وافق مجمع دعاوى القديسين في روما قبل أشهر على دعوى تقديس الخوري بيدرو لحود ابن بلدة سبعل في قضاء زغرتا، التي قُدمت من قبل الأبرشية التي انتمى اليها في فنزويلا. الدعوى التي رُفعت، تم قبولها بسرعة كبيرة، إذ إنّ البابا فرنسيس وافق على فتح الدعوى، ما يعني انطلاق المرحلة الأولى من السير على درب القداسة إذ يتم التدقيق والتحقيق بالملف المرفوع وفقاً للقوانين الكنسية، على ان يُعلن صاحب الدعوى مكرّماً بعد اثبات اعجوبة، ومن ثم طوباوياً ومن بعدها قديساً.

بلدة سبعل في قضاء زغرتا التي ولد فيها الاب بيدرو لحود دعت عبر موقعها للصلاة كي يظهر الله قداسته فيكون خير شفيع لسبعل وأبنائها المنتشرين في أنحاء العالم. للمناسبة يتراس رئيس أساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف قداس الشكر الخاص بقبول الفاتيكان فتح دعوى تكريمه، في حضور السفير البابوي في لبنان باولو بورجيا، السابعة مساء الجمعة في ١٦ الجاري، في ساحة البلدة.


الأب بيدرو لحود ابن بلدة سبعل، والده طنسا خليل لحود ووالدته مريانة لحود. وُلد في كاراكاس فنزويلا في العام 1933. بعمر صغير جداً اصطحبه أهله الى لبنان وعاش في منزله في سبعل حتى أصبح عمره 16 عاما فعاد إلى كاراكاس، ومن ثم التحق بالكنيسة اللاتينية. فور سيامته كاهناً على مذابح الكنيسة اللاتينية، طلب من رؤسائه أنّ يذهب إلى الخدمة في منطقة تقع بالقرب من كاراكاس تُسمى " جبل لاسيلسا"، وهي منطقة عاش فيها في تلك الفترة الفقراء والمعوزون والخارجون عن القانون وكانت ينتشر فيها الفساد. وبحسب ما اوردت البلدية على صفحتها فقد "رفض مسؤولوه بداية خدمته في هذه المنطقة، لكنّه أصر وكان له ما يريد، فبشر أهالي "جبل لاسيلسا"، وقدّم لهم الإيمان المسيحي والتعاليم المسيحية، وتحوّل إلى مطالب بحقوقهم أمام السلطات في "فينزويلا" أمّن لهم مستلزمات العيش من كهرباء ومياه وعمل وغيرها من مقوّمات كانت تفتقدها المنطقة".
 

عاش في الفقر طيلة حياته، فحوّل كل المساعدات التي أتته الى الفقراء وأبناء "جبل لاسيلسا". عاش التقشف لدرجة انّه لم يرض بتغيير حذائه الممزق وثيابه المشققة، مانحاً ما يأتيه من هدايا الملابس والاحذية إلى أبناء رعيته.

عاد إلى لبنان في زيارة سريعة لأشهر قليلة في العام 1970- 1971: في خلال هذه الزيارة رفع الذبيحة الالهية يومياً على مذبح كنيسة سيدة الانتقال في سبعل وعاش بين أهله وأبناء بلدته.

في العام 1996 توفي برائحة القداسة ودفن في " جبل لاسيلسا- كاراكاس".

يروى أنّه مات بسبب التعب والارهاق من شدة العمل والكد، وعند وفاته أراد أفراد عائلته في فنزويلا دفنه في مقابر العائلة غير أنّ أهالي" جبل لاسيلسا"، أصروا أن تبقى رفاته بينهم، فتم دفنه في الجبل الذي علّم ونشر فيه كلمة الحق، "كلمة يسوع القائم من بين الأموات".

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

جدلية الخطاب الأبوي بين المسؤولية والاعتذار


 

أحمد بن محمد العامري

الأسرة هي الخلية الأولى التي يتكون فيها الإنسان وفيها تنشأ أولى علاقاته الاجتماعية والنفسية، فالعلاقة بين الزوجين تشكل العمود الفقرى لهذه المؤسسة حيث يتشاركان مسؤولية التربية والرعاية بما يضمن لأفراد الأسرة بيئة صحية ومستقرة. ومع ذلك، يظهر في هذه العلاقة أحياناً خطاب يعكس اختلافات في التصورات بين الزوجين حول دور كل منهما في حياة الأبناء، ومن أكثر العبارات لفتاً للانتباه هو خطاب الزوجة الذي يتبدل بين "أولادك" عند الحديث عن المشكلات أو الأعباء، و"أولادي" عند الحديث عن الإنجازات أو اللحظات المشرقة أو العكس، هذا التباين الظاهري في اللغة يعبر عن أبعاد نفسية واجتماعية وثقافية عميقة تستحق التأمل.

عندما تلجأ الزوجة إلى استخدام عبارة "أولادك" أثناء مواجهة المشكلات أو تحمل أعباء المصاريف فإنها تعبر عن محاولة نفسية لتخفيف الضغط الواقع عليها، علم النفس يفسر ذلك على أنه آلية دفاعية تُعرف بالإسقاط، حيث يُلقى جزء من المسؤولية على الطرف الآخر لتخفيف الشعور بالعبء أو الفشل، هذا الخطاب قد يعكس كذلك شعوراً بعدم التوازن في تقسيم المهام داخل الأسرة، حيث تحمل الأم العبء الأكبر من العناية اليومية بالأبناء وتنتظر من الأب أن يشارك بشكل أكبر عند ظهور التحديات.

على الجانب الآخر، عندما تقول الزوجة "أولادي" في لحظات الفخر أو الاعتزاز بإنجازات الأبناء فإنها تعبر عن ارتباط عاطفي عميق معهم وشعور بأنها المساهم الأكبر في تربيتهم ونجاحهم، هذه اللغة تتماشى مع ما يُعرف في علم النفس بنظرية الإنجاز الذاتي، التي تبرز كيف يرى الفرد إنجازات الآخرين، خاصة المقربين منه، كامتداد لجهوده الشخصية وهويته، هذا الفخر ينبع أيضاً من القرب اليومي والعاطفي الذي يربط الأم بالأبناء، وهو نتاج الدور التقليدي الذي يجعلها الأقرب إلى تفاصيل حياتهم.

على المستوى الاجتماعي، يعكس هذا الخطاب توزيع الأدوار داخل الأسرة كما تحدده الثقافة، كثير من المجتمعات تُعتبر الأم الحاضن العاطفي الأول للأبناء والمسؤولة عن تفاصيل حياتهم اليومية، بينما يُنظر إلى الأب كمصدر للسلطة والمسؤول عن توفير الموارد وحل الأزمات. لذلك، عندما تواجه الأم تحديات مع الأبناء، ترى في الأب شريكاً يتحمل المسؤولية عن الأزمات التي لا تستطيع السيطرة عليها بمفردها، مما يجعل عبارة "أولادك" أداة ضمنية لدعوته إلى التدخل. في المقابل، يُبرز استخدام "أولادي" في اللحظات الإيجابية شعوراً بأن الأم هي الأقدر على فهم الأبناء ورؤية جهودها في نجاحاتهم.

لكن الأثر الحقيقي لهذا الخطاب لا يتوقف عند الزوجين، بل يمتد ليطال الأبناء أنفسهم. اللغة التي يُخاطب بها الأبناء تؤثر بشكل كبير على تكوين شخصيتهم وشعورهم بالانتماء داخل الأسرة، فعندما يسمع الأبناء عبارة "أولادك" في سياقات سلبية قد يشعرون بأنهم عبء أو مصدر للمشكلات، مما يضعف ثقتهم بأنفسهم أو يعزز شعورهم بالانفصال عن أحد الوالدين. على النقيض، استخدام "أولادي" في سياقات إيجابية يعزز شعور الأبناء بالفخر والانتماء لكنه قد يُشعرهم أحياناً بأن العلاقة بينهم وبين الأب أقل قوة إذا لم يُظهر الأب نفس التقدير.

إن الخطاب الأبوي المتوازن يلعب دوراً محورياً في تعزيز استقرار الأسرة وبناء الثقة بين أفرادها، واستخدام لغة تشاركية مثل "أولادنا" يعكس إحساساً مشتركاً بالمسؤولية ويُظهر للأبناء أنهم ثمرة شراكة بين الوالدين، كما أن إظهار التقدير المتبادل بين الزوجين لجهود كل منهما في التربية يعزز روح التعاون ويُزيل أي شعور بالتنافس أو تحميل المسؤولية. من المهم أيضاً أن يتم التعامل مع المشكلات المتعلقة بالأبناء كقضايا مشتركة بعيداً عن إلقاء اللوم، ما يُظهر نموذجاً إيجابياً للأبناء حول كيفية حل المشكلات بطريقة بناءة.

الثقافة المجتمعية تلعب دوراً كبيراً في تشكيل هذا الخطاب، حيث تحدد معايير الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة. في المجتمعات التي تتبنى نماذج تشاركية حديثة، يظهر خطاب أكثر توازناً بين الزوجين، بينما في الثقافات التقليدية قد يميل الخطاب إلى تقسيم الأدوار بشكل يبرز الفروقات بين الأب والأم، ولكن مع تطور المفاهيم الأسرية وتزايد الدعوات للمساواة في الأدوار، يمكن تعزيز خطاب أكثر تشاركية يعكس تغيرات إيجابية في بنية الأسرة.

في النهاية، حديث الزوجة مع الزوج حول الأبناء بين "أولادك" و"أولادي" ليس مجرد تفصيل يومي عابر، بل هو مرآة تعكس التفاعلات النفسية والاجتماعية داخل الأسرة، ومن خلال العمل على تطوير هذا الخطاب ليكون أكثر شمولية وتوازناً، يمكن تعزيز الروابط الأسرية وضمان بيئة إيجابية لنمو الأبناء.
الأبناء ليسوا مجرد مسؤولية فردية، بل هم ثمرة شراكة تحمل في طياتها تحديات وإنجازات مشتركة، والنجاح الحقيقي في التربية يتحقق عندما يشعر كل فرد في الأسرة، سواء كان أباً أو أماً أو ابناً، بأنه جزء من كيان واحد يُبنى على الحب والدعم والمسؤولية المشتركة.
ahmedalameri@live.com

مقالات مشابهة

  • متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس: لا بد أن يتكاتف اللبنانيون من أجل الخروج من النفق المظلم
  • الكنيسة القبطية تشلح كاهن بحلوان بعد ثبوت مخالفاته
  • كريم قاسم لـ صدى البلد: أقدم شخصية كاهن في فيلم مادونا
  • رسالة من البطريرك يونان في عيد الميلاد بشأن الشرق الاوسط.. هذا ما جاء فيها
  • سبب وفاة أسطورة المصارعة ري ميستيريو
  • جدلية الخطاب الأبوي بين المسؤولية والاعتذار
  • قائد الجيش: لبنان يحمي الطوائف وليست الطوائف هي التي تحميه
  • طقس عاصف ينتظر لبنان بدءاً من يوم غدّ... إليكم ما كشفه الأب إيلي خنيصر
  • البطريرك لويس روفائيل ساكو: الشرق مهد الأنبياء وأرض الحضارات والأمجاد
  • التجدد للوطن: لبنان عاد الى وفائه للاصول التي حتمت انشاءه بمساعدة اصدقائه الدوليين والعرب