صلاح شعيب

وأخيراً نجحت خطة المؤتمر الوطني المنحل، ومؤيدي الحرب، في منع الجيش من حضور محادثات جنيف. بدأت الخطة بدفع البرهان أولاً للاستهتار بالمبادرة الأميركية في محاولة لنسفها عبر خلط الأوراق بمعاونة حلفائه من الحركات المسلحة. فما قاله سابقاً مبعوثه أبي نمو بعدم حصول الجيش على ما أراد في جدة كان جزءً من مسرحية تعلل مخرجها بأن هناك من الأسباب الجوهرية التي تمنع المضي قدماً نحو تسوية الحرب.


لقد كانت واضحة للعيان محاولة الاحتيال المكشوف على الأميركيين عبر اختيار البرهان وزير المعادن بدلاً عن وزير الخارجية، أو وكيلها، للاضطلاع بأمر هو في المقام الأول دبلوماسي الشأن. ذلك أن جدية التفاكر في جدة كانت تقتضي بألا يتلاعب البرهان بوفده لتفجير فكرة لقاء الدعم السريع والجيش المقرر لها الانعقاد في الرابع عشر من أغسطس. ولكن لم تكن نية البرهان من هذا الاختيار إلا النزول لرغبة المؤتمر الوطني لمقاومة المبادرة الأميركية، واحتقارها لكون أن رئيس الوفد "الحكومي" لا يملك من التأثير شروى نقير، لا على مستوى الجيش، أو سلطة بورتسودان.
كذلك أتى بيان الخارجية اللاحق ليتماشى مع تغريدة أبي نمو في إكمال مسعى بورتسودان التي فضلت ألا تنهي معاناة السودانية في الخروج من جنيف، على الأقل، باتفاق يساعد في إغاثة الملايين المهددين بالمجاعة، ذلك بخلاف معاناتهم في الحصول على الأمن، والرزق، والعلاج، وتعليم فلذات أكبادهم، والتطبع مع متطلبات الحياة الأولية، ناهيك عن مواجهة عجز الدولة في إغاثة النازحين، واللاجئين، والمنكوبين بسبب السيول، والأمطار الغزيرة.
وهكذا تبعثرت آمال معظم السودانيين أمام رغبات المؤتمر الوطني، وجهات إسلاموية، ومؤيدين للحرب، أولئك الذين أرادوا عرقلة السعي الأميركي لوقف إطلاق النار حتى يحققوا نصراً عسكرياً على الدعم السريع ربما بعد مئة عام لا يهم.
إن ما يتضح جلياً الآن لذوي العقل السليم أن المؤتمر الوطني، ومؤيدي الحرب، سيطروا على قرار الجيش تماماً. وفي هذا الوضع لم يتبق للبرهان حتى هامش المناورة لإرضاء حلفائه الإقليميين الحريصين على نجاح المبادرة. ولعله هو البرهان الذي تابع رغبة مشعلي الحرب الذين ظلوا يهددون كرسيه لو أن سافر بذاته، أو أوفد أفراداً له لتمثيل الجيش في اللقاء المرتقب بين الطرفين المتحاربين.
لقد وقفنا عند الأسابيع التي تلت طرح المبادرة على دخول قيادات المؤتمر الوطني على خط الحديث الناقد إزاء المبادرة الأميركية، حيث ركزوا على نسفها لما تشكله من مخاطر على استراتيجيتهم لاستعادة حكمهم. وفي هذه الأثناء نشطت هذه القيادات لتفسير مغزى المبادرة الأميركية سلبياً، وربطوها بمحاولة المجتمع الإقليمي والدولي - كما يظنون - للتآمر على الجيش، وهو يخوض ما يسمونها معركة الكرامة، وهي في الحقيقة معركة الكيزان، وليس للشعب السوداني أي علاقة بها. وضف أنه في ثنايا أحاديث قادة الموتمر الوطني كانوا يستبطنون تهديداً للبرهان لو أن خالف رؤيتهم، وتزامن هذا مع تمجيد من يرونه بديلا له: ياسر عطا.
هذا النهج السياسي الفاشل في التعاطي مع راهن الشأن السوداني مردود بالطبع إلى طريقة الإسلاميين في مواجهة التحديات التي ظلوا يتعاملون معها في الماضي، وهم ينشطون حاضراً في المشهد الإعلامي للحرب لإعماء الرأي العام من إدراك لب حقائقها. ولو أن هذا الأسلوب في التعامل مع المجتمع الدولي قد جربه الإسلاميون من قبل - ولم يفض بهم إلا إلى خيبة مساعيهم في الحفاظ على ملكهم الزائل - فإن استخدامه هذه المرة سيكون وبالاً عليهم. إذ يحاول المجتمع الدولي تفعيل إمكانياته اللوجستية لإيقاف الحرب تحت دواعي إنقاذ السودانيين من الكارثة الإنسانية التي تطبق على نهارهم، وليلهم، وأحلامهم. وفي هذا فإن العالم سيعمل كما قال توم برييليو على الالتفات إلى الخطة "ب" في حال عدم اتفاق الطرفين على وضع حد للحرب الدامية.
مع إعلان البرهان في خطابه بمناسبة عيد الجيش التغيب عن مداولات جنيف، فإنه لم يتبق أمام المجتمع الدولي إلا تصعيد قضية الحرب على المستوى الأممي. ونرى أن الخطوة الأهم بعد رفض الجيش المشاركة في محادثات جنيف تتمثل في حظر طيرانه في البلاد كافة. وكذلك العمل على تمهيد المجال لقوات دولية تضطلع بفتح ممرات إنسانية لإغاثة ملايين السودانيين في كل البقاع، واتخاذ غيرها من الإجراءات التي تكفل تخليصهم من مؤامرة الإسلاميين ضد الثورة التي اقتلعتهم. وهذا هو السبب الأساس لقيام الحرب، أما ما عدا ذلك فهو ردود أفعال لما أدخلنا فيه المؤتمر الوطني من جدل حول يوميات الحرب.
نعتقد أن الحل الوحيد المتاح الآن أمام المجتمع الدولي هو الإسراع في إنقاذ شعب السودان من الكارثة الإنسانية بكل ما يكفل من إجراء، وذلك لإيقاف الموت، والدمار، والانتهاكات، وتدمير البنيات الخدمية بسبب الحرب التي أشعلها المؤتمر الوطني لاستعادة سلطته.
Tarig Algazoli

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المبادرة الأمیرکیة المؤتمر الوطنی المجتمع الدولی

إقرأ أيضاً:

البابا تواضروس يشيد بمبادرة «بداية»: ضرورية لبناء المجتمع

أشاد البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بمبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان»، مشددًا على أنها حقًا بداية جديدة لبناء الإنسان المصري في جميع المجالات، ويستحقها المجتمع المصري، وهي مبادرة من أجل تحقيق رؤية مصر 2030.

إشادة بمبادرة بداية

وشدد بابا الإسكندرية خلال فيديو منشور عبر «إكسترا نيوز»، على أن هذه المبادرة تهدف إلى بناء مجتمع متقدم ومتكامل ويحوي كل المجالات من الصحة والتعليم والثقافة والرياضة والتكنولوجيا، مؤكدًا أن هذه المبادرة موجهة إلى الأطفال من خلال برامجها المتنوعة، وأيضًا موجهة إلى كبار السن والشباب والرجال والنساء لكي تشمل كل أطياف المجتمع المصري.

مبادرة لازمة وضرورية وحيوية لبناء المجتمع المصري

وأوضح أن مبادرة بداية تعتبر خطوة جيدة في المشروع القومي للتنمية البشرية لبناء قدرات الإنسان، مؤكدًا أنها بداية حسنة تشمل جميع أنواع التطوير والإبداع والتجديد وكل هذا يمكن أن يساهم في بناء الإنسان المصري، وهي مبادرة لازمة وضرورية وحيوية لبناء المجتمع المصري.

وتابع: «نحتاج مبادرة بداية في كافة المجالات.. أحيي كل الوزارات المعنية التي تشارك في المبادرة وتنفيذها على الأرض»، موضحًا أن البداية الجديدة مفرحة ومثمرة وجديدة ومشجعة.

مقالات مشابهة

  • غالانت: فيديو نفق حماس في رفح يؤكد أهداف الحرب التي يخوضها الجيش
  • «المؤتمر»: طرح ملف محو الأمية على الحوار الوطني يعزز النقاش حول القضايا المجتمعية
  • الجيش سيد التفاوض والسلام
  • اتفاقية جنيف في السرايا...تحييد المدنيين أولوية
  • انطلاق الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف
  • افتتاح الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف
  • التسريبات …
  • البابا تواضروس يشيد بمبادرة «بداية»: ضرورية لبناء المجتمع
  • حزب المؤتمر: الحوار الوطني وسيلة لتعزيز الوحدة الوطنية
  • الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب: يوم اعتقالي حاول الدعم السريع اغتيال البرهان