد البابا بولس السادس عام 1973 الحد الأقصى لعدد الكرادلة الذين يحق لهم انتخاب البابا إلى 120، واتبع البابا يوحنا بولس الثاني التوجه عينه في الدستور الرسولي الصادر عام 1996، ويعود ذلك إلى الرغبة البابوية في أن يضم المجمع أساقفة من جميع أنحاء العالم.

إعلان

وفي العام 2001، أصبح عدد أعضاء المجمع 178 كاردينالا، يمثلون جميع القارات، وينتمون إلى 63 دولة، منهم 92 من أوروبا، و18 من أميركا الشمالية، و32 من أميركا اللاتينية، و15 من أفريقيا، و17 من آسيا، و4 من أوقيانوسيا.

وفي مطلع عام 2025، بلغ عدد أعضاء المجمع 252 كاردينالا، يمثلون أكثر من 90 دولة حول العالم، منهم 138 كاردينالا يحق لهم التصويت لانتخاب البابا الجديد.

المهام والوظائف

تتمثل المهمة الرئيسية لمجمع الكرادلة في تقديم المشورة للبابا ومساعدته، وأعضاؤه هم المسؤولون الرئيسيون عن شؤون الكنيسة، ويعملون في قسم أو أكثر من أقسام الكوريا الرومانية في الفاتيكان.

وتُسمى الأقسام الرئيسية في الكوريا الرومانية مجامع؛ لأنها تتكون من عدد من الكرادلة الذين يملكون حق التصويت، بقيادة أحد الكرادلة.

ويمارس أعضاء المجمع بمهامهم على صورتين:

العمل بشكل جماعي:

إذ يتم استدعاء الأعضاء جميعا للتشاور في القضايا ذات الأهمية، ويتعين على الكرادلة الذين يتولون مسؤولية أبرشية خارج روما أن يحضروا إلى روما كلما استدعاهم الحبر الأعظم.

ويتخذ المجمع القرارات بشكل جماعي، ثم يصدق عليها البابا، إلا في حالة انتخاب البابا، أو القرارات التي لا يمكن تأخيرها في المرحلة الانتقالية بعد وفاته.

ولمجمع الكرادلة دور رئيسي في الإدارة المركزية لشؤون الكنيسة في فترة شغور الكرسي الرسولي، إما لوفاة البابا أو (في حالات نادرة) استقالته، وذلك وفقا لمعاهدة لاتيران عام 1929، ويقرر المجمع في الشؤون العادية للكرسي الرسولي، وكذلك المسائل المتعلقة بجنازة البابا ودفنه وانتخابه.

العمل بشكل فردي:

إذ يؤدي الكرادلة واجباتهم ومهامهم المتعلقة بالوظائف والمناصب التي يشغلونها في الكوريا الرومانية، وتتطلب طبيعة العمل ممن يشغل أي منصب في الكوريا الإقامة في روما، وإن لم يكن أسقفا لإحدى كنائس روما.

إعلان

وليس كل من حمل لقب كاردينال مكلف بمسؤولية فعلية في المجمع، فبعض الكرادلة يحملون لقبا أو منصبا فخريا، دون سلطة فعلية، وينقسم الكرادلة في المجمع إلى ثلاث رتب:

الكرادلة الأساقفة: وهم الأعلى رتبة والأقل عددا، وهم على نوعين: الأول: الذين يشغلون المناصب المهمة في الكوريا الرومانية، والذين يعملون في الكنائس الرئيسية في روما (كنائس الضواحي). الثاني: بطاركة الكنائس الشرقية الكاثوليكية، الذين هم أعضاء في مجمع الكرادلة. الكهنة الكرادلة: ويمثلون الرتبة المتوسطة، وهم الأكثر عددا في مجمع الكرادلة، وتضم هذه الرتبة مسؤولين في الكوريا الرومانية، وأساقفة الأبرشيات الكبرى في العالم. الشمامسة الكرادلة: وهي الرتبة الأقل، وتشمل مسؤولين في الكوريا الرومانية، واللاهوتيين (رجال الدين) الذين كرمهم البابا لمساهمتهم في الكنيسة.

ويُطلب من الكرادلة الذين يرأسون الدوائر والأقسام الدائمة في الكوريا الرومانية ومدينة الفاتيكان، إذا بلغوا الـ75 من العمر أن يقدموا استقالتهم من مناصبهم إلى البابا، الذي ينظر في جميع الظروف، ويقيِّم الحالة، ويتخذ التدابير المناسبة.

ويصبح لقب الكرادلة الذين يبلغون الـ80 من العمر فخريا، وفقا للقرار الذي أصدره البابا بولس السادس عام 1970، إذ يترتب على ذلك إيقاف عضويتهم في دوائر الكوريا الرومانية وجميع الهيئات الدائمة للكرسي الرسولي ودولة الفاتيكان، ويُمنع مشاركتهم في انتخاب البابا أو الدخول إلى مجمع الكرادلة.

وفي العام 2001، كان عدد أعضاء المجمع 178، من بينهم 50 كاردينالا تجاوزت أعمارهم الثمانين، لا يمكنهم دخول المجمع ولا يحق لهم الانتخاب، وإن كان ذلك لا يمنع من انتخاب أحدهم لمنصب البابا.

أنواع المجامع

تنعقد داخل مجمع الكرادلة ثلاثة أنواع من المجامع:

المجامع العامة

وتضم جميع أعضاء المجمع من الكرادلة، الذين لم يمنعهم عذر من الحضور، كالمرض وغيره من الأسباب القانونية، وتكون بدعوة من البابا ورئاسته، وفيها يتم اتخاذ القرارات الأكثر أهمية في الشؤون الكنسية.

إعلان

وغالبا ما تقتصر المجامع العامة على الكرادلة، وقد يُسمح لممثلي الدول المدنية وغيرهم بالحضور في بعض الحالات، مثل الاحتفالات والمناسبات.

وفي فترة خلو الكرسي البابوي، يدعو رئيس المجمع الكرادلة للاجتماع ويرأسه، ويتخذ القرارات بشكل جماعي، بشأن جنازة البابا وأعمال الكرسي الرسولي التي لا يمكن تأخيرها.

وتخضع القرارات بالكامل للدستور الرسولي، ولا يُسمح بتغييرات جوهرية في عمل الكرسي الرسولي في غياب البابا، ويمكن للمجمع العام تعيين النقاط المتنازع عليها في تفسير القانون.

الفاتيكان أصغر دولة في العالم وتقع داخل مدينة روما (شترستوك) المجمع الخاص

يتألف من الكاميرلينغو أو الحاجب، وهو منصب كنسي يساعده ثلاثة كرادلة، يُطلق عليهم اسم المساعدين، يتم اختيارهم بالقرعة من رتب الكرادلة الثلاث.

ويتولى المجمع الخاص الأعمال العادية للكنيسة الرومانية، ويدير الكاميرلينغو الكرسي الرسولي والشؤون المالية والدنيوية فيه، أثناء فترة شغوره، ويحيل المسائل المهمة إلى المجامع العامة.

المجمع المغلق (انتخاب البابا)

عند موت البابا، يصادق الكاميرلينغو على وفاته، ويدمر خاتمه المخصص لختم الوثائق الرسمية، ثم يجهز لدفنه، وينظم اجتماعا عاما، يستمر في الأيام التي تسبق انعقاد المجمع المغلق، يُسمح فيه لجميع الكرادلة بالمشاركة، ولا يقتصر على من يملكون حق التصويت.

ويناقش الاجتماع العام احتياجات الكنيسة وعلاقاتها بالعالم، ووضع الكوريا وكل ما يتعلق بعملها.

وتبدأ مراسم اختيار البابا الجديد غالبا في 15 إلى 20 يوما من تاريخ فراغ الكرسي الرسولي، ويجوز أن يكون قبل ذلك، إذ يدعو عميد المجمع الكرادلة لما يُعرف بـ"المجمع المغلق" أو "المجمع السري".

ويترأس العميد المجمع للبدء بعملية اقتراع، تتم بشكل سري، وهو نهج بدأه البابا غريغوري الخامس عشر، حوالي العام 1621م.

وفي اليوم الأول للمجمع يتوجه الكرادلة الناخبون إلى كنيسة بولين بالفاتيكان، للاستماع لموعظة صباحية قصيرة والدعاء وطلب المساعدة في عملية الانتخاب، ثم يتوجهون إلى كنيسة سيستينا، حيث يؤدون يمين الحفاظ على السرية التامة، وعدم السماح بتدخل السلطات المدنية في كل ما يتعلق بانتخاب البابا.

إعلان

ويُمنع كل من أدى اليمين من الخروج من المجمع، أو الاتصال بالعالم الخارجي بأي شكل من الأشكال، فيتم إغلاق جميع الهواتف وأجهزة الراديو والتلفزيون واتصالات الإنترنت، ولا يسمح بإدخال الرسائل أو الصحف، إلى حين نجاح المجمع في انتخاب البابا الجديد.

ويتم الانتخاب تحت إدارة لجنة، يتم تعيينها باختيار 9 كرادلة عشوائيا، منهم 3 لجمع الأصوات، و3 للمراجعة، و3 للإشراف على التصويت، ويكون الانتخاب عبر عدد من جولات التصويت، تحدد بـ 4 جولات في كل يوم، باستثناء اليوم الأول، بسبب الانشغال باختيار المرشحين.

ويتفاوت عدد الجولات في كل عملية انتخابية للبابا الجديد، فقد يتم اختياره عبر عدد قليل من الجولات، إذا وُجد مرشح قوي قادر على الفوز بسرعة، ولكن إذا تعذر ذلك، ووصل عدد الجولات إلى 34، فلا يُصوَّت حينها إلا للمرشحَين اللذين حصلا على أعلى الأصوات، وفي هذه الحالة لا يحق للمرشحَين التصويت، ولا يتحقق فوز أحدهما إلا بحصوله على ثلثي الأصوات.

وتُعتمد نتيجة الاقتراع عموما بحصول أحد المرشحِين على الأغلبية بثلثي المجمع، وعندها يستدعي رئيس المجمع المرشح الفائز إلى مقدمة الكنيسة، ويتأكد من قبوله المنصب، ثم يطلب منه اختيار اسمه البابوي.

وقد تستمر عملية الاقتراع أياما، وتتخلل الجولات خطب وصلوات ومناقشات مكثفة، وبعد كل جولة يتم حرق أوراق الاقتراع، ويشير الدخان الأسود الناتج عن الحرق، والمتصاعد خارج الكنيسة، بأن نتيجة التصويت فشلت في اختيار البابا الجديد.

وإذا فاز أحد المرشحين، تُحرق أوراق الاقتراع بإضافة مادة إلى النار تُحول الدخان إلى اللون الأبيض، وهذه العلامة هي عبارة عن إعلان للحشود المنتظرة في الخارج عن نجاح المجمع في اختيار البابا الجديد.

ويذكر التاريخ الكنسي أن أطول مجمع بابوي كان في أواخر القرن الثالث عشر، وقد استمر نحو ثلاث سنوات (34 شهرا) بسبب الصراع السياسي الداخلي الهائل، وقد توفي ثلاثة من الكرادلة المصوتين أثناء العملية، وانتهى بانتخاب البابا غريغوري العاشر، بينما لم يستغرق انتخاب البابا يوليوس الثاني عام 1503 سوى بضع ساعات.

إعلان

مقالات مشابهة

  • مقتل عنصرين من الأمن السوري في اللاذقية جراء كمين لـفلول النظام المخلوع
  • صحافة عالمية: إسرائيل لن تستأنف القتال في غزة قريبا رغم تعثر المفاوضات
  • مدينة جرمانا السورية.. جارة الفيحاء
  • هيئة البث الإسرائيلية: تظاهرات قرب منزل نتنياهو احتجاجًا على تعثر اتفاق وقف إطلاق النار
  • إسرائيل تحذر النظام السوري من إلحاق الضرر بالدروز
  • شاهد | كيف يواجه النظام السوري الجديد كيان الاحتلال؟
  • انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق غزة.. وحماس تلقي باللوم على إسرائيل في تعثر المفاوضات
  • وصول أول ناقلة ديزل منذ سقوط النظام إلى ميناء بانياس السوري
  • مجمع الكرادلة الهيئة التي تنتخب بابا الفاتيكان
  • إعلام عبري يحذر من عودة القتال في غزة مع تعثر المفاوضات