استعراض لكتاب "نساء الشرق الأوسط والاقتصاد الخفي"
MIDDLEEASTERN WOMEN AND THE INVISIBLE ECONOMY
Jay Spauldingجيي سبولدينق
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذه ترجمة لاستعراض بقلم الأستاذ الدكتور جيي سبولدينق لكتاب حرره الأستاذ الدكتور ريتشارد لوبان الأبن Richard Loban, Jr.، صدر بعنوان" نساء الشرق الأوسط والاقتصاد الخفي" عام 1998م عن دار نشر جامعة فلوريدا.

نُشِرَ الاستعراض عام 2000م في العدد الأول من المجلد رقم 47 لمجلة "Africa Today أفريقيا اليوم"، صفحات 147 – 149.
وريتشارد لوبان الأبن (1943 - ) متخصص في الأنثروبولوجيا والآثار وعلم المصريات والدراسات الإفريقية والسودانية (خاصة النوبية)، وناشط في مجال حقوق الإنسان، ويعمل أستاذاً فخريا في كلية رودس آيلند منذ عام 1972م، وله العديد من المقالات والكتب، لعل من أشهرها Historical Dictionary of Sudan و Historical Dictionary of Ancient and Medieval Nubia. أما جيي سبولدينق (1944 -) فهو أستاذ شرفي في جامعة كين، ومتخصص في تاريخ شمال شرق أفريقيا، بتركيز على السودان؛ ومن أشهر كتبه Kingdoms of the Sudan ممالك السودان، و The Heroic Age in Sinnār عصر البطولة في سنار (الذي ترجمه أحمد المعتصم الشيخ).
المترجم
*********** ********* **********
يمكن النظر إلى هذا الكتاب بحسبانه مُؤَلَّفاً محفزاً وثاقب النظر، يضيف كثيراً للمساهمات السابقة في مجال اِستِقصاء واستكشاف الشرق الأوسط. أما "الشرق الأوسط" المذكور في العنوان فهو يشير في غالب مقالات الكتاب إلى دول إفريقية؛ ففيه سبع مقالات عن مصر، وثلاث عن تونس، ومقالتين عن السودان، ومقالة واحدة عن اليمن ولبنان. وبالإضافة لذلك، فإن المساهمة المتعلقة باليمن في هذا الكتاب تدرس مجموعة ذات وضع متدني / تابع subordinate status من أصل أفريقي حقيقي أو مفترض. ويبدأ "الاقتصاد الخفي" من حيث ينتهي الاقتصاد الموثق من قبل الحكومة، وتلك حدود تقود بوابتها إلى ما هو مجهول رسمياً، ويقع على مسافة ليست بعيدة عن أبواب الوزارات المعنية. إن أولئك الذين يديرون الحكم يشتبهون ـ وهم على حق ـ في أن ما وراء أفق الظهور الرسمي تكمن ثروة غير خاضعة للضريبة.
إن كاتبات فصول هذا الكتاب لَسْنَ‎ بأية حال أول من بحث في أمر العالم الخفي للإنتاج والخدمات والتبادل غير الرسمي؛ فقد نُشِرَتْ من قبل الكثير من الأدبيات الرسمية المهمة التي عُهِدَ اليها بالكشف عن مصادرها الخفية. غير أن الكثير من رواد مثل تلك الأبحاث عن "الاقتصاد الخفي" كانوا من الرجال، وكما يوضح الفصل الوحيد في هذا المؤلف الذي كتبه - بحذق وبلاغة - رجل أكاديمي، فإن حقائق الشرق الأوسط المتاحة للرجل الباحث الوصول إليها غالباً ما تكون "حقائق ذكورية" في معظمها. ولا يزال هناك عالم اقتصادي كبير جداً وبالغ الأهمية يختبئ داخل ثقافة النساء الفرعية (1) التي يتعذر الوصول إليها على نحو مضاعف. وهذا هو المستوى من الواقع الذي يسعى هذا الكتاب لكشفه.
ويعتمد كل فصل من فصول هذا الكتاب بصورة كبيرة على بحث ميداني أُجْرِيَ قبل نحو خمسة عشر عاماً، ويقدم مساهمات النساء في "الاقتصاد الخفي" في مجالات محددة. فتصف آن م. جينينغز (Ann M. Jennings) في الفصل الذي كتبته مشاركة النساء النوبيات في صناعة السياحة بمصر؛ بينما توثق باربرا مايكل (Barbara Michael) لسيطرة وتفوق نساء البقارة في السودان على أسواق بيع اللبن. وتناولت ديلورز والترز (Delores Walters) العالم الاجتماعي للنساء اليمنيات ذوات الأصول الأفريقية ظاهرياً (من "المهمشات" المعروفات بالأخدام al-Akhdām) في المرتفعات والمناطق الساحلية. وتتبعت ندى مصطفى م. علي استراتيجيات البقاء (survival strategies) عند النساء في مدينة أتبرا، اللواتي وقعن ضحايا للتدهور الاقتصادي. أما مارسيا إنهورن Marcia Inhorn فقد تناولت أمر "قطاع الرعاية الصحية غير الرسمي" بالقاهرة الذي وجد القبول عند الكثير من النساء. وقدمت ايفيلين أ. إيرلي Evelyn A. Early سير أربع نساء لتوضح الاستراتيجيات الاقتصادية المتنوعة للمرأة المصرية "التقليدية". وحللت باربارا ك. لارسون Barbra Larson مساهمة الاقتصاد الريفي في بني سويف بمصر. وتناولت ميري بتلر Marie Butlter تحديث تربية الدواجن بمصر، وهي مساهمة نسائية تقليدية في الاقتصاد المصري غير الرسمي. أما صوفي فرشيو Sophie Ferchiou فقد قارنت بين ثروات المرأة التونسية الريفية والحضرية في عصر التحديث الاقتصادي. وقام ريتشارد أ. لوبان الأبن باختبار حدود مراقبة الذكور (male observation) في بيئة حضرية تونسية. وتتبعت ايزابيل بيري –الشخاوي Isabelle Berry - Chikhaoui الشبكات غير الرسمية المعقدة لمشاركة التونسيات الحضريات في الاقتصاد. وكتبت سعاد جوزيف عن امرأة لبنانية استخدمت في أدوارها الاقتصادية العديدة التي أدتها جوانب متعددة من تراثها الاجتماعي والعرقي المختلط. كذلك قدمت هوما هودفار Homa Hoodfar دفاعاً قوياً وبليغاً عن فائدة القيم التقليدية في دعم المساعي الاقتصادية للمرأة المصرية الحضرية. غير أن ديان سينقرمان Diane Singerman وجدت أن هناك أشكالاً وصوراً مهمة لاستغلال المرأة في نسيج الاقتصاد المصري غير الرسمي، مع إقرارها بأن به أيضاً بعض نقاط القوة.
وفي حين أن الكتاب الحالي يقدم ثروة كبيرة من الفروق التجريبية الدقيقة، فربما تكمن سمة ملامحه الفكرية الأكثر لفتاً للانتباه في التنوع البالغ للأسلحة المفاهيمية (conceptual armaments) التي اختارتها من شاركن في كتابة فصول هذا الكتاب للخوض في ذلك العالم المجهول. والقائمة المختصرة والمؤقتة والجزئية لتلك الأسلحة المفاهيمية ستشمل بالتأكيد النسوية، والإسلام، والماركسية، والماركسية الجديدة، والاقتصاد الشكلي والموضوعي (formative and substantivist) (2)، والبطريركية،(Patriarchy) ، والبطريركية الجديدة، ورهاب الذكورة (androphobia)، والمركزية الأفريقية الأمريكية (American Afrocentrism)، والمركزية الأنثوية (Gynocentrism)، ومجموعة لا حد لها من الثنائيات الهيكلية بين الذكور والإناث، وسكان الريف والحضر، والعامة والخاصة، والرسمية وغير الرسمية، والتقليدية والحديثة، والفردية والمجتمعية، والاقتصادية والاجتماعية، والتقليدية والغربية، وما إلى ذلك من الثنائيات.
لقد كُنَّ المساهمات في كتابة هذه المقالات المتنوعة على إدراك تام بمسألة عدم التناسب المصطلحي والمفاهيمي المتبادل، وأُفْلِحْنَ - لحسن الحظ – في الصوم عن الخوض في صدامات محتملة؛ ومع ذلك، كُنَّ نادراً ما يناقشن بعضهن البعض عبر الاختلافات في المنظور الذي يفرقهن. (ويجب هنا أن نشيد - بصورة خاصة - بمقال آن م. جينينغز الذي سعى لسد الفجوات في المصطلحات). هل هناك طريق "صحيح" للتفكير في مثل هذه الأمور؟ القارئ لهذا الكتاب مدعو للنظر في كيفية إعادة تفسير الأدلة التجريبية التي قدمتها لارسون أو فيرشيو أو سينجرمان وهوفار أو جوزيف، على سبيل المثال، أو تلك التي قدمها جينينغز أو جوزيف نقلاً عن والترز. وتبقى على المحك مسألة ما إن كانت النساء يَسْتَفِدْنَ كما ينبغي من عمليات الاقتصاد "الخفي" الذي يُسَاهَمْنَ فيه بشكل كبير. ومن منظور واحد، تعد الكاتبة إيرلي "الاقتصاد الخفي" نموذجاً متشابكاً لتعظيم الموارد المادية وغير المادية" (صفحة 146)؛ وما قد يُفْقَدُ بالفعل بالمعنى المادي، يستعاد في مكان آخر بشكل آخر. ومع ذلك، بالنسبة إلى لارسون، "من الواضح تماماً أن القطاع الخاص صغير الحجم ... يعمل - على وجه العموم – لمصلحة الدولة والمستهلك، وليس بالضرورة لمصلحة الفلاحة / الفلاح أو البائعين ... والقطاع غير الرسمي يجعل القطاع الرسمي ... يضاعف من أرباحه على حساب المنتجين والبائعين" (صفحة 161). من هي التي قدمت الحجة الأقوى؟
يقدم هذا الكتاب مادة غنية جديرة بالتأمل والتفكير.
********* ********* ***********
إحالات مرجعية
1/ بحسب ما ورد في الموسوعة البريطانية وويكبيديا فإن الثقافة الفرعية (subculture) هي ثقافة مجموعة لها معتقدات وسلوكيات تختلف عن المجموعات الرئيسية داخل الثقافة أو المجتمع. وتميز تلك الثقافة نفسها عن القيم المحافظة والمعيارية السائدة في المجتمع، ولكنها غالباً ما تحافظ على بعض مبادئه التأسيسية. وتطور الثقافات الفرعية معاييرها وقيمها الخاصة فيما يتعلق بالمسائل الثقافية والسياسية والجنسية. والثقافات الفرعية هي جزء من المجتمع مع الحفاظ على خصائصها المحددة سليمةً.
2/ يعرف الاقتصاد الموضوعي "بأنه "عملية مؤسسية للتفاعل بين الإنسان وبيئته، مما يؤدي إلى إمداد مستمر بالوسائل المادية التي تلبي الحاجة". يمكن النظر في هذا الرابط . https://shorturl.at/L62GT

.

alibadreldin@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشرق الأوسط هذا الکتاب غیر الرسمی

إقرأ أيضاً:

ما قصة الفطور الذي سبق تفجير “خلية الأزمة” بسوريا؟.. وزير الداخلية الأسبق يكشف التفاصيل

#سواليف

روى وزير داخلية سوريا الأسبق #محمد_إبراهيم_الشعار تفاصيل #التفجير الذي استهدف ” #خلية_الأزمة ” في 18 يوليو عام 2012، والتي شكلت للتعامل مع الحراك المعارض للأسد آنذاك.

وقال الشعار في تصريحات إعلامية: “في الليلة التي سبقت الاجتماع المقرر لخلية الأزمة، تم إبلاغي بمكان انعقاد الاجتماع الجديد تجنبا لأي عمل أمني محتمل. وقد أبلغني العماد حسن تركماني، رئيس الخلية، بأن الاجتماع سيُعقد في مكتب رئيس مكتب الأمن القومي، اللواء هشام بختيار”.

وأشار الشعار إلى أنه بعد حادثة تسميم أعضاء الخلية خلال اجتماع سابق قبل 3 أشهر في مكتب الأمين القطري المساعد محمد سعيد بخيتان الذي كان الرئيس السابق لخلية الأزمة تم تقليص عدد أعضاء الخلية ليقتصر على خمسة أعضاء فقط، وهم: الوزير نفسه، العماد داوود راجحة (وزير الدفاع)، نائبه العماد آصف شوكت، واللواء هشام بختيار.

مقالات ذات صلة “اقتحام سفارة إسرائيل في القاهرة”.. لماذا تعرض تل أبيب مسلسلا عن ثورة 25 يناير 2011؟ 2025/02/05

وأوضح أنه لذلك كان هناك تردد بشأن تناول طعام الإفطار أثناء الاجتماع الأخير، إلا أن اللواء بختيار طمأننا بأن طعام #الفطور كان من تحضير نجله.

وأضاف بعد الفطور تم تنظيف الطاولة وجلسنا مجددا خلفها لعقد الاجتماع:
وقد توزع حولها المجتمعون على الشكل التالي: “كان العماد تركماني على رأس الطاولة، وعلى يمينه اللواء بختيار، ثم أنا بجانبه، بينما كان العماد راجحة على اليسار، بجانبه العماد شوكت. أما على رأس الطاولة المقابلة، فقد كان يجلس اللواء صلاح نعيمة، مقرر خلية الأزمة”. وأشار إلى أن الاجتماع بدأ كالمعتاد بمناقشة القضايا المدرجة على جدول الأعمال، لكنه لم يسمع صوت الانفجار ولم يدرك ما حدث إلا عندما وجد نفسه في المستشفى واستعاد وعيه.

وعن الإصابات الناتجة عن التفجير، أوضح الشعار أن مرافقيه أخبروه بأنه كان تحت ركام الأسقف مع اللواء بختيار، وأن السقفين الأول والثاني انهدما فوقهما.
وأكد أن #المتفجرات كانت موضوعة في السقف المستعار، مما أدى إلى تحول معدن “ستانلس ستيل – Stainless steel” إلى شظايا حادة أشبه بالخناجر.

وأشار إلى تعرضه لإصابات متعددة، بما في ذلك حروق وجروح، وبتر أحد أصابع يده التي قام الأطباء بإعادة وصلها.

وختم الشعار تصريحاته بأن أحد الأجهزة الأمنية وهو إدارة أمن الدولة، كلف بالتحقيق في ملابسات الحادث وكيف حصل، مشيرا إلى أنه حتى هذه اللحظة لم يعرف شيء عن خلفية التفجير سوى ما سمعه في وسائل الإعلام، مشدداً على أنه لم يُسأل عنه أحد طوال السنوات الماضية، وقال: “هذا هو الموضوع بالكامل”.

مقالات مشابهة

  • “ريفييرا الشرق الأوسط”.. رويبو يوضح أن ترامب يريد خروج سكان غزة مؤقتا ريثما تجري إعادة إعمار القطاع
  • مهنة محفوفة بالمخاطر.. مصورة توثق نساءً داخل حقول إزالة الألغام في العراق
  • تراجع أمريكي عن تصريحات ترامب: يريد خروج سكان غزة “مؤقتا”
  • ما قصة الفطور الذي سبق تفجير “خلية الأزمة” بسوريا؟.. وزير الداخلية الأسبق يكشف التفاصيل
  • “فقد عقله” و”مزحة رديئة”.. انتقادات لحديث ترامب حول غزة
  • ترامب .. أتطلع إلى أن تكون لأميركا “ملكية طويلة الأمد” في قطاع غزة
  • ختام فعاليات اليوم الثاني من معرض “مينا بروجكت للتنمية والإعمار” وسط اهتمام واسع
  • في رحيل الجنرال الذي أغتالته “إسرائيل” 100 مرة!!
  • تلوث الهواء “يرفع” معدلات سرطان الرئة بين غير المدخنين عالميا
  • مساعد الذكاء الاصطناعي “Meta AI” يُطرح رسمياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا