نابلس – في الأيام القليلة الماضية كثفت دائرة الآثار الإسرائيلية رفقة مختصين وتحت غطاء وحماية من جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحامها لمنطقة المسعودية الأثرية قرب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، وقضت بكل مرة ساعات طويلة عاينت خلالها الموقع ميدانيا وأجرت مسحا هندسيا له.

ولم تكن هذه الاقتحامات هي الأولى للمسعودية، إلا أنها أثارت قلقا كبيرا لدى الفلسطينيين، فهي لم تأت ضمن انتهاكات اعتادها جنود الاحتلال والمستوطنون، بل تنسجم وقرار الكنيست الإسرائيلي مؤخرا عبر القراءة التمهيدية الذي يمنح صلاحياتٍ لسلطة الآثار الإسرائيلية في الضفة الغربية، مما يعني وجها آخر لضم الأرض.

المستوطنون يقومون بتوزيع منشورات بالعبرية على السياح والمستوطنين المقتحمين لسبسطية (الجزيرة)

وجاء في نص اقتراح القانون الإسرائيلي كما نشرت صحيفة هآرتس "لا جدال في أن هذه المناطق غارقة في التاريخ اليهودي، ولا يوجد حسب الادعاءات الإسرائيلية للمكتشفات والمواقع الأثرية أي علاقة تاريخية أو غيرها بالسلطة الفلسطينية. لذلك، فإن الحديث عن الوضع السياسي لمناطق الضفة الغربية ليس له أي صلة بمسؤولية إسرائيل عن الاكتشافات الأثرية التي يملكها شعبها اليهودي، ومن هنا جاء مشروع القانون هذا لتحديد الصلاحيات والمسؤولية الإسرائيلية على الآثار بالضفة".

ووفق هآرتس يأتي قرار الاحتلال بضم المواقع الأثرية بظل خطوات اتخذها المجلس الوزاري السياسي الأمني الإسرائيلي "كإجراءات عقابية" ضد السلطة الفلسطينية وتجريدها من صلاحياتها حول الآثار الموجودة بأراضيها بمناطق "ب"، وبالتالي السماح للإدارة المدنية التي يسيطر عليها الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش بإنفاذ القانون بتلك المواقع ومنع أي ترميم او بناء فيها بل وهدمها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بين عمق التاريخ وسحر الطبيعة.. 5 مدن ألمانية فكر في زيارتهاlist 2 of 2كل الطرق تؤدي إلى روما.. كيف تخطط لزيارة إيطاليا؟end of list إجراءات سبقت القرار وأخطار بعده

وثمة وقائع فرضها الاحتلال وسبقت إجراءاته الأخيرة الهادفة لتهويد المسعودية ووضع اليد عليها، تجلَّى أبرزها في الاقتحامات اليومية للجنود والمستوطنين بأعداد كبيرة تصل للآلاف خلال تنظيمهم للاحتفالات بمناسباتهم المختلفة.

المستوطنون خلال اقتحام سابق لسبسطية يقومون بتوزيع منشورات على السياح الإسرائيليين والمستوطنين المقتحمين (الجزيرة)

ويقول ذياب مسعود منسق لجنة إعمار المسعودية إن مخططات الاحتلال لتهويد المسعودية ليست جديدة، بل تمتد إلى عام 1975، حين شيَّد المستوطنون بها أولى بؤرهم الاستيطانية شمال نابلس، ومكثوا أشهرا قبل أن يثور ضدهم الفلسطينيون في القرى المحيطة ويطردوهم.

من اقتحام سابق للمستوطنين بشمال مدينة نابلس بالضفة الغربية (ذياب مسعود، الجزيرة)

لكن الاحتلال لم يسقط المسعودية من أجندة استهدافه، فواصل انتهاكاته ومنع أي ترميم للمنطقة، وهدم حمامات عامة أنشِئت لخدمة الزوار الفلسطينيين، وزوَّر الموقع الأثري بعد أن سرق حجارة من مبانيه، حسب مسعود.

وإضافة لما تقوم به دائرة الآثار يضيف مسعود أن حارس أمن مستوطنة شافي شمرون الجاثمة بالقرب من المسعودية يقوم بدوريات تفتيش يومية هناك وفي بلدة سبسطية الأثرية القريبة أيضا.

موقع المسعودية الاثري احد المواقع الأثرية التي يستهدفها الاحتلال بقرارته الاخيرة (الجزيرة)

وتصنف منطقة المسعودية كموقع أثري شغل أحد محطات سكة حديد الحجاز التي أنشاها العثمانيون عام 1905، وتشيد فوق 26 دونما (الدونم ألف متر مربع)، نصفها يصنفه الاحتلال بمناطق "ب" التابعة للسلطة الفلسطينية والنصف الآخر يخضعه الاحتلال لسيطرته الأمنية والإدارية عبر تصنيفه بمناطق "سي".

وثمة أخطار عديدة تتربض بالمسعودية إذا ما نفَّذ الاحتلال قراره بالسيطرة عليها، أهمها تطويق الحي السكني الذي يقطنه نحو 80 نسمة ومنع تنقلهم، وهجمات المستوطنين على المواطنين نتيجة الاحتكاك المباشر.

حافلات، داخل مستوطنة شافي شمرون قرب المسعودية وسبسطية، تقل مستوطنين لزيارة المواقع الأثرية الفلسطينية (الجزيرة)

إضافة لسيطرة الاحتلال على أكثر من 3 آلاف دونم من سهل المسعودية وبئر المياه الارتوازية الوحيدة التي تسقي مدينة نابلس وعددا من قراها الشمالية، فضلا عن شل الحركة السياحية للفلسطينيين بالمكان والمتعطلة أصلا منذ 3 سنوات جراء اعتداءات الاحتلال.

من اقتحام سابق للمستوطنين بحماية جيش الاحتلال لموقع الاثار في سبسطية (بلدية سبسطية، الجزيرة) ترجمة مباشرة في سبسطية

ويأتي كل ذلك يقول مسعود وسط "تقصير واضح من الجهات الفلسطينية الرسمية"، سواء بدعم موقع المسعودية وتنشيطه سياحيا أو حتى بالتصدي المباشر للاحتلال ومخططاته، عبر دعم المواطنين وخاصة المزارعين.

ومثل المسعودية تعيش بلدة سبسطية الأثرية شمال نابلس، يقول محمد عازم رئيس بلدية سبسطية للجزيرة نت: "ترجمة حقيقية" لقرار الكنيست الإسرائيلي بالسيطرة على الموقع الأثري وتهويده وبلع الأرض الفلسطينية بالكامل؛ فقبل أيام أصدر الاحتلال قرارا بمصادرة 1300 متر وسط المنطقة الأثرية.

قبل ايام اخطر الاحتلال بمصادرة هذه المنطقة والمقدرة بـ1300 متر من الموقع الاثري في بلدة سبسطية (الجزيرة)

وسبق ذلك اقتحامات يومية وممنهجة للمستوطنين وجيش الاحتلال واعتداءات طالت كل شيء في القرية، تزامنا، وهدمُ منشآت سكنية وسياحية وإنذار أخرى بالهدم. ويضيف عازم أن قرار الكنيست الأخير معناه "تهويد الموقع الأثري عبر حفريات وعمليات تنقيب مباشرة، وإنهاء النشاطات السياحية الفلسطينية وتدمير الحركة الاقتصادية".

من اقتحام سابق لجنود الاحتلال للمسعودية (مجلس قروي برقة، الجزيرة) 60 من المواقع تحت سيطرته

السلطة الفلسطينية ردت على قرار الاحتلال عبر جهاد ياسين مدير عام المتاحف والتنقيبات بوزارة السياسة الذي اعتبر أن قرار الكنيست الأخير يندرج تحت سلسلة إجراءات وخطة ممنهجة وضعتها إسرائيل منذ احتلالها للضفة الغربية للسيطرة على التراث الفلسطيني.

وأن هذا يعد مخالفا لكل القوانين الدولية التي تلزم إسرائيل كدولة محتلة بالحفاظ على هذه المواقع حتى إعادتها لحضانتها الشرعية الفلسطينية.

من اقتحام سابق لجنود الاحتلال للمسعودية (مجلس قروي برقة، الجزيرة)

وأكد ياسين في حديثه للجزيرة نت أن كل ما هو موجود على الأرض الفلسطينية هو من التراث الثقافي الفلسطيني، ولا يجوز تقسيمه حسب توجهات دينية وسياسية وفئوية، ورفضَ ادعاءات الاحتلال "بيهودية" هذه الآثار وتقصير الفلسطينيين برعايتها، وقال إن حوالي 60% من المواقع الأثرية الفلسطينية تصنف ضمن مناطق "سي" التي يسيطر عليها الاحتلال ويمنع أي ترميم أو خدمة لها.

وباستيلائها على المواقع الأثرية تسعى إسرائيل حسب ياسين وبحجة حمايتها للسيطرة على الأرض الفلسطينية، وهو ما تفعله أيضا عبر الأوامر العسكرية وقوانين وضع اليد والمحميات الطبيعية وحماية الأرض.

موقع المسعودية الأثري أحد المواقع التي يتسهدفها الاحتلال بقرارته الاخيرة (الجزيرة)

ولاحقا يضيف ياسين، يقيم الاحتلال مستوطناته حول هذه المواقع، مثلما حصل لموقع دير سمعان قرب سلفيت الذي طوَّقه الاحتلال بمستوطناته ويمنع الفلسطينيين وأصحاب الأرض من دخوله منذ 3 أعوام، وكذلك تل شيلون الذي ضمه الاحتلال لمستوطنة شيلو جنوب نابلس.

وتحوي الضفة الغربية وقطاع غزة أكثر من 6 آلاف موقع أثري و50 ألف مبنى تاريخي بات القرار الأخير يهددها عبر منع أي ترميم أو بناء أو توسع فيها، بل والقيام بعمليات هدم في أراضي مناطق السلطة الفلسطينية على أساس أنها آثار، حسبما ذكرت صحيفة هآرتس.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المواقع الأثریة الضفة الغربیة قرار الکنیست

إقرأ أيضاً:

معاريف: إسرائيل وجهت رسالة واضحة للسعودية بشأن التطبيع والدولة الفلسطينية

كشفت صحيفة "معاريف" العبرية أن دولة الاحتلال الإسرائيلي وجهت رسالة واضحة إلى السعودية بشأن تطبيع العلاقات بين البلدين، مؤكدة أن موقف الاحتلال الرافض للدولة الفلسطينية ثابت، وأن التطبيع سيأتي في مرحلة لاحقة بعد تحقيق أهدافه الاستراتيجية.

وأشارت الصحيفة إلى أن وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عرض مساء الأحد أولويات إسرائيل خلال اجتماع مع وفد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين، وهي "منع إيران من الحصول على السلاح النووي، وتحرير جميع الرهائن، والقضاء على حماس في غزة، وبعد ذلك اتفاق مع السعودية".

وأضافت الصحيفة أن الاجتماع الذي عُقد بهدف التعبير عن الدعم للاحتلال، حضره عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، من بينهم ليندسي غراهام، وشيلدون وايتستون، وريتشارد بلومنتال، وجوني إرنست، ودان ساليفان وآخرون، بالإضافة إلى نائبة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتيغوس.


وأوضحت الصحيفة أن كاتس شدد خلال الاجتماع على أن "إسرائيل لن توافق أبدا على إقامة دولة فلسطينية تهدد وجودها"، مضيفا أن "خطة ترامب بشأن غزة هي الخطة الوحيدة التي يمكن أن تضمن الأمن لسكان الجنوب ولدولة إسرائيل، خاصة بعد الدروس المستفادة من أحداث 7 أكتوبر".

كما لفتت الصحيفة إلى أن تصريحات الوزير الإسرائيلي تأتي في وقت تؤكد فيه السعودية رسميا رفضها تهجير سكان غزة، مشددة على أنها لن تُقيم علاقات مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية.

وفي سياق متصل، أشارت الصحيفة إلى تصريحات العميد السابق في جيش الاحتلال أودي ديكل الذي تحدث في إذاعة "103FM" في وقت سابق من هذا الشهر، قائلا إن "ترامب دخل البيت الأبيض وهو يصرح بأنه سيغير جميع قواعد اللعبة العالمية. ولكن في الموضوع الإيراني، هو يرغب في العودة إلى الاتفاق النووي - مع تحسينات - التي تبعد إيران عن القنبلة النووية. في الوقت نفسه، هو يروج لصفقة بقيمة تريليون دولار مع السعودية تهدف إلى تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط".

وأضاف ديكل أن "السعوديين من جانبهم مستعدون الآن للتقدم في موضوع التطبيع مع إسرائيل، سواء لوقف إيران أو لجعلها معزولة في المنطقة، خاصة بالنظر إلى أن قدرة إيران على إلحاق الضرر قد ضعفت نتيجة الحرب الأخيرة".


وتابع بالقول "أنا لا أزعم فهم تحركات نتنياهو، ولكن إذا كان لا بد من تحليل هذا القرار، يبدو أن الخطة تتوسع بما يتجاوز صفقة الرهائن. المرحلة التالية يجب أن تقود إلى وقف القتال في غزة وإيجاد حل سياسي - وهو موضوع تجنبته إسرائيل حتى الآن".

كما شدد ديكل على أن "هذا يرتبط مباشرة باتفاق التطبيع مع السعودية، لأنه لا يمكن التقدم في التطبيع طالما استمر القتال، وطالما لم يتضح ما سيكون عليه الحل الدائم في قطاع غزة".

وخلصت الصحيفة العبرية إلى أن هذه المواقف المتباينة بين إسرائيل والسعودية تثير تساؤلات حول مستقبل جهود التطبيع، وسط إصرار إسرائيلي على رفض إقامة دولة فلسطينية، وتمسك سعودي بإقامة تلك الدولة كشرط مسبق لتطبيع العلاقات.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تمنع آلاف الفلسطينيين من العودة لمخيم جنين
  • تحقيق: شركات التكنولوجيا الأمريكية مكنت إسرائيل من قتل الفلسطينيين واللبنانيين
  • من هو الأسير نائل البرغوثي؟ عميد الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل
  • الخبراء يسعون لترميم المواقع الأثرية التي دمرتها الحرب في سوريا
  • تعرف على المواقع التي رفض الاحتلال الانسحاب منها جنوب لبنان (شاهد)
  • سامي عبدالراضي يكشف تفاصيل استهداف خط الصعيد الجديد
  • ادّعاء سقوط حجر أثري.. النيابة الإدارية تعاين المنطقة الأثرية بمعبد الكرنك
  • رفض قاطع لمخططات اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ونشر الفوضى في المنطقة
  • «النتشة»: إسرائيل تسير بخطى ممنهجة لتهجير الفلسطينيين عبر القوة المفرطة
  • معاريف: إسرائيل وجهت رسالة واضحة للسعودية بشأن التطبيع والدولة الفلسطينية