تنشط هذه الأيام في الكثير من الأوساط اللبنانية، حملات "مجهولة المصدر"، إن صحّ الوصف، تستند إلى شعارات قد تبدو "شعبوية" من نوع "بيكفّي-تعبنا"، أو "ما بدنا حرب"، للتعبير عن موقف اعتراضي على "حرب الإسناد" التي بدأها "حزب الله" في الثامن من تشرين الأول الماضي عقب عملية "طوفان الأقصى"، والتي تبدو مرشحة للتصاعد اليوم، في ظلّ انتظار "رد الحزب الحتمي" على اغتيال مسؤوله العسكري فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية.


 
وعلى الرغم من أنّ هذه الحملات التي انتشرت في العديد من المناطق اللبنانية، لا تجد من يتبنّاها بصورة رسمية وعلنية، فإنّ ثمّة العديد من القوى السياسية، خصوصًا في صفوف المعارضة، التي تتناغم في خطابها ومواقفها معها، وآخرها حزب "الكتائب" الذي أعلن في بيان لمكتبه السياسي، رفضه تحويل كل المناطق اللبنانية إلى دروع بشرية وبؤر مواجهات ومنصات صواريخ "خدمة لحرب يرفضها معظم اللبنانيين"، وذهب لحدّ وصفها بـ"العبثية".
 
وينسجم هذا الموقف مع رأي يكرّره الكثير من معارضي "حزب الله" الذين يتّهمونه بتوريط البلد في حرب "لا ناقة له ولا جمل فيها"، تاركًا انطباعًا بأنّ الحزب يريد توسيع هذه الحرب ويسعى إليها، "خدمة لأجندات أجنبية"، لكن ما مدى دقّة مثل هذا الاستنتاج، وهل يمكن القول فعلاً إنّ "حزب الله" يريد الحرب فعلاً، وهو الذي يتوعّد العدو بردّ "قوي" على اغتيال مسؤوله العسكري، "أيًا تكن العواقب"، كما قال أمينه العام السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير.
 
"حرب الآخرين"؟!
 
لا جواب ثابتًا على هذا السؤال لدى أطراف المعارضة، التي تتفاوت آراء أطرافها، بين من يرى أنّ الحزب يريد فعلاً الذهاب إلى الحرب، لأنّ إيران تريدها، وقد اتخذت القرار بشأنه، بل إنّ هناك من يربط بين استقالة محمد جواد ظريف من منصبه وهذا القرار، وبين من يعتبر في المقابل أنّ الحزب لا يريد الحرب، ولكنّه تورّط وورّط معه جميع اللبنانيين، يوم خاطر بفتح الجبهة في المقام الأول، من دون أن يحسب حسابًا للتبعات والعواقب المحتملة.
 
لكن، بمعزل عمّا يريده "حزب الله" ويسعى إليه، فإنّ ما تتّفق عليه أطراف المعارضة وتعبّر عنه أوساطها صراحةً، هو أنّ غالبية اللبنانيين لا يريدون الحرب، بما في ذلك من يدورون في فلك الحزب، أو يندرجون ضمن "بيئته الحاضنة"، لأنّ هؤلاء يواجهون منذ سنوات ما يكفيهم من ويلات ومصائب، وهم غير محصَّنين ولا جاهزين فعليًا ليعيشوا المزيد من المآسي، وكأنّ ما يحصل أصلاً في الجنوب منذ الثامن من تشرين الأول لا يكفي.
 
وتقود هذه الثابتة إلى ثابتة أخرى بالنسبة إلى أطراف المعارضة، قوامها أنّ "حزب الله" هو الذي يتحمّل مسؤولية هذه الحرب، إن وقعت، سواء كان لا يريدها، أو انجرّ إليها، أو فُرِضت عليه، وفق التعبير الذي يستخدمه بعض القياديّين في صفوفه، فهو حين اتخذ قراره نيابة عن جميع اللبنانيين، بإسناد الفلسطينيين في غزة عسكريًا، كما لم تفعل أيّ جهة أخرى، كان يدرك أنّ الأمور يمكن أن تصل إلى هنا، طالما أنه يدرك حجم "الجنون" الإسرائيلي.
 
ماذا يريد "حزب الله"؟
 
صحيح أنّ "حزب الله" ليس في وارد التعليق على الحملات والشعارات التي انتشرت في بعض المناطق، تحت عنوان رفض الحرب، كما أنّه يتجاهل مواقف بعض قوى المعارضة، التي تكرّر منذ اليوم الأول للحرب خطابًا مناهضًا له، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ الدائرين في فلكه، أو المؤيدين لحرب "الإسناد" التي يخوضونها، يعبّرون عن أسفهم لخروج مثل هذا الخطاب في هذا التوقيت الدقيق، مع ما يمكن أن يوفّره من "خدمة مجانية للعدو"، سواء عن قصد أو من دونه.
 
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ مثل هذا الخطاب لا ينسجم مع طبيعة اللحظة الحَرِجة من الصراع، والتي تتطلب مقاربة أكثر "وطنية"، بعيدًا عن خطاب تحميل المسؤوليات وتصفية الحسابات، الذي يمكن تأجيله لما بعد انتهاء الحرب، بل إن المفارقة المثيرة للجدل برأيهم، تكمن في أنّ جريمة القصف الإسرائيلي للضاحية الجنوبية لبيروت، لم تحصد الاستنكار الكافي من هذه الأطراف، المتفرّغة على ما يبدو لتحميل الحزب المسؤولية، استباقًا لردّ الحزب.
 
في المجمل، يؤكد الدائرون في فلك "حزب الله" أنّ أداء الأخير خير دليل على أنّه لا يريد الحرب ولا يسعى إليها، بدليل التزامه بالضوابط وقواعد الاشتباك غير المُعلَنة منذ اليوم الأول، وهي التي قيّدته في الكثير من المحطات على خط "جبهة الإسناد"، ولكن من غير المسموح في الوقت نفسه أن يُطلَب منه السكوت على تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء، وتمرير جريمتها الكبرى في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي لا تندرج بالمُطلَق ضمن "طوفان الأقصى".
 
يقول العارفون بأدبيّات "حزب الله" إنّ أكثر من فرصة أتيحت للأخير للدخول في الحرب المفتوحة، لو كان فعلاً راغبًا بها كما يحاول بعض خصومه الإيحاء، ولكنّه حافظ على انضباطه في أكثر اللحظات حساسيّة، وهو الذي يدرك أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي يجرّه إليها بشكل أو بآخر. لكنّ ما تقدّم لا يعني أنّ الحزب سيسمح بالمزيد من الاستهانة به، من باب تفادي الحرب ليس إلا، وهو المنطق الذي يعتبر أنّ أصحاب شعار "السيادة والحرية والاستقلال" يجب أن يسبقوه إليه!



المصدر: لبنان 24

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله لا یرید

إقرأ أيضاً:

أين الحزب من التهديدات المتجددة؟

كتب عماد مرمل في" الجمهورية": بعد ردّ «حزب الله » على اغتيال القائد العسكري السيد فؤاد شكر، و «ابتلاع » الكيان الإسرائيلي هذا الردّ، ساد انطباع بأنّ خطر الحرب الواسعة قد ابتعد، وأنّ الجبهة اللبنانية عادت إلى الانتظام والانضباط ضمن قواعد الاشتباك التي كانت سائدة قبل كر في الضاحية الجنوبية. 
لكنّ عودة قادة العدو الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة إلى التلويح بشنّ هجوم كبير على لبنان، جدّد التساؤلات حول ما إذا كان هذا التهديد المتكرّر يندرج ضمن التهويل المعتاد والحرب النفسية المألوفة، أم أنّه يمهّد بالفعل لعدوان واسع سيكون أقرب إلى «المغامرة » بل «المقامرة » في الحسابات الإسرائيلية، خصوصاً أنّ «حزب الله » مستعد تماماً للتعامل مع أسوأ الاحتمالات، بل أنّ من شأن أي مواجهة شاملة ان تحرّره من الضوابط التي لا تزال تمنعه حتى الآن من استخدام كامل قوته العسكرية. 
واللافت، انّ مسؤولي الكيان تقاطعوا في وقت واحد تقريباً عند إطلاق التهديدات ضدّ الحزب ولبنان، إذ أكّد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، انّه أصدر تعليمات للجيش وجميع قوات الأمن بالاستعداد لتغيير الوضع الراهن في الشمال، مشدّداً على أنه «لا يوجد احتمال لاستمرارنا بهذا الوضع، ونحن ملزمون بإعادة جميع سكان الشمال إلى منازلهم بأمان
». فيما قال وزير الحرب يوآف غالانت، خلال زيارته محور نتساريمفي قطاع غزة، أننا نعمل على تحقيق أهدافنا ونقل ثقل المعركة إلى الشمال بسرعة. وضمن السياق نفسه، اعتبر العضو السابق في مجلس الحرب بني غانتس، أنّ ساعة الشمال دقت ويجب ضرب لبنان إذا لزم الأمر، بينما سبق لرئيس الأركان هرتسي هاليفي أن صرّح بأنّ الجيش يستعد لخطوات هجومية داخل الأراضي اللبنانية. 
على الرغم ممّا تتضمّنه التصاريح الإسرائيلية الأخيرة من قرع لطبول الحرب، إّ لّا أنّ الأوساط القريبة من الحزب تميل إلى وضعها في إطار القنابل الصوتية التي تُسبّب الكثير من الضجيج والصخب، لكن من دون أن تكون لها مفاعيل عملية، مشيرة إلى أنّ الوظيفة الأساسية للتصعيد الإسرائيلي الكلامي هي، على الأرجح، محاولة احتواء الغضب المتزايد في صفوف مستوطني الشمال النازحين نتيجة شعورهم بأنّهم متروكين وليسوا ضمن أولويات نتنياهو وحكومته. لا يعني ذلك أنّ الحزب ينام على حرير هذا الاستنتاج أو التقدير للموقف، بل هو يتصرّف على أساس أنّه لا يمكنه أن يأمن جانب العدو، وانّ عليه دائماً توقع حصول الأسوأ والاستعداد له كما لو أنّ حدوثه حتمي. 
من هنا، يحرص الحزب على البقاء في أعلى جهوزية ويقظة، كأنّ الحرب الشاملة واقعة غداً، آخذاً في الحسبان أنّ نتنياهو وشركاءه في الحكومة المتطرّفة قد يرتكبون خطأ أو حماقة خارج دائرة الحسابات الموضوعية.

مقالات مشابهة

  • منصة المناظرة.. ما المسافة التي تفصل بين ترامب وهاريس؟
  • أبو الغيط: نتنياهو غير مستعد لإبرام صفقة ولا يريد وقف الحرب العدوانية على غزة
  • مسؤول أمريكي يحذر إسرائيل من خطورة تصعيد الحرب بالشمال: لن تكون هناك منازل لتعودوا إليها!
  • واشنطن تحذر إسرائيل: ربما لن تبقى بيوت بالإمكان العودة إليها
  • أين الحزب من التهديدات المتجددة؟
  • بناء تحالف إسلامي ضد إسرائيل.. ماذا يريد إردوغان الآن؟
  • عن ردّ الحزب.. تصريحٌ جديد لافت من نعيم قاسم
  • باحث سياسي: نتنياهو يضغط على أمريكا ولا يريد إنهاء الحرب خوفا من السجن
  • الخارجية الأمريكية: نبارك النتائج التي خلصت إليها الانتخابات الرئاسية في الجزائر
  • أستاذ في العلوم السياسية: نتنياهو يريد إشعال المنطقة واستمرار الحرب على غزة